بعد أن أصبح “بايدن” رئيساً: هل دخلت العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران “مرحلة الفرصة”؟
بدأت تتضح معالم التوجهات السياسية الجديدة لرئاسة الولايات المتحدة تجاه قضايا الشرق الأوسط، وخاصة القضية الأهم، وهي السياسات تجاه النشاطات الإيرانية في المنطقة، لا سيما وأن الأشهر التي سبقت تنصيب بايدن شهدت ارتفاعًا في منسوب التوتر مع إيران، وربما تشير المعطيات إلى أن إدارة بايدن تتبنى سياسة العصا والجزرة، فمنذ اليوم الأول بعد تنصيبه، صرح البيت الأبيض “إن بايدن سيجري محادثات مع زعماء في العالم بشأن إيران”، وأنها توفر فرصة لإيران للتفاهم، لكنها فرصة قد لا تطول، وهو ما يجعلنا نتساءل ونحن نتابع قراءة المشهد السياسي لهذه التغيرات في مسار الشأن الإيراني، هل ستسعى هذه الإدارة إلى التأكيد على استراتيجية الردع الأميركية في المنطقة، وإيجاد حل للنزاع مع طهران، وهل ستكون هناك مقاربة في عهد الإدارة الأمريكية الجديدة بعد وصول جو بايدن إلى الحكم، خاصة بعد أن سارع جو بايدن مع طاقم إدارته في العمل على صعيد ملفات السياسة الخارجية، كان أهمها هذا البرنامج النووي الإيراني، الذي يبدو أنه مفتوح على سيناريوهات عديدة، حيث أعرب بايدن عن رغبته في العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، الذي أبرم عام 2015، والذي انسحب منه سلفه دونالد ترامب عام 2018، وهنا تظهر ملامح سياسة بايدن التي تتبلور شيئاً فشيئاً خلال المرحلة الانتقالية.
واقع يتجدد:
تأسيساً على ما سبق، يمكن القول إن إدارة الرئيس جو بايدن ستطلق مبادرة لفتح حوار مباشر مع طهران عبر وسطاء أوروبيين، وهذه الخطوات طبقاً لتصريحات وزير خارجيته، أنتوني بلينكن، والذي صرح بأن هذه الخطوات ستترافق مع اتصالات بحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة وتحديدًا مع دول خليجية وإسرائيل.
وعلى الصعيد الأخر تدرك طهران أن هناك عقبات كثيرة أمام عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، ففي المقابل أطلقت إيران الرسائل المتباينة من خلال تصريحات المسئولين الإيرانيين، حيث صرح وزير الخارجية، جواد ظريف، بأن ملف الصواريخ ونشاط إيران في المنطقة لم ولن تكون جزءًا من أي اتفاق نووي، وهنا يؤكد أن الإيرانيين قد لا يتفاوضون على البرنامج الصاروخي، لأنه يعد بمثابة نوعاً من الضمانة للدفاع عن البلاد، كما من السيناريوهات المتوقعة أيضاً أن إيران قد لا تتفاوض على الملفات التي تشكل أوراق قوة بالنسبة لها مثل العراق وسوريا، لكن من الممكن أن تتفاوض مع بايدن على بعض الملفات الإقليمية مثل ملف اليمن.
تعقيدات تتصدر المشهد:
هناك قراءات متباينة داخل النظام الإيراني تتراوح بين التفاؤل والحذر، حيث لا توجد إجابات واضحة من الجانب الإيراني بشأن العلاقة مع الولايات المتحدة مستقبلاً، بيد أن الكرة الآن في ملعب بايدن، وأن ما تفعله الإدارة الجديدة سيحدد خطوات إيران، فقد ترفع الولايات المتحدة بعضاً من العقوبات، على أن ترد إيران بالمقابل بالعودة إلى بعض الالتزامات بالاتفاق النووي، تمهيداً إلى مفاوضات مباشرة، لذلك هناك عدة سيناريوهات، الأول منها العودة غير الكاملة إلى الاتفاق النووي، أما السيناريو الثاني، هو أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تنتظر إلى نتائج الانتخابات الإيرانية المقررة في يونيو المقبل، حيث تستعد إيران نحو انتخابات رئاسية مقررة في 18 يونيو المقبل، أما عن سيناريو التصعيد من طهران ضد الولايات المتحدة سيدعم من قبل جهود المحافظين للفوز بها، ولذلك يعد التوفيق الآن بين الموقفين الأميركي والإيراني من الصعوبة، ولهذا من المتوقع ألا تقدم إيران على تنازلات في الملف الصاروخي، وستحاول تحمل العقوبات كي لا يقدم تنازلات في هذا الملف، كما تظهر إيران بأنها تدعم بعض جهود التهدئة في الملفات الإقليمية، لكن مع ضبط أي تحركات في هذا الصدد، بما يتوافق مع مصالحها، وهنا تظهر تعقيدات الملف الإيراني أمام الإدارة الأمريكية الجديدة حيث لا تبدو الأمور سهلة، وتبقي تعقيدات الملف النووي، إذ تهدف الإدارة الأمريكية الجديدة إلى إن أي اتفاق جديد يجب أن يشمل برنامج إيران للصواريخ البالستية وتدخلاتها في المنطقة، وهو السبب الرئيس لإدارة ترامب لقرار الانسحاب من الاتفاق النووي، لأنه لم يشمل صواريخها البالستية، ولا تدخلاتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة، خاصةً أن إيران تصر على أن هذين البندين خارج أي اتفاق يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، ويضاف إلى ذلك، الخطوات الإيرانية المتسارعة نحو إلغاء التزاماتها بالبرنامج النووي، وهو ما يقلص المسافة التي تفصلها عن حيازة سلاح نووي، وبالرغم من وضوح قيود وآليات الاتفاق، فإن إيران بدأت تتمادى في خرقه، في إطار محاولاتها، غير المحسوبة، لتحدي الولايات المتحدة، ولأن إيران تمتلك موقعين كبيرين للتخصيب في (نطنز وفوردو)، حيث يقع جزء كبير من نطنز تحت الأرض، كما أن فوردو يقع في بطن جبل، وهو ما يعتقد على نطاق واسع أنه يحمي الموقعين من القصف الجوي، حيث يتيح الاتفاق لإيران مواصلة عمليات التخصيب في نطنز بقيود، فإنه أتاح أيضاً موقع فوردو إلى “مركز للتكنولوجيا النووية والفيزيائية” تستخدم فيه أجهزة الطرد المركزي لأغراض أخرى غير التخصيب” مثل إنتاج النظائر المشعة المستقرة”، وذلك وفقاً لبنود الاتفاق النووي الذي أبرمته القوى الست العالمية عام 2015 مع إيران، وهنا التساؤل هل تسعى الإدارة الجديدة لتقديم تخفيفاً للعقوبات حتى مع استمرار إيران في انتهاك “بنود الاتفاق” وحدود خطة العمل الشاملة المشتركة؟ وهنا تظهر الإجابة بأنه لا يصر الإيرانيون على الاستمرار في ذلك فحسب، بل يطالبون أيضاً بالتعويض عن تكلفة العقوبات التي فرضتها عليهم إدارة دونالد ترامب، مدعين ببعض المبررات أنهم استمروا في احترام التزاماتهم بموجب بنود خطة العمل الشاملة المشتركة لمدة عام كامل، بعد أن توقف ترامب عن احترام الجزء المتعلق بالولايات المتحدة، كما تستمر إيران في إطلاق رسائلها عبر دبلوماسيين إيرانيين، وهي المطالبة بإلغاء كل العقوبات التي تم فرضها على طهران ومن دون أي شروط، وأن طهران لن تقبل بأي شكل من الأشكال أي مفاوضات جديدة حول ملفها الصاروخي أو نفوذها الإقليمي كشرط للعودة إلى الاتفاق، بحسب ما صرح به وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إلى الأميركيين.
كل الخيارات مطروحة:
وفي المقابل هناك أصواتاً داخل الإدارة الجديدة ترى أن عقوبات ترامب ليست سلبية، وربما تساعد على الضغط على إيران حتى تستطيع انتزاع تنازلات في ثلاث ملفات هي البرنامج الصاروخي الذي بات يشكل هاجساً كبيراً بشأن دول المنطقة والولايات المتحدة، وسياسة إيران المزعزعة للاستقرار عبر الميليشيات ووكلائها، وثغرات البرنامج النووي بما يضمن عدم عسكرته، لذلك يري الكثيرون من القيادات بالإدارة الأمريكية الجديدة أن الولايات المتحدة يمكنها تنشيط تحالفاتها الأساسية، مما يمثل قوة مضاعفة في تأثيرها على جميع أنحاء العالم، لمواجهة التهديدات التي تشكلها وإيران، وما يزيد الأمور تعقيداً أن طهران استأنفت مؤخراً تخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء 20 في المئة في محطتها النووية تحت الأرض في فوردو، وهو مستوى كانت قد حققته قبل الاتفاق، وهو ما يساهم في وجود تأكيد من الإدارة الجديدة على أن كل الخيارات مطروحة للتعامل مع طهران، خاصة بعد إعلان بعض الشروط التعجيزية من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة، والتي تتمثل أبرزها: الشرط الأول هو تأكيد بايدن على أن العودة للمفاوضات ستتناول “تفكيك برامج الصواريخ الباليستيّة الإيرانية”، والشرط الثاني هو “إشراك دول أخرى في المفاوضات” مثل السعوديّة والإمارات، بما يعني “وضع إيران وبرامجها النوويّة تحت وصاية إقليمية بعد الوِصاية الدولية” وهو من الصعوبة أن توافق عليه طهران، أما الشرط الثالث هو: “تمديد فترة القيود على أنشطة إيران لإنتاج المواد الانشطارية التي قد تستخدم لصنع أسلحة نووية، وهذا يعني إطالة المدة الزمنية للاتفاق النووي إلى أكثر من عشر سنوات”، ويعد الشرط الرابع هو: “الحصول على التزام إيراني بوقف كل الدعم السياسي، والعسكري، والمالي للأذرع العسكرية الحليفة في اليمن، ولبنان، وسوريا، والعراق، وحماس وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني”، وهذا قد لا يدفع إيران لاستئناف الامتثال لهذه القيود، بيد أن طهران لن تقبل بأي شكل من الأشكال أي مفاوضات جديدة حول ملفها الصاروخي أو نفوذها الإقليمي كشرط للعودة إلى الاتفاق.