اتجاهات غالبة.. مواقف القوى الدولية من عملية طوفان الأقصى
تسارعت ردود الفعل الدولية على عملية طوفان الأقصى التي قادتها حركة حماس ضد الإسرائيليين فجر السبت السابع من أكتوبر، والتي أوقعت عشرات القتلى والمصابين، وجاءت معظمها مستنكرة لهجمات المقاومة الفلسطينية، ومؤيدة لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
وفي هذا الإطار، يناقش هذا التحليل أبرز ردود الفعل الدولية تجاه عملية طوفان الأقصى، وانعكاساتها على المشهد الراهن.
تنديد دولي:
مباشرة تم إلغاء الرحلات الجوية إلى إسرائيل يوم السبت، ومن بعدها جاءت معظم المواقف الدولية منددة لهجمات المقاومة الفلسطينية على المواقع العسكرية والمستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزة، كالتالي:
(-) الولايات المتحدة، حيث أيد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، منددا بالهجمات الفلسطينية على المستوطنات. والموقف نفسه أكده الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال اتصال هاتفي برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وأعلن البنتاجون عن تواصل وزيري الدفاع الأمريكي والإسرائيلي، وأنه سيعمل لضمان امتلاك إسرائيل ما تحتاجه للدفاع عن نفسها. وبعدها مباشرة بدأ الرد الإسرائيلي على عملية طوفان الأقصى، والهجوم على مباني ومنازل مدنية، على رأسها منزل يحيى السنوار قائد حماس.
(-) أما الاتحاد الأوروبي، فقد ندد باحتجاز مدنيين كرهائن لدى حماس. كذلك اتخذت الأمم المتحدة، نفس المسار، منددة بهجوم المقاومة الفلسطينية على إسرائيل.
(-) بالنسبة لفرنسا، فقد نددت ماكرون ما وصفها بـ ” الهجمات الإرهابية ” على إسرائيل، كما أعلن عن عزم بلاده اتخاذ إجراءات صارمة تهدف إلى تعزيز الأمن في مناطق تجمع اليهود في فرنسا عقب هجوم حماس. وأعربت وزارة الخارجية الفرنسية عن ” تضامنها التام مع إسرائيل وضحايا هذه الهجمات “، وأعادت تأكيد ” رفضها المطلق للإرهاب وتمسكها بأمن إسرائيل “.
(-) أما البرازيل و أوكرانيا، فقد دعت الأولى لعقد اجتماع في مجلس الأمن لإدانة الهجوم على إسرائيل، وبالفعل من المقرر أن يجتمع مجلس الأمن الأحد لبحث تطورات الوضع في قطاع غزة. أما أوكرانيا، فدعمت حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وشعبها، كما أدانت وزارة الخارجية الأوكرانية ” بحزم ” الهجمات الجارية على إسرائيل.
(-) أما مواقف بريطانيا وإيطاليا وألمانيا، فقد أعربت حكومة الأولى عن دعمها لـ “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد اعتداء وحشي”، وذلك بعد عملية طوفان الأقصى التي بدأتها حركة حماس فجر السبت. أما المملكة المتحدة، فقد أعلنت إدانتها على لسان وزير الخارجية جميس كليفرلي “بدون لبس لهجمات حماس المروعة على المدنيين الإسرائيليين”، وأكد كليفرلي أيضا أن “المملكة المتحدة ستساند على الدوام حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”. أما الأخيرة فقد جاء موقفها أكثر اعتدالا بعض الشيء، حيث حذرت برلين من انزلاق المنطقة إلى ” تصعيد إقليمي خطير ” حال استمر القتال، كما نوهت السلطات الألمانية بشدة بعدم السفر للأراضي الإسرائيلية.
(-) أما عن روسيا، فقد دعت لوقف ” فوري لإطلاق النار ” و ممارسة أقصي درجات ” ضبط النفس “. وأكدت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زخاروفا موقف بلادها ” المبدئي والثابت بأنه لا يمكن بوسائل القوة حل هذا النزاع المستمر منذ 75 عاما، وفقط يمكن حله حصرا بالوسائل السياسية والدبلوماسية، ومن خلال إقامة عملية تفاوضية كاملة على الأسس القانونية الدولية المعروفة، التي تنص على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ضمن حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، تعيش بسلام وأمن مع إسرائيل”.
(-) أما موقف تركيا وسويسرا، فقد أكد أردوغان، استعداد بلاده للتوصل لوقف إطلاق النار والمساعدة في تهدئة الوضع، دعيًا الطرفين للتصرف بعقلانية. أما وزارة الخارجية السويسرية، فقد دعت إلى إلى الوقف الفوري للعنف وحماية المدنيين.
والملفت أنه رغم قدرة بعض هذه الأطراف على التوسط لإنهاء القتال منذ البداية، إلا أنها اكتفت في الوقت الراهن بمجرد انتقاد العملية الفلسطينية، وتأكيد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وكأن هذا الموقف بمثابة إيذانا وفرصة لإسرائيل للرد على الهجمات قبل أي تدخل دولي أو إقليمي من شأنه التوصل إلى هدنة أو وقف دائم للقتال.
تداعيات مطروحة:
مع تداخل الملف الفلسطيني تحديدا بين عدد من الأطراف الدولية والإقليمية، فمن المحتمل أن تنعكس تطوراته على المستويين الدولي والإقليمي، على عدد من الملفات العالقة، أهمها:
(&) التطبيع السعودي الإسرائيلي: مجريات القتال الحالية منذ بدأ الجانب الإسرائيلي بالرد بهجمات شرسة على مواقع مدنية فلسطينية، قد تكون عامل ضغط على الإدارة الأمريكية لإتمام اتفاق التطبيع في ظل الظروف الراهنة، خاصة وأن عملية التطبيع كانت تسير بخطوات واضحة ومعلنة تتمثل في المفاوضات الجارية حول الاشتراطات السعودية لإتمام اتفاق التطبيع، ومنها الاتفاق على صيغة مشتركة تضمن حقوق الفلسطينيين. وبالتالي في حالة التصعيد الإسرائيلي، والمتوقع أن يكون أكثر شراسة خلال الساعات المقبلة، قد يمثل عامل ضغط على الرياض قد يمنعها من إتمام الاتفاق، حاليا على الأقل.
يذكر أن عدد ٢٠ عضوا من الحزب الجمهوري، قد تقدموا بطلب للبيت الأبيض يحث على تعطيل عملية التطبيع بين السعودية وإسرائيل ما لم يتضمن الاتفاق حقوقا واضحة للفلسطينيين، هذا بالإضافة إلى أن موقف الجمهوريين لم يكن إيمانا منهم بحقوق الفلسطينيين، أو إدانة للجانب الإسرائيلي، بالعكس، فالجمهوريون من أكثر مؤيدي إسرائيل، كل ما في الأمر، أنهم يفضلون ألا يُنسب إنجاز مثل هذا الاتفاق لبايدن، لحسابات سياسية وانتخابية، تتعلق بثقة الشارع ودعم اللوبي اليهودي لبايدن.
(&) تقوية اليمن الأوروبي: تشهد القارة الأوروبية خلال السنوات الأخيرة تصاعدا لافتا للأحزاب اليمينية ومؤيديها في الشارع الأوروبي، كما هو الحال في فرنسا وإيطاليا وغيرها، وكان آخرهم سلوفاكيا. لذا، فإن التصريحات العنصرية التي أدلى بها ماكرون على سبيل المثال، بأنه سيوفر حماية إضافية لليهود في فرنسا، من شأنها زيادة النزعة اليمينية والعنصرية في الشارع الفرنسي، وقس على ذلك بقية الدول الأوروبية. وعليه، يمكن القول إن تصريحات ماكرون، السابق ذكرها قد تكون إيمانا منه بأهمية وقوة اليمين في فرنسا، ولهذا حاول استرضاء هذه الطائفة في محاولة لكسب تأييدها في ظل الاضطرابات الداخلية التي تعاني منها فرنسا على كافة الأصعدة.
(&) الحرب الأوكرانية: مؤخرا بدت عدة مؤشرات على تراجع الدعم الغربي لأوكرانيا، بعدما رفض الكونجرس الأمريكي إقرار موازنة جديدة تتضمن دعم أوكرانيا، وقرار بولندا بوقف الدعم العسكري لكييف، والملل الأوروبي الواضح من كثافة دعم كييف دون جدوى كبيرة على أرض المعركة، هذا كله بالتزامن مع فشل الهجوم الأوكراني المضاد، وتركيز الهجوم الروسي الجديد على العاصمة كييف، كلها عوامل من شأنها أن تؤدي لمزيد من التراجع الأوكراني على أرض المعركة. ومع القتال الراهن في غزة قد يتحول اهتمام الغرب، وفي مقدمته واشنطن، لدعم إسرائيل، على حساب أوكرانيا.
(&) أهمية القوى الإقليمية: في مثل هذه الأزمات في المنطقة، وتحديدا ما يتعلق منها بالشأن الفلسطيني، تزداد أهمية القوى الإقليمية مثل مصر وقطر وتركيا، والتي تجمعها علاقات مستقرة مع كلا الجانبين، حتى أن القوي الدولية دوما ما تحبذ حلحلة أي أزمة بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي بجهود إقليمية، كما حدث وتدخلت مصر للتوسط لوقف إطلاق النار في حرب غزة ٢٠٢١، وبالتالي فمن المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة تحركات إقليمية موسعة لوقف القتال، وبدعم غربي أيضا.
في الختام، لم تكن ردود الفعل الدولية مفاجئة البتة، فمعظمها جاء في إطار الموقف الأمريكي، المؤيد للوجود الإسرائيلي في المنطقة رغم الخلافات التي تجمع إدارة بايدن ونتنياهو.