كيف استجابت ثورة 30 يونيو لـ متطلبات المرأة المصرية؟

داليا أسامة – باحثة ببرنامج السياسات العامة-مركز رع
منذ الـ 30 من يونيو 2023 وضعت الدولة المصرية استراتيجية واسعة، شملت مجموعة من الخطط المتنوعة في التعامل مع حقوق ومستجدات المرأة، حيث أطلقت عدد من المبادرات التي من شأنها تقدم خدمة لسيدات مصر في مختلف المجالات منها الصحة والتمكين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، بالإضافة إلي تعديل التشريعات والقوانين لضمان حماية وتنفيذ حقوقها.
استكمالا لما سبق، وتوضيحا له يحاول هذا التحليل التطرق إلى حال المرأة المصرية قبل وبعد عام 2014 ثم رصد وقراءة ملامح واقعها الحالي، خاصة في الشأنين الاجتماعي والسياسي.
واقع قبل عام من الثورة:
عقبات كثيرة واجهت المرأة المصرية قبل ثورة الـ 30 من يونيو، كان أهمها قضية التمكين السياسي، التي تعد واحدة من أهم القضايا التي عمت عدة دول عربية بعد مصر تنفيذها منذ ذلك التاريخ، فقد كان حال المرأة متشابه في هذه الدول خلال فترات الحكم السابقة، حيث تم تهميش دور المرأة، بل ساهمت الفترات السابقة على 2013 في ضعف استغلال المرأة لقوتها، مما حد من إتاحة الفرصة للمشاركة النسائية، ولا يمكن أن ننسي دور المرأة بشكل خاص في ثورتي 25 يناير و30 يونيو، والتضحيات التي قدمتها للوطن، وهو ما يدل علي وعيها بالمخاطر التي كانت تحيط بالدولة.
استكمالاً للعقبات التي تواجه المرأة، كانت النساء يجدن صعوبة في الحصول علي أبسط حقوقهم مثل التعليم أو الرعاية الصحية، وهناك أخريات يتعرضن لخطر أكبر وهو الزواج المبكر (زواج القاصرات) بالرغم من تجريم القانون له، الذي ينص على ” أنه لا يمكن زواج الفتاة قبل السن القانوني (18 عام)”، إلا أن هناك بعض الحالات التي يتم التلاعب فيها بسن الفتاة عن طريق واسطة أو رشوه أو يتم الزواج بطريقة عرفيه، مما يفقد المرأة المصرية أول حقوقها، وهو إثبات الزواج الرسمي، حيث بعد أول خلاف بين الزوجين ينكر الزوج العلاقة الزوجية، بل ينكر أولاده من باب الضغط للتنازل عن حقوقها المادية. وفي هذا السياق، هناك عقبات أخرى كانت تواجه المرأة المصرية، منها مشكلة التمييز النوعي، حيث كان لا يحق لأبناء المرأة المصرية أن يرثوا الجنسية إن لم يكن الأب مصري، ولم يقتصر التمييز النوعي علي هذه العقبة، بل كان يشمل العمل وأي حقوق أو انتماءات أخرى للدولة، حيث أن المرأة كانت تتلقي أجرًا أقل من الرجل وأحيانًا ترفض بعض الجهات عمل المرأة، اعتقاداً بأنها ستقصر في العمل بسبب انشغالها بدورها كزوجة أو أم.
استراتيجية الدولة تجاه المرأة منذ 2014:
في ضوء ما سبق، نتطرق إلى جهود الدولة للارتقاء بمكانة المرأة المصرية في المجتمع منذ عام 2014، الذي اشتمل علي أكثر من 20 مادة دستورية لضمان حقوقها في شتي المجالات، حيث تعد مصر من أولى الدول التي أطلقت ( الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة 2030) واعتمدها رئيس الجمهورية في 2017، وسماه بـ (عام المرأة المصرية) وعلي مدار 7 سنوات شهدت المرأة المصرية تغييراً إيجابياً نحو تبني النظام السياسي قضية الدفع بالمرأة نحو العمل، وكان ذلك علي المستويين التشريعي والتنفيذي إيماناً من الدولة بدورها الفاعل مثل مشاركتها في ثورتي 2011 و2013.
وبعد دعم الرئيس السيسي للمرأة وتمكينها من حقها السياسى، وصل عدد النائبات في البرلمان إلي 162 نائبة في 2021 بنسبة 27% التي فاقت النسبة المخصصة للمرأة في مجلس النواب وفقاً للتعديلات الدستورية الأخيرة، حيث أكدت المرأة نجاحها السياسى بتجربة مُسبقة في برلمان 2015 الذي شهد وجود 90 نائبة، كما تم الاستعانة بالمرأة في مجلس الدولة والنيابة العامة لحصولها علي حقها الدستوري، والتأكيد علي كفاءة المرأة وجدارتها في تولي المناصب. وهنا تجدر الإشارة إلى وجود 8 وزيرات في عام 2021 مقارنة بوجود 4 وزيرات في عام 2014، حيث احتلت مصر المركز الثاني في الشرق الأوسط في عدد الوزيرات في التشكيل الوزاري لعام 2021 وبعد إثبات المرأة كفاءتها في تولى المناصب، بدأت الدولة جاهده في تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في المجتمع من منظور قانوني، حيث نصت المادة 35 من الدستور علي أن “المواطنون لدي القانون سواء وهمم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الأصل أو الجنس أو لأي سبب أخر”.
كما أن دستور (2014)، هو أول دستور ينص علي منح الأبناء حق الجنسية المصرية وفق جنسية الأم بصرف النظر عن جنسية أبيهم، فقد أكدا في أحد مواده على أن ” الجنسية حق لمن يولد لأب مصري أو لأم مصرية”.
واستكمالا لحق المرأة القانوني، وفقا لما تضمنه دستور 2014 المعدل، تقدمت النائبة نشوي الديب عضو مجلس النواب بمشروع القانون الموحد لمكافحة العنف ضد المرأة بناءاً علي المادة 122 من الدستور، وهذا لمكافحة العنف ضد المرأة، حيث يحتوي هذا المشروع على 7 أبواب بواقع 50 مادة قانونية، ويشمل الكثير من قضايا العنف التي تواجه المرأة المصرية، ولتوضيح ما سبق، نشير إلى أهم ما تناوله هذا القانون، وذلك على النحو التالي:
(*) قانون يعقاب علي ضرب الزوجة: فهذا القانون يعاقب بالسجن المشدد، فقد نص على أنه” لا يجوز التصالح في الشكاوي المتعلقة بجرائم العنف ضد المرأة إلا من المجني عليها شخصياً والتأكد من عدم تعرض المجني عليها لأي وسائل ضغط أو إكراه للتصالح”
(*) قانون الجرائم الجنسية: يتضمن هذا القانون مواجهه التحرش والاغتصاب الجنسي بعقوبة السجن، كما أن الزواج أو العلاقات الأسرية لا تعد سبباً للعنف الجسدي
(*) جرائم إسقاط الحوامل: يتضمن هذا القانون علي عقوبة من اسقط عمداً امرأة حامل بأي وسيلة دون رضاها يعاقب عليها بالسجن المشدد، ولا تعاقب المرأة علي فعل الإسقاط دون موافقة الشريك في حاله (الحمل نتيجة الاغتصاب، إذا كان لسبب طبي للحفاظ علي صحتها).
(*) الجرائم الخاصة بخطف النساء والفتيات والأطفال واستغلالهم: ينص هذا القانون على أنه” كل من خطف بالتحايل أو الإكراه بنفسه أو بواسطة غيره يُعاقب بالسجن المشدد، ويُحكم علي فاعل هذه الجناية بالسجن المؤبد إذا اقترنت بها جناية اغتصاب المخطوف أو الاعتداء الجنسي عليه”.
(*) جرائم العنف الأسرى ضد النساء والفتيات: ينص هذا القانون علي أنه ” كل من أكره امرأة علي الزواج قبل بلوغ السن القانوني، يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن سنة وغرامة 20 ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين، وإذا كان الزواج فيه استغلال للأنثى أو شبه الاتجار بالبشر يُعاقب المتهم بالسجن المشدد، وإذا تم الزواج بطرق احتيالية أو عن طرق مزورة يكن هذا الزواج باطلاً كأنه لم يكن، يُلزم هذا القانون الدولة باتخاذ كافه التدابير لمكافحة الجهل والفقر والبطالة والتوعية بالحقوق والواجبات ورفع المستوى الثقافي ونشر ثقافة احترام الأنثى.
(*) الوقاية: تعتبر الوقاية إحدى أبواب مشروع القانون الموحد، الذي ينص بإيجاز علي أن “الدولة تسعي جاهده للقيام بحملات وبرامج توعية عن المساواة بين الجنسين والعنف القائم علي النوع الاجتماعي والحق في السلامة الشخصية ودعم البحوث في المجالات المتعلقة بكل أشكال العنف”.
استجابات جديدة:
كما حرصت القوانين التي تخدم المرأة المصرية على مكافحة الصور النمطية للمرأة في الإعلام ومنع أي مشاهد آو أقوال مسيئة للمرأة، وبموجب هذه القوانين يتم إنشاء مراكز لحماية ضحايا العنف في جميع المناطق وتقديم الدعم للضحايا سواء النفسي أو الصحي آو الاجتماعي و إيجاد سكن أمن و المساعدة علي إيجاد عمل.
تأسيسا على ما سبق، يمكن التأكيد على اتساع جهود الدولة المصرية بعد 30 يونيو، خاصة في الآليات والقوانين التي تدعم حماية المرأة من القضايا التي تواجهها ومحاولة الارتقاء بها، كما أن الجهود لم تقتصر علي الجانب القانوني فقط، بل كان للمرأة نصيباً من التمكين الاقتصادي، حيث استفاد الكثير من النساء بمشاريع الدولة الاقتصادية مثل المشروعات المتوسطة والصغيرة للتنمية المجتمعية والبشرية، فقد وصل عدد المستفيدات ما يقرب من 60 ألف سيدة ، كما أن هناك أكثر من 600 ألف قرض موجه للمرأة من جهاز المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، علماً بأن نسبة عدد القروض الموجهة للمرأة وصل 46% في فترة 2014 حتى 2021، ومن خلال مشاركة المرأة اقتصادياً سيساهم ذلك في رفع الناتج المحلي، ويوفر حياة أفضل للمرأة ولأسرتها وهذا ما يساعد علي تقدم الشعوب. وعليه، كان للمرأة تقدم واضح في التعليم، حيث ارتفعت نسبة مشاركة المرأة في ماجستير ريادة الأعمال لإدارة المشروعات الصغيرة بنسبة 50%، وبلغت نسبة المدربات في حملة (ابدأ مستقبلك) في المدارس والجامعات بنسبة 40% كما ارتفعت نسبة الإناث المقيدات بالتعليم العالي لتصل إلي 48% لعام 2021 مقارنةً بـ 47% في عام 2015، كما انخفضت نسبة الرسوب في التعليم بين الإناث وانخفضت نسبة الأمية أيضاً لتسجل 22% لعام 2020 مقارنةً بـ 33% لعام 2014.
وفي سياق اهتمام الدولة بالمرأة أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي، مبادرة لدعم صحة المرأة المصرية بعنوان (صحة المرأة) وبعدها تواصلت المبادرات وتقديم فحص وعلاج بالمجان للسيدات علي مستوى الدولة، كما حققت المبادرة التي تم إطلاقها في يوليو 2019 نجاح باهر، حيث تم فحص 22 مليون سيدة ضمن مبادرة (دعم صحة المرأة) ويتضمن الفحص التوعية بالصحة العامة للسيدات بدايةً من سن 18 عام، كما تتبع المبادرة أحدث الطرق لعلاج سرطان الثدي من خلال 14 مركز تابع لوزارة الصحة، بالإضافة لجهود المبادرة، يتم فحص 1.36مليون سيدة ضمن المبادرة الرئاسية للعناية بصحة الأم والجنين، وذلك منذ انطلاقها في مارس 2020 وحتى الآن لم تتوقف المبادرات الصحية الخاصة بالمرأة عند هذا الحد، بل شملت الأطفال حديثي الولادة، والتى جاءت من ضمن مبادرات الإصلاح الصحي، ومن أهم المبادرات التي حققت نجاح واضح مبادرة (100 مليون صحة) لدعم الحياة الصحية والتوعية بأسلوب التغذية الصحية السليمة، بالإضافة إلي حملة الإقلاع عن التدخين، تلك المبادرات لها دور اجتماعي مهم بهدف تطبيق التأمين الصحي الشامل والخدمة الطبية بالمجان لكل المواطنين.
في النهاية يمكن القول، تظل الدولة تسعى جاهدة لحماية المرأة والارتقاء بمكانتها، ويتضح هذا في أحد كلمات الرئيس عبدالفتاح السيسى، حيث قال “لقد كانت المرأة المصرية العظيمة ومازالت دعما لوطنها ولن أكون مبالغاً إذا قلت إن قوة المرأة المصرية، هي التي صنعت مجد هذا الوطن فهي رمز العطاء والتفاني والتضحية المتجـردة من أي مصلحة هي سر الحياة وأقولها صريحة
إن انحيازي للمرأة المصرية، هو عن قناعة تامة وإيمان حقيقي بأن احترام المرأة وتقدير دورها، وتمكينها وحمايتها، هو واجب وطني والتزام سياسي وليس هبه أو منحة بل هو حق أساسي لها وعلينا جميعاً أن نتخذه كمنهج حياة، فبدونه لن يتحقق أي نجاح منشود”.