هل تتجدد اشتباكات عين الحلوة؟

في الأيام الأخيرة شهد مخيم عين الحلوة في لبنان اشتباكات عنيفة،بعد اغتيال العميد أبو أشرف العرموشي المسئول في حركة فتح الفلسطينية في كمين مع اثنين من مرافقيه، واتهمت الفصائل الفلسطينية المتواجدة في المخيم المجموعات المتطرفة بتنفيذه. ويشير توقيت الاشتباكات في ظل ما تمر به المنطقة عموماً ولبنان علي وجه الخصوص، إلي المحاولات المتكررة لاستخدام الساحة اللبنانية لتصفية الحسابات الخارجية علي حساب لبنان واللبنانيين.

ما هي قصة مخيم عين الحلوة في لبنان؟ وكيف عبرت الاشتباكات الأخيرة عن حالة الانقسام المزمنة التي تعاني منها الساحة الفلسطينية؟ وكذلك حالة الصراع الإقليمي؟وهو ما يحاول هذا المقال الإجابة عنه.

قصة مخيم عين الحلوة بلبنان:

أنشأ المخيم عام 1948 من قبل الصليب الأحمر، بهدف إيواء لاجئ فلسطين الذين هجروا من قري الجليل في شمال فلسطين،بعد أيام من النكبة إثر قيام دولة إسرائيل، ويقع علي الجنوب الشرقي من مدينة صيدا اللبنانية ،ويسمي المخيم بعاصمة الشتات الفلسطيني، وتوالي نزوح اللاجئين من قري الشمال المتاخمة للحدود اللبنانية،حتى أصبح المخيم الأكبر في لبنان.

وتعتبر حركة فتح التنظيم الأكبر في المخيم، ومع صعود حركتي حماس والجهاد الإسلامي،بالإضافة إلي العديد من التنظيمات الأصولية،بدأت سيطرتها علي المخيم في الوهن،وانفلات الأوضاع في المخيم نتيجة عدم وجود قوة مسيطرة، ونتيجة تسليحه وامتداداته وتحصينا ته،كان المخيم مكان انطلاق الحرب الأهلية في لبنان عام 1975،وهدفاً للاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وأصبح أحد العوامل الهامة والمؤثرة في الصراعات اللبنانية الداخلية، ودخل في مواجهة الجيش اللبناني عام 1991 ،بعد انتهاء الحرب اللبنانية الأهلية وانتخاب الرئيس إلياس الهراوي، ونجح الجيش في السيطرة علي المخيم  بعد مساندة سورية، بعد خلافها مع الرئيس ياسر عرفات،ومحاولة القضاء علي سيطرة حركة فتح علي المخيمات من خلال حركة أمل اللبنانية،التي فشلت في تلك المهمة، واستطاع الجيش السوري أن يفرض النظام بعد عودته إلي بيروت عام 1987 وبعد عام 1990 وضع حد لنفوذ عرفات ومن وراءه حركة فتح في مخيمي عين الحلوة قرب صيدا،والرشيدية قرب صور،وتحول المخيم إلي ملجأ للفارين من وجه العدالة ،كما حدث في قضية اغتيال الشيخ نزار الحلبي رئيس جمعية المشاريع الخيرية عام 1996، وكذلك أحداث الضنية شمال لبنان في مطلع القرن الواحد والعشريين،بين الجيش اللبناني والمجموعات الأصولية،وبعد سيطرة الجيش علي الأوضاع تمكن الكثير منهم من الانتقال إلي مخيم عين الحلوة باسم جماعة الضنية، وتم ربط نشوء تلك التنظيمات الأصولية بزيادة نفوذ حركتي حماس والجهاد الإسلامي في المخيم، بعد الترهل الذي أصاب حركة فتح،بعد عودة الكثير من مقاتليها إلي الضفة بعد عودة عرفات إلي الضفة الغربية إثر اتفاق أوسلو.

بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2000 تخوف حزب الله من حركة فتح، إثر الخلاف مع عرفات حول السلام مع إسرائيل،فدعم حركتي حماس والجهاد وبعض التنظيمات الأصولية في المخيم، ولكنه حاول التقرب من فتح في بداية الحرب السورية، إثر وقوف حماس ضد النظام السوري، وبعد اغتيال رفيق الحريري، واتهام حزب الله باغتياله،واحتقان الخلاف السني الشيعي، تخوف الحزب من استخدام السلاح الفلسطيني ضده،خاصة بعد مشاركته في الحرب السورية ،واحتلاله مدينة القصير في القلمون السوري.

كيف حدثت الاشتباكات في مخيم عين الحلوة؟

بدأت الأحداث عندما قرر محمد  زبيدات الملقب بالصومالي الثأر لمقتل شقيقه محمود زبيدات عبر اغتيال ثلاثة من المحسوبين علي تنظيم جند الشام،مما أدي إلي مقتل عبد فرهود وجرح عيسي حمد ومحمود خليل الملقب بأبي قتادة، تحولت أحياء المخيم وشوارعه إلي ساحة حرب  وأصدر أل زبيدات بياناً اعتبروا فيه أنهم لم يأخذوا ثأر محمود وأنهم لن يسلوا محمد (الصومالي) إلي الدولة اللبنانية،وحاول العميد أشرف العمر وشي التوسط وإقناع أل زبيدات بتسليم الصومالي إلي الدولة اللبنانية،وفي طريقة لمكان التفاوض في منطقة البساتين،وهي منطقة متنازع علي سيطرتها بين فتح والإسلاميين تم اغتياله وهو العقل المدبر لحركة فتح داخل المخيم وأحد صقورها في ملاحقة الإسلاميين المتشددين منذ سنوات للحد من قدرتهم علي الحركة ،وتجنيد الشباب الفلسطيني للقتال في سوريا،مما أدي إلي تعرضه لعدة محاولات اغتيال سابقة.

معركة السيطرة علي المخيمات الفلسطينية في لبنان:

قبل أن ينتقل إلي تركيا لملاقاة الرئيس محمود عباس قام اللواء ماجد فرج رئيس المخابرات العامة الفلسطينية بزيارة لبنان,الهدف المعلن لها تنسيق عمل اللجنة اللبنانية الفلسطينية لحل مشكلة وكالة الأونروا، وتشير العديد من التقارير أن هناك خلافات تحت الرماد داخل اللجنة الفلسطينية اللبنانية ،وتحديداً بين رئيس الجانب اللبناني باسل الحسن والسفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور، بعد البيان الصادر عن اجتماع منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية بعد اجتماعهما في مقر السفارة ببيروت,ردا علي اتهامهم من قبل الأنوروا بالفساد،والتدخلات بالشأن الفلسطيني ومحاولا تتجاوز السلطة الفلسطينية، ومن ثم ضرورة إعادة تقيم العلاقة مع لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني،وكذلك الحملة الإعلانية التي طالت السفير أشرف دبور مع حملة موازية تحت اسم النداء القومي.

وتري منظمة التحرير الفلسطينية أن ممثل لبنان في اللجنة باسل الحسن يطمح في تحويل اللجنة إلي ممثل للشعب الفلسطيني لتحل محل المنظمة والسفارة كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني في لبنان، حيث تضم اللجنة بعض المحرضين علي السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس،في توقيت لا يخفي علي أحد صعوبته،حيث الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة علي الضفة وقلبها قطاع غزة مما يشكل مصادرة لتمثيلها الشرعي في لبنان. كما تحدثت تقارير إعلامية عن صفقة حاول اللواء فرج إبرامها مع السلطات اللبنانية تقضي بكبح جماح الفصائل الفلسطينية،ومنعها من قصف المستوطنات،كما حدث غير مرة في الآونة الأخيرة. كما شملت الصفقة التي حاول اللواء فرج عقدها ضبط السلاح المنفلت في المخيمات، وتسليم جميع المطلوبين أمنياً فيها،مقابل التضييق علي النشاط السياسي والعسكري لحركتي حماس والجهاد الإسلامي في لبنان،وأدعي الإعلام المقرب من حزب الله بأن تحركات اللواء فرج تأتي في إطار سعيه لخلافة الرئيس محمود عباس في السلطة وحركة فتح ،ومحاولتها الحصول علي دعم أميركي وإسرائيلي.

اشتباكات عين الحلوة والصراع الإقليمي:

بعد تعثر المفاوضات الأمريكية الإيرانية حول الملف النووي كثفت الولايات المتحدة من تقاربها مع السعودية بعد فترة من التباعد،علي وقع الخلافات حول عدد من الملفات الدولية والإقليمية،وصولاً إلي تقديم مشروع أمريكي يشمل إنشاء مشروع نووي سلمي سعودي،واتفاقية أمنية مدتها 45عاماً، مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل،وبالمقابل طالبت السعودية وضع مبادرة السلام السعودية  التي تبنتها القمة العربية في بيروت عام2002موضع التنفيذ،وردا علي تلك التحركات الأمريكية قرر الإيرانيون التصعيد في ملفات إقليمية مختلفة وصولا لتعطيل الاتفاق السعودي الإيراني الذي لم يأت ثماره حتى الآن بعد مرور خمسة أشهر علي توقعيه في بكين.

تزامنت  اشتباكات عين الحلوة مع اجتماع الفصائل الفلسطينية في العلمين لتوقيع اتفاق ينهي الانقسام الفلسطيني، وبخطوة أكثر تأثيراً من سابقتها، كادت قضية الانقسام الفلسطيني توضع علي طريق الحل النهائي، وقاطعت حركة الجهاد الإسلامي الاجتماع مع تواتر أنباء عن وجود تباين مع حركة حماس،وتفسير موقف حماس في أنقرة ولقاء الرئيس محمود عباس بوساطة تركية،ثم حضورها مؤتمر العلمين علي أنه خروج عن مبدأ وحدة الساحات.

فهناك من لم تعجبه صورة الرئيس محمود عباس بجوار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنيهة في أنقرة،وإن لم تنته إلي شئ،وهناك من أغضبه أن ترعي القاهرة اجتماع أبو مازن مع الأمناء العامين للفصائل،خاصة بعد عودة إمساك السلطة نسبياً بالقرار داخل مخيم جنين وفي الضفة العربية، بتنفيذها جملة اعتقالات لعناصر المقاومة التابعة لحماس إثر إعلانها تصنيع المتفجرات،حيث عودة أمساك فتح بالقرار يخفف من قدرة إيران علي تحريك الوضع العسكري وفقاً لرؤيتها ومصالحها،وإحلال تنظيمات إسلامية مكان فتح في لبنان في إطار مبدأ وحدة الساحات ،تزامن ذلك مع حملات متقطعة في بعض وسائل الإعلام اللبناني ضد السلطة الفلسطينية باتهامات لها مع بالفساد ،وبعض رموزها بالتعاون مع إسرائيل.

وبدت اشتباكات عين الحلوة بهدف ضرب حركة فتح في المخيم لسيطرة حلفاء إيران علي المخيمات،كذلك توجيه رسالة غضب إلي حركة حماس بعد خروجها عن مبدأ وحدة الساحات كما تري إيران وحلفاءها. فقد سبقت الاشتباكات واغتيال أبي اشرف العرموشي دخول عناصر مطلوبة أمنياً من الدولة اللبنانية إلي المخيم، من بينهم مسئولين عن تنظيمات إرهابية، مثل بلال بدر وعيسي الحمد،مما يعد استفزازاً لحركة فتح التي طردتهم سابقا،كذلك المفاوضات التي جرت في السفارة الفلسطينية بين حركة فتح وحزب الله لعودة جمال سليمان رئيس تنظيم أنصار الله إلي مخيم المية مية بعد طرده عام بعد اشتباكات متعددة مع فتح،وتمت مناقشة اقتراح عودته الي مخيم الرشيدية،وتكرر الرفض خوفاً من استغلال المخيم في إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل.

جمود الأوضاع في اليمن,والخلاف السعودي الكويتي من جانب مع إيران من جانب أخر علي حقل الدورة النفطي، وتباطيء مسار التقارب السوري السعودي وفق قاعدة الخطوة مقابل خطوة، والذي لم تلتزم به دمشق حيث التعهدات التي قدمتها لمكافحة تهريب المخدرات لم تنفذ،وكذلك الحل السياسي وإطلاق سراح المعتقلين وإعادة اللاجئين، فأبلغت الرياض دمشق بوقف خطوات افتتاح السفارة السعودية،وكذلك عدم تعين سفيراً لها في سوريا ،ووقف العمل بالسفارة السورية في الرياض وعدم الحاجة لتعين سفير سوري، وكان الفشل حليفاً لزيارة وزير الخارجية الأردني أيمن ألصفدي لدمشق،إذ طالب الرئيس الأسد بمساعدات مالية ،ومشاريع إعادة الأعمار تسبق عودة اللاجئين,وتوقفت المفاوضات الأميركية السورية في سلطنة عمان وفي العاصمة الأردنية بشكل مفاجئ،وكانت تتعلق بإطلاق سراح رهائن أمريكية في سوريا،حيث طالب الأسد بالانسحاب من شرق سوريا،وتزامن ذلك مع حشد إيران وحلفائها في شرق سوريا والإعداد لتحركات شعبية وعسكرية قامت بها إيران، للضغط علي الأميركيين،واستهداف مواقع أمريكية والمطالبة بالانسحاب، فقطع الأمريكيون الطريق بين الحدود العراقية والسورية.

ويأتي الفراغ اللبناني المركب رئاسيا وحكوميا وبرلمانيا منذ عشرة أشهر بعد مغادرة الرئيس مشيل عون قصر بعبدا،بعد فشل القوى السياسية في الاتفاق حول انتخاب رئيساً للجمهورية. مما يؤكد وجود قوي داخلية في إيران ترفض المضي قدماً في الاتفاق السعودي الإيراني وصولاً إلي التنصل منه،حيث تبث وسائل إعلام إيرانية علي لسان مسئولين تصريحات تفيد أن الاتفاق يشمل العلاقات الثنائية،وإعادة فتح السفارات،ولم يتطرق إلي الملفات الإقليمية،مما يعد تراجعا إيرانيا يتناقض كلياً مع مضمون بيان العاشر من مارس في بكين، والذي أشار الي ترتيب الوضع الإقليمي،واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شئونها.

ختاماً أثار صمت حزب الله وابتعاده عن الواجهة بشكل تام، علي الرغم من علاقته الوثيقة بمختلف الفصائل الفلسطينية،العديد من الشبهات حول وجود دوراً للحزب في أحداث المخيم،خاصة بعد سعيه في السنوات الأخيرة للسيطرة علي المخيمات،هل لعب حزب الله دوراً في تأجيج تلك الاشتباكات لتحقيق أكثر من هدف بداية من إستراتيجية إيران،الممثلة في مساعدة القوي والفصائل الموالية لها في السيطرة علي المخيم بعد إضعاف حركة فتح ،وصولاً لإحراج الجيش اللبناني وقائده جوزيف عون وإظهاره بمظهر غير القادر علي ضبط الأمن في المخيم ،خاصة بعد ارتفاع أسهمه في بورصة الترشيحات الرئاسية،ضد مرشح الحزب الوزير سليمان فرنجية ،وذلك بعد اجتماع اللجنة الخماسية المكلفة بالأزمة اللبنانية وهي مصر والسعودية وقطر وأمريكا وفرنسا،والذي انعقد في الدوحة منصف الشهر الماضي,والذي ناقشت فيه اللجنة إمكانية أن يكون قائد الجيش هو الخيار الثالث لرئاسة الجمهورية،بعد فشل أي من القوي اللبنانية في إيصال مرشحها إلي قصر بعبدا، سواء كانت الثنائي الشيعي والذي يضم حزب الله وحركة أمل، أو المعارضة  ومرشحهم الوزير جهاد أزعور.

كذلك يتضح أن مخيم عين الحلوة محل صراع بين حركتي فتح وحماس علي ورقة المخيمات واللاجئين،وجزء من نقل الصراع في غزة والضفة إلي لبنان،وذلك بقرار إقليمي أوسع، كما يشير توقيت الاشتباكات وسط الفراغ اللبناني والجاذبات الداخلية،يؤكد استخدامها كورقة ضغط بين الفر قاء اللبنانيين، كذلك يمكن للأوضاع الفلسطينية واللبنانية أن تنعكس دماً في مخيم كان دائماً صندوق رسائل محلياً وإقليمي.

د. حسام البقيعي

رئيس وحدة دراسات الأمن الإقليمي بالمركز، الباحث حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة القاهرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى