لماذا يتزايد تضييق الحكومة الإيرانية على النساء؟

تلاحظ وفقا للمتابعين، تزايد معدل التضييق ضد الإيرانيات، فمنذ تولي إبراهيم رئيسي، رئاسة إيران، أصبحت دوريات شرطة الأخلاق في إيران، تمثل مشهداً مألوفاً في شوارع طهران، حيث ركز رئيسي على نشر ما سماه “ثقافة العفاف”.

فمنذ يوليو 2022، بدأ مفتشون بزيارة المؤسسات الحكومية للإبلاغ عن أي مخالفة في شأن الحجاب الإلزامي الذي فرضته السلطات في مطلع الثمانينيات من القرن الـ 20 ففي حال عدم الالتزام ربما تصل العواقب إلى الفصل من العمل، لدرجة أنه أصبح فرض الحجاب على الفتيات، شرطاً أساسياً لالتحاق الفتيات بالمدارس الابتدائية أو الحصول على عمل، كما يشمل التضييق على المرأة أن نسبتها من قوة العمل لا تتجاوز 15%، بينما نصف عدد الطلاب في الجامعات من الإناث، وكذلك يحظر عليهن حضور المباريات في الملاعب.

ورغم اختفاء شرطة الأخلاق من شوارع طهران بعد مقتل الفتاة الكردية “مهسا أميني”، ما قلل بشكل كبير من قدرة الدولة على تنظيم قواعد لباس المرأة، وذلك في حركة من النظام الإيراني لاحتواء الاحتجاجات المستمرة منذ مقتل الفتاة- إلا أنه خلال الأيام القليلة الماضية، نشرت إيران كاميرات في الأماكن العامة لمراقبة ورصد النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب، في محاولة جديدة لكبح الأعداد المتزايدة لمن يقاومن قواعد اللباس الإلزامية، حسبما أعلنت الشرطة، حيث صرحت أن النساء اللائي يتم التعرف عليهن سيتلقين رسالة نصية حول عواقب عدم تغطية شعرهن بالحجاب.

يذكر أن قضية وفاة الشابة “مهسا أميني”، أعادت فتح الباب مجدداً على قضية المرأة الإيرانية، ورغم المجازفة بتحدي قواعد الملبس الإلزامية، إلا أنه لازالت تواجه النساء الإيرانيات عموماً في طهران عنف لا يمكن حصره، وباتت المرأة الإيرانية تعاني أشد معاناة في ظل سياسة قمعية تهدر حقوقها في الحياة والحرية، ومع ذلك فإن النساء ما زلن يظهرن على نطاق واسع بلا حجاب في مراكز التسوق والمطاعم والمتاجر والشوارع في عموم البلاد، وانتشرت كثيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لنساء غير محجبات يقاومن شرطة الأخلاق.

جذور تاريخية:

في عقود ماضية، هاجم أنصار التيار المحافظ النساء، فعندما وصل نظام الملالي إلى السلطة، كان لهذا النظام سمتان مميزتان، مناهضته للحرية ومناهضته للنسوية اللتان تسببتا في معظم المعاناة والضغط والإكراه بالنسبة إلى المرأة الإيرانية.

فقد تم إصدار فتوى لقائد الثورة الإيرانية وأول مرشد للجمهورية الإسلامية آية الله الخميني في 7 مارس 1979 بإلزامية ارتداء السيدات للحجاب في المكاتب الحكومية، وفي اليوم التالي خرجت تظاهرات حاشدة من السيدات تزامناً مع اليوم العالمي للمرأة، وهي كانت بداية “كراهية النساء وقمع أكثر من نصف السكان لأكثر من 40 عاماً بقوانين معادية للمرأة”. ووفقا للمراقبين، تصاعدت الأزمات ضد النساء في إيران عندما قمع النظام تظاهرة سلمية في 20 يونيو 1981 دعا إليها “مجاهدو خلق”، وهي حركة المعارضة الرئيسة ضد نظام طهران، وبعد ذلك تم إعدام عدد من المشاركين بينهم فتيات تتراوح أعمارهن بين 16 و17 سنة.

وفي ظل النظام الحالي، اشتدت الاحتجاجات من المواطنين الإيرانيين، في 16 سبتمبر 2022 التي كانت الشرارة الأولى للاحتجاجات الكبرى في إيران، بعد مقتل الشابة “مهسا أميني” داخل أحد أقسام الشرطة بالعاصمة طهران بعد التعذيب بخلعها الحجاب، والتي أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية في إيران، وانطلقت مطالب بإعادة النظر في ترتيبات الشرطة لمواجهة انتهاك القانون المرتبط بالحجاب في الأماكن العامة، كما طالب نشطاء بإعادة النظر في قوانين الحجاب بالبلاد.

ورغم حل جهاز شرطة الأخلاق فى طهران، بعد وفاة “مهسا أمينى”، اشتهرت شرطة الأخلاق بترويع المواطنين، وهم يطبقون القواعد المحافظة فى البلاد، باعتبارها الأداة القسرية الرئيسية لتطبيق قانون الحجاب فى هذه الدولة، وعليه، بدأ الإيرانيون فى الاحتجاج على النظام الإسلامي فى البلاد وقواعده الصارمة فيما يتعلق بالملابس المحتشمة للنساء، إلا أن الناشطين الإيرانيين على وسائل التواصل الاجتماعي يقولون إن ما يحدث من حل شرطة الأخلاق، هو مجرد “حيلة علاقات عامة” يمارسها النظام الإيراني لإسكات المحتجين.

ولذلك، أكد المرشد الأعلى علي خامنئي في تصريحات أخيرة نشرت له، أن “خلع الحجاب حرام شرعي وحرام سياسي”، كما جاء التأكيد من رئيس السلطة القضائية غلام حسين محسني إجئي، على أن “خلع الحجاب يرقي إلى العداء للقيم، وستعاقب من يرتكبن مثل هذا الشذوذ”.

تأسيسا على ما سبق، يمكن القول إن الجذور التاريخية السابق ذكرها للاحتجاجات تشير إلى الدور الجاد والفاعل للمرأة في حركة المعارضة داخل إيران، وإشارة إلى أن هناك عدداً كبيراً من ضحايا التظاهرات الأخيرة من الفتيات والسيدات، خصوصاً أن الأحداث بدأت بمقتل الفتاة الكردية “مهسا أميني”، ودليل قاطع على تحدي النساء الإيرانيات لقمع الحريات ورفضهن لذلك النظام حتى لو على حساب حياتهن.

تضييق الخناق:

يستمر التضيق والتصدي في مجابهة النساء غير المحجبات في طهران من قبل النظام وأجهزته السيادية، ومما يزيد الأمور تعقيداً في طهران، ما ظهر  خلال الفترة الأخيرة من خلال بيان لوزارة الداخلية في 30 مارس الماضي واصفًا الحجاب بأنه من “ركائز حضارة الشعب الإيراني” إنه لن يكون هناك “تراجع” في هذا الشأن، كما أعلن في أبريل الماضي، قائد الشرطة الإيرانية “أحمد رضا رادان” إطلاق برنامج “ذكي” يتضمن كاميرات مراقبة للتعرف على النساء اللواتي يفشلن في تغطية شعرهن أو ارتداء ملابس فضفاضة في الأماكن العامة على الرغم من التهديد بالغرامات أو السجن، ودعا بيان الشرطة أصحاب الشركات إلى “المراقبة الجادة لمراعاة الأعراف المجتمعية من خلال عمليات تفتيش دؤوبة”.

في خطوة جديدة، لتضييق الخناق ينشر النظام في إيران كاميرات مراقبة أمنية في الشوارع بدلاً من مما يُطلَق عليها “شرطة الأخلاق” التي تم حلُها من قبل المدعي العام الإيراني، كما تباشر الشرطة الإيرانية بتطبيق خطة مراقبة غير المحجبات باستخدام كاميرات دقيقة، وتغريم السيدات عبر تقنية التعرف على الوجه ومن ثم إحالتهن إلى المحكمة، وتواجه المخالفات التوبيخ العلني أو الغرامة أو الاحتجاز، اعتقاداً من النظام أن هذه الكاميرات المستخدمة لتسجيل المخالفات المرورية يمكنها تنفيذ مراقبة النساء اللائي يخالفن قواعد اللباس بشكل منهجي، وتجنب صدام مباشر آخر بين الشرطة والمواطنين.

عقوبات شديدة:

خطط النظام في طهران لفرض عقوبات على النساء اللاتي يخالفن معايير ارتداء الحجاب، ليستبدل الاعتقال بفرض عقوبات قد تصل إلى حظر السفر الدولي ودفع غرامات مالية، كما تتلقي للمخالفات رسائل تحذرهم من مصادرة سياراتهم إذا ظهرت صاحبة السيارة في الأماكن العامة دون الحجاب مرة أخرى، تتضمن الرسائل أيضا روابط إلى موقع ويب حيث يمكنهم الطعن في الجريمة المزعومة.

فقد حذر بيان الشرطة الإيرانية من أنه سيتم إحالة من يخالف قانون الحجاب للمرة الثانية إلى المحاكم، ومصادرة السيارات التي تقل راكبات بشعر مكشوف، وإغلاق الشركات التي تغض الطرف. وبدأت شركتي مترو العاصمة طهران ومدينة مشهد، بمنع من لم ترتدي وشاح الرأس من الدخول إلى المحطات، كأول تطبيق لخطة منع غير المحجبات من الخدمات العامة وحقوق المواطنة في البلاد.

وبموازاة تنفيذ خطة تغريم غير المحجبات عبر كاميرات المراقبة في الشوارع والمنتزهات، والنقل العام، كثفت شرطة المرور بطهران خطة توقيف سيارات النساء الذي لم يرتدين الوشاح أثناء قيادة السيارات، حيث يتم تسجيل رقم السيارة أولاً ثم تقوم الشرطة بتوقيف السيارة إن وجدتها بالصدفة في الشوارع. كما تشن الشرطة حملة واسعة لإغلاق أي محل يقدم الخدمات لغير المحجبات أو يضم موظفات لا يرتدين غطاء الرأس، وهو ما سبب بتضرر الكثير من الشركات والناشطين في الأسواق.

محاولات رفض متزايدة:

لقد أثار إعلان بيان شرطة الداخلية الإيرانية، ردوداً ساخرة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نشرت النساء صوراً ومقاطع فيديو لأنفسهن لا يرتدين الحجاب في الأماكن العامة في جميع أنحاء البلاد، رفضاَ منهن للإجراءات الجديدة من قبل النظام بالمراقبة بالكاميرات، وإعلان إنهن على استعداد لمواصلة الكفاح ضد الحجاب الإلزامي، على الرغم من زيادة خطر التعرض للعقاب.

ووفقا للمتابعين، لم تمر الإجراءات السابقة والتصريحات دون تفاعل واسع على منصات التواصل في إيران، بين ساخرين وغاضبين وناقدين ومشككين في إمكانية استخدام عملية التعرف على الوجه عبر التكنولوجيا، كما غرد كثير من المواطنين على تويتر ومواقع التواصل لاجتماعي بأن “مصادرة السيارات لعدم الحجاب ليس لها سند قانوني في الدستور وهي جريمة”، إلا أن رد القضاء الإيراني بتأكيد أن “خلع الحجاب في العلن جريمة”. كما أظهرت بعض مقاطع الفيديو للمحتجين، المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي ترديد هتافات، مؤثرة في مناطق متفرقة من البلاد، كان أهمها: “الحرية، المرأة” و” لا للحجاب القسري”، فقد المتظاهرون على رفع صور رافضة وضد سياسة الحجاب الإلزامية، جميعها صور رافضة وضد سياسة الحجاب الإلزامية.

