كيف توظف الجماعات المتطرفة الحرب على غزة؟

كشف العديد من المراقبين عن انتعاش النشاط التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الجماعات المتطرفة في بعض تمركزاتها بدول العالم، وذلك توظيفاً لأزمة غزة. وعلى الرغم من حدوث تراجع واضح في الحراك التنظيمي للجماعة خلال الفترة الأخيرة بفعل تغير اتجاهات السياسة الخارجية في المنطقة، إلا أنه تلاحظ استغلالها مساحة التحرك التي سُمح لها بها في الخارج، تحت وطئت التأثر النفسي للحكومات والشعوب بأحداث غزة المأساوية، عن طريق تنظيم فعاليات ومؤتمرات وندوات وتجمعات، تدعوا من خلالها الجماعة إلى الجهاد بالنفس والمال والكلمة.

فقد أكد المشاركون في تلك الفعاليات فرضية الجهاد على كل مسلم، مما قد ينتج عنه ارتفاع معدلات التجنيد في الجماعات الجهادية في تلك الفترة بفعل شحن المشاعر، خاصة في ظل تكرار عرض المشاهد الإنسانية المأساوية في غزة، كما أنه من المحتمل أن تؤدي الاستجابة إلى دعوة الجهاد بالمال إلى تزايد حصيلة التبرعات التي ستكون تحت أيدي جماعة الإخوان، بالإضافة إلى أن الجهاد بالكلمة من مخرجاته أن كثفت الجماعة جرعة التحريض ضد الحكومات والأنظمة العربية خاصة مصر توظيفاً للأحداث.

بناء على ما تقدم؛ يبقى السؤال: ما المآلات المترتبة على استعادة الجماعات الإرهابية، خاصة الإخوان المسلمين لنشاطها التنظيمي؟، وما تداعيات تدين الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من قبل الجماعة وغيرها؟، وما تأثير التحريض الإخواني على الشعوب وعلى أتباعهم؟

شعارات مؤثرة:

رفعت جماعة الإخوان المسلمين شعارات دينية واستخدمت الأناشيد الإخوانية التي تحث على الجهاد ودعت إلى الجهاد سواء في لقاءات مباشرة متمثلة في مؤتمرات وفعاليات أو من عبر فضائياتها، التي استضافت منذ الـ 7 من أكتوبر شخصيات تابعة لتنظيمات إرهابية أخرى. وعليه، يبقى السؤال، وهو: ماذا تعنى الجماعة من الدعوة للجهاد في هذا التوقيت وما آلية تنفيذه؟، هل تخاطب الجماعة حكومات الدول العربية، أم تخاطب أتباعها والشعوب؟

قراءة وتحليل الرسائل الإعلامية لجماعة الإخوان وتحليل خطابها عبر صفحاتها الإلكترونية، يشير إلى أنها تدعوا أتباعها، وغيرهم من التنظيمات الأخرى، بالإضافة إلى استغلال تعاطف الشعوب، وذلك بهدف تحقيق أغراض متنوعة، منها الثأر من حكومات الدول العربية، التي صنفتها جماعة إرهابية، سواء مصر والإمارات والسعودية. الخطير، هو أن جماعة الإخوان تحول أن تحقق هدفين في وقت واحد، هما: الأول، محاولة تحسين صورتها أمام شعوب العالم التي فقدتها منذ عام 2013. أما الثاني، فيتمثل في استغلال انشغال الحكومات العربية بأزمة غزة وسماحها بالتظاهر ضد جيش الاحتلال، وقيامها بإعادة ترميم هيكلها التنظيمي، خاصة من الشباب الجدد، فالجامعة تسعى بقوة إلى تجنيد عدد كبير من الشباب الثائر ضد إسرائيل. فالملاحظ وفقا لتحليل ما تنشره المواقع الإلكترونية التابعة لجماعة الإخوان، أنها، تسعى من خلال الدعوة للجهاد إلى تقليب الرأي العام ضد الأنظمة العربية باستخدام عبارات (التخاذل، الصهاينة العرب، الأنظمة العميلة)، وقد صرحت بعض الأصوات الإخوانية الأيام الماضية إلى أن الجهاد ضد الحكام العرب – العدو القريب وفق أدبيات الجماعة قبل الجهاد ضد إسرائيل العدو البعيد.

توضيحا لما سبق، يمكن القول إن جماعة الإخوان وأخواتها، تحاول استغلال أزمة فلسطين في الترويج لفكرها والتمجيد في قادتها، فقد تحدث المتحدث الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين في إسطنبول عن أن ما حدث في ٢٠١٣ ضد الرئيس المسلم (وفق تعبيره)، كان بهدف استفراد الصهاينة بالفلسطينيين، محاولًا عكس صورة لدي أتباعه وغيرهم بأن الجماعة، هي من تنتصر لقضية فلسطين، بالتالي صناعة حالة طوباوية للجماعة والتأكد لأتباعها على نقاءها بعد حالة التشكك التي أصابت بعض شباب الجماعة، بفعل الاتهامات التي وجهت لقادتها بالفساد، وتشككهم في منهجها بعد كثرة الضربات التي تعرضت لها أخر عشر سنوات.

 تحليل مضمون ما يبث على فضائيات الجماعة وقنواتها عناصرها على اليوتيوب، يشير إلى أنها تعلي من مناصرة حركة حماس بالمقارنة بمصلحة الشعب الفلسطيني عامة وليس لمصلحة الأعزل الذي يباد منذ ما يزيد عن 23 يومًا، فقد أكد د. إسماعيل على، أحد عناصر الإخوان الهاربين، والذي يعرف نفسه بأنه أستاذ بجامعة الأزهر، أن “ضربات إسرائيل تقوي الإخوان وأن المقاومة مقاومة دينية مستخدماً الآيات القرآنية لإضفاء الطابع الديني على القضية.. (قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر).

إضافة لما سبق؛ فقد استغلت جماعة الإخوان فعاليات دعم فلسطين للتمجيد في رموزها بداية من حسن البنا مرورا بسيد قطب وصولا لمحمد مرسي ومحمد بديع وغيرهم، كما عمل أعضاء الجماعة الهاربين في تركيا وماليزيا وغيرهما، على تحريض الشعب المصري على وجه الخصوص للزحف لمعبر رفح كنوع من تقليب الرأي العام ضد النظام المصري، حيث أدعى الشيخ “علي اليوسف” الإخواني نصاً بأن “النظام المصري يغلق المعابر لحصار الفلسطينيين وحرمانهم من المساعدات”، كما استهدفت الجماعة في إطار هذه الأزمة الفخر والتمجيد في التربية الإخوانية كمحاولة لإعادة الثقة وبعث الطمأنينة في أتباعها.

لقد رفعت الجماعة شعارات دينية مستحضرة مفردات قاموس تدين القضية مثل (الغرب الصليبي – أمة الإسلام- جيش محمد- فسطاط الكفر وغيرها)، واتهمت الجماعة وشوهت من يتحدث عن القضية في إطار حق شعب في التمسك بأرضه، ومن يرى القضية عربية بالنفاق، مستشهدين بأية نزلت في المنافقين؛ قال تعالى: “لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم..”، والآية نزلت في فئة كانت تظهر الإيمان وتبطن الكفر، بالتالي لم تتوان الجماعة في استغلال الفرصة لتكفير المختلفين خاصةً ممن يواجهون أفكار الجماعة. وعليه، يمكن القول إن تديين جماعة الإخوان وغيرها للحرب، من المرجح أن يترب عليه عدة نتائج، هي:

(1) خلق حالة طائفية ملتهبة قد ينتج عنها وقوع حوادث في مناطق مختلفة من العالم سواء ذات أغلبية أو أقلية مسلمة. وضعف الموقف الفلسطيني في المطالبة بحقه في محاسبة إسرائيل عن جرائم الإبادة الجماعية أمام المؤسسات الدولية. بالإضافة إلى ارتفاع وتيرة تداول الرواية الدينية لدي الجانب الإسرائيلي ومطالبته بتحقيقها مما سيدخل الصراع في دائرة مغلقة.

(2) ارتفاع معدل تجنيد الشباب في الجماعات المتطرفة توظيفاً للأحداث وصناعة مظلومية دينية بتصوير المسألة بأنها حرب ضد الإسلام والمسلمين، والتغافل عن أن مسيحيو فلسطين والكنائس تستهدف من القصف الإسرائيلي، فضلاً عن أن اليهود والمسيحيين والملحدين يتظاهرون لوقف العدوان ضد الفلسطينيين في العالم.

(3) تدين القضية سيؤدي إلى ارتكاب سلوكيات أو جرائم مبررة بروايات دينية مثل التترس بالمدنيين الفلسطينيين واحتجاز المدنيين الإسرائيليين، وفي نفس الوقت تلك السلوكيات مجرمة دولياً مما سيؤدي إلى خسارة مزدوجة لصالح الفلسطينيين وقضيتهم العادلة أمام المجتمع الدولي.

استراتيجية فاشلة:

لم تستفد جماعة الإخوان المسلمين والجماعات التي تدور في فلكها من دروس الماضي، فلم تتعلم من السوابق التاريخية بأن الشعوب تلتف حول قادتها ودولها في وقت الأزمة، حيث فشلت كل محاولات الجماعة وإعلامها الفضائي والالكتروني في تقليب الرأي العام ضد الأنظمة في الوطن العربي، في مصر على وجه الخصوص الشعب متفهم، ويتحمل المسؤولية مع القيادة السياسية في قرار عدم السماح بتوطين الفلسطينيين في سيناء، وعدم الرضوخ لمحاولات الاستفزاز للانزلاق في حرب، ويساند الدولة كلياً في المساعي الدبلوماسية لإدخال المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين.

بناء عليه؛ يمكن القول، إن الاستراتيجية الإخوانية المتكررة التي اتبعتها الجماعة، واستغلالها للأزمة، لم تؤثر إلا في فلك أتباعها، فقد أثرت محاولات الشحن في عناصرها فحسب، فهم في حالة تحفز واستنفار دائم ضد الحكومات، أما الشعب المصري فقد رتب أولوياته، وتراجع تأثير إعلام الجماعة.

الملاحظ أن جماعة الإخوان تحاول جمع تبرعات من خلال تروج شائعات بين عناصرها ومريدها، يتمثل أهمها في أن الحكومة المصرية تمنع دخول المساعدات عبر معبر رفح. فالجماعة تعودت عبر تاريخها على سرقة التبرعات؛ فقد أكدت بعض الموظفات في جمعيات الجماعة في الخارج، أن الجماعة تسرق أموال التبرعات، في القريب سرقت الجماعة التبرعات التي جمعتها باسم مساعدة متضرري زلزال تركيا، من أشهر الأمثلة أيضا اتهام القيادي “محمود حسين” بالاستيلاء على أموال تبرعات كانت مخصصة لمساعدة الإخوان الهاربين في الخارج، كما سرقت أموال التبرعات التي جمعت تحت اسم دعم متضرري أزمة فيروس كورونا من قبل.

في ذات السياق؛ نرجع بالتاريخ فنجد اتهامات لـ “حسن البنا” مؤسس الجماعة بنفس التهمة من قبل بسرقة أموال تبرعات هيئة قناة السويس، كما اعترف “محمود عبد الحليم” في كتاب “الإخوان المسلمون: أحداث صنعت تاريخ” بسرقة الجماعة لأموال تبرعات دعم فلسطين عام ١٩٣٩، كما سرقت الجماعة أموال تبرعات “لجنة الإغاثة” بنقابة الأطباء وقُدم بلاغ للنائب العام عام ٢٠١٤ ضد “عبد المنعم أبو الفتوح” لاتهامه باستغلال تلك الأموال، كما استغلت الجماعة أموال التبرعات على نفس النهج أثناء فتح باب التبرعات لحرب أفغانستان ضد السوفيت في الثمانينيات وغيرها الكثير.

 

أسماء دياب

د. أسماء دياب، المدير التنفيذي للمركز، ورئيس برنامج دراسات التطرف والإرهاب، دكتوراه في القانون الدولي- كلية الحقوق جامعة عين شمس، حاصلة على ماجستير القانون الدولي جامعة القاهرة، وحاصلة على دبلوم القانون الدولى جامعة القاهرة. وحاصلة على دبلوم القانون العام جامعة القاهرة، خبيرة في شئون الحركات الإسلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى