“داعش” وأخواتها.. كيف يحاصر الإرهاب إفريقيا؟

د. رفعت سيد أحمد- مفكر مصري
يعد انتشار التنظيمات الإرهابية ذات المسميات الإسلامية في أفريقيا، وفي مقدمتها تنظيم داعش؛ واحدة من أبرز التحديات الكبرى التي ستواجه القارة والعالم في المرحلة القادمة، خاصة مع تزايد وتيرة الحروب الأهلية والصراعات علي السلطة والنفوذ والثروات، ولعل نموذج (السودان ) أحد أبرز وأحدث نماذج تلك النزاعات الجاذبة لداعش وأخواتها من تنظيمات الإرهاب الديني المسلح لكي تستوطن ثم تنتشر لاحقا في الإقليم والعالم.
تأسيسا على ما سبق، يطرح هذا التحليل التساؤلات الآتية، وهي: ما هي خريطة تلك التنظيمات الإرهابية في القارة السمراء وما هي تأثيراتها المحتملة علي الأمن القومي الإفريقي والعربي وفي القلب منهما الأمن القومي المصري؟
خريطة الانتشار:
بداية تعد جماعتي بوكوحرام في نيجيريا و(الشباب المجاهدين ) في الصومال و(القاعدة في بلاد المغرب العربي ) و(داعش الموجودة بوكيرها في دارفور بالسودان ) الأخطر والأبرز في القارة، وإن لم تكن وحدها بالقطع، حيث يوجد غيرها من عشرات التنظيمات المتطرفة المرتبط بعضا ب (داعش) والبعض الأخر بـ (القاعدة وجماعة الإخوان المسلمين الجناح المسلح للتنظيم الدولي).
تقول الحقائق المتوفرة أن تنظيم (داعش) يتواجد بشكل أساسي في المنطقة الشمالية الشرقية من مالي وتحديدا في منطقة مينكا على حدود النيجر، وكذلك على حدود بوركينا فاسو مع النيجر وشمال نيجيريا ومالي. ويقدر عدد مقاتلي التنظيم في مجمل القارة الإفريقية بنحو 50 ألف مقاتل منظمات دولية إن ثلثي الهجمات الإرهابية في الفترة من 1997 حتى 2015 تمت في قالت أفريقيا بواسطة تسعة تنظيمات إرهابية تنتمي إلى تنظيمي “القاعدة” و”داعش”، وأن جماعة “بوكو حرام” وحركة “الشباب الصومالي” مسئولتين عن ما يقرب من 50 في المئة من الهجمات، والآن يتعامل التحالف الدولي مع تنظيم إرهابي بعدد من الرؤوس التي برزت نتيجة لانهيار “الخلافة”، إذ تعمل على تعزيز منظمات وإن لم تكن بارزة، فإنها أكثر نشاطاً وعنفاً وستحل محل “داعش” بعد أن ينتهي “اسماً” ولكن رمزيته في التهديد المتواصل من الجماعات المتطرفة الأخرى لم تنته بعد.
لوجستيات “داعش”:
تحدث تقرير معهد الدراسات الأمنية الإفريقية، عن أن تنظيم داعش في أفريقيا يعتمد على شبكة معقدة من الاتصالات والطرق التي تمتد عبر غرب وشمال إفريقيا، بين دول ليبيا والجزائر ومالي والنيجر ونيجيريا، لتسهيل تحركات مقاتليه.
وضمن حركة التنقلات، ضبطت السلطات في تشاد –مؤخرا-مجموعة من الشباب أثناء تسللهم إلى جنوب ليبيا للانضمام إلى المعارضة التشادية التي تضم فصائل إرهابية، وتتمركز ببعض مناطق الجنوب الليبي، استغلالا لحالة الانفلات التي يعززها تنظيم الإخوان في ليبيا لمواجهة الجيش.
هذا وتؤكد الدارسات والوثائق المخابراتية والأمنية الأوربية أن التحركات لتنظيم داعش وبقية الجماعات الإرهابية بين جنوب ليبيا ودول الجوار، وصولا إلى نيجيريا، مدفوعة بالتنافس الساخن بين إيطاليا وتركيا وفرنسا حول مساحات النفوذ في ليبيا وشمال إفريقيا ومنطقة الساحل الإفريقي، وتبدو فيها إيطاليا وتركيا تنازعان فرنسا نفوذها التقليدي في إقليم فزان بجنوب ليبيا، مما دفع مراقبين إلى الحديث عن توافق إيطالي تركي حول دعم الميليشيات هناك أو على الأقل غض الطرف عنها.
وكذلك هناك صراع نفوذ بين فرنسا وتركيا، دفع الأخيرة إلى التوافق مع إيطاليا في ملفات كجزء من التعاون لإزاحة النفوذ الفرنسي من جنوب ليبيا. هذا وقد تحدث معهد الدراسات الأمنية الإفريقية عن إعادة انتشار لتنظيم داعش بإنشاء 4 ولايات لخلافة أفريقيا في منطقة بحيرة تشاد، تحت قيادة مركزية في ولاية بورنو شمال شرقي نيجيريا.
والولايات هي “سامبيسا” في نيجيريا، و”تومبوما بابا” في بورنو بالدولة ذاتها، و”تمبكتو” في شمال مالي، وولاية مستحدثة في تشاد توقع أن تضم إرهابيين عربا، على أن يكون لكل منها حاكم خاص، وتحت قيادة زعيم داعش الإرهابي الحالي /أبو إبراهيم الهاشمي القرشي.
ويتنقل الإرهابيون بينها وبين ليبيا كجزء من عملية الدمج بين مقاتلي “بوكو حرام” السابقين الذين غادروا إلى ليبيا لأسباب مختلفة، ومنهم من يتجه إلى حوض بحيرة تشاد للانضمام إلى التنظيم المتطرف، بحسب التقرير الذي لفت أيضا إلى وصول نحو 80 إرهابيا من ليبيا على دفعتين إلى نيجيريا.
وتوقع التقرير وصول دفعات جديدة من الإرهابيين إلى نيجيريا، تقدر بنحو 120 مسلحا، من بينهم أصحاب جنسيات عربية، سيتمركزون بشكل دائم في منطقة الساحل والصحراء، وهو ما يشكل قلقا كبيرا لفرنسا وحلفائها والقلق الأكبر، هو للدول العربية المبتلاة بوجود مسلح لتلك الجماعات المجرمة ونقصد بتلك الدول، وهي ليبيا ومصر والسودان والمغرب.
هذا وتؤكد الدراسات الليبية الجديدة، أن الدول الغربية الطامعة في ثروات ليبيا، تقوم عبر أجهزة مخابرات معقدة الحلقات بتشغيل وتوظيف التنظيمات الداعشية الإرهابية، خاصة في جنوب ليبيا. وبالسؤال لماذا جنوب ليبيا؟ جاءت الإجابة، هي أن الجنوب الليبي منطقة اقتصادية واعدة لدرجة تثير لعاب الشركات الأجنبية، وتبلغ مساحته 550 ألف متر مربع، وتضم معظم حقول النفط في البلاد، حيث تنتج فزان قرابة نصف مليون برميل يوميا، كما يزود النهر الصناعي الذي ينبع من الجنوب المدن الليبية بقرابة نصف مليون برميل ماء يوميا.
استهداف السودان:
تأسيسا على ما سبق، يطرح هذا السؤال، وهو: هل يستوطن (داعش ) السودان؟ يحدثنا التاريخ المر لتلك التنظيمات الإرهابية، أنها تستغل الصراعات الأهلية الداخلية والفراغ الاستراتيجي لكي تملئه عنفا ودما وإرهابا، وتقول الحقائق التاريخية أنه وقبل مقتله بأشهر قليلة دعا أبو بكر البغدادي في تعليقه على سقوط نظام عمر البشير في أبريل 2019 بفتح جبهة جديدة لإقامة “ولاية السودان”، تبعها إعلام التنظيم الذي يدعو إلى تنفيذ المخطط، وعندما اندلعت الحرب بين قوات الجيش والدعم السريع راهن “داعش” على الفوضى الناتجة من تفكك الدولة، هذا بالنسبة إلى الوضع على الأرض، أما القوات فيراهن التنظيم على تجنيد الميليشيات من النيجر ومالي وبوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى التي ينضم عدد منها إلى قوات الدعم السريع.
كما أن هناك دواعش آخرين سينضمون، وهم الآن يتحركون من شرق أفريقيا متجهين إلى السودان. ويري الخبراء في الشأن السوداني، أن إقليم دارفور سيكون بمثابة بوابة الجحيم التي سيدخل منها آلاف المقاتلين، محذرين من تجربة شبيهة بتجربة تدفق المقاتلين إلى العراق من سوريا. كما أن الشريط الحدودي بين السودان وتشاد، الممتد لأكثر من ألف كيلومتر شرق البلاد، سيكون هو الأخر مدخلا لهؤلاء الإرهابيين.
وفي تقرير أمني ووثائقي لموقع تقرير “عين أوروبية على التطرف” خلص إلى أن استمرار دوامة العنف مع وجود مساحات غير خاضعة للحكم؛ يمثل حوافز رهيبة للفصائل المتحاربة، في السودان للتعاون مع أي شخص يمكنه تقديم المساعدة؛ لأنه ستكون أمام الإرهابيين فرصة يمكنهم استغلالها، مما يشكل خطرا كبيرا، خاصة أن الوضع الحالي سيؤدي إلى تدفق العناصر المتطرفة نحو السودان، واستهداف العديد من مناطقه، في محاولة للتمركز فيها؛ نتيجة الحدود المفتوحة وسهولة الحركة التي ستكون أسهل بكثير من أي وقت مضى، وسيساعد على هذا الأمر انشغال قوات الجيش والدعم السريع بالصراع العسكري في ما بينهما، وإهمال الجانب الأمني؛ بما يسمح بحدوث فراغ كبير).
في النهاية، يمكن القول إن (داعش ) وأخواتها من تنظيمات الإرهاب المسلحة وجدت في النزاعات والصراعات الأهلية الإفريقية مناخا مساعد للعودة والإقامة والانتشار وتهديد الأمن القومي للدول المجاورة خاصة الدول العربية، ولعل في الجملة الموجزة التي قالت بها الدورية العالمية الشهيرة (فورن بوليسي ) تحليلا للعملية انتشار ( داعش في أفريقيا ) ما يفي وما يغني: “إذا كان الشرق الأوسط هو مهد تنظيم داعش، فإن إفريقيا باتت المكان الذي يشهد فيه التنظيم الآن أكبر طفرة في النمو) وهو قطعا سيؤثر سلبا علي الأمن القومي الإفريقي والعربي …إن لمننتبه جيدا لشراراته وشهبه القادمة !!”..