كيف ينظر الغرب إلى مقتل بريغوجين؟

انتظرت الدول الغربية حتى الإعلان رسميا عن مقتل بريغوجين وأعوانه على إثر سقوط طائرته في ٢٣ أغسطس الجاري، وكان من المتوقع أن تأتي ردود فعل الدول الغربية حادة بعض الشئ، ولكن كانت المفاجأة بردود أفعال هادئة على غير المعتاد في انتقاد أي تصرف روسي، وانحصر التركيز الأكبر لوسائل الإعلام الغربية على تفسير أسباب الحادثة وبيان تأثيرها على مجموعة فاجنر.

 تأسيسا علي ما تقدم، يناقش هذا التحليل مصير قوات فاجنر بعد مقتل قائدها وفقا للرؤية الغربية، وتداعيات الحادثة على مصالح الغرب بنظرة أعمق.

تأثير محدود:

بعد نحو يوم كامل من الحادثة وتساؤلات عن صحة خبر وفاة بريغوجين من عدمه، أعلن بوتين عن مقتل بريغوجين وبقية من كانوا معه في الطائرة، وعبر بوتين عن تعازيه الحارة لأسر الضحايا، كما أكد استمرار التحقيقات حتى النهاية، ولم يوجه الاتهامات لأي جهة بشأن الحادثة.

ومن بعدها اختلفت آراء الساسة والمحللين حول مصير قوات فاجنر، وطريقة تعامل بوتن معها بعد مقتل بروجين، وتبلور هذا الاختلاف في وجهتي نظر:

(*) الأولى:تري في فاجنر تجربة عالمية أثبتت نجاحها خارج روسيا، وبالتالي يصعب الاستغناء عنها على الأقل في المدى القريب، لأنه لديهم الخبرة الجيدة التي يجب الاستفادة منها حتى الرمق الأخير، إلا أن الأمر قد يوجب فقط بعض التنقيحات للسيطرة عليها، وكان أولها التخلص من قائدها المتمرد بريغوجين. ومن بين هذه الإجراءات أيضا:

  1. خلال الساعات الماضية، أصدر بوتين مرسوما يقضي بإلزام العناصر غير النظامية بأداء قسم اليمين مثل الجيش الرسمي، وقد تعود خلفيات هذا القرار إلى أنه بعد ضم أربع مناطق أوكرانية إلى روسيا تم إسناد حمايتها إلى قوات فاجنر، فدعت وزارة الدفاع فاجنر إلى حلف اليمين لأنها أصبحت تقاتل على أراضي روسية، إلا أنهم رفضوا. وبالتالي فقرار بوتين ألزم القوات الخاصة بالتوقيع لوزارة الدفاع لتكون تحت سلطة ومسائلة القانون. وهذا القانون سيسري على جميع المجموعات الخاصة و فاجنر ليست استثناءً، خاصة وأنه قبل الحرب الأوكرانية بدأت تنبت مجموعات عسكرية خاصة وقعت أيضا لوزارة الدفاع وأدت اليمين.
  2. أعاد بوتين توزيع المهام بين فاجنر ووزارة الدفاع، حيث أسند لوزارة الدفاع مهمة القتال في أوكرانيا، وفاجنر في بلاروسيا وأفريقيا، مما يشير إلى أن بوتن أراد تحديد مهام المجموعة بنفسه حتى قبل قتل قائده، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن بوتن لا يزال في حاجة فاجنر، على الأقل في المدى القريب، ولا مانع أيضا من مشاركتها في أوكرانيا بعد توقيعها لوزارة الدفاع.

وقد يؤكد ذلك أيضا، أنه طيلة الشهرين الماضيين حاول بوتين السيطرة على فاجنر، ومن المرجح أن يستمر هذا الأمر، فمن الصعب إيجاد مجموعة بديلة على وجه السرعة لفاجنر، خاصة وأنها تتولى حماية الاستثمارات الصينية في أفريقيا أيضا، ناهيك عن خبرتهم الطويلة هناك وصيتهم حول العالم.

وعليه، سيكون على الكرملين خلال الفترة المقبلة أن يقوم بتحديد الأشخاص الذين يدينون له بالولاء ويفضلون العمل مع الجيش الروسي، وأن يتم الاختيار من بينهم القادة الجدد لفاجنر.

أضف إلى ذلك، أن فاجنر قد لا يكون لديها نية للانتقام من بوتين، لأن بريغوجين لم يكن لديه أيةطموحات سياسية، بالعكس فقد كان مواليا لبوتين وروسيا، وكان خلافه فقط مع وزير الدفاع ورئيس الأركان، وهو ما أعلنه صراحة في خضم محاولة التمرد. وبتوزيع المهام من قبل بوتن بين الجانبين والمصالحة التي تمت بين بوتن وبريغوجين بوساطة بيلاروسية قد تكون أنهت الجدل بشأن نية فاجنر الانتقام، خاصة وأنها فقدت قائدها الكاريزماتي، ورفضت في وقت سابق دعوة قوات روسية تقاتل في صفوف أوكرانيا القتال إلى جانبهم. وقناعة مجموعة فاجنر هذه قد تكون نابعة أيضا من استسلامها للوضع القائم بدليل ترك مئات الجنود لمخيمات التدريب في بيلاروسيا خلال الساعات الماضية. وبناء على ذلك، قد تتحول فاجنر لمجموعة أكثر شراسة تحت قيادة بوتين، وأيدت بولندا وجهة النظر هذه.

(*) الثانية: والتي يرجحها محللين بريطانيين كُثر، أن فاجنر من دون بريغوجين لا شيء، وأن وفاته سيكون لها تأثير كبير على فاجنر نظرا لتمتعه بسمات شخصية استثنائية من الصعب توافرها في خليفة له. واستدلت صحيفة الجارديان البريطانية على ذلك بتقرير يفيد بأن المئات من مقاتلي مجموعة فاجنر غادروا مراكز التدريب في بيلاروسيا فورا ورود أنباء عن تحطم الطائرة، مما قد ينبئ بتفكك المجموعة نهائيا.

مواقف هادئة:

توالت المواقف الدولية التي وصفت بـ ” الهادئة ” بعد مقتل بروجين وتأكيد الحادثة من قبل عدد من المؤسسات الرسمية في روسيا؛ فقد أكد بايدن أن الخبر ” لم يكن مفاجئا له “، وأن روسيا لن يحدث بها شيء دون معرفة بوتين، وفرنسا قالت أن” لديها شكوك وتساؤلات بسبب الحادث “، في حين أكدت وزيرة الخارجية الألمانية، قائلا إن السلطات الروسية درجت دائما على هذا النمط من ” القتل المشبوه “.

بينما جاء الموقف الأوكراني في صيغة اتهامات من الرئاسة إلى بوتين، وفي الوقت نفسه نفي أي علاقة لكييف بالحادثة. أما بريطانيا فقد اعتبرت على لسان رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان إليسيا كيرنز أن ” رسائل الرئيس الروسي من مقتل قائد فاجنر عالية الصوت للغاية “، كما أشارت إلى أن السرعة التي أكدت بها السلطات الروسية على وجود بروجين على متن الطائرة المنكوبة يمدنا بكل ما نحتاج معرفته. أما وزير الخارجية البولندي فقد وصف ما حدث أنه ” ليس من قبيل الصدفة، وأن  المعارضين السياسيين الذين يعتبرهم بوتين تهديدا لسلطته لا يموتون بشكل طبيعي “. واعتبرت كايا كالاس رئيسة وزراء إستونيا ما حدث ” يظهر أن بوتن يقضي على معارضيه وهذا يخيف أي شخص يريد التعبير عن رأيه بشكل مختلف “.

في حين تكفل لوكاشينكو الرئيس البيلاروسي بالدفاع عن بوتن قائلا ” بوتن لم يفعلها، وأن بوتين سبق وحذر بريغوجين من الإعداد لمحاولات لاغتياله “.كما أكد سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسي من جوهانسبرج خلال قمة البريكس أن ” التحقيقات بدأت فورا “، ودعا إلى عدم الإنصات لما تقوله وسائل الإعلام الغربية وانتظار المعلومات الرسمية والتركيز على الحقائق.كما اعتبر الكرملين تصريحات بايدن وغيره من المسؤولين الغربيين ” غير مقبولة “.

وعليه، توقع محللون استغلال الغرب لهذه الحادثة لإضعاف روسيا من الداخل، هذه السردية رجحت تحركات غربية خلال الفترة المقبلة لتأجيج الشارع ضد بوتين وحكمه، خاصة في صفوف الشباب والليبراليين ممن ينتظروا نتائج التحقيقات حول مقتل بريغوجين.

وواقعيا، ورغم عداء الغرب لبوتين وروسيا، ولكن من وجهة نظر أعمق، يرونه القادر على السيطرة على الداخل الروسي ومنع أي فوضى داخلية أو انقسامات كبيرة، تخوفا من أن تهدد هذه الفوضى المنشآت النووية في روسيا باعتبار بوتين هو المتحكم الأول بها، وبالتالي طالما استمر الاستقرار في روسيا، تجنب الغرب أي تهديد نووي.

فالشيء الذي يخشاه الغرب أكثر من وجود بوتن نفسه، هو حدوث حرب أهلية في روسيا بسبب وجود الترسانة النووية الروسية، فإن تحول روسيا إلى فئات متنازعة تملك كل منها ذر نووي سيمثل تهديدا أكبر بالنسبة للغرب، وبالتالي فإنها مسألة أولويات غربية.

وقد يسهم في ذلك أيضا إدراك الروس من معارضين ومؤيدين مدى قوة بوتين،وتحديدا بعدما تخلص من بريغوجين ذو الشعبية الكبيرة، ولم تشهد روسيا أية احتجاجات إعلامية ولا حتي في الشارع، ولا تمردا آخر من قبل مجموعة فاجنر رغم ولائهم الشديد لفاجنر. ويمكن إرجاع ذلك لسببين، الأول هو عدم التأكد من سبب الحادثة حتى الآن إذا كانت  نتيجة لعطل تقني أم مدبرة، والسبب الآخر والأقرب، هو قوة بوتين وعقابه، وفي الوقت نفسه تراجع الاهتمام بنتائج الحرب الأوكرانية، خاصة وأن الروس في الداخل لديهم من الموارد ما يكفل لهم الاستقرار وغض الطرف عن السياسة الخارجية للدولة، ولهذا يبدو أن موت بريغوجين لم يكن دافعا قويا لتحريك الشارع وإفساد حياتهم واستقرارهم.

ومع ذلك، في هذه الحالة سيبقى بوتين أمام الشارع والمؤسسات في اختبار قوي، فقد أصبح بذلك مجبرا على حسم الحرب الأوكرانية، لأن أي إخفاق في هذا الملف سوف يتم إرجاعه لغياب بريغوجين، بالذات مع وجود عوامل تساعده على ذلك، مثل تراجع الجيش الأوكراني وتوقع فشل الهجوم المضاد في الخريف القادم كحد أقصي، وإدخال آخر احتياطي من الجنود الأوكران ” اللواء 82 ” ، نتيجة لهروب الشباب الأوكران من مكاتب التجنيد إلى الخارج، وفقا لجريدة التليجراف البريطانية.

وكان للدول الغربية رؤي مختلفة أيضا لسبب سقوط الطائرة، فالبعض يشير إلى أن الطائرة تم تفجيرها من الداخل، بسبب السقوط الحر للطائرة، وبعد العثور على ذيل الطائرة على بعد حوالي 5 كم من مكان السقوط،وهي كلها وقائع تشي بأن الطائرة تم تفجيرها من الداخل، مع ظهور تقاريرأيضا عن دخول صندوق به ” مشروبات كحولية ” قبيل إقلاع الطائرة مباشرة. خاصة وأن هذه الطريقة تم اتباعها في عمليات اغتيال سابقة، مثل حادثة اغتيال فلادلين تتارسكي. واستبعدت فرضية إسقاطها من الخارج، نظرا لأن القطع كانت كبيرة على الأرض.

وهناك وجهة نظر أخرى، تفيد بأن الطائرة تم إسقاطها من الخارج عن طريق رصاص الدفاع الجوي، وليس صاروخ، وتستدل وجهة النظر هذه على سقوط جناح الطائرة على حدى وبقية الطائرة سقطت ككتلة واحدة.

ختاما، فإن غموض الحادثة وتضارب المعلومات عن أسباب السقوط قد يكون مجرد حيلة روسية لعدم الكشف عن أي ملابسات رسمية ومؤكدة تخص الحادثة، حتى أن نتائج التحقيقات المنتظرة قد لا يخرج منها الكثير، وقد يكون المتهم الأول فيها الطيار نظرا لكونه آخر شخص فحص الطائرة.

وردة عبد الرازق

رئيس برنامج الدراسات الأوروبية و الأمريكية ، حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية، جامعة بنى سويف، الباحثة مهتمة بدارسة الشأن التركي ومتابعة لتفاعلاته الداخلية والخارجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى