من قتل قائد “فاجنر”؟

في مقابلة صحفية سأل “بوتين” بعد توليه الرئاسة عام 2000، إذا كان إنساناً متسامحاً أم لا.. فأجاب أنه “قادر علي التسامح.. لكن ليس علي كل شيء خصوصاً الخيانة”. وفي منتصف الرابع والعشرين من يونيو الماضي، وعقب تمرد فاجنر، خرج “بوتين” متحدثاً عن التمرد، واصفه بأنه خيانة لروسيا، وطعنة بالظهر، لكن دون ذكر لفاجنر وقائدها.

 وفي ظل مقتل “برويجوجين” وفقا لحادثة الطائرة المعلن عنها في مساء الأربعاء الـ 23 من أغسطس، وتأكيد السلطات الروسية مقتله ضمن 9 أفراد آخرين كانت تنقلهم طائرة خاصة، تحطمت في شمال موسكو- يبقى السؤال، هو: ما مصير معظم معارضي “بوتين” خلال فترة حكمة الممتدة منذ عام 2000 ؟ ومتى تم اتخاذ قرار التخلص من بريجوجين؟

مفاجأة مربكة:

مازال الغموض يسيطر علي مصير قائد فاجنر، فقد أكدت وكالات أنباء روسية سقوط طائرة خاصة،وتحطمها مساء الأربعاء 23/8/2023، وكان بريجوجين أحد ركابها، وأظهرت تلك الوكالات حطام وقد تهشم بشكل كامل ،حيث كانت تقل علي متنها 7أشخاص، إضافة إلي طاقمها المكون من ثلاثة أشخاص آخرين، وكان بريجوجين أحد ركابها حسب بيان وكالة النقل الفيدرالية الروسية، وهو التأكيد الذي قد يثبته التأكد من هوية جثث ركاب الطائرة العشرة، وفي بداية يوم الخميس الـ 24 من أغسطس أعلنت بعض وسائل الإعلام عن مصدر سياسي في فاجنر أن خبر وفاة بريجوجين ليس مؤكداً بعد، وأشار المصدر بأنه لم يتم التأكد من جود جثة بريجوجين، راجياً وسائل الإعلام عدم نشر معلومات غير دقيقة عن مجلس فاجنر، ومصير بريجوجين، وما أثار المزيد من اللبس، ما أظهرته بيانات تتبع رحلات الطيران من أنه وبعد وقت قصير من سقوط الطائرة، غيرت طائرة ثانية مرتبطة ببيريجوجين وجهتها، بعد أن كانت متجه فيما يبدو إلي سانت بطرسبرج مقر بريجوجين الأساسي، وعادت إلي موسكو. وبعد تتبع الرحلات الجوية التي استعرضتها وكالة اسوشيتد برس، تبين أن الطائرة مسجلة باسم فاجنر واستخدمها بريجوجين من قبل، وإنها أقلعت من موسكو مساء الأربعاء.

وكان بريجوجين قد نشر شريط فيديو مصور، مساء الاثنين الـ 21 من أغسطس الجاري، قال فيه أنه “موجود في إفريقيا ويعمل علي جعل روسيا أعظم في جميع القارات وضمان مزيد من الحرية في إفريقيا، وإن أشارت غالبية المؤشرات والمصادر إلي مقتل بريجوجين علي متن الطائرة،وأصبح الجميع في انتظار بيان رسمي يؤكد ذلك.

مصير معارضي بوتين:

جدير بالذكر أن كثيراً من معارضي بوتين منذ توليه السلطة، قد تعرضوا للقتل بوسائل مختلفة، وهناك من بقي علي قيد الحياة سواء في  السجن أو المنفي، وكانت تلك أبرز الأسماء هم: بوريس نيمستوف، هو زعيم معارض لبوتين سقط قتيلاً في عام 2015، بالقرب من أبواب الكرملين، حيث كان يحضر لمظاهرات حاشدة ضد بوتين. أما الثاني فكان، هو أنا بوليتكوفسكايا، وهي ناشطة سياسية، عرفت برفض الحرب علي الشيشان، وسقطت قتيلة بأربع رصاصات أما شقتها قي موسكو،في عام 2006. أما الثالث، فكان هو بوريس بيريوفسكي، وهو رجل أعمال روسي ومعارض لبوتين قتل في منفاه في لندن، بعد ما تم شنقه. وتلاحظ أنه يربط بين هؤلاء وغير أنهم من معارضي بوتين وكذلك لم تتوصل التحقيقات في مقتلهم إلي شئ.

وعلي الرغم من أن معارضي بوتين تم تصفيتهم وقتلهم، إلا أن بعض منهم مازال حياً، ولكن في المنفي أو وراء الأسوار، وكان أبرز هذه الأسماء، هم: إليكسي نافالني، هو أحد أبرز معارض بوتين، وأعتُقل أكثر من مرة، من بينها أعوام 2011،2014،2021، واتهم الرئيس الروسي بمحاولة تسميمه عام 2021، حيث تعرض لغاز الأعصاب نوفيتشوك، أثناء رحلة لسيبريا مما دفعه إلي الانتقال إلي ألمانيا لتلقي العلاج، وما أن عاد إلي روسيا عاد أعُيد اعتقاله، حيث ألهبت عودته، حماسة المتظاهرين، والمعارضين لفترة قصيرة، وأعلن معارضته للحرب في أوكرانيا، وأنها تُشن لإبعاد الأنظار عن الفساد الموجود في الدولة الروسية، وقد اتهم بوتين بأنه يسعي إلي تلطيخ أيدي مئات الآلاف من الأشخاص بالدماء في حربه الإجرامية والعدوانية. أما الثاني، فهو دميتري جودكوف، وهو عضو سابق في مجلس الدوما، هرب إلي أوكرانيا عام 2021، بعد ضغوط مُورست عليه، وتهديدات بالاعتقال، حيث أُبلغ بمنعة من الترشح للانتخابات النيابية. وكان الثالث، هو أندري بيفوفاروف، هو رئيس منظمة روسيا المفتوحة(سابقا) قيل أن تُحل المنظمة نفسها عام 2021،وتوقيف عضوية أعضائها، وهي جماعة مطالبة بالديمقراطية أسسها الأليجارش الروس ميخائيل خودروركوفسكي، إثر ضغوط من الدولة الروسية، إذ صنفتها من ضمن المؤسسات غير المرغوب بها. ولاحقا اعتقلت السلطات الروسية أندري بعد اعتراض طائرة كان يستقلها متجه إلي بولندا. أما الرابع، فهو ميخائيل خودوركوفسكي، وهو من المعارضين الشرسين لبوتين، وكان يشغل مدير شركة النفط العملاقة  يوكوس، وقضي 10 أعوام في السجن،وقد وصفها أنها لدوافع سياسية. وتمثل الخامس في فلاديمير كارا-مورزا: كان فلاديمير مقرب من المعارض البارز بوريس نيمتسوف، الذي اغتيل عام 2015، وتمت محاكمته بجريمة الخيانة العظمي، حُكم عليه بالسجن 25 عاماً في 17إبريل 2023، ولم يسبق أن حُكم علي معارض بتلك المدة الطويلة من قبل.

متى اتخذ قرار قتل بريجوجين؟:

لم يكن التخلص من قائد فاجنر بريجوجين قراراً سهلا، وهو ما يفسر عدم ذكر بوتين له ولمجموعته عشية التمرد ، التي لا تعرف قائدا سواه،مما يعني فقدان السيطرة عليها  دور فاجنر حالة التخلص منه، وهو ما يعني فقدان رأس مال جيوسياسي في العديد من مناطق العالم التي تعمل بها المجموعة خاصة في سوريا والقارة الإفريقية تحديداً في ليبيا والسودان والساحل الإفريقي لدعم مصالح الكرملين. وفي المقابل أدرك بريجوجين تلك المعادلة جيداً مما جعله يمتلك القدرة علي التحدي وعدم خشية العواقب، حيث التعرض له يعنى خسارة الكرملين، ولذلك قبل الكرملين

وساطة الرئيس البلاروسي، بل وأصدر عفواً عنه، وإن كان كل ذلك لا يمنع أن قائد فاجنر بريجوجين سوف تتم محاسبته علي الغدر والخيانة  التي تحدث بوتين يوم التمرد عنها، واتخاذ قرار التخلص منه مستقبلاً بعد تغير الواقع، من ترتيبات داخل الجيش الروسي ،وكذلك داخل الدولة الروسية.

ويعتقد مع تأكيد نبأ مقتل بريجوجين، أن اللحظة المناسبة لذلك قد حانت، بعد التأكد علي  الدور الجيوسياسي الذي تقوم به في العديد من مناطق العالم خدمةً لمصالح روسيا، ذلك الدور الذي تقوم به في الحرب الباردة الجديدة لصالح روسيا والاعتراف أن فاجنر أحدي مؤسسات الدولة الروسية، ونسي قائد فاجنر بريجوجين، أو تناسي أن بوتين لا يسامح أحداً.

رسائل بوتين:

إن تصفية قائد فاجنر بريجوجين إن تأكدت، وبعد مرور أقل من شهرين علي حادثة تمرد فاجنر وقائدها، تحمل في طياتها رسائل عديدة لجهات مختلفة، أهمها الأوليجارشية الروسية وذلك قبل الانتخابات في 2024، وهي فليحترس الجميع، أن عدم الولاء يعني الموت. وتحمل الحادثة رسالة مهمة إلي الجيش الروسي حيث وقعت الحادثة في نفس اليوم الذي أعلنت فيه موسكو أن الجنرال سيرغي سوروفيكين، قائد القوات الجوية وأحد أبرز ضباط الجيش الروسي أُعفي من مهامه، وهو الجنرال الذي جمعته صلات وثقة بمجموعة فاجنر وقائدها. وسبق أن أُتهم بعلمه  مسبقاً بتمرد فاجنر.

وختاماً من خلال تعامل بوتين السابق مع معارضيه، وكذلك اللذين يتهمهم بالخانة التي لا يستطع التسامح معها، حسب ما جاء بتصريحاته الصحفية في بداية حكمة، وعندما وصف تمرد فاجنر وقائدها بالخيانة دون ذكر المجموعة وقائدها،فإن بوتين قرر في تلك اللحظة معاقبة بريجوجين، علي ما قام به من تمرد علي الرغم استفادة بوتين من هذا التمرد في إعداد تنظيم الدولة الروسية، وكذلك قيام الجيش الروسي، بإعفاء الجنرال سيرجي سوفيكين، قائد القوات الجوية الروسية، وأحد أشهر قادة روسيا العسكريين.

 

 

د. حسام البقيعي

رئيس وحدة دراسات العالم، الباحث حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة القاهرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى