بعد رحيل “ترامب”: كيف تتعامل إدارة بايدن مع القضايا السورية العالقة؟

العلاقات السورية الأمريكية مليئة بالتحديات والتقلبات، فقد تميزت العلاقات بين دمشق وواشنطن في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بالتوتر ووصلت إلى حد القطيعة، ومع رحيل بوش وقدوم أوباما تغيرت قواعد اللعبة بين سوريا وأمريكا، إذ بدأ أوباما في انتهاج سياسة جديدة، يسعى من خلالها إلى التقارب مع سوريا التي تعد لاعبا لا يمكن تجاهله في الشرق الأوسط. وفي 29 ديسمبر 2010 عينت الولايات المتحدة سفيراً لها في سوريا للمرة الأولى منذ خمس سنوات، وبدأ التقارب يتجدد بين البلدين. 

وبعد تولي دونالد ترامب بدأ معترك وعقوبات شديدة مع سوريا، حيث دعا ترامب في 2015 للسيطرة على المناطق الغنية بالنفط والواقعة تمت سيطرة داعش، باستخدام القوات الجوية والبرية الأمريكية. وفي 2016، دعا ترامب إلى إرسال 20.000-30.000 جندي أمريكي إلى المنطقة ، وأنشأت نحو 20 قاعدة عسكرية في المناطق الخاضعة لسيطرة الوحدات الكردية في سوريا. وفي 29 مارس 2018، عزم ترامب أن الولايات المتحدة ستغادر سوريا، وستعيد قواتها إلى البلاد خاصة مع عدم وجود تقدم عسكري ضد تنظيم داعش في المنطقة.

عقوبات اقتصادية:

فرضت الحكومة الأمريكية سلسلة من العقوبات الاقتصادية على سوريا، وترجع أول عقوبات اقتصادية تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على سوريا إلى عام 1979، حيث اتهمت الخارجية الأمريكية حينها الحكومة السورية بقيادة حافظ الأسد بدعم الإرهاب، وكانت تعني بذلك المنظمات الفلسطينية التي كانت تدعمها دمشق على أراضيها والأراضي اللبنانية، وكانت تلك العقوبات سببا في تراجع اقتصادي كبير في سوريا. وفي عام 2006، سنت الحكومة الأمريكية عقوبات ضد البنك التجاري السوري، كانت نتيجة لمخاوف بشأن غسيل الأموال المنصوص عليها في المادة 311 من قانون باتريوت الأمريكي. حيث تمنع هذه العقوبات البنوك والشركات الأمريكية من الاحتفاظ بحسابات مراسلة مع المصرف التجاري السوري. واستمرت العقوبات مع وصول دونالد ترامب إلى السلطة الذي أقر مزيداً من العقوبات على سوريا حتى وصوله لفرض قانون قيصر.

قانون قيصر:

وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على موازنة وزارة الدفاع الأمريكية التي تتضمن “قانون قيصر” لحماية المدنيين، في قاعدة آندورز الجوية العسكرية. وتعود تسميته باسم قيصر إلى الضابط السوري المنشق عن النظام، والذي سرّب 55 ألف صورة لـ11 ألف معتقل عام 2014، قُتلوا تحت التعذيب، أكد مكتب التحقيق الفيدرالي (FBI) صحتها، وأثارت الرأي العام العالمي حينها، وعُرضت في مجلس الشيوخ الأمريكي.

ويهدف القانون إلى تجفيف موارد النظام وداعميه، ويفرض قانون قيصر عقوبات مالية على مسئولين سوريين ورجال أعمال، وكل أجنبي يتعامل مع دمشق، حتى الكيانات الروسية والإيرانية، وينص على تجميد مساعدات إعادة الأعمار. كذلك يهدف القانون إلى زيادة العزلة المالية والاقتصادية والسياسية التي يعاني منها الأسد ومحاصرة ومعاقبة حلفائه بغية إجباره على القبول بالحل السياسي للأزمة السورية على أساس قرار مجلس الأمن 2254. ودخل القانون الذي يعرف اختصاراً باسم قانون قيصر حيز التنفيذ في 17 يونيو 2019، بهدف حرمان الرئيس السوري بشار الأسد من أي فرصة لتحويل النصر العسكري الذي حققه على الأرض إلى رأسمال سياسي لتكريس وتعزيز فرص بقائه في السلطة إلى أجل غير مسمى.

كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على كيانات وأشخاص آخرين داعمين للرئيس السوري بشار الأسد، ومنهم ابنه الأكبر حافظ الأسد. وأرجع مسئول أمريكي سبب فرض العقوبات على حافظ الأسد إلى تصاعد أهميته داخل العائلة. وقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية جديدة تهدف إلى منع الأنشطة التجارية الأجنبية من التعاون مع الحكومة السورية.

ومن هنا بدأت تداعيات العقوبات تظهر جلية، متسببة بأزمة اقتصادية وإنسانية خانقة داخل سوريا وموجة خوف وقلق لدى قطاع واسع من رجال الأعمال والتجار اللبنانيين وغيرهم ممن يتعاملون مع سوريا.وتشترط واشنطن لرفع العقوبات إجراءات عدة بينها محاسبة مرتكبي “جرائم الحرب” ووقف قصف المدنيين والإفراج عن المعتقلين السياسيين وعودة اللاجئين.

كيف تتصرف إدارة بايدن؟:

على الرغم من أن بايدن أثناء حملته الانتخابية لم يعقب كثيراً على الأزمة السورية ،لذلك فإن السياسة الأمريكية تجاه الملف السوري لن تتغير كثيراً عن خطوطها العريضة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، ولا تشهد قرارات أو مواقف متضاربة ، لكن التصريحات الإعلامية لمسئولي حملة بايدن للرئاسة، توضح أنه ” لا إعمار في سوريا من دون إصلاح سياسي”. وهو دليل على عدم رفع العمل بالعقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا.

وفي السياق ذاته؛إدارة بايدن سوف تسعى إلى مجابهة النفوذ الإيراني في سوريا. فإيران تعمل على زعزعة استقرار المنطقة عبر دعمها للنظام في سوريا ، وكذلك عبر تهريبها للأسلحة والمعدات لحلفائها وشركائها الذين لا يمثلون الدولة في العراق ولبنان وسوريا. فأمريكا تقبل بوجود الأسد إذا غير سياسته، وطبق الشروط المفروضة وأهمها تطبيق القرار 2254، ومحاسبة الذين ارتكبوا جرائم الحرب، والعمل مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لعودة السوريين إلى بلادهم.كما أن إدارة بايدن ستعمل على استعادة الدور الأمريكي في سوريا بعد أن تراجع بشكل كبير خلال إدارة الرئيس دونالد ترامب، من خلال تبني الولايات المتحدة مجدداً لدعم المعارضة المسلحة السورية، ضمن جهودها للحد من النفوذ والدور الروسي في المنطقة عموماً. فالوجود التركي والتمدد الروسي في سوريا، سيمثل محور التعاطي الأمريكي مع القضية السورية، خاصة وأن وجود روسيا على البحر المتوسط واتساع دائرة النفوذ الإقليمي التركي، يمثلان مبعث قلق للديمقراطيين ولحلفائهم الأوروبيين.

وعلى صعيد آخر لم تتجه إدارة بايدن إلى سحب القوات الأمريكية الموجودة في سوريا بل ستسعى إلى مواصلة التعاون مع الأكراد، باعتبارهم حليفاً رئيسياً لواشنطن في مواجهة تنظيم داعش، مما يؤدي إلى تصعيد حدة التوتر مع تركيا، على عكس إدارة ترامب التي حاولت الوصول إلى توافقات مع تركيا، حتى لو كانت على حساب تعاونها المستمر مع الأكراد. خاصة أن إدارة ترامب واجهت بعد العمليات العسكرية التركية في مناطق الأكراد بشمال سوريا في أكتوبر 2019، انتقادات قوية بسبب دورها السلبي وعجزها عن منع تلك العمليات. وسوف يتم استمرار دعم الحملة الإسرائيلية على المواقع التابعة لإيران وحزب الله في سوريا من أجل دفعهما للالتزام بما يسمى الخطوط الحمراء في سوريا، والحرص على ضمان الالتزام باتفاق منع الصدام بين الجيشين الأمريكي والروسي في الأجواء السورية.

أما بالنسبة للعقوبات الأمريكية علي سوريا بعد تولى بايدن سوف يتم فرض عقوبات اقتصادية جديدة على الحكومة السورية ومؤسساتها والشخصيات المقربة منها، في إطار ما يُعرف بقانون قيصر، خاصة أن الحزب الديمقراطي كان قد توافق مع الحزب الجمهوري في الكونجرس على فرض هذه العقوبات.

ختاماً، نأمل أن تتحلى الإدارة الأمريكية الجديدة بقدر أكبر من الموضوعية فيما يخص الشأن السوري؛ عبر اتخاذ خطوات جديدة لتهيئة الأجواء، والمساهمة في تسهيل عمل جميع الأطراف والجهات التي تسعى لمساعدة سوريا بخصوص قضية اللاجئين السوريين، وإطلاق سراح المعتقلين، والعفو عن المطلوبين، والمبادرة بخطوات عملية نحو المصالحة الوطنية الشاملة، التي تعطي العائدين ضمانات أمنية لعودتهم، وانخراطهم في الحياة المدنية السلمية من جديد، دون ملاحقات أمنية،بالإضافة إلى تحسين العلاقات الأمريكية الروسية في حل الكثير من القضايا الإقليمية والدولية.

 

 

 

 

هند عثمان

باحث بوحدة دراسات الأمن الإقليمي، بكالوريوس اقتصاد وعلوم سياسية_ جامعة القاهرة ،ماجستير علوم سياسية .كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة ،باحثة دكتوراه علوم سياسية كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ،باحث مشارك في العديد من المراكز العربية والدولية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى