الدولة الثيوقراطية: لماذا تتسع ظاهرة استخدام إيران للمخدرات؟

استكمالاً للأزمات التي تواجه الحكومة الإيرانية، ووفقاً لتقرير مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة، الصادر في يونيو الماضي، فقد احتلت إيران المرتبة التاسعة عالمياً في قائمة أكثر الدول استهلاكاً للمواد المخدرة، وذلك على الرغم من استخدام السلطات الإيرانية سياسة الإعدام لمكافحة الاتجار بالمخدرات على مدى العقود الماضية، وتشدديها على نجاح إجراءاتها في هذا المجال، حيث تزايد أعداد مدمني المخدرات بشكل ملحوظ داخل إيران، حيث أن قرابة 4 آلاف شخصاً يموتون سنوياً بسبب الإدمان في البلاد، هذا وفق وكالة “جوان” الإيرانية، فقد بلغ نسبة إدمان 5 % من سكان إيران للمخدرات، البالغ إجمالي عددهم 80 مليون نسمة، الأمر الذي يعكس فشل السياسات الحكومية بهذا الصدد، أي نحو مليونين و800 ألف شخص يتعاطون المواد المخدرة المختلفة بصورة دورية، ومع ذلك فإن الإحصاءات الرسمية التي يعلنها المسؤولون في الحكومة الإيرانية لا يمكن التحقق منها بأي حال ولا يمكن اعتبارها صحيحة ونهائية، ويرجح الخبراء أن حوالي 4 ملايين إيراني على الأقل يتعاطون المخدرات إما بصورة عارضة أو متقطعة أو أنه إدمان دائم، لكن متخصصين يؤكدون أن الأرقام الحقيقية لنسب المدمنين تتجاوز بكثير تلك المعلن عنه حكومياً، في حين تسجل النساء الإيرانيات المدمنات نسبة 10%.

الأكثر تأثراً:

تتصدر طهران قائمة أعلى الأقاليم الإيرانية تضرراً من إدمان المواد المخدرة في حين فقد قرابة 1443 إيرانياً أرواحهم بسبب تعاطي المخدرات، حيث سجلت محافظات طهران، وفارس، وخراسان، ورضوي، أعلى نسبة في الوفيات الناجمة عن تعاطي المخدرات، في حين سجلت أدنى حالات وفاة في محافظات هرمزجان، وإيلام، وبوشهر على الترتيب، حسب بيانات رسمية، وجاء الأفيون في صدارة المخدرات الأكثر انتشاراً على المستوى الشعبي في إيران بنسبة 57 %، يليه مخدر الحشيش في المركز الثاني من حيث الانتشار بنسبة 12 %، وحل مخدر الشيشة أو الكريستال (مادة مصنعة من الآمفتامين) ثالثاً بنسبة 8%، ثم الهيروين أغلى المخدرات ثمناً بنسبة 7 %، ووصل الإدمان بشكل عام (يشمل المخدرات والنرجيلة والسجائر والكحوليات) إلى الفئة العمرية أقل من 15 عاماً، في حين احتل الأفيون صدارة المخدرات الأكثر انتشاراً على المستوى الشعبي بنسبة 57 %، وبحسب أرقام جديدة رصدتها منظمة الطب الشرعي الإيراني (رسمية) تصل الوفيات أكثر من 23% في الفترة الأخيرة مما يشكل ارتفاع معدلات الوفيات، ويرجع ذلك إلى إحلال المواد الصناعية (تصنف كأكثر خطورة) كبديل للمخدرات المتعارف عليها في البلاد، حيث هناك تغييراً ملحوظاً في أنماط تعاطي المواد المخدرة، وفقاً لمؤسسة مكافحة المخدرات الإيرانية.

مصادر للإنقاذ: 

تواجه إيران العقوبات المفروضة عليها دولياً، بالتجارة السوداء، كما يقف النظام الإيراني بشكل رسمي على تجارة المخدرات على المستوى الدولي، إذ ينفذ هذا المشروع الركن الأقوى في الدولة والمعروف بالحرس الثوري الإيراني، الذي يقف وراء انتشار المخدرات في عديد من دول الجوار وعلى رأسها العراق ودول الخليج، إذ أن إيران تحولت إلى عاصمة ومركز للتهريب على مستوى العالم فهي تربط بين مزارع الإنتاج في أفغانستان، وأسواق الاستهلاك في الدول الأخرى، مستغلة دول الجوار في عمليات التهريب، خاصة أذربيجان والعراق ودول الخليج العربي.

إغراق المنطقة:

لا تتوقف إيران عن محاولاتها إغراق الدول العربية بالمخدرات سواء من خلال بوابة التهريب أو التجارة، حيث يغض النظام الإيراني الطرف عن هذه الظاهرة متخذاً إياها كسلاح لإلحاق الضرر بهذه الدول، ويعد تهريب المخدرات “المنظم” إلى داخل العراق بدأ مع التدخل الإيراني عبر الميليشيات وعصابات المخدرات والجريمة المنظمة برعاية جهاز (المخابرات الدولي الإيراني ومخابرات الحرس الثوري وفيلق القدس)، كما أن أكثر من 35% من المخدرات المنتجة في أفغانستان، يمر من إيران باتجاه الدول الأخرى، إذ تعد إيران الطريق المثالية لعصابات الاتجار بالمخدرات، كما تشهد إيران استثماراً واسعاً من قبل العصابات المهربة للمخدرات في إنتاج المخدرات الصناعية وتهريبهًا وتوزيعها في المناطق الأخرى، وتنتشر في إيران أنواع مخدرات عدة تصدرها إلى جانب المخدرات الأفغانية منها: (الميثامفيتامين، والأفيون، والهيروين، والحشيش، والأمفيتامينات وهى أقوى مدمر للجهاز العصبي)، وهناك أنواع من المخدرات الصناعية تروج لها مافيا الحرس الوطني للمخدرات كدواء لجميع أنواع الأمراض، مثل: (التوتر، والاضطراب النفسي، والسمنة، ونحافة الجسم، وتحسين البشرة على حد سواء).

وتسيطر قوات الحرس الثوري على الحدود الشرقية للبلاد مع باكستان وأفغانستان، على الرغم أنها من صلاحيات حرس الحدود، وهو ما يثير الشكوك حول علاقته بعصابات تهريب المخدرات ومسارات مرورها إلى الدول الأخرى، وفي 2011 نقلاً عن “سجاد حق بناه” العضو السابق في مخابرات الحرس الثوري، أن الحرس الثوري متورط في تهريب المخدرات وتوزيعها في منطقة الشرق الأوسط، وكان الكونجرس الأمريكي قد كشف في تقرير له صدر في 2012، عن علاقة إيران و”حزب الله” بعصابات تهريب المخدرات في المكسيك.

فيما كشفت تقارير إخبارية عن كشف عمليات تهريب يقوم بها الحرس الثوري الإيراني مستخدمًا مطار النجف لنقل المخدرات من إيران إلى العراق، ومن ثم تهريبها إلى دول الخليج العربي، ولا سيما الكويت والمملكة العربية السعودية، ولغرض تمويل بعض أنشطته الاستخبارية والتجسسية، واستخدام مطار النجف يعود إلى أن الطائرات المدنية التابعة للحرس الثوري لا يتم تفتيشها من قبل القائمين على أمن المطار؛ لذا تسهل عمليات التهريب إلى دول الخليج عبر هذا المنفذ وعبر المنافذ الأخرى.

كما نشر موقع “ويكيليكس” في 2016 برقية سرية بتاريخ 12 يونيو 2009، صدرت عن السفارة الأمريكية في باكو، تشير إلى أن كميات الهيروين التي مصدرها إيران، المصدرة إلى أذربيجان، ارتفعت من 20 ألف كيلو جرام في 2006، إلى 59 ألفاً في الربع الأول من 2009 وحده، وأكدت البرقية التي تستند إلى تقارير سرية لمحققي الأمم المتحدة المكلفين بالملف، أن أذربيجان من الطرق الرئيسة لتصدير الهيروين نحو أوروبا والغرب.

ونقلت هذه البرقية عن دبلوماسيين أميركيين قولهم “إن إيران تعد من أكبر مهربي المخدرات في العالم، فهي أكبر مشتري للأفيون الأفغاني، وأحد أكبر منتجي الهيروين في العالم”، وأضافوا أن “95 % من الهيروين في أذربيجان تأتي من إيران”، في حين تصدر الكمية نفسها من أذربيجان إلى السوق الأوروبية، كما أن الرئيس الإيراني السابق “محمود أحمدي نجاد” قد لمح إلى تورط الحرس الثوري في السيطرة على السوق السوداء وتهريب السلع والمخدرات عندما وصفهم في إحدى خطبه بـ «إخوتنا المهربين».

الداعمون لإيران: 

تزعم إيران زيادة نسبة المخدرات التي تدخل إليها بدعم من الولايات المتحدة ودول الناتو وبتهديدات سابقة وجهها الرئيس حسن روحاني، للدول الأوروبية مفادها أن “العقوبات على إيران ستضر بقدرتها على مكافحة المخدرات والإرهاب”، وأن “تهريب المخدرات يمثل تحدياً كبيراً أمام إيران إذ تقع على الحدود مع أفغانستان، أكبر منتج للأفيون في العالم، وكذلك مع باكستان التي تعد دولة رئيسية تمر من خلالها المخدرات”، كما الجمهورية الإيرانية تتهم أميركا ودول الناتو بأنهم يعملون على تسهيل إدخال المخدرات إلى البلاد، والهدف من ذلك “تفتيت المجتمع”، حسب تعبير قائد شرطة طهران العميد “حسين رحيمي” في حديث على هامش الملتقى الثاني لمسؤولي مكافحة المخدرات في سبتمبر2020، وأوضح رحيمي أنه “منذ قرابة العقدين تنتشر القوات الأميركية ودول الناتو في أفغانستان، وخلال هذه السنوات، تضاعف حجم إنتاج المخدرات في هذا البلد أكثر من 10 الى 15 مرة”، كما أشار إلى أن “أكثر من 70% من المخدرات المنتجة في أفغانستان يتم تهريبها عبر الأراضي الإيرانية”، كما كشف رئيس السلطة القضائية “إبراهيم رئيسي” حول مكافحة المخدرات عن وجود معلومات سرية بأيدي إيران تظهر أن “الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية تدعم تجارة المخدرات في البلاد”، متهماً المهربين بأنهم يتحركون على الحدود تحت مظلة الأساطيل الأميركية، على حد قوله.

وتأسيساً على ما سبق تبدو معضلة انتشار المخدرات ومكافحتها في إيران شديدة التعقيد، وهنا تتقاطع مجموعة من أسباب زيادة انتشار المخدرات في الداخل الإيراني، من دون التغاضي عن إمكانية أن تكون تداعيات هذه الأزمة جزءًا من مفاوضات إيران الاقليمية والدولية، في ظل الاعتقاد السائد لدى مسؤولين إيرانيين رفيعين، بأن انتشار المخدرات المهربة عبر الحدود هو جزء من الحرب ضد إيران، فضلاً عن إشكالية تصديرها إلى دول المنطقة “كتجارة سوداء” لإنقاذ اقتصادها المنهار نتيجة العقوبات المفروضة عليها.

 

 

د.سهرة القاسم

خبير مشارك في شئون الأمن الإقليمي. حاصلة على الدكتوراه في تخصص أثر التنافس التركي الإيراني على الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى