شمولية الرؤية: الاستراتيجية السعودية في مكافحة التطرف والإرهاب

حققت المملكة العربية السعودية خلال العقدين الماضيين علي وجه التحديد، نتائج هائلة في مجال مكافحة التطرف بكافة أشكاله، ويظهر ذلك جليا في الآليات والمرتكزات المتبعة في هذا الجانب، لاسيما في ظل انتشار الفكر المتطرف محليا وإقليميا وعالميا. وقد أثبتت التقارير الأممية بالفعل نجاح الرياض في مواجهة التطرف على أراضيها، من خلال جهود فعالة تجتث الإرهاب والتطرف من جذوره، وتجفف منابعه، عن طريق غلق القنوات التي تعبر من خلالها أدوات الاستقطاب والدعم والتمويل.

مع ذلك، لم يخلو المجتمع السعودي من بعض أشكال التطرف والغلو، وذلك من خلال ممارسات وطرق خبيثة، وتغرير بالشباب ومحاولة استقطابهم وتضليلهم، ولكن المملكة كانت تقف لهم بالمرصاد وعلى يقظة دائمة، وتبذل قصارى جهدها لاستئصال التطرف والعنف، وتعمل على استتباب السلم، والأمن علي جميع الأصعدة، وموقف المملكة منذ تأسيسها، ثابت ضد هذه الظواهر الهدامة. ودائما ما تنوه قيادة المملكة إلى خطورتها في كافة المحافل. كما جاء في كلمة الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، التي ألقاها في شهر رمضان عام 2019، قائلًا: “إن الإرهاب لا يفرق بين الحق والباطل، ولا يراعي الذمم، ولا يقدر الحرمات، فقد تجاوز حدود الدول، وتغلغل في علاقاتها، وأفسد ما بين المتحابين والمتسامحين، وفرق بين الأب وابنه، وباعد بين الأسر، وشرذم الجماعات”.

 استنادا إلي ما سبق…. سنحاول في هذا التحليل، بيان جهود المملكة العربية السعودية في هذا المجال من خلال الآليات التي اتبعتها والمسارات المنتهجة وفقا لمعطيات الداخل السعودي وكذلك ارتباطًا بحالة مكافحة التطرف إقليميا وعالميا، ومدى فعاليتها وانعكاساتها.

الإصلاح الدعوي في رؤية المملكة 2030:

أرست القيادة السعودية مبادئ العودة للاعتدال وفتح المجال أمام كافة الاجتهادات بالمذاهب الفقهية دون احتكار لتفسير واحد، وهو ما يتضح في “رؤية المملكة 2030” التي أطلقتها الرياض في عام 2016م، واشتملت على خطة واسعة لمكافحة التطرف والإرهاب، إلى جانب خطط اقتصادية وتعليمية واجتماعية وتنموية. ولقد حرصت هذه الرؤية منذ انطلاقها على معالجة ومحاربة الأفكار المتطرفة، والأيديولوجيات الحزبية والحركية، متبعة في ذلك عدة أساليب فكرية، مثل ضبط الخطاب الدعوي، والبعد عما يثير الفتنة والفرقة، أو يحض على العنف، أو يروج لأفكار وافدة ذات سياسة تخريبية. إلي جانب الأساليب الأمنية، وتوجيه الضربات الاستباقية للخلايا والمجموعات الإرهابية.

كما اتبعت الرياض من خلال تلك الرؤية، مسارًا محددًا من أجل القضاء على التطرف الفكري والأيدولوجيات الإرهابية، وما كان يسمي بمشروع “الصحوة”، وذلك من خلال ترسيخ الشعور بحس الوطنية لدي المواطن السعودي، فقد عانت المملكة من ويلات الفكر المتطرف وجماعاته، مثل: سطوة مشروع الصحوة وتغلغل جماعة الإخوان في مفاصل العديد من المؤسسات وما كان يقوم به رموزها من دعاة السياسة، وكذلك ظهور تنظيم “داعش” الإرهابي وما يتبناه من فكر متطرف وعمليات إجرامية ممنهجة وممولة، ما تسبب في زعزعة الأمن والاستقرار.

آليات المملكة لمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف:

تتبني المملكة العربية السعودية استراتيجية واضحة وفعالة في مجال مكافحة التطرف، تقوم علي آليات ومرتكزات محددة، وذلك باتخاذها عدة مسارات شمولية: كمسار “المعالجة الفكرية“، فالفكر لا يعالج إلا بفكر، و”المعالجة الأمنية” وهي الطريقة التقليدية المتبعة في كافة الأنظمة والحكومات، بالإضافة إلي “المعالجة التنظيمية” عبر سن التشريعات والقوانين التي تحاصر أنشطة التطرف والإرهاب، لتعزيز المسارين الفكري والأمني. كما يعد موقف المملكة من الإرهاب والعنف والتطرف في الحاضر، هو امتداد لذلك الدور الطليعي النابع من عقيدة الإسلام السمحة، فقد واصلت جهودها علي مر العقود في مكافحة التطرف بلا هوادة، محليا وعالميا، وشاركت في جميع الاتفاقيات والمعاهدات التي أبرمت، والفعاليات والمؤتمرات التي عقدت، بهدف اجتثاث الإرهاب من جذوره بشتى صوره وأشكاله.

وانقسمت جهود المملكة في مكافحة التطرف والإرهاب إلي:

(*) تفكيك بنية الفكر المتطرف: تتمثل في إنشاء المراكز الفكرية بالمملكة لتأهيل المتطرفين ومكافحة الفكر المتطرف، وأيضا دور المؤسسات التعليمية داخل المجتمع من خلال تعديل المناهج وإبعاد متطرفي الفكر عن العملية التعليمية، ومنها ما يلي:

1-مركز المناصحة والرعاية: هو برنامج حكومي، أطلق في عام 2004م، لإعادة تأهيل المتطرفين عقليًا ونفسيًا وجسديًا، وإعادة دمج المتطرفين (السابقين) في المجتمع، كذلك رفع الوعي الثقافي للمواطنين لمنع التحاقهم بالجماعات المتطرفة والإرهابية بمناطق الصراعات. ويمزج برنامج “المناصحة والرعاية” دروسًا حول التفسيرات الوسطية والمعتدلة للشريعة مع رفع اللياقة البدنية والترفيه والاستشارات.

2-مركز اعتدال: يعد مركزًا عالميًا، بالمملكة العربية السعودية لمكافحة التطرف الرقمي. وتم تأسيسه خلال القمة العربية الإسلامية الأمريكية التي احتضنتها الرياض في 21 مايو 2017م. ومن مهام المركز تطوير نظم الذكاء الاصطناعي لتحديد المواقع الجغرافية التي تحتضن بؤر وحواضن الفكر المتطرف، ويعتمد المركز في مواجهة الفكر المتطرف على صناعة إعلام ومحتوى محترف ينشر الأفكار الوسطية والمعتدلة والتنويه علي خطورة العنف والغلو.

3-دور المؤسسات التعليمية: قامت المملكة بتغيير مناهجها الدراسية، من أجل تعزيز قيم الوسطية والاعتدال ومحاربة التطرف ومعالجة آثاره، وتعزيز التفكير النقدي وتشجيع المبادرات العلمية والبحثية عبر إنشاء وحدات “التوعية الفكرية” في جميع إدارات التعليم والجامعات بالمملكة.

ونظرًا لأن المناهج الدراسية التي تحتوي على محتوى متشدد ومناف للقيم المجتمعية السلمية، تساهم في الحض على الكراهية والعنف بين أفراد المجتمع مما يتسبب في خلق عقول متطرفة، لذا، ومنذ عام 2016م، سحبت المملكة نحو 80 كتابًا من مكتبات ومراكز المؤسسات التعليمية داخل البلاد، والإبعاد الفوري للعاملين في المدارس ممن لديهم إيديولوجيات متطرفة وتكليفهم بأعمال إدارية خارج المدارس بصفة مؤقتة لحين البت في قضاياهم.

(*) محاصرة الظاهرة والفاعلين الإرهابيين عالميًا: تتمثل في المشاركة في المؤتمرات والفعاليات الدولية، بل واستقبالها أحيانًا على أرض المملكة، إلى جانب توقيع الاتفاقيات والمعاهدات اللازمة في هذا الصدد، والتعاون الدولي مع المؤسسات التي تقف في مواجهة التطرف. ومن أمثلة ذلك ما يلي:

أ-توقيع المملكة على “معاهدة مكافحة الإرهاب الدولي” في منظمة التعاون الإسلامي (المؤتمر الإسلامي آنذاك) في مايو عام ۲۰۰۰م، وكانت تلك نقطة البداية في سلسلة الجهود السعودية لاستئصال جذور الإرهاب والتطرف، والتعاون مع المجتمع الدولي، والمشاركة في جميع المحافل الدولية التي ترمي لمواجهة تلك الظاهرة والقضاء عليها، وتجريم من يقف خلفها.

ب-تشكيل “التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب”، والذي تم الإعلان عنه  في 15 ديسمبر 2015م، من قبل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وهو أول تحالف دولي يقوده العالم الإسلامي. ويهدف التحالف، والذي يضم تحت لوائه 41 دولة، إلى تنسيق وتوحيد الجهود السياسية والفكرية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية بين الدول الإسلامية لمحاربة جميع أشكال الإرهاب والتطرف والتكامل مع جهود دولية أخرى في مجال حفظ الأمن والسلم الدوليين. كما يعمل التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب على بناء قاعدة معلومات حول برامج محاربة الإرهاب وأفضل الممارسات التي تتبناها الدول الأعضاء والمنظمات الدولية.

كما قدم “التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب” ومقره الرياض، جهودًا هائلة في كافة المجالات الفكرية، والإعلامية، والعسكرية، ومحاربة تمويل الإرهاب، بالإضافة إلي إقامة المؤتمرات والفعاليات واستقبال الشخصيات الهامة إقليميًا وعالميًا، وتنسيق جهود الدول الأعضاء في التحالف. وكان من أبرز فعالياته، إقامة “المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الإلكتروني” في ديسمبر 2022م، وتم فيه مناقشة مخاطر التطرف في استقطاب وتجنيد الأفراد عبر الإنترنت وسبل مواجهته.

جـ-مشاركة المملكة في الفعاليات الدولية المعنية بمكافحة الإرهاب والتطرف، مثل المشاركة في فعاليات مؤتمر “سلام” لمواجهة التطرف والذي انعقد برعاية دار الإفتاء المصرية في يونيو 2022م، ويساهم في تجفيف منابع التطرف والتحريض على العنف والكراهية فكريًا واقتصاديًا بمختلف أشكاله وصوره محليًا وإقليميًا ودوليًا.

كما شاركت “وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودي” في سبتمبر 2022م، في “المؤتمر السابع لزعماء الأديان” بحضور بابا الفاتيكان البابا فرانسيس، وأكدت الوزارة على جهود المملكة في مكافحة الأفكار المتطرفة وتعاونها المثمر في دعم وبناء القدرات الدولية لمحاربة ظاهرة التطرف واستخدام شبكات التواصل الاجتماعي في نشر الأفكار المتطرفة.

ء-الدعم المالي الدولي: قدمت الرياض دعمًا ماليًا بمبلغ 300 ألف دولار في يناير 2023م، لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، وذلك ضمن مشروع “تطوير الاستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب”.

وختامًا؛ نجد من خلال ما سبق أن المملكة لم تدخر جهدًا في مكافحة الإرهاب واجتثاث جذوره، عبر تعميم قيم الإسلام السمحة، والاعتدال، والوسطية، ورفض ربط التطرف والإرهاب بالإسلام شكلًا ومضمونًا، وتجريم “جماعات الإسلام السياسي”، لذا اتخذت الرياض إجراءات جادة في مكافحة الفكر المتطرف وبذلت جهودًا في غاية الأهمية، وصل صداها إلى كافة المستويات، ولا تزال تقدم المزيد.

وتكتسب تحركات المملكة في مجال مكافحة الإرهاب زخمًا كبيرًا، في إطار الاستراتيجية الشاملة التي تتبناها القيادة الحالية ممثلة في الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان على وجه التحديد لمكافحة الفكر المتطرف، وكانت الأكثر قوة وتأثيرًا، فالمملكة من أكثر دول العالم، التي عانت من الإرهاب والتطرف، وشنت ضربات استباقية على أفراد الجماعات التكفيرية والمتطرفة.

سارة أمين

سارة أمين- باحث في شئون الشرق الأوسط، الباحثة حاصلة علي ماجستير في العلوم السياسية، شعبة العلاقات الدولية، متخصصة في دراسة شئون الشرق الأوسط والخليج العربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى