حزمة مؤثرة: كيف دعمت الدولة الصناعة المصرية من 2014؟

كتب اللقاء- أحمد خالد

نظّم مركز “رع للدراسات الاستراتيجية، بالقاهرة، بتاريخ 7 نوفمبر 2023، جلسة استماع بعنوان “10 سنوات فاصلة: كيف دعم الرئيس السيسي قطاع الصناعة المصري؟”. واستضاف المركز السيد المهندس “هيمن عبدالله”، أمين مساعد أمانة الصناعة والتجارة باللجنة المركزية بحزب مستقبل وطن (كمتحدث رئيسي في الجلسة)، كما شارك في الجلسة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور أبو الفضل الإسناوي المدير الأكاديمي لمركز رع، والأستاذ ضياء نوح المنسق الأكاديمي، والأستاذة رضوى محمد الخبيرة الاقتصادية ورئيس برنامج السياسات العامة، والأستاذة وردة عبدالرازق رئيس برنامج الدراسات الأوروبية، والأستاذة سارة أمين رئيس برنامج دراسات الخليج العربي، والأستاذة عبير مجدي رئيس برنامج الدراسات الإفريقية، والأستاذة نادين مطر الباحثة بوحدة دراسات الأمن الإقليمي، والأستاذة حبيبة عبدالسلام الباحثة في وحدة الدراسات الدولية، والأستاذ على جمال أبوعليو الباحث بالمركز.

10 سنوات من الدعم:

في البداية، قال المهندس “هيمن عبدالله”، إن الصناعة المصرية على الرغم من بعض التحديات التي تواجهها، إلا أنها لا تزال هي الأمل الوحيد، وهي ركيزة أساسية للنهوض بالاقتصاد المصري، وقد اتضحت أهمية هذا المجال الاستراتيجي بشكل أكبر مع ظهور جائحة كورونا، وفي ظل الأزمة الروسية الأوكرانية، مشيرًا إلى أنه لولا تطور مستوى الصناعة في مصر بالصورة التي هي عليها الآن، لكانت الدولة قد واجهت الكثير من المشاكل، حيث دعمت الدولة القطاعات الصناعية على تخطي الكثير من الأزمات، ولكن المرحلة القادمة تتطلب (طفرة) في مجال الصناعة، حتى نصل إلى المستوى المطلوب فعليًا، فهدف الدولة وفقًا لتأكيد الرئيس السيسي في الدورة الثانية من الملتقي والمعرض الدولي للصناعة، الوصول “100 مليار دولار” صادرات إلى إفريقيا، وهو ما لا يمكن تحقيقه، إلا بالتقدم في مجال التصنيع، كوسيلة رئيسية للدخول إلى السوق الإفريقي.

وأضاف “الأمين المساعد لشئون الصناعة والتجارة بحزب مستقبل وطن” أن الصناعة المصرية تستحق وضع أفضل مما هي عليه الآن، حيث بذلت القيادة السياسية والحكومة جهودًا كبيرة في تطوير البنى التحتية والموانئ، مما يعزز سلسلة القيمة الصناعية، توفر بصورة أساسية احتياجات المواطنين بأسعار أقل، وزيادة الصادرات. وأكد “عبدالله” أن الدولة المصرية، تستهدف في هذه الفترة جذب المزيد من المستثمرين في مجال الصناعة سواء من القطاع المحلي أو الأجنبي، والبناء على ما تم خلال العشر سنوات الماضية، فمصر قادرة وتستطيع أن تكون في صفوف الدول الصناعية العظمى بالعمل ثم العمل، والتسهيل والتيسير من قبل الحكومة، وبذل الجهد من قبل الصناع الوطنيين.

وقال “عبدالله”، إن الصناعة المصرية بدأت في عملية جادة تستهدف زيادة الصادرات وتقليل الفاتورة الاستيرادية من المكون الصناعي. وانطلاقًا من تخصصه وخبراته في مجال الصناعات المعدنية، أشار إلى أن الصناعة في مصر تحتاج إلى التكاملية التي تكون مبنية على توفير الصناعات المغذية للصناعات الكبيرة، وكذلك تنشيط الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وربطها بالكيانات العملاقة حتى لا يعتمد الصانع المصري على الاستيراد في كثير من مدخلات الإنتاج والسلع الوسيطة، بل بالعكس يشجع صغار المصنعين على أن يكونوا روافدًا لتنمية المكون المحلي في الصناعة، وتصبح الصناعة في شكل تكاملي حلقي، يخلق مجمعات صناعية ضخمة، تستطيع إحداث نقلة نوعية واقتصادية كبيرة، وتوفير المزيد من فرص العمل، وخلق أفكار جديدة لشباب الصناع.

تحركات جادة:

وفي سؤال طرحته الندوة على المنهدس “هيمن عبدالله” حول “كيفية ارتباط مجال الصناعة بالقطاع الخاص”،  عقب “هيمن” على ذلك بضرورة وضع الصناعة في مصر كأولوية على أجندة الدولة المصرية، لأسباب عديدة من بينها، أنه على مستوى الدولة يعمل 15% من العاملين في مجال الصناعة اليوم، وأن العائد من مجال الصناعة يمثل حوالي 17% من الدخل القومي للدولة، بالإضافة إلى توافر ما يزيد عن 40 ألف منشأة صناعية.

وأكد “عبدالله” في إجابته عن السؤال المطروح على أن هناك فرصة حقيقية يمكن للدولة اغتنامها للدخول إلى السوق الإفريقي من خلال منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية التي فُعلت العام الماضي، لكن لا يزال أمامنا الكثير لتحقيق ذلك الهدف، فتتطلب رؤية شاملة وسياسات حازمة ومشاركة بين القطاع الخاص والدولة، بالتالي فإن القطاع الخاص يجب أن يكون طرف أساسي في أي قرار تتخذه الحكومة، خاصًة فيما يتعلق بالصناعة، سواء عن طريق لجنة الصناعة في مجلس النواب أو الشيوخ أو اتحاد الصناعات.

وفى إجابته عن سؤال أخر، طرحه أحد الحضور، وهو “ما الذي يعيق وصول الصناعة المصرية إلى العالمية؟، قال المهندس هيمن عبدالله، إن ما يحكم ذلك عامل الوقت، كما أكد على امتلاك مصر لقدرات هامة مبشرة للصناعة، أهمها: الموقع الجغرافي، ومحور “قناة السويس”، والمواد الخام التي تمتلكها الدولة، كهبة من الله عز وجل، فمساحة مصر واسعة وغير مُستغلة.

وأكد المنهدس “عبدالله” أن الوصول لمستوى متقدم في الصناعة، يتطلب من الدولة وضع خطة شاملة في الوقت الحالي في هذا الشأن، بهدف التحول لأحد أكبر الدول المصنعة في المنطقة، مشيرًا إلى ضرورة توفير خريطة صناعية لدى الدولة، تضعها كل الوزارات مجتمعين معًا، عبر دراسة للسوق المصري والسوق العالمي، بما يوفر المعلومات للمستثمر حول الطلب والعرض في الأسواق، وهل منتجه -أيًا كان هذا المنتج- سيمتلك مزايا تنافسية تدعمه أمام المُستورد، لمساعدة المستثمر وزيادة ثقته ورغبته في الاستثمار، وهذه الخريطة غير متوافرة حاليًا.

وأضاف ” الأمين المساعد بأمانة الصناعة والتجارة باللجنة المركزية بحزب مستقبل وطن” أن التحدي يكمن في القدرة على تعظيم المتاح والاستفادة الأمثل منه، فإذا كانت الدولة غير منتجة للطاقة، فليس المطلوب أن تدعم الطاقة، ولكن يمكن الاستفادة من الأراضي الصحراوية بتكلفة المرافق، والتقسيط بدون فوائد، أو فرض رسوم بسيطة للمحاجر، للتمكن من منافسة دول أخرى تدعم الطاقة، كما يمكن الإعفاء من ضريبة الأرباح التجارية لمدة 5 سنوات، وخصوصًا أن هذا الأمر لا يضر بموازنة الدولة. واستكمل “عبدالله” إجابته عن السؤال المتعلق بكيفية وصول الصناعة المصرية إلى مستوى متقدم، قائلًا إنه من الضروري توفير قانون صناعة مُوحد، باعتباره، يمثل نقطة انطلاق مؤثرة في هذا الصدد.

وقال المهندس “عبدالله” في إجابته عن سؤال متعلق بمدى تسهيل التشريعات والقوانين المتعلقة بالصناعة لزيادة الفرص الاستثمارية في هذا المجال، إنه لا يجب إصدار قرارات وزارية متناقضة مع المطلوب، فهذه القرارات على الرغم من أنها قد تستهدف حل أزمات وقتية، فإنها تؤثر على مشكلات أخرى بشكل سلبي، مؤكدًا أنه يجب الحد من هذه القرارات وأن يتم عرضها على البرلمان أو حتى اتحاد المصنعين، لتوحيد قانون الصناعة، فتعدد الولايات على المصالح والجهات هي جذر المشكلة.

واستكمل “هيمن” قائلًا إنه يجب توافر نوع من أنواع التنسيق، وأن الدولة المصرية حققت الجانب الأصعب للنهوض بالصناعة، وإذا تم وضع إستراتيجية محكمة، ستصبح مصر على أفضل ما يمكن، ويجب الاعتماد في ذلك على المواد مع احترام الإرادات، والتفكير في هذا الإطار بحلول خارج الصندوق.

وفي إجابته عن سؤال طرحة أحد الباحثين، متعلق بأولويات وأشكال الدعم المطلوب للصناعة، قال ” عبدالله”، إنه من أهم متطلبات الصناعة توافر فكرة “التنافسية”، فهناك الكثير من السلع التي يتم إنتاجها في مصر لا نجد أنها تصل إلى درجة تسمح بـ “التنافسية” مع دول أخرى، لذلك يجب زيادة المكون المصري داخل الصناعة بما يسمح بالمنافسة، فعندما يغطي المكون المصري 80% أو على الأقل 60% بعملية الإنتاج، سيتحقق ذلك الأمر، وعلى سبيل المثال في مجال “صناعة الأدوية”، أن مصر لا تنتج المادة الفعالة حتى الآن، لتأخر بحوث التطوير في مصر وهو ما يلقي الضوء على أهمية “البحث العلمي” في ذلك الإطار.

كما استكمل “عبدالله” أنه يجب الاهتمام أيضًا بجودة المنتج المصري بدرجة عالية جدًا، مما يلزم تطور الفكر الصناعي والتعليم الصناعي في مصر، وتوفير الخبرة والأساسيات لدى الطلبة الشباب في مجال الصناعة وتدريبهم بشكل عملي أكبر.

وفي نهاية اللقاء أكد المهندس هيمن عبدالله، أنه يجب العمل على “إحلال الواردات”، بتحديد الواردات وصناعتها على أساس الموارد المتوافرة في مصر، ولكن لتحقيق ذلك يتطلب الأمر تنسيق وتعاون بين مختلف الفاعلين والوزارات المختصة، لإيجاد حلول للتوصل إلى صناعة جزء أو معظم المنتجات التي يتم استيرادها من الخارج إذا توافرت الآلية لذلك، وضرورة وضع استراتيجية خلال الخمس سنوات القادمة، بتحويل جزء من استهلاك الغاز (على الأقل 40%) إلى الصناعة. وكذلك مواصلة العمل على زيادة المجمعات الصناعية في مصر بقدر الإمكان، بما يساعد الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وخلق فرص جيدة للشباب، وقد أنشأت الدولة في عهد الرئيس السيسي 17 مجمعًا صناعيًا جديدًا.

ومن المهم كذلك تمويل هذه الصناعات وتوفير الأرض بتكلفة المرافق بصورة خاصة للمستثمر المصنع الجاد، والتأكد من نية المستثمر أنه لا يهدف لبيع الأرض فيما بعد. كما يتطلب توفير المواد الخام للمستثمر بسعر غير مغالى فيه، هذا بالإضافة إلى الإعفاء من الضريبة العقارية وضريبة الأرباح التجارية، أو حساب ضريبة عقارية تُعمم على الكل دون إعفاءات لأحد مع تنزيل قيمتها، والإعفاء عن ضريبة الأرباح خمس سنوات، وإعطاء وضع أولوية للصناعة المحلية في المواد الخام التي يتم تصديرها للخارج، وتأجيل الصناعات التي نستورد المواد الخام لها.

واختتم “هيمن عبدالله” حديثه قائلًا، يجب على الحكومة والصناع والمستثمرين تنفيذ ما أشار الرئيس عبد الفتاح السيسي إليه، في الملتقي والمعرض السنوي للصناعة في دورته الثانية بنهاية أكتوبر الماضي، وهو ضرورة تسويق جميع المناطق الصناعية خارج مدينة العاشر من رمضان، والبعيدة عن القاهرة، والتركيز على الصناعات التي تغطي احتياجات السوق المحلي، والتنسيق بين الحكومة والوزارات المعنية لتحديد الأراضي ومعرفة المتاح منها وإعادة تخصيصها – طبقًا للقواعد والشروط – للمستثمرين الراغبين في إنشاء المصانع الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى إعادة دعم المجلس التصديري أو المجلس الأعلى للصناعات بالخبرات التكنولوجية بدلًا من الموظف التقليدي.

وذكر المهندس هيمن عبدالله، أن الإنجازات التي تحققت خلال العشر سنوات الماضية في قطاع الصناعة، ستساعد في جذب مزيد من المستثمرين الدوليين في قطاع الصناعة، رغم اضطرابات بعض الأسواق العالمية، وتخوف المستثمرين من مخاطر السوق، مطالبًا بضرورة تطبيق فكرة الشباك الواحد للضرائب، مشيرًا إلى أن تطبيق منظومة “الرخصة الذهبية” حلت كثير من مشاكل تأسيس المؤسسات التي تعمل في مجال الصناعة والاستثمار الزراعي. كما أشار لأهمية خلق نموذج من العمالة الفنية الماهرة على غرار دول أوروبا، وهنا أشاد “هيمن” بالمدارس الفنية الملحقة على المؤسسات الصناعية الخاصة كمدارس توشيبا العربي وغبور وأكاديمية السويدي، مطالبًا في الوقت ذاته بالتوسع في هذا النموذج من التعلم بمشاركة القطاعين العام والخاص.

وفي النهاية، أكد “عبد الله” في إجابته عن سؤال حول تأثير فكرة المقاطعة التي يطبقها بعض المصريين في الوقت الراهن على قطاع الصناعة والسوق المصري، على أن المقاطعة ضررها أكثر من نفعها، باعتبارها تأثر سلبًا على سوق العمل وفرص الاستثمار والأسواق العالمية أمام الصناعة المصرية، خاصة وأنه قد تلجأ بعض الدول صاحبة العلامات الصناعية الكبيرة أن تطبقها بالمثل.

______________________________________________________

تفاصيل اللقاء ينشر كاملًا قريبًا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى