ماذا تضمنت كلمة إيران وتركيا في القمة العربية الإسلامية بالرياض؟

اختتمت أمس أعمال القمة العربية الإسلامية في مدينة الرياض السعودية، التي عقدت استجابة للظروف الاستثنائية والتطورات الخطيرة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية، والتي تستوجب بالضرورة وحدة الصفين العربي والإسلامي من أجل بحث سبل الحل واحتواء تداعياتها، بحضور الرئيس التركي، والإيراني الذي يزور السعودية للمرة الأولى منذ ٢٠١٢.
على ما سبق، يحاول هذا التحليل قراءة الموقفين التركي والإيراني، باعتبارهما قوتين إقليميتين غير عربيتين، شهد موقفهما تصعيدا لافتا خلال الأسابيع الماضية.
الموقف الإيراني:
تناول البيان الإيراني التأكيد على بعض النقاط الجوهرية أو المبادئ العامة في السياسة الخارجية الإيرانية، وفي الوقت نفسه انطوى على بعض التصعيد بخصوص الحرب الراهنة تحديدا، وهو ما يمكن توضيحه في الآتي:
(*) تأكيد للموقف الإيراني: جاءت كلمة رئيسي في نفس السياق الذي تبنته إيران منذ بداية الحرب، حيث أدان الدعم العسكري الأمريكي بمليارات الدولارات لإسرائيل، والقصف الوحشي الإسرائيلي الذي يقارب سبع قنابل ذرية، كذلك استخدام القنابل الضوئية المحظورة. كما دعا إلى وقف إطلاق النار، وإنهاء الهجوم العشوائي على المدنيين، كذلك وقف الحصار على غزة وإدخال المساعدات، وضمان الممرات الإنسانية، إلى جانب الخروج الإسرائيلي من غزة.
(*) مبادئ السياسة الخارجية الإيرانية: حيث أعاد رئيسي التأكيد على السياسة الثابتة تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث أشار إلى أن ” واشنطن أراقت الدماء الإسلامية في العراق وأفغانستان “، واتهمها بأنها تفسح المجال لإسرائيل للمزيد من القتل، واعتبرها ” شريكة لها ” في جرائمها.
(*) الدعوة لفرض عقوبات: دعا الرئيس الإيراني إلى اتخاذ قرارات ” تاريخية ” بشأن ما يحدث على الأراضي الفلسطينية والاعتماد على قوة الدول الإسلامية و” ليست دول السلطانية “، وفرض عقوبات” نفطية وتجارية ” على إسرائيل. كما دعا إلى دعم الحركات الشعبية بمقاطعة البضائع الإسرائيلية.
(*) دعوة لتسليح الشعب الفلسطيني: ففي رسالة خطيرة وغير محسوبة، دعا رئيسي إلى ضرورة قيام دول العالم الإسلامي بـ ” تسليح الشعب الفلسطيني”، فإذا لم يتمكن الاجتماع من أن يسفر عن خطوة، يمكن أن يتولى الفلسطينيون الدفاع عن أنفسهم، لأن المشهد في غزة جسد ” البشاعة الإنسانية ” خلال الأسابيع الخمس الماضية. وقد يكون ذلك إشارة ضمنية إلى استبعاد تدخل إيران أو أذرعها في المنطقة في الحرب.
(*) عملية إعادة الإعمار: كما أشار إلى ضرورة تأسيس صندوق خاص بإعادة إعمار غزة بشكل عاجل، كما اقترح أيضا تسمية يوم قصف مستشفى الأهلي المعمداني بـ ” جريمة الحرب “.
واستنادا لما سبق، يمكن القول إن إيران حاولت إيجاد مساحة اختلاف مع الرؤية العربية والإسلامية، رغم أن الطرح الإيراني منذ بداية الحرب مثل شعارات أكثر منه سياسة واقعية على الأرض، لأنه لا يتوافق مع التوجهات العامة لإيجاد الحل، بل هو موجه بشكل أكبر للداخل الإيراني والأذرع الإيرانية في العراق واليمن ولبنان التي على ما يبدو أنها تشعر بحرج شديد تجاه ما يحدث في غزة.
جدير بالذكر، أنه بالتزامن مع انعقاد القمة العربية الإسلامية بالسعودية، كان هناك خطاب جديد لحسن نصر الله، وتقريبا تناولا نفس الإشارات تقريبا، فيما يتعلق بإدانة الاحتلال الإسرائيلي والدعم الغربي، ودور محور المقاومة، وغيرها.
فلا شك أن الحرب أحدثت صدمة وحالة من الإرباك في السياسات الإقليمية، هذا الإرباك يعتقد أن يخدم إيران على المستوى الجيوسياسي بعد اضطراب العلاقات التركية الإسرائيلية، وتعليق التطبيع السعودي الإيراني.
الموقف التركي:
جاءت كلمة الرئيس التركي متوازنة بعض الشيء، وأخذت نفس الاتجاه والنبرة تقريبا التي تبنتها بعض الدول العربية تحديدا، فأردوغان لم يغرد بعيدا عن السرب على خلاف الرئيس الإيراني، ولعل أبرز ما جاء في كلمته:
(&) الموقف الرسمي: تضمن إدانة لقصف إسرائيل للبني التحتية والمستشفيات والمواقع المدنية، كذلك محاولاتها فرض إجراءات “الأمر الواقع ” على القدس، وحث على ضرورة محاسبة إسرائيل على الجرائم الإنسانية، كما دعا إلى وقف إطلاق النار ” بشكل فوري ونهائي وليس مؤقتا”، مع ضرورة إدخال المساعدات. هذا إلى جانب دعوته لعقد مؤتمر للسلام من أجل إيجاد تسوية عادلة للملف.
(&) التوازن الإقليمي: في إطار سياسة التوازنات الإقليمية والتنافس، وجد أردوغان في الانتهاكات الإسرائيلية في غزة فرصة من أجل الدعوة إلى تحجيم القدرات النووية لإسرائيل، التي تجعلها متفوقة في هذا الشأن على تركيا. لذا دعا وكالة الطاقة الدولية إلى ” البحث في مسألة الأسلحة النووية التي تمتلكها إسرائيل “.
(&) مسألة التعويضات:اعتبر أردوغان أن العامل الذي يجعل إسرائيل تتصرف بلا مبالاة، هو “عدم دفعها لتعويضات بعدما تسببوا في إراقة الدماء “، حيث وصف إسرائيل بـ ” الولد المدلل غير المحاسب على تصرفاته “.
(&) مقترح الضامن الفلسطيني: أعاد أردوغان، التأكيد على مقترح الدولة الضامنة لفلسطين، واعتبره أمرا سيوفر الأمن للفلسطينيين، وأعاد طرح هذا المقترح خلال اجتماعه مع الرئيس الإيراني على هامش القمة. فإيران قد تحتاج إلى طرف إقليمي موازن في مرحلة لاحقة للانخراط بشكل ما في الملف، ويرفع الحرج السياسي عن إيران في مواجهة الغرب تحديدا في ظل العقوبات والملفات العالقة بينهما، وقد تكون تركيا _ بالإضافة إلى قطر _خيارا بالنسبة لإيران مقارنة بغيرها من القوى الإقليمية مثل مصر أو السعودية.
من الواضح أن هذه الحرب أربكت السياسة الخارجية التركية ومسار تحركاتها الخارجية خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وعلى رأسها العلاقات مع إسرائيل التي عادت مستقرة بعد سنوات من الاضطرابات، فالحرب فرضت على تركيا الموازنة بين موقفها الداعم القضية الفلسطينية وحماس من جهة وبين علاقاتها مع إسرائيل من جهة أخرى في ظل الضغوطات الداخلية.
فتركيا رغم التصعيد القوي في الموقف السياسي تجاه إسرائيل، إلا أنها لا تزال تسعى للحفاظ على مسافة آمنة قد تمكنها من لعب دور في تسوية هذه الحرب، وتهيئة الظروف من أجل إطلاق عملية سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أو على الأقل فيما يتعلق بملف الأسرى.
فالافتراض السائد أن الحرب ضغطت على تركيا التي كانت تريد مواصلة علاقاتها الجديدة بإسرائيل، مما أدى لانتكاسة في جهود المصالحة بينهما، بعد سحب السفراء وتعليق التعاون الاقتصادي. وبالتالي كلما طال أمد الحرب كلما ازدادت هذه الضغوط على الجانب التركي، حتى أن أي انهيار في الأمن الإقليمي قد يهدد المصالح الإقليمية لأنقرة أيضا، وبالتالي فإن لأنقرة مصلحة في إنهاء هذه الحرب بصورة كبيرة، وأيضا الحد من المخاطر المحتملة.
لكن، حتى الآن لم تستطع تركيا أن تلعب دورا حقيقيا في الصراع على المستوى الدولي أو الإقليمي في خضم حرب غزة، ولكن قد يكون لتركيا دور مهم في جهود التسوية فيه مرحلة لاحقة، لأن هناك ميزة مهمة تمتلكها تركيا، هي أن لديها علاقات مع إسرائيل وحماس، إلى جانب قطر اللاعب الرئيس لجهود الوساطة في ملف الإفراج عن الأسرى، بالإضافة إلى الموقف المتقارب تحديدا مع مصر وإيران وهما لاعبان رئيسيان في هذا الملف.
حتى أن إصلاح تركيا لعلاقتها مع الدول العربية، قد يساعدها على أن تكون جزء من الجهود الإقليمية لتهدئة الصراع، لأن العقد الماضي الذي شهد توترا بين تركيا وبعض العواصم العربية لم يسعف أنقرة للعب دور في الاشتباكات السابقة في غزة. وبالتالي فإن تطورات الحرب قد تعطي فرصة لأنقرة لاستعراض دبلوماسيتها على المستوى الإقليمي، خاصة مع دعوتها لعقد مؤتمر للسلام.
وختاما، يمكن القول إن البيان التركي كان متوازنا ومسايرا للتوجهات العامة في القمة، على خلاف الموقف الإيراني الذي جاء في إطار المزايدة على بقية الدول، إلا أنه لم يتعد حتى الآن مستوى التصريحات والشعارات.