كيف يؤثر تحالف دول الساحل على أدوار اللاعبين الدوليين؟
سبتمبر 2023، وقع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر على ميثاق “ليبتاكو-جورما” لتأسيس تحالف دول الساحل، بهدف إقامة بنية للدفاع الجماعي والمشترك والتعاون الاقتصادي والمساعدة المتبادلة لمصلحة دول الساحل نظرًا لكثرة الانقلابات في القارة الإفريقية والإطاحة بالأنظمة الدستورية عبر تفشي ظاهرة الإطاحة بالرؤساء إضافة إلى نهب مواردهم من قبل الدول الأوروبية.
وقد اتفقت الدول الثلاث على مقاطعة فرنسا وإنهاء وجودها العسكري والاقتصادي، حيث تتطلع تلك الدول نحو روسيا كشريك جديد في وقت تواجه فيه تهديدات إرهابية كبيرة من تنظيمي ” القاعدة” و “داعش” في منطقة الساحل.
وجدير بالذكر، تعرض كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر لانقلابات أطاحت بالرؤساء، كما شهدت الدول الثلاث تمردًا في شمال مالي عام 2012 وامتد إلى النيجر وبوركينا فاسو في عام 2015، لذا فهذا التحالف قد يُمكن دول الساحل من مواجهة أي عدوان، إضافة إلى مكافحة الإرهاب في البلدان الثلاث.
وفي ضوء ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى دوافع دول الساحل من تأسيس التحالف، وتأثيره على دور اللاعبين الدوليين في منطقة الساحل.
دوافع التحالف:
نظرًا لكثرة الاضطرابات التي شهدتها مالي والنيجر وبوركينا فاسو في الثلاث سنوات الأخيرة انطلاقًا من انقلاب مالي في عام 2020، مرورًا بانقلابي بوركينا فاسو عام 2022، وصولاً إلى أزمة النيجر في 26 يوليو الماضي.
كما زادت التوترات بعد تهديد مجموعة “إيكواس” الاقتصادية لدول غرب إفريقيا بالتدخل عسكريًا في النيجر لإعادة بازوم إلى منصبه والعودة إلى الشرعية الدستورية في البلاد، لذا قامت كل من مالي وبوركينا فاسو بتحذير جيوش “إيكواس” من أي إجراء عسكري ضد نيامي لأنه بمثابة إعلان حرب على “واجادوجو” و “باماكو”.
وعليه، جاءت فكرة تأسيس تحالف دول الساحل بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر، ليكون بمثابة بنية للدفاع الجماعي المشترك والتعاون الاقتصادي والمساعدة المتبادلة لمصلحة دول الساحل، إضافة إلى محاربة التنظيمات الإرهابية في الدول الثلاث، ويمكن توضيح أهداف التحالف على النحو التالي:
(*) الدفاع الجماعي: نظرًا للاضطرابات التي تعاني منها دول الساحل الإفريقي تم توقيع الميثاق بين الدول الثلاث للمساعدة والدعم العسكري ضد أي اعتداء على سيادة ووحدة أراضي أي طرف متعاقد، حيث تسعى دول الساحل لتعزيز قدرات الدفاع الجماعي لدول المنطقة وبذل المزيد من الدفاع والأمن واستخدام القوة المسلحة ضد أي انقلاب داخلي أو تدخل عسكري لاستعادة الأمن والاستقرار في منطقة الساحل.
(*) التعاون الاقتصادي: تعاني دول الساحل من ضعف معدلات النمو، إضافة إلى عامل الفقر والظروف الإجتماعية السيئة والبطالة، كما زادت أزمات المناخ من الفقر في القارة، والسبب في ذلك نهب ثرواتهم من قبل الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا والنخب الحاكمة المتحالفة معها أو المدعومة منها.
وعليه، تحاول الدول الثلاث استغلال ثرواتها في تحقيق التنمية الاقتصادية من خلال التعاون المشترك، بدلاً من استغلال الدول الأوروبية لتلك الثروات، فدول الساحل غنية بالموارد الطبيعية حيث تمتلك احتياطات هائلة من المعادن النادرة وفي مقدمتها اليورانيوم ولديها أيضًا صادرات من الذهب ويوجد بها خام الحديد والقصدير والنفط التي تجعلها قادرة على تحقيق التنمية.
(*) مكافحة التمرد والإرهاب: تعد مكافحة الإرهاب على رأس ميثاق التحالف نظرًا للتهديدات المستمرة من قبل الجماعات المسلحة لدول الساحل، حيث استغلت التنظيمات الإرهابية الاضطرابات الأمنية لإظهار نفوذها والتوسع في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، وتحديدًا منطقة “ليبتاكو-جورما” على الحدود بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وقامت تلك الجماعات المسلحة بتهديد الحكومات الجديدة بالتوسع في ولايات جديدة، وكان أول تهديد بمحاصرة مدينة “تمبكتو” شمالي مالي، من خلال نشر مقطع فيديو دعائي مصور، يعلن فيه مسلحون ينتمون لدول النيجر وتشاد ومالي، إضافة إلى أن مالي تشهد تصاعدًا للتوتر بين الجماعات المسلحة التي يغلب عليها الطوارق والسلطة المركزية منذ عام 2013 عند بدء انسحاب بعثة الأمم المتحدة “مينوسما” والتي دفعتها السلطات المالية للمغادرة في عام 2023.
ففي ظل انسحاب قوات المينوسما من المنطقة وخلو منطقة الساحل من قوات مكافحة الإرهاب وخروج قوات البرخان من منطقة الساحل، وتمركزها في النيجر، كل ذلك صاعد من نمو نشاط تنظيمي “داعش” و”جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” الإرهابيين و”حركة الأزواد” الانفصالية مما عزز من هشاشة الوضع الأمني بمنطقة الساحل.
مستقبل اللاعبين الدولين:
بتوقيع رؤساء الدول الثلاث على ميثاق تحالف دول الساحل، قد تشهد منطقة الساحل الإفريقي تحولات جيوسياسية قد تصاعد التوترات والصراعات على النفوذ في المنطقة بين فرنسا والولايات المتحدة من جهة وروسيا من جهة أخرى، ويمكن توضيح ذلك فيما يلي:
(&) فرنسا: يهدد انقلاب النيجر الأخير فرنسا بانحسار نفوذها في منطقة الساحل، بعد تهديدها من قبل قادة السلطة الانتقالية بسحب قواتها، حيث يعد خروجها من النيجر خسارة جيوسياسية في ظل اعتمادها على اليورانيوم كمورد خام وانحسار لنفوذها في المنطقة، بعد سحب قواتها من مالي وبوركينا فاسو.
وعليه، نظم آلاف المحتجين في نيامي مظاهرة يوم 3 سبتمبر أمام قاعدة البرخان لسحب قواتها من النيجر، ومع ذلك تتمسك فرنسا بوجودها الأخير مع دعمها لموقف “إيكواس” من اتخاذ قرار التدخل العسكري على أن يكون الحل الأخير، والذي يصعب تنفيذه في ظل غياب الدعم الأمريكي لفرنسا وتمسكها بالحل الدبلوماسي.
وتحاول فرنسا بكل الطرق الحفاظ على نفوذها في منطقة الساحل، حيث اتهم المجلس الانتقالي في النيجر الحكومة الفرنسية، بنشر قواتها في دول غرب إفريقيا استعدادًا لمهاجمة النيجر بالتعاون مع كوت ديفوار والسنغال وبنين.
ففي مطلع سبتمبر الجاري، نشرت فرنسا طائرتي نقل عسكري من نوع A400 M، وطائرة Dornier 328، لتعزيز وجودها في ساحل العاج، وطائرتي هيلكوبتر متعددة المهام من نوع Super PUMA، ونحو أربعين مركبة مدرعة في كاندي ومالانفيل بجمهورية بنين.
وفي 7 سبتمبر أرسلت سفينة عسكرية إلى ميناء كوتونو في بنين، تحتوي على جنود ومعدات عسكرية، وقد أشار عضو المجلس الانتقالي بالنيجر الكولونيل “ميجو أمادو عبد الرحمن” إلى أن أكثر من 100 رحلة لطائرات النقل العسكرية قامت بتفريغ كميات كبيرة من المعدات والأسلحة في السنغال وساحل العاج وبنبن، حسب صحيفة الشرق الأوسط.
لذا جاء قرار تأسيس تحالف دول الساحل من قبل مالي وبوركينا فاسو والنيجر لمواجهة أي عدوان أو تدخل عسكري، حيث يسهل التقارب الجغرافي بين الدول الثلاث على المجلس العسكري في نيامي فتح الحدود ومرور القوات والمساعدات الاقتصادية والعسكرية في مواجهة النفود الفرنسي ومجموعة “إيكواس”.
(&) الولايات المتحدة الأمريكية: تسعى أمريكا منذ انقلاب النيجر لمحاولة الانخراط في جهود الحل الدبلوماسي لإطلاق سراح الرئيس المطاح به محمد بازوم والعودة إلى نظام الحكم الدستوي، حيث كان بازوم شريكًا أمنيًا ومقربًا من واشنطن قبل اعتقاله، ولكنها بائت بالفشل بعد رفض المجلس العسكري جميع مبادراتها الدبلوماسية والإقليمية.
فالولايات المتحدة لديها مصالح واضحة من احتواء الانقلاب من خلال التوصل لحل دبلوماسي، وعلى رأس هذه المصالح منع روسيا من استغلال الصراع لصالحها وتوسيع نفوذها في المنطقة.
لذا قامت الولايات المتحدة بوقف مساعداتها الإنسانية للنيجر التي تقدر بحوالي ملياري دولار أمريكي سنويًا، مما يؤثر بالسلب على الاستراتيجية الأمريكية الخاصة بمكافحة الإرهاب، حيث يوجد في النيجر نحو 1000 جندي، وقد يوجه ذلك ضربة قاسية لجهود مكافحة ظاهرة الإرهاب في غرب ووسط أفريقيا.
وعليه، قد يشمل تحالف دول الساحل تسليط الضوء على تواجد الولايات المتحدة في منطقة الساحل، في ظل وجود برنامج شراكة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء وهو صندوق تأسس عام 2005 لدعم جهود مكافحة الإرهاب في جميع أنحاء المنطقة، من بينها منطقة الساحل حيث يتلقى 35 مليون دولار سنويًا.
فقد يهدد تحالف دول الساحل التي من ضمن أهدافها مكافحة الإرهاب في المنطقة استمرار التعاون مع واشنطن في مواجهة التنظيمات الإرهابية وتقديم المساعدات الإنسانية.
(&) روسيا: تسعى روسيا إلى تبني استراتيجية جديدة في تعزيز تأثيرها في القارة الإفريقية، حيث تستغل روسيا عدم الاستقرار في المنطقة وفشل السياسية الغربية في معالجة أسباب الاضطرابات في دول المنطقة لصالحها.
حيث تسير نحو التواجد في النيجر الغنية بالموارد الطبيعية ودول الساحل الإفريقي، على غرار مالي وبوركينا فاسو اللتين قدمت موسكو لهما الدعم العسكري والأمني مقابل عقود تعدين مربحة، حيث يستغل القادة الجدد تعزيز شرعيتهم وتدريب قواتهم الأمنية لإحكام السيطرة في مقابل حصولها على الموارد الطبيعية في المنطقة لتجاوز العقوبات المفروضة عليها جراء الحرب في أوكرانيا.
وقد جاء إعلان تحالف دول الساحل بعد الاجتماع الذي عقده نائب وزير الدفاع الروسي “يونس بك يفكوروف” مع وزيري الدفاع المالي “ساجيو كامارا”، ووزير دفاع النيجر الجنرال “ساليفو مودي” في باماكو المالية، ليؤكد على وجود دعم روسي لهذا التحالف.
وعليه، يرى محللون أن دوافع التحالف تشكلت خلال زيارة يفكوروف التي تضمنت اتفاقيات رسمية خاصة بالمجال العسكري في المنطقة، مثل تدريب المجندين والضباط في بوركينا فاسو من جميع المستويات بما يشمل تدريب طيارين في روسيا، في محاولة من قبل موسكو لاستغلال العداء الإفريقي للوجود العسكري الفرنسي، ويعكس ذلك أهمية الحضور الدبلوماسي والعسكري الروسي في منطقة الساحل، وحرصها على تكثيف التعاون مع السلطات الانتقالية التي استولت على السلطة في دول الساحل.
ويدعم هذا التحالف سعي موسكو لتعزيز نفوذها في إفريقيا في أعقاب مقتل قائد مجموعة فاجنر “يفجيني بريجوجين”، الذي عزز من خلال مجموعته شبكة من المصالح في الدول الإفريقية، وذلك في ظل الأقوال عن خطة روسيا التي تهدف إلى إنشاء اتحاد كونفدرالي موحد للدول الإفريقية يُمكن روسيا من تحقيق أقصى استفادة من الثروات الإفريقية لتجاوز العقوبات المفروضة عليها وسد كل الطرق أمام فرنسا.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن منطقة الساحل تشهد تحولات جيوسياسية في ظل تراجع النفوذ الفرنسي في المنطقة التي قد تشهد صراع على النفوذ بين روسيا والدول الغربية، حيث تحاول روسيا استغلال تراجع نفوذ فرنسا وفقد سيطرتها على دول الساحل وظهر ذلك في كثر الانقلابات والإطاحة بالرؤساء المدعومين من باريس، فكانت توفر لهم الحماية الداخلية من خلال نشر قواتها ودعم جيوش تلك الدول.
لذلك بدأت دول غرب أفريقيا في التعاون مع روسيا هروبًا من الاستغلال الفرنسي على غرار مالي وبوركينا فاسو الحليفتان لروسيا الآن، حيث تقدم روسيا الدعم العسكري والأمني لتلك الدول، إضافة إلى الدعم اللوجستي والتدريب العسكري، ويساعد روسيا على تعزيز نفوذها في المنطقة، تاريخها غير الاستعماري في المنطقة وإمكانياتها في تحسين اقتصاد تلك الدول على أساس التعاون.