تفاؤل حذر: ما هي فرص نجاح حكومة “حمدوك” الجديدة في مواجهة أزمات الداخل وتحديات الخارج؟

أعلن رئيس الوزراء السوداني “عبد الله حمدوك”، في 7 فبراير الجاري، حل الحكومة السودانية الحالية وتشكيل حكومة جديدة تضم 26 حقيبة وزارية، وفي حين تم الإعلان عن 25 من التشكيل الحكومي الجديد، تم إرجاء الإعلان عن وزارة التربية والتعليم لحين عقد المزيد من التشاور، وتأتي هذه الخطوة اتساقاً مع اتفاق السلام الموقع في جوبا في أكتوبر الماضي.
ملامح التشكيل:
جاء التشكيل الحكومي الجديد إفرازاً للتوافق السياسي والمشاورات التي أمتدت لعدة شهور، وقد شهدت هذه التشكيلة احتفاظ خمسة وزراء من الحكومة السابقة بمواقعهم؛ وهم وزير الدفاع الفريق “ياسين إبراهيم ياسين”، ووزير العدل “نصرالدين عبدالباري”، ووزير الشؤون الدينية “نصر الدين مفرح”، والري “ياسر عباس”، والتعليم العالي “انتصار صغيرون”، بينما شهد التشكيل الجديد استحداث عدد من الوزارات الجديدة أهمها وزارة الاستثمار والبترول، كما تم فصل وزارة الصناعة عن التجارة. كذلك، شهدت التشكيلة الحكومية الجديدة تعيين “جبريل إبراهيم” زعيم حركة العدل والمساواة المتمردة في دارفور وزيرا للمالية، وتعيين “مريم الصادق المهدي” من حزب الأمة وزيرة للخارجية.
ويأتي الإعلان عن الحكومة الجديدة في السودان في أعقاب خلافات واسعة بين مكونات الفترة الإنتقالية المختلفة بشأن تسمية هذه الأطراف لمرشحيها وكذلك الأمر بالنسبة لتقسيم الحقائب الوزارية، ما أدى إلى تعثر للمشاورات بين حمدوك وتحالف “قوى الحرية والتغيير” من جهة، وحمدوك وحركات الكفاح المسلح من جهة أخرى.
وقد بدأ السودان منذ أغسطس 2019 في مرحلة إنتقالية من المفترض أن تستمر لمدة 53 شهراً، يتمخض عنها عقد انتخابات برلمانية ورئاسية في مطلع عام 2024، ويقود المرحلة الإنتقالية إئتلافاً يتشكل من الجيش وقوى “إعلان الحرية وتغيير” ( التي قادت الاحتجاجات التي استطاعت اسقاط نظام البشير في أبريل 2019، وتضم كتلة نداء السودان وحزب المؤتمر السوداني والتجمع الاتحادي)، وتم الاتفاق على أن يتم تقسيم السلطة بين المكون المدني والعسكري في السودان خلال الفترة الإنتقالية، بحيث يتم البدء بتشكيل مجلس سيادي يتكون من خمسة عسكريين يختارهم المجلس العسكري وخمسة مدنيين يختاريهم قوى الحرية والتغيير، إضافة إلى عضو مدني يختاره الجانبان، ومجلس وزراء تشكله ” قوى الحرية والتغيير” وأن يقوم المجلسان (السيادي والوزراء) بالمهام التشريعية لحين تشكيل سلطة تشريعية. وفي يناير 2020، أعلن حمدوك أنه سيتم إعادة تشكيل مجلسي السيادة والوزراء وتعيين المجلس التشريعي خلال أيام، وقد كان من المقرر تشكيل الأخير في يناير 2020 وفقاً للجدول الزمني المحدد، بيد أنه لم يتم الفصل في هذا الأمر حتى الآن.
اتفاق ملزم:
نصت الوثيقة الدستورية التي تشكلت وفقاً لها حكومة حمدوك الأولي في أغسطس 2019 على حكومة كفاءات مستقلة، بيد أنه في أكتوبر 2020، وقعت الحكومة السودانية و”الجبهة الثورية” ( والتي تتشكل من حركات مسلحة) على إتفاق سلام نهائي في جوبا، ينص على مشاركة أطراف العملية السلمية في هياكل السلطة الراهنة في العملية الانتقالية، والتي تشمل ثلاثة مجالس؛ هما المجلس السيادي والمجلس الوزاري والمجلس التشريعي، ومن ثم بات الأمر يتطلب إعادة تشكيل خريطة الحصص الوزارية في الحكومة الجديدة.
وبالتالي فوفقاً لإتفاق جوبا، أضحت الجبهة الثورية تمثل بثلاثة أعضاء في المجلس السيادي، ومنحها خمس حقائب وزارية في الحكومة، فضلاً عن 25% من أعضاء المجلس التشريعي ( 75 مقعدا من اجمالي 300 مقعد)، إضافة إلى التمثيل النسبي في المفوضيات المستقلة التي من المفترض أن تنشأ. وقد تم تعيين ثلاثة ممثلين عن الجبهة الثورية في مجلس السيادة الحاكم، وذلك خلال الأسبوع الماضي.
تفاؤل حذر:
على الرغم من أهمية التوصل إلى توافقات بين الأطراف السودانية المتباينة، والتي تمخضت عن تعثرات طويلة من أجل التوصل إلى هذه التشكيلة، بيد أن ثمة مؤشرات غير إيجابية قد تمثل تحدياً أمام هذه الحكومة، لعل أبرزها ما يتعلق بحالة عدم الإنسجام الكبيرة بين عناصر هذه الحكومة، والتي تصل في بعض الأحيان حد التنافس الخفي والمحموم والذي يصعب معه حدوث تعاون وتنسيق بينها، ما يمثل عقبة كبيرة أمام إحتمالية نجاح الحكومة في تحقيق الدور المنوط بها ومواجهة التحديات الأكثر تعقيداً.
كذلك، لا يمكن استبعاد احتمالات حدوث تصدعات بين مكونات هذه الحكومة في أي وقت، بما يفضي إلى خروج أحد مكوناته، فضلاً عن انعكاس هذه التباينات الداخلية على نمط العلاقات الخارجية للحكومة ككل. أيضاً، ثمة تفاقم كبير في الأوضاع الاقتصادية الداخلية التي يعاني منها الشعب السوداني، والتي يصعب على حكومة قائمة على أساس محاصصات وترضيات أن تسهم في حلحلة هذه الإشكاليات.
وفي يوليو 2020، أجرى رئيس الوزراء السوداني تعديلاً حكومياً واسعاً، حيث غادر بموجبه سبعة وزراء من أصل 17 وزير في الحكومة الإنتقالية وقتها، وذلك على وقع الاحتجاجات التي عمت الشوارع وطالبت بتحسين الأوضاع، بيد أن هذه التغييرات الحكومية لم تنجح في إحداث التطور المنشود.
واقع مؤثر:
وفي الوقت الراهن، تواجه السودان تصاعداً في موجة الاحتجاجات الداخلية، وهو ما دفع الحكومة السودانية إلى فرض حظر التجوال في 3 ولايات عشية إعلان تشكيلة الحكومة الجديدة، وقد شهدت الأسابيع الماضية تجدد الاشتباكات القبلية التي أوقعت 250 قتيلا، وذلك بالتزامن مع انتهاء مهمة قوة الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي لحفظ السلام في دارفور والتي أستمرت 13 عاماً.
ويعاني السودان من أزمة إقتصادية متفاقمة، حيث تجاوزت معدلات التضخم 250% كما تراجعت قيمة العملة المحلية، فضلاً عن ارتفاع الديون الخارجية للسودان والتي بلغت نحو 60 مليار دولار، وقد دفعت هذه الأوضاع الاقتصادية الكثير من السودانيين إلى الخروج في احتجاجات مستمرة خلال الأسابيع الأخيرة.
لذا، فيمثل التحدي الاقتصادي أحد أبرز المعضلات التي ستواجه الحكومة السودانية الجديدة، ولعل هذا ما أشار إليه رئيس الوزراء السوداني، والذي أشار إلى تركيز الحكومة الجديدة على عملية اصلاح الاقتصاد المتدهور.
ملفات عالقة:
لكن، لن تقتصر التحديات التي ستواجهها الحكومة السودانية الجديدة على الأوضاع الاقتصادية والإجتماعية الداخلية، بيد أن ثمة ملفات خارجية ربما تصبح على أوليات الأجندة الحكومية، لعل أبرزها العلاقات السودانية مع اثيوبيا في ظل التوتر القائم على الحدود بين البلدين، والذي بلغ حد الاشتباكات المسلحة، ويبقى هذا التوتر الحدودي أحد فصول الأزمة الأكبر والتمثلة في التعنت الإثيوبي إزاء ملف سد النهضة بما لا يحفظ مصالح دول المصب.
أيضاً، يبقى ملف العلاقات مع إسرائيل أحد أبرز الملفات التي سيتعين على الحكومة الجديدة في السودان التعامل معه، فعلى الرغم من إعلان رئيس الوزراء “حمدوك” أن هذا الملف سوف يصبح مسئولية الهيئة التشريعية المرتقبة، بيد أن كافة المؤشرات ترجح أن هذا الملف سوف يبقى أحد أهم الملفات الخارجية التي ستنخرط بها الحكومة السودانية الجديدة.
اهتمام مرهون:
هناك اهتمام أمريكي وأوروبي واضح بالسودان منذ سقوط نظام البشير، وقد يدفع هذا الاهتمام إلى محاولة مساعدة الخرطوم في تجاوز أزماتها السياسية والإقتصادية الراهنة، فمن ناحية أشارت مصادر عسكرية سودانية أن سفينتين حربيتين أمريكيتين ستصلان إلى ميناء بورتسودان شرقي البلاد قريباً، وتعد هذه الزيارة هي الأولى للبحرية الأميركية إلى ميناء سوداني، وهي تأتي في أعقاب زيارة قام بها قائد القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا “أفريكوم” “أندرو يونغ” إلى الخرطوم في 26 يناير الماضي.
كذلك، أعلنت الأمم المتحدة عن تدشين شراكة مع الاتحاد الأوروبي والحكومة السودانية لمكافحة الإرهاب في السودان، وذلك تمهيداً لتعاون أوسع بين السودان والإتحاد الأوروبي في مجال مكافحة الإرهاب، خاصةً بعدما تم حذف السودان من قوائم الإرهاب في ديسمبر 2020.
وعلى الرغم من صعوبة فصل هذا الاهتمام الأمريكي والأوروبي بمساعي تحجيم الدور الروسي في المنطقة، والحيلولة دون توسيع النفوذ الروسي في القارة الإفريقية، بيد أنه في المقابل يتوقع أن يسهم هذا الاهتمام في دعم العملية الإنتقالية الراهنة في السودان، من خلال مزيد من الإمتيازات الاقتصادية والدعم السياسي، ومن ثم ربما يساعد ذلك الحكومة السودانية الجديدة في حلحلة الأزمات الداخلية الملقاة على عاتقها.
في النهاية، يمكن القول إن السودان تشهد مزيجاً من الفرص والتحديات القائمة، فمن ناحية مثلت خطوة رفع السودان من قوائم الإرهاب مدخلاً هاماً لتعزيز علاقات السودان بالسياق الإقليمي والدولي الأوسع، ومن ثم باتت هناك فرصة كبيرة أمام السودان بحلحلة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، خاصةً في ظل اهتمام واسع من قبل الفواعل الإقليمية والدولية بالخرطوم، فضلاً عن ارهاصات توجه أمريكي ودولي باتت تتبلور ربما تدفع باتجاه تعزيز فرص نجاح المرحلة الإنتقالية في السودان.
لكن في المقابل، ثمة إشكاليات أكثر تعقيداً في الداخل السوداني ترتبط بحالة الاستقطاب البارزة بين الأطراف المختلفة، وانعكاساتها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن التحديات المتعلقة بالإطار الإقليمي المحيط بالسودان والمتمثل بالأساس في التوتر الراهن مع اثيوبيا. وبالتالي، يبقى الأمر الفصل بيد النخبة السودانية الحاكمة وقدرة الحكومة الجديدة على استثمار الفرص القائمة في النسق الإقليمي والدولي الراهن لحلحلة الأزمات الداخلية بالسودان.