دور الإعلام الغربي في دعم الرواية الإسرائيلية

نادين مطر- باحث مساعد  

منذ بدء عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها فصائل المقاومة الفلسطينية روجت الدول الغربية ووسائل الإعلام التابعة لها رواية إسرائيل ومحاولة إقناع العالم أن ما يحدث فى فلسطين هو مجرد اعتداء من منظمة إرهابية لغض الطرف عن حق الشعب الفلسطيني إقامة دولته وفق مقررات الشرعية الدولية.

ولم يقتصر الأمر على وسائل الإعلام الغربي بل امتد إلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث وجد الفلسطينيون فى مواقع التواصل الاجتماعى مساحة لنقل المعاناة التي يتعرضون لها منذ سنوات طويلة، ولكن عملت الدول الغربية ومالكي منصات التواصل الاجتماعي على التصدي لمحاولة نقل حقيقة ما يرتكبه الاحتلال من جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني. ومن أمثلة ذلك مسح أي محتوى يتناول القضية الفلسطينية وذلك في محاولة لتضليل الرأي العام العالمي.

بناءًا على ما تقدم؛ يحاول هذا التحليل الإجابة عن التساؤلات التالية؛ كيف استُخدمت مواقع التواصل الاجتماعى في الحرب لدعم سلطة الاحتلال وتقييد المحتوى الداعم للقضية الفلسطينية؟، وإلى أي مدى تمكن الإعلام الغربي من دعم الاحتلال؟

ترويج الرواية الإسرائيلية:

برزت التغطية الإعلامية الغربية المنحازة في العدوان الجاري بقطاع غزة، أكثر من أي جولات سابقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث أنها لم تكتف بالدعم المقدم عسكريًا لجيش الاحتلال بل عملت على التشويه والتضليل لكسب تعاطف العالم مع إسرائيل، ودأبت سلطة الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء عملية “طوفان الأقصى” على نشر الكثير من الاخبار الزائفة وتناقلت منه وسائل الإعلام الغربي تلك الروايات.

وروج الإعلام الأمريكي لذبح 40 طفل إسرائيلي وقطع رؤوسهم فى مستوطنة كفار عزة وهو الادعاء الذي نشرته لأول مرة عبر “I24 news” الإسرائيلية حيث نقلت مراسلتها نيكول زيليك الخبر عن جنود الاحتلال الموجودين في موقع الحادث، كما أكدت شبكة “CNN” نفس الخبر في تقرير لها استند إلى المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي، وانتشرت هذه الرواية بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي حيث سجلت حوالي 446 ألف منشور من قبل 258 ألف حساب.

وقد ساهم في انتشار هذه الرواية تأييد الرئيس الأمريكي جو بايدن لها، حيث خرج متحدثًا أمام قيادات للجالية اليهودية في الولايات المتحدة مؤكدًا لهم صدمته من المشاهد التي رآها ولكن بعد ذلك تراجع البيت الابيض عن تصريح بايدن قائلًا “إنه رأى أدلة فوتوغرافية لأطفال مقطوعي الرأس”.

بينما ردت الفصائل بنشر مقطع مصور ردًا على هذه الرواية تنفي من خلاله قتل 40 طفل إسرائيلي وتظهر فيه كيفية تعاملها مع الأطفال الإسرائيليين، هذا بالإضافة إلى أن مراسلة “CNN” سارة سيدنر لتعتذر عن نشرها وترويجها الرواية التي تبناها جيش الاحتلال والرئيس الأمريكي حول مشاهد مزعومة لأطفال مقطوعي الرأس وكتبت على حسابها بموقع التواصل “إكس” ” … يجب أن أكون أكثر حذرًا فيما يتعلق بالصياغة في المستقبل.. وأنا أعتذر”، كما أوضحت أنه تم تضليل طاقم التصوير معها وأن “حماس” نفت هذه التصرفات.

وعمل الإعلام الغربي على تأكيد هذه الرواية في سبيل إقناع العالم لاختزال العدوان المتواصل على غزة في صورة الرد على “هجوم تنظيم إرهابي يقتل الأطفال”.

هذا بالإضافة إلى ادعاء بعض وسائل الإعلام في الغرب قيام عناصر المقاومة الفلسطينية باغتصاب النساء، وذلك فى مقال بمجلة Newsweek” ” الأمريكية تحت عنوان “التقارير تفيد بأن حماس تستخدم الاغتصاب سلاحًا فى الحرب” ولكن شهادات لمستوطنات أكدت أنهن لم يتعرضن لأي اعتداءات.

وفي صباح يوم انطلاق عملية “طوفان الأقصى” أشارت وسائل إعلامية أن فتاة ألمانية تم أسرها بالقرب من قطاع غزة واغتصابها وتعذيبها حتى الموت ولكنها نفت مؤكدة أنها في أحد المستشفيات بغزة وما زالت على قيد الحياة.

ومن الملاحظ الاستخدام الدائم لمصطلحات داعمة لرواية الإسرائيلية تخدم أهداف جيش الاحتلال في رفع سقف الأهداف في العدوان وتخفيف أي اعتراضات محتملة على جرائم الحرب واستهداف المنشآت السكنية والمستشفيات وذلك فى محاولة لإقناع العالم أن إسرائيل تدافع عن حقها ولا تعتدي على الشعب الفلسطيني.

ازدواجية المعايير في منصات التواصل الاجتماعى:

ساهمت شركة ميتا الأمريكية مالكة منصات “فيسبوك” و”انستجرام” و”واتساب” فى دعم المحتوى الإسرائيلى وذلك من خلال حذف أكثر من 795 ألف منشور داعم للقضية الفلسطينية باللغتين العربية والعبرية وصفها بأنها مزعجة أو غير قانونية فيما يتعلق بعدوان الاحتلال على غزة وجاء ذلك بسبب أن الاتحاد الاوروبى حذر مؤسس منصة ميتا “مارك زوكربيرج” من عدم معالجة ما اعتبره “انتشار الأخبار الزائفة” على منصات التواصل الاجتماعى بعد عملية حركة “حماس”.

كما أكدت الشركة على قيامها بحذف أي محتوى داعم لحركة “حماس” والتي تصنفها الدول الغربية كـ”منظمة إرهابية”، مؤكدة أنه سيتم إزالة أي دعم لها، وفي سبيل تحقيق ذلك أنشأت وحدة متخصصة تضم خبراء يتحدثون بالعربية والعبرية وقالت إنها لمراقبة أي محتوى يحمل أي نوع من أنواع العنف أو التحريض أو يتعارض مع سياسة شركة “ميتا”.

ولم ينتهى الامر عند حذف المنشورات الداعمة للقضية الفلسطينية بل عملت شركة ميتا على حذف الصفحات الكبرى الداعمة لفلسطين والتى تحاول نشر حقيقة ما يحدث على ارض فلسطين على مواقع التواصل فيس بوك وانستجرام مثل قيام شركة ميتا بحذف الصفحة الخاصة بشكبة القدس الاخبارية على فيس بوك والتى تعد اكبر صفحة اخبارية فلسطينية على فيس بوك والتى كانت تضم 10 ملايين  متابع، وذلك فى محاولة لتضليل الرأى العام العالمى ومنع وصل هذه المنشورات الى دول العالم والاكتفاء بنشر المعلومات الكاذبة التى تدعم اسرائيل .

كما قامت منصة إكس التابعة لمالكها ايلون ماسك بإزالة مئات الحسابات المرتبطة بحركة حماس وازالت آلاف المنشورات منذ هجوم حماس على إسرائيل، وأوضحت ليندا ياكارينو الجهود التي بذلتها منصة “إكس” فى سبيل تقييد المحتوى غير القانوني وذلك استجابة لتحذير الاتحاد الأوروبي.

ولم يقتصر الأمر على حذف المنشورات الداعمة للقضية الفلسطينية، بل استخدم روؤساء الدول مواقع التواصل الاجتماعى للتأكيد على الرواية الإسرائيلية بأنها تدافع عن أرضها ومواطنيها، حيث كتب الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون على منصة “إكس” قائلًا “أعبر عن تضامني الكامل مع الضحايا وعائلاتهم والمقربين منهم”، وأعلن استنكاره بشدة للهجمات على إسرائيل.

وكتب وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي في منشور على مواقع التواصل الاجتماعى أن بريطانيا تندد على نحو قاطع ما وصفها بـ”الهجمات المروعة على مدنيين إسرائيليين” وأن لندن ستدعم دائمًا “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.

يضاف إلى ذلك دعم شركات مثل “أمازون”، حيث وصف الرئيس التنفيذي للشركة آندي جاسي عملية “طوفان الأقصى” بأنها صادمة ومن المؤلم حدوثها، وقال إن امازون لديها خطة طوارئ لإبقاء خدمات أمازون ويب متاحة للعملاء في إسرائيل.

وختامًا؛ فإن دعم الاعلام الغربى للعدوان الإسرائيلي على غزة، ليست المرة الأولى، بل إنه في كل حرب يشنها جيش الاحتلال على الشعب الفلسطيني يسهم الإعلام الأمريكي والأوروبي في خلق رأى عام عالمي مؤيد لإسرائيل وروايتها للأحداث مقابل الرواية الفلسطينية ذاتها لمجمل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كما يسهم فى تقييد أي محتوى من شأنه مساعدة الشعب الفلسطيني في دعم قضيته العادلة.

ومع تفاقم الصراع بين جيش الاحتلال والشعب الفلسطيني تزداد رغبة إسرائيل في استهداف الصحفيين والمصوريين الفلسطينيين وغيرهم ممن يحاولون نقل حقيقة ما يحدث من خلال تغطيتهم الإعلامية، فقد قُتل 11 صحفيًا في 10 أيام، وتدمير 50 مؤسسة إعلامية منها شبكة الأقصى الإعلامية ووكالة معًا الاخبارية واستهداف وقصف منازل الصحفيين وذلك من أجل منع وصول رأيهم إلى الرأي العام الغربي وفي سبيل ترويج الرواية الإسرائيلية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى