إخوان الدم: كيف تواجه “وثيقة الأخوة الإنسانية” فكرهم المتطرف تجاه غيرهم؟
في الرابع من فبراير الجاري- يوم الأخوة الإنسانية- نشر الرئيس عبد الفتاح السيسي على حسابه الخاص- حسب صفحة المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية، قائلاً ” إننا نسعى دوماً لتوطيد دعائم الأخوة الإنسانية بين أبناء المجتمع كنسيج وطني واحد يتمتعون بكافة حقوقهم دون تمييز، ونتصدى لدعاوى الكراهية والتحريض على العنف، وفي هذا السياق، تبذل المؤسسات والقيادات الدينية في مصر قصارى جهدها لتعزيز الحوار بين أتباع الأديان السماوية المختلفة ورفع مستوى الوعي بالقيم الإنسانية المشتركة…مستكملاً أتوجه بدعوة عامة للعمل من أجل نشر ثقافة السلام وإعلاء قيم التسامح والتعايش السلمي، ونبذ كافة مظاهر العنف والتطرف التي راح ضحيتها العديد من الأبرياء”،…. انتهى كلام الرئيس المصري، وعليه، يمكن التأكيد على أن ما دعا إليه ” السيسي”، وما تضمنته وثيقة الأخوة الإنسانية، وما قدمته دولة الإمارات العربية- يعد اتجاه معاكس لما أرسته الجماعات التي تنسب نفسها للإسلام، وعلى رأسهم جماعة الإخوان، التي تبث عبر أفكارها وفضائياتها ومواقعها الإلكترونية وصفحاتها الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، الفرقة ونشر الطائفية بين أبناء الوطن الواحد.
الإخوان والإسلام وأهل الذمة:
يزخر التاريخ الإخواني بحوادث عده تجاه مسيحي مصر فلعقود طويلة ردد قادة تنظيم الإخوان مقولات مثل المسحيين شركاء الوطن لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات ويجب الإحسان إليهم وحمايتهم، إلا أن المواقف العملية تعتبر خير دليل على سلامة اعتقاداتهم تجاه الأخر، فدائما كان مرشد الإخوان مصطفى مشهور، يرى أن مسيحي مصر من أهل الذمة وإنهم يجب أن يدفعوا الجزية نظير حمايتهم والدفاع عنه، وهم بذلك من وجهة نظرة في عتاد الكفار فإما أن يدفعوا الجزية وأما أن يدخلوا في الإسلام.
بشكل عام، تعرف (الذِّمّة) في اللغة بأنها العَهدُ والأمانُ والـحـُرمة، وفي الاصطلاح والتشريع الإسلامي وإنَّما أُطلق مصطلح (أهل الذّمة على النصارى واليهود) في إشارةً إلى الواجب تجاهَهم، وأنهم في عهد المسلمين وحمايتهم، فليس في هذه التّسميةِ ما يتضمّن تنقُّصاً أو اضطهاداً لهم، كما يحاول المتطرفين ودعاه الغلو بثَّه وإشاعتَهً، ولقد كفلت الشريعة الإسلامية عدة حقوق وواجبات لغير المسلمين إذ ضمن التشريع الإسلامي عدة ضمانات وحقوق كان واجب على الدولة أن تسعى إليها وتنفذها ومن أهمها حقُّ الانتماء للدّولة التي يعيشون فيها، وحمل جنسيتها، الوفاءُ لهم بعهدهم، وعدمُ نقضه الحفاظُ على أرواحهم وأموالهم وأعراضهم، وحمايتهم مِن الاعتداء عليهم وتمكينُهم مِن إقامة شعائر دينهم، وعدم التعرّض لكنائسهم. ويمكن إجمال كافة تلك الحقوق من خلال جملة أحاديث ذكرها رسول (ص) مثل قوله “ألا مَن ظلم معاهداً، أو انتقصه، أو كلّفه فوقَ طاقتِه، أو أخذ منه شيئاً بغير طيبِ نفسٍ، فأنا حجيجُه يومَ القيامةِ” رواه أبو داود.
إذن، فالأصل هو حفظ حقوق غير المسلمين مِن سكّان البلادِ الإسلاميّةِ وعصمةُ دمائهم وأموالهم وأعراضهم، فلا يجوز الاعتداءُ عليهم في شيءٍ مِن ذلك، ولا تهجيرُهم أو إيذاؤهم، ويجب أنْ تؤدّى لهم حقوقُهم التي كفلها الإسلامُ، ما لم يعتدوا على المسلمين، أو يُعينوا عليهم أعداءَهم.
وعند جمهور الفقهاء لا يجوز لأفراد المسلمين وقادةِ الجماعات الدّعوية أو الجهادية أو الهيئات الشّرعية أو القضائية مطالبةُ غير المسلمين بأداء الجزية؛ لأنّ ذلك مِن أحكام الدّولة الممكّنة، ولأنّ أهلَ الذّمّة يستحقّون بتأديتها جملةً مِن الحقوق التي لا قدرةَ لغير الدّولة على الوفاءِ بها، فأفرادُ المسلمين أو جماعاتهم غيرُ قادرين على القيام بحقوق مَن تحتَهم فضلاً عن القيام بحقوق غيرهم، تلك كانت الطريقة التي شرعها الدين الإسلامي الحنيف الذي اقر لغير المسلمين الموجودين في الأراضي المسلمة حقوقهم .
إخوان الدم:
بمجرد وصول الإخوان للسلطة حتى كشف التنظيم عن وجهة الطائفي القبيح فعلى الرغم من تعيين أحد مستشاري رئيس الجمهورية لشؤون التحوّل الديمقراطي “سمير مرقص” إلا أن مرقص سرعان ما استقال من منصبه بعد ثلاثة أشهر فقط من تعيينه بسبب انفراد “مرسي” بقراراته واكتفائه بمشورة تنظيمه فقط. هذا فضلاً عن تلقيه تهديدات من الإخوان حتى يتراجع عن الاستقالة حرصاً على الشكل العام لنظام مرسي. ولقد كانت من أبشع الممارسات التي عانى منها مسيحي مصر خلال فترة حكمهم، هو انتشار فتاوى التي تحرض ضدهم وتحرم تقديم التهنئة لهم بالعيد بل وصل الأمر إلى نشر فتاوى المتطرفين، والتي تحرم على سائقي المواصلات العامة توصيل القساوسة والأقباط للكنائس. ووفقاً للقيادي السابق في التنظيم “إبراهيم ربيع ” فإن تنظيم الإخوان يجيد صناعة بؤر الاحتقان الطائفي، وأن التنظيم ظل يعمل على هذا الملف في المجال الفكري والثقافي والاجتماعي لتغيير عقيدة المجتمع المصري تجاه مفهوم المواطنة والتعايش، وذلك بنشر الكتب والخطب المنبرية والندوات التثقيفية”.
استهدفت الجماعة بعد ثورة 30يونيو 2013 التجمعات القبطية، كعقاب لهم على المشاركة في 30 يونيو، وكان الاستهداف بصور متنوعة، منها التهديد بالقتل والدمار، واغتيال قس بالعريش، وإحراق عدد من الكنائس فى محافظة المنيا. وبعد فض اعتصامي رابعة والنهضة عانى مسيحيو مصر من حوادث حرق الكنائس ودور العبادة حيث وصلت أجمالي الكنائس المحروقة 80 كنيسة في محافظات مصر خصوصًا في الصعيد وخلق بؤر توتر فضلاً عن الاعتداء عليهم في عدة حوادث إرهابية حيث وصل عدد العمليات الإرهابية 184 عملية إرهابية في 3 أيام فقط. وبالتالي يمكن القول إن أحداث فض اعتصامي رابعة والنهضة، كشفت عن أحداث فض اعتصامي رابعة والنهضة عن الوجه الطائفي الحقيقي للإخوان، ويمكن القول أيضاً إن ثورة 30يونيو وما تبعها من أحداث مثلت مرحلة مفصلية في تشكيل السلوك الإخواني تجاه المسيحيين، والذي استهدفهم بشكل مباشر من خلال تفجير كبرى الكنائس بالعاصمة مثل تفجير الكاتدرائية المرقصية بالعباسية على يد احد أعضاء التنظيم
مصدات صلبة لفكر الإخوان:
على جانب أخر تقدم دولة الإمارات العربية نموذج فريد من نوعه إذ قام حكام الإمارات بتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية ومن ثم استضافت أبرز الرموز الدينية مثل شيخ الأزهر الإمام “أحمد الطيب” والبابا يوحنا بولص الثاني بابا الفاتيكان في فبراير 2019، ويسعى أولا الشيخ زايد أن تكون الإمارات العربية قبلة الديانات الإبراهيمية “عاصمة الإنسانية” في الشرق الأوسط. فقد اختارت دولة الإمارات العربية أن تكون نموذج للوسطية والتسامح الديني ونشر السلام والاستقرار والإخاء بين إتباع الديانات الإبراهيمية الثلاث، ومن ثم قامت الإمارات بوضع تنظيم الإخوان على قوائم المنظمات الإرهابية وحظر جميع أنشطتها. كما قام حكام الإمارات بالوقوف بجانب أشقائهم المصريين في الفترات التي تلت ثورة 30 يونيو 2013، في إعادة بناء وترميم الكنائس التي حرقتها الجماعة بأفكارها المتطرفة.
في النهاية، يمكن القول إن دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي بنبذ العنف والتطرف الديني، بالإضافة إلى وضع دولة الإمارات جماعة الإخوان على قوائم التنظيمات الإرهابية، يعد رسالة واضحة لرفض فكر الجماعة المتطرف، والسعي السريع نحو تفعيل وثيقة الأخوة الإنسانية التي تعد من أقوى مصدات فكر تلك الجماعة في هذا التوقيت.