ما تأثير اشتباكات “طرابلس” علي الانتخابات الليبية؟

بعد اندلاع الاشتباكات المسلحة في العاصمة طرابلس في 15 أغسطس 2023، تجددت المخاوف الليبية من أن يؤدي الوضع الأمني المتدهور إلي تأجيل الانتخابات التي أُجلت قبل عامين من قبل “القوة القاهرة”، إذ وقعت تلك الاشتباكات بين القوتان العسكريتان الأكثر نفوذًا في طرابلس، هما اللواء 444 التابع لوزارة الدفاع في حكومة الدبيبة، وقوة الردع الخاصة التابعة للمجلس الرئاسي الليبي، أثر احتجاز الثانية “محمود حمزة” قائد اللواء 444 داخل مطار معيتيقة أثناء محاولته السفر دون إبداء الأسباب، مما تسبب في حدوث اشتباكات مسلحة بين الطرفين، ونتج عن تلك الاشتباكات مقتل 55 شخصاً وإصابة أكثر من 140 آخرين في أعمال العنف التي وصُفت بأنها الأسوء هذا العام.
وتوقفت تلك الاشتباكات بعد الإفراج عن أمر اللواء 444، وتسليمه إلي جهة “أمنية محايدة”، وبالرغم من ذلك لا تزال الاشتباكات مستمرة بطريقة متقطعة بين الطرفين، بالإضافة إلي وصول قوات إضافية للعاصمة طرابلس، مما يهدد من تصعيد الأوضاع في ليبيا، وأيضاً الخوف علي مستقبل الانتخابات الليبية في ظل محاولة التوصل إلي اتفاق بين مجلس النواب والأعلى للدولة (6+6) علي بعض النقاط الخلافية في قوانين الانتخابات، ويبقي التساؤل الرئيسي، وهو: هل يؤثر تجديد الاشتباكات في ليبيا علي إجراء الانتخابات الرئاسية؟ وما الأسباب التي أدت إلي تعثرها قبل عامين؟
استمرارية الأزمة:
بعد تسليم مجلس حكماء النواحي الأربعة في ليبيا آمر اللواء 444 إلي “جهة محايدة”، لا تزال الأزمة السياسية في ليبيا مستمرة في ظل وجود حكومتين في البلاد، الأولي في الشرق مكلفة من البرلمان يرأسها “أسامة حماد”، والثانية في الغرب وهي منبثقة عن اتفاقيات سياسية رعتها الأمم المتحدة، حيث ترفض الثانية بقيادة “عبدالحميد الدبيبة” تسليم السلطة إلا عبر إجراء انتخابات، إذ صرحت وكالة “رويترز” باستمرار الاشتباكات المسلحة في عين زارة عقب إطلاق سراح آمر اللواء 444. كما حذرت وكالة “نوفا الإيطالية” من تجدد الاشتباكات، مؤكدة وجود تعبئة اشتباكات عسكرية في المناطق الجنوبية في طرابلس وعلي طول طريق عين زارة الذي يربط المنطقة المتجانسة في جنوب شرق طرابلس والمنطقة القريبة من الجامعة، وحذر أيضاً مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي “جوزيببوريل” من تجدد أحداث طرابلس، معتبراً أنها تذكير حي بهشاشة الوضع الأمني في ليبيا، وأشار بويل إلي الحاجة الملحة لإجراء انتخابات لإيجاد حل سياسي مستدام وشامل في ليبيا، كضمانة وحيدة لعدم تجدد الاقتتال.
وبالرغم من توقيع لجنة (6+6) علي قوانين الانتخابات والتي تحمل طابع الإلزام ولا تحتاج حتي لمصادقة مجلسي النواب والدولة عليهما، إلا أن هذه القوانين غير قابلة للتطبيق علي أرض الواقع في ظل عدم رضا الأطراف المتصارعة.
ويرجع بعض الخبراء استمرارية الحالة السابقة إلي أن لجنة (6+6) لم تحسم بعض النقاط علي الرغم من إعلانها الاتفاق علي الصيغة النهائية لقوانين الانتخابات في بلدة “بوزنيقة” المغربية في يونيو الماضي، بالإضافة إلي عدم توقيع كل من رئيس المجلس الأعلى للدولة ورئيس مجلس النواب علي الاتفاق النهائي لقوانيين الانتخابات، رغم أنه من الناحية الدستورية والقانونية يعد شكلياً باعتبار أن عمل اللجنة نهائي وملزم، إلا أنه من الناحية الرسمية والفعلية ضروري لسببين الأول، أنه لابد من توقيع رئيس مجلس النواب علي قوانين الانتخابات لنشرها في الجريدة الرسمية حتي تدخل حيز النفاذ، أما الثاني، يرتبط بقوي الأمر الواقع، فبدون توافق بين القوي السياسية والأمنية تصبح قوانين الانتخابات حبراً علي ورق، حتي ولو صدرت من الجريدة الرسمية علي غرار قوانين الانتخابات التي أصدرها مجلس النواب في عام 2021، بدون موافقة مجلس الدولة، والتي لم تُنفذ بعد.
وبالتالي تكثر المخاوف من استمرار النزاع المسلح بين القوتين المسلحتين اللذين يتقاسمان النفوذ في طرابلس ويتسارعان عن الهيمنة العسكرية عليها، لذا يظل الملف الليبي مفتوح لكل الاحتمالات.
أسباب تعثر إجراء الانتخابات:
يرجع تعثر إجراء الانتخابات وتأجلها لمدة عامين من تاريخ عقدها في 24 ديسمبر 2021 إلي العديد من الأسباب، أهمها: تضارب المصالح الشخصية والتدخلات الخارجية والعقبات القانونية، ووجود المرتزقة، كل ذلك يظل عائقاً أمام إنهاء العنف وإيجاد حلول سياسية رغم الضغوط التي تمارسها الأمم المتحدة وبعض القوي الغربية لإجراء الانتخابات وتهدئة الوضع الأمني الليبي، ويتم رصد تلك الأسباب كالتالي:
(*)عدم وضوح نصوص قانونية تحدد صلاحيات الرئيس: بموجب قانون انتخاب الرئيس، ومع استمرار العمل بوثيقة دستورية “مؤقتة” منذ انتفاضة 2011، لا توجد نصوص قانونية توضح صلاحيات الرئيس الذي سيتم انتخابه، مع استمرار الخلاف حول “مسودة الدستور” المقترحة التي لم تعرض علي الاستفتاء الشعبي منذ سنوات، وفي ظل الاشتباكات الواقعة بين القوتان العسكريتان الأكثر نفوذًا في طرابلس أصبحت الأمور أكثر تعقيدًا، لذا لابد أولاً من تشكيل حكومة موحدة، ووضع قوانين تنص علي مهام وصلاحيات الرئيس من خلال قيام الأطراف الفاعلة بالإسراع في معالجة العقبات القانونية والسياسية التي تواجه العملية الانتخابية.
(*) تدهور الوضع الأمني: في وقت سابق تمكنت ليبيا من إحراز تقدم سياسي، وتحديدًا بعد وقف إطلاق النار بين شرق ليبيا وغربها، وعلي الرغم من ذلك يزداد الوضع الأمني تدهورًا، ففي الشرق، ظل الوضع مضطرب، وأيضاً أماكن أخري يسود فيها حكم المجموعات المسلحة المتنافسة أحياناً، بالإضافة إلي حدوث الاشتباكات المسلحة بين اللواء 444، وقوة الردع الخاصة، إذ تسببت تلك الاشتباكات في تعرض بعض المنازل للسقوط بقذائف عشوائية في مناطق مختلفة في العاصمة الليبية، كما أدت إلي إقفال مطار طرابلس وتعليق الرحلات الجوية، وأدت أيضاً إلي مقتل 55 شخصاً وإصابة أكثر من 140 آخرين في أعمال العنف التي وصفت بأنها الأسوء هذا العام، مما جعل الوضع الأمني أكثر تعقيدًا، كما تجددت المخاوف من أن يؤدي الوضع الأمني الحالي إلي تأجيل الانتخابات مرة أخري.
(*) ضعف الثقة بالنخبة السياسية: بعد إعلان النخبة السياسية في ليبيا مساعدة الشباب علي الزواج ورفع شعار إعادة الإعمار والحصول علي قروض، تحولات كل هذه الإدعاءات إلي محاولة خبيثة لبقاء الوضع كما هو عليه، حيث أصدر الدبيبة قرارات بتمويل الجماعات المسلحة للانضمام إلي جهاز أمني جديد يسمي “دعم الانتخابات والدستور”، وعلي الرغم من أن دبيبة ليس لدية مشروع سياسي، إلا أن الدور الذي وعد به هو قيادة حكومة موحدة تمهد للانتخابات، ولكن بعد أشهر من الفشل المتعمد، اتضح أنه يرغب في مزيد من السلطة والبقاء في منصبه، وأيضاً الترشح في الانتخابات في حال انعقادها، وما يثبت ذلك الاشتباكات التي شهدتها ليبيا بين اللواء 444، وقوة الردع الخاصة، حيث يطمع كلاهما للهيمنة العسكرية والحصول علي مزيد من السلطة علي حساب المدنيين.
وضع خطر:
بعد قراءة الوضع المتدهور التي تمر به ليبيا، يعد إجراء الانتخابات في ظل سيطرة الميليشيات المسلحة علي العاصمة طرابلس أمر صعب، حيث أن الوضع يزداد تعقيدًا في ظل استمرار الاشتباكات في العاصمة طرابلس، بالإضافة إلي أن أي حكومة في الوضع الحالي لن تستطيع فرض سيطرتها علي طرابلس في ظل وجود العناصر المسلحة، كما أن تشكيل حكومة أخري لن يؤدي إلي حل الأزمة مع استمرار تلك الاشتباكات بين القوتين المسلحتين ومحاولة الانفراد بالسلطة، لذا تظل العملية السياسية معتقدة وغير قابلة للحل وسط عدم قدرة أي مسؤول سياسي علي التدخل لوقف تلك الاشتباكات المتجددة بشكل دائم.
ومما سبق، تعد تلك الاشتباكات التي شهدتها طرابلس أسواء سيناريو يمكن مشاهدته في الغرب، نظراً لأنه صراع بين أكبر قوتين نفوذًا في العاصمة طرابلس، حيث تمتلك تلك القوتين عددًا كبيراً من السلاح والعتاد، وتتمركزان وسط مناطق سكانية، مما يجعل الاشتباكات بينهما كارثية علي الشعب الليبي. لذا تجددت المخاوف من فكرة عودة الفوضي والاحتكام للسلاح من جديد في الغرب الليبي، وبالتالي استمرار اختلال النظام وتدهور المسار الأمني يجعل كل محاولات طرح الحلول لحل الأزمة بلا جدوي، بالإضافة إلي أن الظروف غير مهيأة الآن لإجراء الانتخابات، لأن الأمن من أهم عناصر إجراءها.
وبالتالي لا توجد عملية سياسية في البلاد وسط وجود الميلشيات والتدخلات الدولية، حيث يعد المجتمع الدولي المتهم الأول بعدم دعم الجيش والسماح بالتدخلات الخارجية منذ عام 2011 وحتي الآن. لذا نجاح الانتخابات والعملية السياسية يتوقف علي عدة عوامل؛ أهمها: الاستقرار السياسي الأمني وفرض مؤسسات الدولة علي السلاح، وأيضاً إجراء الانتخابات يحتاج إلي دعم جهود توحيد المؤسسة العسكرية الجارية حالياً بحيث تسيطر علي السلاح وتحتكر استخدامه للمؤسسات الدولية،لذا لابد من ضرورة توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية بشكل أسرع، وضبط السلاح في يد الجهتين فقط.
في النهاية، يمكن القول إنه في ظل الاشتباكات المسلحة التي تشهدها ليبيا بين الحين والأخر، وفي وقت يسعي فيه الليبيون إلي إجراء الانتخابات الليبية- زادت الأمور تعقيدًا؛ لأن بإجراء الانتخابات وتحول ليبيا إلي دولة مستقرة بنظام حكم منتخب وبرلمان مستقر وآمن، يؤثر علي مصلحة الميليشيات وقادتها، لذا لن تجري انتخابات في ليبيا تنتج عنها استقرار في الوضع الأمني الحالي للبلاد، في ظل وجود تلك الميليشيات، ولكن في حالة إعادة بناء وتوحيد المؤسسات، بالإضافة إلي تشكيل حكومة موحدة وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2656 لفرض الأمن والإشراف علي الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي يتطلع إليها الليبيون من المؤكد إجراء الانتخابات وعودة الاستقرار الأمني للبلاد.