احتمالات واردة: هل تُحل أزمة وصول الإغاثة إلى مستحقيها بعد رفض “بايدن” تصنيف الحوثيين بالإرهابية؟
خوفاً من العواقب الإنسانية لتصنيف إدارة دونالد ترامب لجماعة الحوثي اليمنية كجماعة إرهابية متمردة في 19 يناير 2021، واستغلال تلك الجماعة ” القرار” في عرقلة وصول الإغاثة الإنسانية إلى المناطق التي يسيطرون عليها، وغيرها من المناطق التي تشهد عنفاً- جاء الرد سريعاً من الرئيس الأمريكي جو بايدن، واتخاذها إجراءات لإلغاء تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية. وتجدر الإشارة إلى أن إجراءات بايدن لإلغاء قرار سابقه لا تعنى حسن سلوك “الحوثيين” بل جاء هذا القرار وفقا لما أعلنته الخارجية الأمريكية من منطلق إنساني بحت، حيث قال بيان الخارجية الأمريكية إن “هذا القرار لا علاقة له بنظرتنا للحوثيّين وسلوكهم المستهجن، بما في ذلك الهجمات على المدنيّين وخطف مواطنين أمريكيين”.
فقد أودت الحرب في اليمن بحياة عشرات الآلاف، وشردت الملايين، وخلقت ما وصفته الأمم المتحدة بكارثة إنسانية. وقد أوضحت الأمم المتحدة، والمنظمات الإنسانية منذ إعلان ترامب بتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية أنه قد يجعل من أزمة اليمن بأسوأ أزمة إنسانية في العالم. لذا شدد بايدن على أن الحرب في اليمن يجب أن تنتهي، وأعلن عن إنهاء كل الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية، بما في ذلك مبيعات الأسلحة.
انعكاس سريع:
رحب الحوثيون بقرار إدارة الرئيس الأمريكي بايدن، معتبرين أنه قد يكون خطوة نحو إنهاء النزاع المستمر منذ سنوات. وفي فك الحصار وإيقاف الحرب الدائرة في البلاد. فقد أكد مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك أمام مجلس الأمن أن “على واشنطن أن تلغي قرارها بتصنيف المتمردين الحوثيين جماعة إرهابية”، تحت طائلة حصول مجاعة غير مسبوقة في اليمن منذ نحو أربعين عاما، حيث التوقعات للعام 2021 تظهر أن 16 مليون شخص سيعانون الجوع. وهي المرة الأولى التي تبادر فيها الأمم المتحدة التي تتجنب عادة انتقاد الولايات المتحدة، أول مساهم مالي في المنظمة، إلى اتخاذ موقف بهذا الوضوح من الإدارة الأمريكية المنتهية ولايتها. كما أن القرار الأمريكي سيساعد الحوثيين على تحقيق طموحات الحركة في بناء التحالفات الدولية وانتزاع الشرعية، كما يزيد من قدرتها على تسويق نفسها ومن التعامل مع شركائها لكسب التعاطف على الصعيد الدولي.
حركة الإغاثة ومسارات المرور:
تصنف الأمم المتحدة اليمن بأنه أكبر أزمة إنسانية في العالم حيث يواجه 80 % من سكان اليمن البالغ عددهم 29 مليونا بحاجة إلى إغاثة ويعتمدون على المساعدات الإنسانية، وأكثر من ثلاثة ملايين شخص شردوا عن أماكن سكناهم. وعلى الرغم من أن إدارة ترامب استثنت جماعات الإغاثة والأمم المتحدة والصليب الأحمر، وتصدير السلع الزراعية والأدوية والأجهزة الطبية من تصنيفها، لكن مسؤولي الأمم المتحدة وجماعات الإغاثة قالوا إن هذه الاستثناءات غير كافية ودعوا إلى إلغاء هذا القرار. مؤكدة أنه سيعيق الجهد الإغاثي الإنساني في البلد الذي يعيش أوضاعا سيئة بسبب الحرب. فالقرار الأمريكي لو لم يتم إلغاءه قد يمنع إيصال المساعدة الإنسانية عبر قطع التواصل مع المسؤولين الحوثيين، إضافة إلى جباية الضرائب واستخدام النظام المصرفي وسداد رواتب الطواقم الطبية وشراء المواد الغذائية والنفط.
وعلى صعيد آخر، صرح المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إن “المنظمة رحبت بالخطوة الأمريكية بإلغاء القرار لأنها ستوفر إغاثة ضخمة لملايين اليمنيين الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانية والواردات التجارية لتلبية احتياجاتهم الأساسية من أجل البقاء”. وحذرت جماعات الإغاثة من أن عدم إلغاء القرار سيدفع الملايين في اليمن إلى مجاعة واسعة النطاق. وبناء عليه، أعلنت منظمات الإغاثة الإنسانية إنه لا خيار أمامها سوى التعامل مع الحوثيين الذين يشكلون حكومة الأمر الواقع في معظم أجزاء اليمن.
التأثير على مستقبل الصراع:
قد يغيّر التصنيف الجديد وقرار إلغاءه ميزان القوى في الصراع، ففي ظل تصريح المتحدث باسم الحركة الحوثية لوكالة فرانس برس إنهم “متفائلون بحذر” .. وحذر قائلا “إن صواريخنا لن تتوقف حتى التوصل إلى وقف لإطلاق النار فهناك من بدأوا الحرب، وعليهم إنهاؤها”، فقد يطيل أمد الصراع. فالحوثيين رغم معاناتهم من التصنيف، إلّا أنهم سيستخدمونه لأغراض دعائية، خصوصا للتداعيات الإنسانية المنتظرة. إضافة إلي أن الأمم المتحدة تعدّ من أكبر الخاسرين من القرار الأمريكي، نظرا للوساطة التي تقوم بها في اليمن والمفاوضات التي تشرف عليها بين طرفي الحرب اليمنية، وهما حكومة عبد ربه المعترف بها دوليا وجماعة الحوثي المسيطرة على العاصمة صنعاء.
وعلى الرغم من أن المملكة العربية السعودية لم تعترض على إلغاء القرار من جهة الرئيس بايدن وأعلنت الالتزام بحل سياسي، ورحبت بالتزام الرئيس بايدن بالتعاون مع المملكة في الدفاع عن سيادتها ومواجهة التهديدات التي تواجهها؛ إلا أنه قد يلجأ الحوثيين إلى إيران مع ما يعتري ذلك من خطر ازدياد الهجمات على المنشآت السعودية. فالصراع السعودي الخليجي الأميركي مع إيران، سيظل مؤشر يستبعد احتمال التوصل إلى حلول جدية قريبة تنهي الحرب في اليمن. فالصراع القائم في اليمن والعمليات العسكرية والمبادرات الديبلوماسية الجارية ليست تعبيرًا عن صراع داخلي مستقل قائمًا بذاته، هي خليط غير متوازن من الحرب الأهلية والإقليمية والتدخلات الدولية. فمن المرجح أن يؤدى انتهاء إجراءات إلغاء قرار الولايات المتحدة الأمريكية بإدراج الحوثيين في قائمة الإرهاب بمستقبل مستقبل الصراع، إلى الاتجاه نحو تسوية سياسية أو هدنة شاملة أو جزئية تخفف من حدته.
في النهاية، يمكن القول إن قرار “بايدن” بالبدء في إجراءات إلغاء اعتبار الحوثيين جماعة إرهابية، بقدر ما يُمثل تحديا لإدارة بايدن، بقدر ما قد تستخدمه واشنطن في مساومة الحوثيين مستقبلا، ففي حال حذف إدارة بايدن اسم الجماعة من قائمة الإرهاب، ستقدم الجماعة تنازلات كبيرة لإنهاء الحرب. باختصار إدارة ترامب تركت لإدارة بايدن تحديا فيه امتياز سياسي. كما أن الصراع في اليمن يُمثل وجهًا من وجوه صراع مركب متعدد الأطراف، تتداخل فيه مصالح إيرانية وأميركية وسعودية وغيرها، كما تتداخل فيه عوامل طائفية وثقافية وسياسية من جانب آخر.