ما تأثير أزمة “الدرة” على التقارب الخليجي- الإيراني؟

خلاف خليجي إيراني يتجدد مرة أخري ويتصدر المشهد علي الساحة الإقليمية في الأيام القليلة الماضية، حول حقل الدرة البحري الغازي، والذي له أهمية استراتيجية كبيرة، على المستويين الاقتصادي والسياسي، فمنذ اكتشافه في عام 1960 بدأت إيران بالمطالبة بأحقيتها في استغلال مخزونه، إذ اعترضت على توقيع مذكرات تفاهم بين السعودية والكويت لتطويره، كان آخرها في مارس الماضي 2023، إذ وصفت طهران الوثيقة الموقعة حينها بأنها “غير قانونية”، كونها ترى أنها تشارك في الحقل ويجب أن تنضم لأي إجراء لتشغيل وتطوير الحقل. وصرحت وزارة الخارجية الإيرانية حينئذ إن “حقل آرش – الدرة للغاز، هو حقل مشترك بين دول ثلاث، إيران والكويت والسعودية”، وأضافت “هناك أجزاء منه في نطاق المياه غير المحددة بين إيران والكويت”. وفي 29 مارس من هذا العام، صرح وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح، قائلا إن “إيران ليست طرفا في حقل الدرة فهو حقل كويتي – سعودي خالص”.

أخذ الخلاف تحديدا بين الكويت والسعودية من جهة، وإيران من جهة أخري، حول هذا الحقل منحني تصاعدي خلال الأيام القليلة الماضية، بعد تزايد الإدعاءات الإيرانية بأحقيتها في هذا الحقل، والتي قوبلت برفض كويتي قاطع علي كافة المستويات، حيث أن إيران قد هددت ببدء عمليات الحفر والتنقيب في الحقل الواقع بالمنطقة المقسومة بين الكويت والسعودية، مدعية أن جزءا منه يقع ضمن المياه الإقليمية الإيرانية في المناطق الحدودية غير المرسّمة مع الكويت. وردا على هذه الادعاءات، أكد نائب رئيس مجلس الوزراء الكويتي وزير النفط، سعد البراك، يوم الاثنين الماضي 3 يوليو 2023، “رفض الكويت جملة وتفصيلا، الادعاءات والإجراءات الإيرانية المزمعة إقامتها حول الحقل”، حسبما نشرته وكالة الأنباء الكويتية.

استنادا إلي ما سبق ….. سنتطرق إلي الأهمية الاستراتيجية لحقل الدرة والتي تعد السبب الرئيسي في الخلاف الدائر حوله والذي ليس بوليد اللحظة، وتداعيات هذا الخلاف علي العلاقات الخليجية الإيرانية، لاسيما السعودية منها ، كون أن الرياض وطهران قد تم عقد اتفاق بينهما، بموجبه استأنفت العلاقات بين البلدين مرة أخري والتي كانت قد قطعت عام 2016م.

أهمية استراتيجية:

يعد حقل الدرة ثروة بحرية غازية هائلة، حيث من المتوقع أن ينتج هذا الحقل مليار قدم مكعبة قياسية من الغاز يوميا، بالإضافة إلي 84 ألف برميل يوميا من المكثفات وسيجري تقسيم الإنتاج بالتساوي بين الكويت والسعودية لتلبية الطلب المحلي المتزايد على الغاز الطبيعي وسوائله. حسبما ذكرت مؤسسة البترول الكويتية.

لذا تستميت كل من الكويت والسعودية من ناحية، في الحفاظ عليه واستغلال موارده، ومن ناحية أخري تدخل إيران علي الخط مطالبة بأحقيتها فيه حتي تتمكن من استغلال موارده أيضا. وقد صرح وزير النفط الكويتي، سعد البراك قائلا أن الحقل هو بمثابة “ثروة طبيعية كويتية سعودية فقط، وليس لأي طرف آخر أي حقوق فيه حتى حسم ترسيم الحدود البحرية”. و تم توقيع وثيقة اتفاق بين السعودية والكويت على أن تقوم شركة عمليات الخفجي المشتركة، وهي مشروع مشترك بين أرامكو لأعمال الخليج، والشركة الكويتية لنفط الخليج، بالاتفاق على اختيار استشاري يقوم بإجراء الدراسات الهندسية اللازمة لتطوير الحقل، وفقا لأفضل الأساليب والتقنيات الحديثة والممارسات التي تراعي السلامة والصحة والحفاظ على البيئة، بالإضافة إلي وضع التصاميم الهندسية الأكثر كفاءة وفاعلية من الناحيتين الرأسمالية والتشغيلية.

وتعترض إيران على الوثيقة الخاصة بتطوير حقل الدرة بين السعودية والكويت وتصفها بـ”غير قانونية” لأن طهران تشارك في الحقل وطالبت بالانضمام لأي إجراء لتشغيله وتطويره. وقالت وزارة الخارجية الإيرانية حينها إن هناك أجزاء منه في نطاق المياه غير المحددة بين إيران والكويت.

خلافات قديمة:

يعود الخلاف بين إيران والكويت حول هذا الحقل إلى ستينيات القرن الماضي حينما تم اكتشافه، ومنح كل طرف حق التنقيب في حقول بحرية لشركتين مختلفتين، وهي الحقوق التي تتقاطع في الجزء الشمالي من حقل الدرة. ويقع جزء من الحقل في المنطقة الحدودية بين الكويت وإيران، والجزء الثاني منه في المنطقة الحدودية بين الكويت والسعودية.

بدأت إيران عمليات التنقيب في الحقل عام 2001، ما دفع الكويت والسعودية إلى اتفاق لترسيم حدودهما البحرية والتخطيط لتطوير المكامن النفطية المشتركة. وفي عام 2012، بدأت شركة الخفجي بتطوير الحقل، لكن في 2015 اتخذت طهران قرارا بتطوير الحقل واستخراج الغاز لصالحها. وطالبت طهران في مارس 2022 بـ “حقها” كم ادعت حينها، في الاستثمار بحقل الدرة المتنازع عليه والواقع في المياه الإقليمية بين السعودية والكويت. وجاءت المطالب الإيرانية في ذلك الوقت عقب أيام من توقيع السعودية والكويت وثيقة لتطوير حقل الدرة البحري، في خطوة لتنفيذ مذكرة التفاهم التي وقعها البلدان خلال ديسمبر 2019، “التي تضمنت العمل المشترك على تطوير واستغلال حقل الدرة”.

وفي أبريل 2022 أصدرت السعودية والكويت في بيان مشترك نشر في وكالتي الأنباء الرسميتين للبلدين أكدتا فيه تجديد دعوة إيران إلى عقد مفاوضات حول تعيين الحد الشرقي من المنطقة المغمورة المقسومة في الخليج.وقال البيان “إن السعودية والكويت سبق أن وجهتا الدعوات إلى إيران للتفاوض حول تعيين الحد الشرقي للمنطقة المغمورة المقسومة ولم تلب إيران تلك الدعوات”، وأضاف “تجدد كل من السعودية والكويت كطرف تفاوضي واحد دعوتهما إيران إلى عقد هذه المفاوضات”. وعلى مدار السنوات الماضية، أجرت الكويت وإيران مباحثات حول منطقة الجرف القاري على الحدود البحرية بين البلدين، إلا أنها لم تؤدِ إلى نتيجة فعالة.

عودة مسببة:

(*) الجانب الإيراني: يتم تجديد هذه الادعاءات الإيرانية بأن حقل الدرة يقع ضمن منطقتها الاقتصادية الخالصة منذ ستينيات القرن الماضي، وذلك كلما تجددت مطامعها في ثروات المنطقة وبخاصة حول هذا الحقل، و ربما تندرج هذه الادعاءات تحت بند إشغال الداخل الإيراني عن المشاكل الداخلية أو التكسب السياسي إقليميا أو الانضمام إلى مشاريع تطوير الحقل والاستفادة منه في ظل وجود استثمار سعودي كويتي.

تجدر الإشارة إلى أن البنية التحتية لصناعة النفط والغاز في إيران لم يتم تطويرها منذ عهد الشاه في نهاية سبعينيات القرن الماضي، مما أثر على مرافق الغاز فيها بحكم القدم، بالإضافة إلي أن هنالك حالة من العزوف من الشركات العالمية الكبري عن الاستثمار فيها، لذا فإن طهران تستورد الغاز من الدول الواقعة علي حدودها الشمالية وكذلك تشترك مع قطر في أكبر حقل للغاز في العالم من الناحية الحدودية الجنوبية. وبالتالي تعتبر إيران مستفيدة من عدم ترسيم الحدود فهي تستخدمها كورقة قد تلجأ لها في المفاوضات الشاملة لمحاولة تحقيق مكاسب أو تنازلات.

(*) الجانب الكويتي السعودي: تم اكتشاف حقل الدرة الغازي في وقت كانت فيه الحدود البحرية غير محددة على نحو جيد، ولم يكن الغاز يعد من الأصول الإستراتيجية حينها. ومنحت كل من الكويت وإيران امتيازات بحرية متداخلة بسبب الحدود البحرية غير المحددة، وعلي الجانب الآخر طورت الكويت والسعودية منطقة محايدة، تغطي منطقة الحدود البرية والبحرية، والتي سميت “المنطقة المحايدة المقسومة”، إذ سيتم العمل علي تطوير جميع حقول الهيدروكربونات بالاشتراك مع شركات النفط الوطنية. كما اتفقت الرياض أيضا علي ترسيم المنطقة المحايدة والعمليات المشتركة فيها، من أجل تحقيق الأهداف المرجوة من هذا الحقل. وأعلنت الرياض علي لسان وزير طاقتها، الاتفاق مع الكويت علي بحث أزمة حقل الدرة الغازي، الواقع في المنطقة المقسومة مع طهران، تأكيدا علي عزمهما تطويره من أجل الاستفادة من إمكاناته الضخمة

لذا تأتي الإجراءات الإيرانية الجديدة عقب تلك التصريحات بنحو شهر ونصف، لتزيد الخلاف تعقيدا في ظل الحاجة إلى تطوير الحقل وتحقيق الفائدة المرجوة من موارده. وصرحت وزارة الخارجية السعودية، في بيان لها، يوم الثلاثاء الماضي 4 يوليو 2023، “إن ملكية الثروات الطبيعية في المنطقة المغمورة المقسومة بما فيها حقل الدرة بكامله هي ملكية مشتركة بين المملكة ودولة الكويت فقط”. أي أنهما لهما وحدهما كامل الحقوق السيادية لاستغلال الثروات في تلك المنطقة. وتابع البيان “أن المملكة تجدد دعواتها السابقة للجانب الإيراني للبدء في مفاوضات لترسيم الحد الشرقي للمنطقة المغمورة المقسومة بين المملكة والكويت كطرف تفاوضي واحد مقابل الجانب الإيراني، وفقا لأحكام القانون الدولي”. كان ذلك بعد تأكيد وزارة الخارجية الكويتية الاثنين 3 يوليو 2023، أن “المنطقة البحرية التي يقع بها حقل الدرة للغاز توجد في المناطق البحرية لدولة الكويت والثروات الطبيعية فيها مشتركة بين الكويت والسعودية فقط”. مضيفا أيضا أن “دولة الكويت تجدد دعوتها للجانب الإيراني إلى البدء في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين الكويتي والسعودي كطرف تفاوضي واحد مقابل الجانب الإيراني”.

تداعيات محتلة:

يأتي البيان الكويتي القائل بأن لا سيادة علي الحقل ولا أحقية في موارده إلا لكل من السعودية والكويت، بعد أشهر على اتفاق سعودي – إيراني برعاية الصين على إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مرة أخري عقب قطيعة استمرت 7 سنوات. وذلك نتيجة فعل استفزازي إيراني وهو التطاول علي حقل غازي سعودي كويتي حسبما صرحت وزارتي الخارجية في كل من الرياض والكويت، وذلك بعد أن قال محسن خجستة مهر، المدير التنفيذي لشركة النفط الوطنية الإيرانية، في 28 يونيه 2023، “أن هناك استعدادات إيرانية كاملة لبدء الحفر في حقل آرش/ الدرة، النفطي المشترك، وقد اعتمدنا موارد كبيرة لتنفيذ خطة تطوير هذا الحقل في مجلس إدارة شركة النفط الوطنية الإيرانية، وعندما تكون الظروف جاهزة، سنبدأ الحفر في حقل آرش”.

وتتجه الأنظار الآن إلي مدي تأثير هذا الخلاف علي العلاقات الخليجية الإيرانية ولاسيما السعودية منها، خاصة مع التصريحات التي خرجت من طهران والرياض والكويت، لذا هنالك سيناريوهين محتملين، هما:

(&) السيناريو الأول: أن هذا الخلاف حول الحقل الغازي المتنازع عليه قد يعرقل طريق المصالحة الخليجية الإيرانية وربما قد يخلق توترات جديدة بين الجانبين، خاصة أن هناك اتهامات خليجية لطهران برفض الدخول في حوار أو تفاوض بشأن الحقل. وهو سيناريو مستبعد إلي حد ما، خاصة في ظل تصاعد احتياج العالم إلى الغاز، بعد الحرب الروسية الأوكرانية، حيث باتت الدول النفطية تكترث بالغاز الطبيعي أكثر مما سبق، كما أن هذا الخلاف ليس وليد اللحظة.

(&) السيناريو الثاني: هو التعاون بين جميع الأطراف في ترسيم الحدود عن طريق المفاوضات، ثم تحديد المناطق الخاضعة لولاية كل بلد خليجي في حقل الدرة، وبالتالي تقاسم إنتاج النفط والغاز. وإذا لم تتفق الأطراف الثلاثة، فلابد من اللجوء إلى محكمة العدل الدولية للفصل في قضية الحدود عبر الجرف القاري، وبالتالي تحديد أحقية كل دولة في المياه وثروات النفط والغاز ومن المتوقع أن يرجح اللجوء لهذا السيناريو.

في النهاية، يمكن القول إن توقيت الخلاف بين الطرفين، خاصة بعد المصالحة السعودية الإيرانية، يتطلب ضرورة سرعة حسم الخلاف. لذا علي الجانب الإيراني أن يستجيب لدعوة المفاوضات وأن تحاول الأطراف الوصول لتقسيم حدودي للحقل يضمن أحقية كل منهم. لاسيما أن لدول الخليج وإيران مصلحة في التقارب، في ظل الصراعات القائمة عالميا. وكذلك الظرف الاقتصادي العالمي يفرض على جميع الأطراف عدم ترسيخ حالة الخلاف، إذ يمكن أن تساهم احتياطيات حقل الدرة في إفادة كبيرة بتعزيز إنتاج النفط والغاز لدى كل من السعودية وإيران والكويت.

 

سارة أمين

سارة أمين- رئيس برنامج دراسات الخليج العربي، الباحثة حاصلة علي ماجستير في العلوم السياسية، شعبة العلاقات الدولية، متخصصة في دراسة شئون الشرق الأوسط والخليج العربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى