هل تقلق إسرائيل من التقارب الإيراني المصري؟

أثار التقارب السعودي الإيراني، الاهتمام الإسرائيلي بشكل كبير، وبالتوازي وإثر الحديث عن التقارب المصري الإيراني، بدأ الزخم الإعلامي والرسمي باحتلال مساحة كبيرة من النقاشات، فحذّر زعيم المعارضة الإسرائيلية، ورئيس حزب “يش عاتيد”، ورئيس الوزراء السابق،” يائير لابيد”، من هذا التقارب، وقال إنه يتعارض مع المصالح الإسرائيلية والإقليمية، بحسب ما أوضح على حسابه الرسمي على موقع تويتر، وسبقت تحذيرات لابيد العديد من المقالات التحليلية في وسائل إعلام إسرائيلية حول احتمال حدوث هذا التقارب.

فقد تناولت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية مسألة عودة العلاقات المصرية الإيرانية،واستشهدت بتصريحات عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، “فدا حسين مالكي”، عن وجود خطط لإعادة العلاقات بين طهران والقاهرة، وعن أن هناك مفاوضات تجري بوساطة عراقية من أجل إعادة فتح السفارات، وعن أهمية عودة العلاقات كون مصر لها دور تاريخي وثقافي في المنطقة والعالم، الأمر الذي جعل إسرائيل تراقب ذلك بحذر كي تجد طريقها في الواقع المتغير، وأن تستمر في الحفاظ على علاقات جيدة مع الدول العربية ومحاربة نوايا إيران لاستخدام الوضع الجديد لتقوية نفسها.

وترتيباً على ما سبق، فإن هناك “ثمة خريطة تحالفات جديدة في الشرق الأوسط ستكون إيران لاعباً مهماً فيها”، ويرجع أسباب هذا التوغل إلى ضعف الدور الأمريكي في الفترات الماضية، وبروز الصين كلاعب مهم في المنطقة لتشكيل تلك التحالفات، فإن الدول العربية مستعدة لتجربة نهج جديد، “الدبلوماسية بدلاً من العداء”، لذلك فإن أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع نحو تطبيع العلاقات المصرية الإيرانية، إذ تسعى طهران جاهدة لاستغلال التقارب مع الرياض لتطبيع العلاقات مع الدول العربية وبالتالي فك عزلتها على المستوى الإقليمي.

ومؤخراً ظهرت محطة تقارب إيرانية جديدة، إذ تسعى طهران إلى التقارب مع القاهرة، بعد الخلافات التاريخية التي اقتربت من مرور خمسين عاماً عليها، إبان أواخر حكم الرئيس المصري الأسبق، محمد أنور السادات، إذ شهدت العلاقات مع مصر جفاءً منذ تلك الحقبة، حتى وإن تخللتها محاولات تقارب لم يكتمل نجاحها، لكن التساؤل المثير هو في حال حدوث ذلك، ماذا سيحدث في الشرق الأوسط؟ وكيف سيكون الموقف الإسرائيلي، خاصةً في ظل العداء مع إيران، والذي كانت حجر أساس بَنَت عليه إسرائيل خططها لمزيد من التقارب مع الدول العربية، ووصف طهران بالعدو الذي لا يجب التقارب معه أبداً؟

سعي إيراني:

رغم توتر العلاقات بين مصر وإيران، والتي تعود إلى الخلافات التاريخية التي اقتربت من مرور خمسين عاماً عليها، إلا أنه ظل الباب موارباً، على أمل عودة العلاقات، ومؤخراً وبعد توقيع مذكرة التفاهم بين السعودية وإيران، ازداد الأمل في تكرار التجربة بين طهران والقاهرة، فقد تم الكثير من الاجتماعات واللقاءات التي جرت على مستوى خبراء مصريين وإيرانيين خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يعكس رغبة الجانبين في استعادة العلاقات، لكن المصلحة بين الطرفين ستكون الحاكمة فيها، خاصةً المصلحة الاقتصادية، في ظل الانفتاح المصري لجذب مزيد من الاستثمارات، وبالطبع فإن هناك بعض المزايا الاقتصاديةً الإيرانيةً قد تكون محل جذب للجانب المصري، وعلى أمل زيادة حجم التبادل التجاري والاقتصادي والسياحي.

ويظهر جلياً خطوات هذا التقارب، من خلال إعلان وزير الخارجية الإيراني “حسين أمير عبد اللهيان” مايو الجاري، أن بلاده تأمل في أن ترى انفتاحاً جدياً في العلاقات الإيرانية المصرية، وقال في هذا الصدد: “إن العلاقات الإيرانية المصرية تنشط حالياً على مستوى مكاتب حماية المصالح، ورئيسي المكتبين متواجدان في إيران ومصر وليست لدينا قيود أو معوقات في هذا الصدد، طهران أعلنت أنه ليست لديها أي قيود على تطوير العلاقات مع دول المنطقة ويمكننا تسهيل إرادة القاهرة في هذا الاتجاه”.

على الجانب الأخر فيما يتعلق بالموقف المصري الرسمي من هذا التقارب مع إيران، لم يصدر أي بيان رسمي حول مقترح رئيس الوزراء العراقي “محمد شياع السوداني”، والذي يهدف إلى “إطلاق حوار بين القاهرة وطهران”، رغم أن مصر كانت قد رحبت بالتقارب الإيراني السعودي سابقاً، في بيان رسمي صادر عن الخارجية المصرية، والتي أعربت عن تطلعها إلى أن يسهم الاتفاق في تخفيف حدة التوتر في المنطقة، وأن يعزز من دعائم الاستقرار والحفاظ على مقدرات الأمن القومي العربي، وتطلعات شعوب المنطقة في الرخاء والتنمية والاستقرار.

ترقب إسرائيلي:

في ظل هذا السعي الإيراني، تترقب كثير من دول الشرق الأوسط والعالم مصير جهود هذا السعي للتطبيع بين الدولتين صاحبتي الثقل الكبير تاريخياً وعسكرياً وسياسياً، حيث تناولت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية مسألة عودة العلاقات، وتحدثت الصحيفة عن احتمال وجود لقاء مرتقب بين الرئيس المصري، “عبد الفتاح السيسي”، ونظيره الإيراني، “إبراهيم رئيسي”، بعد فتح السفارتين في البلدين، ودعمت الصحيفة الإسرائيلية وجهة النظر هذه، من خلال إجراء محادثات إيجابية بين وزير الخارجية الإيراني والرئيس المصري في قمة حول العراق سادتها الإيجابية في ديسمبر الماضي، وأكدت “معاريف” أن شهرَي مارس/ أبريل الماضيين، شهدا جولتين من المحادثات منخفضة المستوى بين القاهرة وطهران من أجل تقريب وجهات النظر، وبحسب صحيفة “جيروساليم بوست”، فإن المحادثات دارت حول أماكن النفوذ الإيراني مثل اليمن وسوريا ولبنان لحل بعض القضايا الخلافية بين طهران والقاهرة، مثل دعم الجماعات المسلحة.

خلاصة، رغم الدعوة إلى مصالحة إيرانية- مصرية إلا أن التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات مع إيران ليس سهلاً، حيث إن الجانب المصري حريص على أن يتخذ خطوات دبلوماسية بطيئة، فإن صانع القرار المصري يدرك ويتفهم كل تلك المعطيات ونتائجها، وبناءً عليه ومن منطلق سياسة مصرية متزنة لا تعرف التشدد بل تتسم بالمرونة، طلبت مصر من الجانب الإيراني منذ سنوات عديدة بأن يكف عن التدخل في الشئون الداخلية لمصر والدول العربية لزعزعة أمنها واستقرارها، كما طالبت بعدم دعم التيارات والحركات الإسلامية المتشددة التي كانت عاملاً أساسياً في الإرهاب الذي عانت منه مصر لعقود”.

مؤشرات واضحة:

ثمة مؤشرات واضحة، يمكن من خلالها قراءة مستوى التوجه المصري ورغبته في عودة العلاقات مع إيران، وذلك على النحو التالي:

(*) المؤشر الأول، إن الموقف المصري يمكن وصفه بـ “المتأني”، الذي يتصف بعدم التعجل في إدارة العلاقات مع إيران، كما أن المحددات التي تحكم العلاقات السعودية الإيرانية تختلف عن تلك التي تحكم العلاقة المصرية الإيرانية، وقد تكون المطالبة المصرية بعدم تدخل إيران في الشؤون الداخلية سواء المصرية أو للدول العربية، وأن تساعد في تحقيق الاستقرار بالمنطقة والتوقف عن دعم الميليشيات.

(*) المؤشر الثاني، هناك بعض المعوقات تظهر في مسيرة هذه المصالحة فبالنظر إلى أن الدولتين كبيرتين ولهما طموحات إقليمية، فنجد أن التنافس هي السمة الرئيسية والممتدة للعلاقة المصرية الإيرانية عبر التاريخ، وهذا ما يحول دون إقامة “تحالف” مستقر بينهما، باعتبار أن خلافات الجانبين حول ملفات رئيسية في المنطقة ليست طارئة أو عرضية وإنما ذات امتدادات عميقة وتقع في صلب العلاقات فيما بينهما، ومن أهم ملفات الخلاف المُعاصرة تكمن في أمن الخليج، والعلاقة مع إسرائيل والولايات المتحدة، والسلوك الإقليمي الإيراني وغيرها.

(*) المؤشر الثالث، تمثل إسرائيل محدداً أساسياً من محددات العلاقات المصرية-الإيرانية، ربما يفوق غيره من المحددات الأخرى، وذلك في ظل التوترات الشديدة بين إيران وإسرائيل والتي يمكن أن تقود إلى مواجهة عسكرية في أي وقت، وهذا يجعل القاهرة مترددة في اتخاذ خطوات جادة تجاه علاقاتها مع طهران، لسببين: أولهما لضمان عدم التأثير على التطور في العلاقات المصرية الإسرائيلية بعد أن استضافت شرم الشيخ اللقاء الثلاثي بين الرئيس المصري ورئيس الوزراء الإسرائيلي وولي عهد أبو ظبي، إلى جانب اجتماع النقب الذي ضم وزراء خارجية الولايات المتحدة إسرائيل والمغرب ومصر والبحرين والإمارات العربية المتحدة، وثانيهما؛ لتفادي الضغوط التي يمكن أن تتعرض لها في حال أي صدام عسكري بين تل أبيب وطهران.

في ضوء كل ما سبق، فإن هناك ترجيح محتمل، حيث يتوقع أن يظل الجانب المصري، كما كان خلال العقود الماضية، “السلام البارد” في مسار العلاقات العربية-الإيرانية في المدى المتوسط أو المنظور، لأن العوامل التي تتحكم في العلاقات بين البلدين على درجة كبيرة من التعقيد والتداخل، فضلاً عن عدم وجود حاجة مصرية ملحة، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، لإعادة العلاقات مع طهران، لاعتبارات كثيرة، وأخيراً لأن هذه العلاقات ترتبط، بعوامل عربية وإقليمية ودولية،لذلك ربما لا ترى حاجة ملحة لتطبيع العلاقات مع إيران في ظل الظروف الحالية، سواء بسبب البعد الجغرافي، أو بسبب ضعف أو انتفاء العلاقات التجارية والاقتصادية؛ فوفقاً لرئيس التمثيل التجاري المصري، “لا توجد علاقة تجارية مباشرة بين الطرفين وإنما عن طريق طرف ثالث”، كما أنهلا يزال التقارب الخليجي الإيراني في طور المحادثات، ولم ينعكس بشكل ملموس على القضايا الخلافية.

 

د.سهرة القاسم

خبير مشارك في شئون الأمن الإقليمي. حاصلة على الدكتوراه في تخصص أثر التنافس التركي الإيراني على الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى