اتجاهات التصعيد بين “طهران” و”طالبان” على مياه نهر هلمند
اشتدت الخلافات في الفترة الأخيرة بين إيران وأفغانستان حول تقاسم الحصص المائية من نهر “هلمند” أو كما تطلق عليه إيران “هيرمند”، فقد هدد الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” “طالبان” بسبب جفاف نهر “هلمند” الحدودي لترد عليه حكومة حركة طالبان باستهزاء، الأمر الذي أدى إلى اندلاع الاشتباكات المسلحة بين حرس الحدود الإيراني وقوات حكومة طالبان على الشريط الحدودي بين إيران وأفغانستان، واتهم الطرفان بعضهما بعضا بتصعيد النزاع.
خلاف تاريخي:
تعود جذور هذا الخلاف بين البلدين إلى عدة عقود، نتيجة الصراع على الموارد المائية لنهر “هلمند” الذي يصب في بحيرة هامون بالأراضي الإيرانية، وبالرغم من توقيع أفغانستان وإيران على اتفاقية عرفت باسم “معاهدة نهر هلمند” عام 1973 بهدف تنظيم حصص مياه النهر، لكن لم يتم التصديق عليها أو تنفيذها بشكل كامل مما تسبب في اندلاع خلافات وتوترات كبيرة، وحسب الاتفاقيات المبرمة عام 1973، يتعين على أفغانستان تزويد إيران سنوياً بـ 850 مليون متر مكعب من المياه من هذا النهر، لكن باتت المسألة معقدة بعد وصول طالبان إلى السلطة، والذي أدى إلى تصاعد التوتر مجددًا بين الدولتين-أفغانستان وإيران- بسبب نزاع طويل الأمد حيال توزيع مياه سد “هلمند” الذي يعد مصدرًا رئيسياً للمياه في كلا البلدين، وأحد مقومات الحياة والزراعة والعيش في المنطقة، وعليه، نطرح هذا التساؤل، وهو: ما أسباب الصراع؟ وما هي دلالاته؟
ترتيباً على ما سبق، تشهد بحيرة هامون على الحدود الأفغانية-الإيرانية التى تعد أكبر بحيرة للمياه العذبة في إيران، والتي كانت البحيرة واحدة من أكبر الأراضي الرطبة في العالم إذ تمتد على مساحة 4000 كيلومتر مربع بين إيران وأفغانستان حالياً مستويات غير مسبوقة من الجفاف مما يلقي بظلاله على المنطقة، حيث أن البحيرة تعد ركيزة هامة للاقتصاد والبيئة، لذلك تتهم إيران في بناء طالبان سدودًا إضافية أدت إلى نقص حاد في الموارد المائية في إيران، وذلك نتيجة بناء عدد من السدود على النهر، مثل سد سلما وسد كجيكي، وسد كمال خان، والذي تم إنشاؤه في 2021، فيما تراه إيران انتهاكاً لاتفاقية 1973، المبرمة بين البلدين بشأن الانتفاع بمياه النهار، والتي تقضي بتدفق 850 مليون متر مكعب سنوياً لإيران.
طهران تحذر:
أكدت إيران على أنها تصعيدها، يأتي كرد فعل إذا ثبت أن حركة طالبان منعت حصة طهران في مياه نهر هلمند، ووفقاً لتصريحات نقلتها وكالة “إرنا” عن القائم بأعمال السفارة الإيرانية في أفغانستان، “حسن كاظمي”، فقد أكد أنه “لو ثبت وجود المياه في سد “كجكي” وطالبان تمتنع عن إعطاء إيران حصتها من مياه نهر “هيرمند” فعليها أن تتحمل المسؤولية وحينها تكون الحجة قد تمت وتعرف الحكومة الإيرانية كيف تتصرف”.
كما حذر الرئيس الإيراني إبراهيم ” مؤخرًا في 18 مايو 2023، حركة طالبان، بشأن عدم كفاية حصص المياه المخصصة لبلاده من نهر “هلمند”، الذي ينبع من أفغانستان ويتدفق إلى إيران، وردت طالبان بأنها لا تستطيع توفير المزيد من المياه بسبب الجفاف، وهو ما أدى إلى اشتباكات على الحدود.
اتهامات متبادلة:
يتهم الجانب الإيراني أفغانستان بانتهاك حقوقه المائية منذ سنوات بحجة أن كميات المياه أقل مما جرى الاتفاق عليها بموجب معاهدة عام 1973، إذ قال السفير الإيراني في أفغانستان، حسن كاظمي قمي، الأسبوع الماضي إن بلاده حصلت العام الماضي على “4٪ فقط من حصتها من مياه النهر”، وتتهم طهران أفغانستان ببناء سدود وخزانات على طول نهر “هلمند” لتحسين أنظمة الري مما يقلل من تدفق المياه إلى إيران، بيد أن كابول تشدد أن هذه المشاريع ضمن حقوقها لتعزيز تخزين المياه والري داخلها.
في المقابل، ترفض أفغانستان مثل هذه الاتهامات، إذ تؤكد أن قلة مياه النهر تعود إلى عوامل مناخية مثل نقص هطول الأمطار، حيث رد المتحدث باسم حركة طالبان، “ذبيح الله مجاهد”، على تصريحات الريس الإيراني “رئيسي”، إنه لا توجد مياه كافية في الخزانات تتدفق إلى إيران بسبب الجفاف، ودعت وزارة الخارجية الإيرانية إلى السماح لخبرائها بزيارة مجرى النهر، وتقييم منسوب المياه في الخزانات، إلا أن طالبان رفضت ذلك.
ملفات خلافية ومؤشرات واضحة:
ثمة ملفات خلافية تتصاعد تأثيراتها بين إيران وطالبان، هي كالتالي:
(*) رفض طهران الاعتراف بطالبان: تستمر طهران في رفض اعترافها بحكومة طالبان، إذ أكد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في 25 مايو 2023، أن بلاده أبلغت كابل بأن الأولى ليست راضية عن تشكيل حكومة طالبان، وأنها لا تعترف بالهيئة الحاكمة حالياً في أفغانستان.
(*) ندرة المياه والغضب العام: إن نقص المياه في مناطق شرق إيران بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الأخرى قد أدى إلى تصاعد الغضب العام فيما لعبت الاشتباكات الحدودية بين إيران وطالبان دورا في زيادة حدة التوتر، كما أعلن البرلمان الإيراني أن ما بين 25 إلى 30% من سكان المنطقة قد انتقلوا إلى مدن أخرى خلال العقدين الماضيين جراء نقص المياه.
تأسيسا على ما سبق، وفي ظل الملفات الخلافية بين الجانبين، يمكن القول إنه بالرغم من أن العلاقات بين إيران وطالبان دائمًا ما اتسمت بالتوتر، حيث تتهم إيران أن حركة طالبان غير متسقة مع نفسها وغير قادرة على التفاوض،كما أن التصعيد بين الجانبين قد بلغ مستوى ينذر بتفجر حرب بينهما، فإن ثمة قيوداً تعمل على الحد من اندلاعها، إلا أن تتحاشي إيران التصعيد مع حكومة طالبان الأفغانية، وتتجنب التصعيد، وهو ما تتضح مؤشراته وذلك على النحو التالي:
(-) المؤشر الأول، تسعى إيران إلى إدارة المشاكل المحتملة والصراعات مع طالبان دون الدخول في حرب مع مراعاة هذه الظروف رغم التقارب في ملفات كثيرة بين إيران وطالبان وفي مقدمتها العداء للولايات المتحدة، إلا أن الخلافات تبدو أكثر حدة بينهما، حيث تتزايد التوترات والاشتباكات بين الطرفين على المناطق الحدودية، وتظهر طهران فتورا وحذرا في تعاملها مع النظام في أفغانستان إلى حين التأكد من وفائه بوعود في عدد من الملفات.
(-) المؤشر الثاني، فتح المعابر الحدودية: قامت إيران بفتح المعابر الحدودية التي كانت قد أغلقتها على هامش التصعيد، مثل معبر ميلك الحدودي، فيما يُعد رسالة من جانب إيران لعدم رغبتها في التصعيد مع طالبان.
(-) المؤشر الثالث، الحفاظ على القنوات الدبلوماسية: فقد سلمت إيران حركة طالبان السفارة الأفغانية بطهران، في فبراير 2023، في مؤشر على رغبة الأخيرة في الحفاظ على قنوات دبلوماسية للتواصل مع طالبان، وذلك على الرغم من عدم الاعتراف الإيراني بها.
(-) المؤشر الرابع، تجنب جبهة أخرى للصراع: تدرك إيران أن كلفة التصعيد مع حركة طالبان مرتفعة، ولذلك عملت تاريخياً على تحاشي التصعيد معها، خاصة وأن الحركة متمرسة على شن حروب التمرد، والتي نجحت من خلالها في استعادة السيطرة على كامل الأراضي الأفغانية من الولايات المتحدة.
(-) المؤشر الخامس، مخاوف طهران من صعود داعش، حيث يستمر التخوف الإيراني من أن تتراجع سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان، في مواجهة تنظيم داعش، الأمر الذي يمثل تهديداً مباشراً لأمن إيران المجاورة.
(-) المؤشر السادس، يشكل الضغط الاقتصادي الناجم عن العقوبات الأميركية والأزمة الاقتصادية المتصاعدة التي أثارت احتجاجات سياسية واجتماعية جديدة داخل طهران، تحاول إيران إصلاح علاقاتها المضطربة مع دول الجوار مع تجنب المواجهة مع طالبان.
في ضوء كل ما سبق، فإنه بالرغم من وجود أسباب للخلاف بين إيران وطالبان، فإن الجانبين يدركان حجم وكلفة الخسائر التي قد يتسبب فيها اندلاع المواجهة بينهما، لذا اتجهت إيران إلى استيعاب الخلاف مع طالبان، حتى لا تفتح جبهة جديدة للحرب تشغلها عن صراعها الدائر مع الولايات المتحدة وإسرائيل، أو تضعف موقفها التفاوضي في مفاوضات الاتفاق النووي حال اتفاق الجانبين على إحيائه مجدداً، فطهران تعلم جيداً إن أي اندلاع لأي حرب طويلة مع طالبان سوف يترتب عليه إضعاف مركزها التفاوضي مع الغرب، وذلك في حالة نجح الجانبان في إحياء الاتفاق النووي، سواءً بشكل كلي، أو جزئي، لذلك، فإن إيران لا تبدي أي استعداد لخوض معركة مع طالبان يترتب عليها استنزافها عسكرياً، وليس من الحكمة، وفقاً للحسابات الإيرانية فتح جبهة جديدة للحرب مع طالبان.