وبالتوازي مع الرفض المتزايد من النساء للإجراءات السابق ذكرها، فإنه تلاحظ وجود أصوات تعلو من داخل الطبقة الدينية والسياسية، تدعو لكف الصراع مع السيدات خاصة الجيل الجديد عبر الأساليب البوليسية والأمنية والقضائية، وتدعو لقبول الآخرين حسب حقوق المواطنة، كما أن هناك أيضا معارضة للسياسة الجديدة من قبل الموالين للنظام، حيث قال حسين علي، القائد السابق في الحرس الثوري الإيراني، “إن إشراك الشرطة في قضية الحجاب لن يؤدي إلا إلى توسيع الصدع بين الشعب والدولة”، كما قال: “رأينا كيف أحدث عمل شرطة الآداب رد فعل عنيف وزاد من عدد النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب”.

هذا إلى جانب، أصدر سابقاً مكتب المدعي العام الإيراني توجيهات جديدة للشرطة بالامتناع عن اعتقال النساء اللائي يخالفن قواعد اللباس النسائية في البلاد، ولكن بدلاً من ذلك فرض عقوبات عليهن، بحسب ما نقلت وكالة “أنباء الطلبة” شبه الرسمية عن نائب المدعي العام الإيراني.

مؤشرات واضحة:

استكمالا لما سبق، يمكن الإشارة إلى أن المرأة الإيرانية، عانت وتعاني من قيود سياسية واجتماعية ودينية بعد الثورة الإيرانية الإسلامية وتزاد هذه القيود حتى الآن، وبناء عليه تواجه الحكومة الإيرانية حالة استياءً متزايدًا من قبل الرأي العام في طهران، لذلك، فإن احتمالات التغيير من قبل المواطن الإيراني لا تستبعد حيث تغلب الشعب الإيراني على حاجز الخوف، والمتظاهرون يتحدثون عن الحقوق والحرية في مواجهة النظام، وهو ما تتضح مؤشراته على النحو التالي:

 (*)  المؤشر الأول، تظل المرأة لإيرانية لأكثر من قرن فى إيران قضية سياسية وثقافية ودينية مهمة، يُعد استهداف نساء إيران في الاحتجاجات المختلفة أمر طبيعي ومتوقع إذ إنها كانت المحور الرئيس لقمع النظام منذ أعوام، وحالياً رفعن أصواتهن لأنهن لم يعدن يتحملن هذا القمع بعد الآن، وهو مؤشر بأن القوة الرئيسة لإطاحة النظام الإيراني ستكون النساء.

(*)  المؤشر الثاني، إن النظام الإيراني “يقوض باستمرار ويقمع بشكل متزايد حقوق الإنسان للنساء والفتيات، بما في ذلك الحق في حرية التعبير والرأي، وغالباً باستخدام قوة مفرطة”، ولعل ما تتعرّض له نساء إيران الرافضات للحجاب، من رقابة بوليسية وسجن وقتل، كاف لتأكيد أن إيران تعاني من أزمة ثقةٍ تتفاقم يوماً بعد يوم بين الدولة والمواطنين.

في ضوء كل ما سبق، فإن الحجاب في إيران تحول من رمز ديني إلى سياسي، حيث من المعروف في مختلف أنحاء العالم، يعتبر الحجاب خيار ديني شخصي تتخذه المرأة بنفسها، ولكنه تحول في إيران إلى رمزٍ للقمع والتهميش، لذا فإن رفض المحتجات الإيرانيات للحجاب حاليًا لا يعني بالضرورة رفض الإسلام أو القيم الإسلامية، بل إنه يعبر عما يشعر به الشعب – ولا سيما النساء – من غضب وإحباط، نتيجة حرمانه طوال عقود من حرية الخيار الأساسية.

د.سهرة القاسم

خبير مشارك في شئون الأمن الإقليمي. حاصلة على الدكتوراه في تخصص أثر التنافس التركي الإيراني على الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى