تخوفات متزايدة: لماذا يرفض مجلس الصوفية توسعة دور المرأة؟

أشرف الدبش- مساعد مدير المركز للتخطيط الاستراتيجي.

كان للمرأة الصوفية في مصر بعد ثورتي يناير ويونيو العديد من المواقف التي تحسب لها، سواء علي المستوي السياسي أو المجتمعي، فهي الأقدر علي الحشد، والأقدر أيضا علي مواجه الظهور النسائي لسيدات الإخوان، الذي بات ملحوظًا خلال تلك الفترات، واستطاعت الطرق الصوفية استقطاب العديد من الشباب من الجنسين، وإنقاذهم من الانحدار في منحنيات التيارات المتطرفة، وعلي المستوي العام في مصر نالت المرأة في الفترة الأخيرة مكانة كبيرة، وحصلت علي العديد من حقوقها التي سلبت في فترات سابقة، وبالرغم من هذا الدور التاريخي، ومن هذه المكانة الكبيرة التي تمنحها الدولة المصرية في هذه الأيام للمرأة الصوفية، إلا أن المجلس الأعلى للطرق الصوفية، يقف أمام هذا الدور الرائد، ويتعمد تقليصه، ويمنعها من تولي أي منصب داخل بنيانه الهرمي، مما يؤثر بالسلب علي دورها المنتظر في الفترات المقبلة، سواء كان هذا الدور علي المستوي الديني أو المجتمعي، أو السياسي.

المجلس الأعلى للطرق الصوفية:            

يعتبر المجلس الأعلى للطرق الصوفية، الذي تم تأسيسه بموجب القانون رقم 118 لسنة 1976، الكيان القانوني الوحيد الذي له سلطة الإشراف العام علي النشاط الصوفي في مصر، فلا يتم إنشاء طريقة صوفية جديدة، ولا يعين شيخ لطريقة إلا بناءاً علي قرار من المجلس، ويتم تشكيل المجلس الأعلى للطرق الصوفية من رئيس للمجلس، حيث يتم تعينه بموجب قرار من السيد رئيس الجمهورية من بين مشايخ الطرق الصوفية، ويضم المجلس في تشكيلة ممثل من الأزهر ووزارة الأوقاف وبعض الوزارات المعنية ، ومنذ أن تأسس هذا المجلس تغيب المرأة عن تشكيلة ولم تتولي أي سيدة عبر تاريخه منصب داخل بنيانه الهرمي، بداية من منصب شيخ طريقة، أو وكيل أو أي منصب أخر، فهناك عرف وإجماع بين شيوخ المجلس، علي عدم أهلية المرأة لتتولي أي منصب داخل المجلس، وذلك بالرغم من المكانة الكبيرة التي احتلتها المرأة في التاريخ الصوفي والمتميزة أيضا في العصر الحديث.

موقف المجلس من المرأة الصوفية:

تدير المرأة الصوفية في مصر العديد من الطرق الصوفية، بل أصبح للعديد منهم عدد كبير من المريدين والأتباع من الجنسين، ونالت بعضهن قسطا كبيرا من الشهرة في كافة الأوساط وأصبحت خيامهم وخدماتهم في الموالد قبلة للعديد من المشاهر في مصر،يذهب لها الجميع لنيل البركات والنفحات، فالواقع العملي يؤكد أنه لا فرق بين الرجل والمرأة، فكلاهما له مريد وله دراويش سواء كان هذا المريد أو الدرويش من الرجال أو النساء، إلا أن ظهور المرأة في المشهد الصوفي وقيامها بدور شيخ الطريقة، لم يلق قبولًا لدي شيوخ المجلس الأعلى للطرق الصوفية، حيث يقول الشيخ محمد علي عاشور البرهامي، شيخ الطريقة البرهامية، وعضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية، “إلا أنة وبالرغم من وجود بعض الساحات التي تديرها سيدات ويطلقن علي أنفسهن لقب عارفات وشريفات، إلا أن المجلس الأعلى للطرق الصوفية، لا يعترف بهن ولا يتم إعطاؤهن أي ورقة أو مستند رسمي يدل علي اعتراف المؤسسة الصوفية بهن أو بأنشطتهن”، وقد دفع هذا الموقف العديد من النساء للمطالبة بحقهم في أن تكون المرأة مريدة وشيخة بأي طريقة من الطرق المعتمدة، ودائما تعلن الشيخة ناريمان عبد الغفار نفسها شيخ الطريقة الأحمدية كطريقة جديدة تابعة للطريقة البدوية، حيث أنها وفي تصريح لها في جريدة الدستور قالت “أن طريقتها الصوفية هي الأحمدية إذ يعتبر الكثير هذا الموقف تحدي للمجلس الأعلى للطرق الصوفية “، والجدير بالذكر أن هناك العديد من السيدات داخل المجتمع الصوفي، يطالبن بحقوقهم وأحقيتهم القانونية في تقلد مناصب داخل بنيان المجلس.

آراء متشابكة:

هناك إجماع بين شيوخ المجلس الأعلى للطرق الصوفية، علي عدم جواز تولي المرأة أي منصب داخل المجلس الأعلى للطرق الصوفية، وفي تصريح خاص لجريدة اليوم السابع، يقول الدكتور علاء أبو العزايم شيخ الطريقة العزمية، وعضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية، الصوفية لم تهمش المرأة، وإنما تقدر دورها بشكل كبير، وتري أن دورها في منزلها أو في عملها هو الأهم، وعليها أن تقوم به علي أكمل وجه، وليس أن تتولي منصبا قياديا في الطرق الصوفية، لأن قيامها بدورها في المجتمع، هو الأهم بالنسبة للصوفية ،ولخدمة المجتمع ودينها، وأكد أن كل الطرق الصوفية تقدر وتعظم دور المرأة ولكن الأمر يكون مختلف عند توليها منصب شيخ طريقة أو غيرها من المناصب المتعددة في مجالس وطرق الصوفية، وكان قد صرح الشيخ طارق الرفاعي شيخ الطريقة الرفاعية، أن طريقته لا تعترف بالمرأة كمريدة أو شيخة، فالشيخ أحمد الرفاعي رفض أعطاء القبضة لسيدة، وأكد أن شيوخ الطرق الصوفية بلا استثناء يرفضون أن تكون المرأة مريدة أو شيخة طريق، وتؤيد السيدة  ماجدة عيد زوجة الشيخ محمد الشهاوي، حيث قالت “نحن زوجات مشايخ ولسنا مشايخ، والمرأة ممنوعة بحكم الشريعة أن تكون شيخة طريقة”، ويرى الشيخ سيد مندور يري خلاف ذلك، حيث ذكر في أحد تصريحاته، أنه يجب علي شيوخ الطرق الصوفية أن لا يتعاملوا مع المرأة علي أنها نكرة أو شئ ليس موجود، بل يجب تكريمها وإعطائها حقها والاعتراف بها كمريدة وشيخة، فالنظرة الخاطئة التي ينظر بها شيوخ الصوفية للمرأة تتساوي مع نظرة الأخوان والسلفية، فنظرتهم تحقيرية وتقليدية لها بالرغم من أنها تحظي بمكانة كبيرة في الإسلام.

وبين مؤيد ومعارض يبقي القانون، هو الفيصل وخصوصا أنه هو المنظم لعمل المجلس الأعلى للطرق الصوفية، وهو واجب النفاذ والاحترام من الجميع بما فيهم شيوخ المجلس الأعلى للطرق الصوفية.

إشكاليات قانونية:

لم يرد في القانون رقم 118لسنة 1976 أو لائحته التنفيذية الصادرة بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 54 لسنة 1978 والمنظمان للشأن الصوفي، نصًا صريحًا يمنع المرأة من أن تكون شيخ طريقة أو وكيل أو حتى خليفة طريق، حيث نصت المادة رقم 29 علي أنه ” يجب أن يتوفر في من يعين شيخ الطريقة من الطرق الصوفية الشروط الآتية (*) أن يكون بالغا سن الرشد متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية كاملة. (*) أن لا يكون محكوما علية في جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة ما لم يكن قد رد إليه اعتباره. (*) أن يكون مجيدًا للقرأة والكتابة وملما بمبادئ الشريعة الإسلاميةـ (*) أن يكون متمتعا بسمعة طيبة وخلق كريم. (*) أن يكون من أهل العرفان والكمال ذوي التقوى والصلاح. (*) أن لا يكون شيخا لطريقة صوفية أخري ويصدر بتعيين شيخة الطريقة قرار من المجلس الأعلى للطرق الصوفية وينشر القرار في الجريدة الرسمية وفي أحد الجرائد اليومية واسعة الانتشار علي الأقل.

ونظمت المادة 30 من ذات القانون حالة خلو منصب شيخ الطريقة، حيث نصت علي “تكون الأولوية في الترشيح لشغل منصب شيخ طريق من الطرق الصوفية عند خلوة من بين من تتوافر فيهم الشروط اللازمة علي النحو التالي:

 (&) الابن الأكبر لشيخ الطريقة السابق، فإذا كان هذا الابن قاصرا عين شيخا للطريقة علي أن يعين وكيلا له حتى يبلغ سن الرشد ثم يأتي في المرتبة بعد ذلك أكبر أبناء هذا الابن وهكذا.

 (&) أخوة شيخ الطريقة السابق ويكون الشقيق منهم مقدما علي غيرة. (&) ذوي قربي شيخ الطريق السابق الأقرب منهم فالأقرب. (&) كبار رجال الطريقة ممن تتوفر فيهم الشروط الأهلية لشغل المنصب.

ونظمت المادة 31 طريقة اختيار وكليل الطريقة حيث منحت الشيخ أن يطلب تعيين وكيل له علي أن تتوفر فيه نفس الشروط اللازمة في الشيخ. بينما وضحت المادة الأولي من قرار رئيس الجمهورية رقم 54 لسنة 1978 بشأن العمل بأحكام اللائحة التنفيذية للقانون رقم 118لسنة 1976 بشأن نظام الطرق الصوفية الوحدات الروحية التي تتكون منها الطريقة الصوفية وأولها الخلفية وهو القدوة من بين أهل العرفان وبعدها جماعة الآخرين بالأسباب وهم التائبين والمريدين والمسترشدين.

ويتضح من النصوص القانونية سالفة الذكر أنة لا يوجد نص قانوني صريح يمنع المرأة من أن تكون لبنة داخل البنيان القانوني لمجلس الصوفية حتى وإن كان هناك لبس في بعض النصوص ليس هناك ما يمنع من تعديلها علي نحو يضمن للمرأة كامل حقوقها والتعامل معها علي نحو يليق بها لأنة ليس من المتصور عقلا أن يقدم ابن الشيخ القاصر في حالة وفاته عن أخته البالغة الأستاذة الجامعية خريجة الأزهر لتولي منصب شيخ الطريق فدور المرأة بعد ثورتي يناير ويونيو بات ملحوظا وخصوصا المرأة الصوفية فتطوير هذا الدور من شأنه أن يقدم خدمات عظيمة للمجتمع، ويري البعض أن منع موقف المجلس الصوفي من المرأة المتعنت يقف حائلا أمام القيام بدورها المجتمعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى