دور المرأة في قيادة الدول: محددات الصعود والأداء..(عرض رسالة ماجستير)

يشهد العالم في الوقت الراهن حالات تجسد بروز دور المرأة السياسي، غير أن هذا الأمر ليس أمراً جديداً؛ إذ تبوأت المرأة مناصب سياسية قيادية من قبل، لكن ثمة ظواهر جديدة وحالات غير مسبوقة – في هذا الصدد – تستحق الرصد والتحليل – وتحديد موقعها، وأهميتها قي سياقها التاريخي لصعود سيدات لمواقع قيادية ومناصب مهمة؛ وتأسيسا على ما تقدم تحاول الدراسة تناول ظاهرة صعود النساء للقيادة السياسية وأهم محددات هذا الصعود في إطار دراسة مقارنة بين أهم التجارب المؤثرة عالمياً.
محددات الصعود:
فيما يتعلق بالمحور السياسي، لقد ساهمت العديد من المحددات السياسية في تهيئة المناخ العام للسيدات في العالم لا سيما القارة الأوروبية وكانت في مقدمة هذه المحددات الإطار الأيديولوجي وهو بمثابة الإطار العام الذي دارت في فلكه معظم المحددات السياسية ولهذا المحدد أثره الواضح على مستويين الأول: هو المقدمات الرئيسية للأيديولوجية الليبرالية التي منحت النساء مزيداً من الحرية والتمكين، وبناء على ذلك كان الصعود والمستوى الثاني: هو ما وصفه البعض بالفراغ الأيديولوجي الذي خلفته الشيوعية بعد انهيار جدار برلين ومن ثم بحثت الأحزاب السياسية على من يشغل الفراغ الأيديولوجي فكانت النسوية، وذلك لعدة اعتبارات أهمها قدرات الحركة والجماعات النسوية على الحشد والتعبئة، وقربها من قاعدة الناخبين وكذلك دور المنظمات الدولية لا سيما الأمم المتحدة في حث الدول على تبني سياسات وإجراءات داعمة للنساء وتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، مما دفع بعض الدول لتبني سياسات توصيف بالنسوية وهو ما ساهم في تحسين أوضاع النساء صعودهن لمواقع صنع القرار، كما أولت الدراسات أهمية لطبيعة النظم السياسية ودوره في إتاحة الفرصة للنساء البرلمانية تتيح فرصاً أكبر للنساء من الأنظمة الرئاسية، ومن المحددات السياسية المحورية أ]ضاً دور الأحزاب السياسية وطابعها المؤسسي، والروابط العائلية داخل الأحزاب وأيديولوجية الحزب.
كما لعبت الخبرة السياسية للسيدات في المستويات الأدنى من دوائر القيادة دور هام في صعودهن خاصة وأن معظم هذه النماذج لم يكن لديها إخفاقات قانونية وأخلاقية.
فيما يتعلق بالمحددات الاجتماعية، يمك القول إنه من بين أهم المحددات الاجتماعية التي ساهمت في بروز نماذج قيادات سياسية نسائية في بروز نماذج قيادات سياسية نسائية كانت الروابط العائلية فرئينا أنديرا غاندي في الهند وبنظير بوتو في باكستان إيزابيل بيروت في الأرجنتين في باكستان إيزابيل بيروت في الأرجنتين وغيرهن من القائدات السياسيات اللاتي دخلن الحياة السياسية من بوابة الروابط العائلية والاجتماعية، أما عن الجغرافيا فلعبت دور أيضاً، فالانتماء الجغرافي وفقاً لمعظم الدراسات كان من العوامل التي ساهمت بشكل ملحوظ في صعود النساء، والقارة الأوروبية صاحبة النصيب الأكبر في تمثيل النساء على مستوى القيادة نظراً لتمايز النموذج الأوروبي وبنمط الصعود الديمقراطي على اختلاف النموذج الأسيوي الذي تتميز بتأثير الروابط العائلية والاجتماعية.
أما عن الثقافة فشغلت خير من التأثير نظراً لما قدمته من دعم ملحوظ للنساء فنجد أن القيم البروتستانتية مثلاً كانت المتغيرات الإيجابية على وضع المرأة السياسية، كذلك التنشئة الاجتماعية وزيادة نسبة التعليم والتعليم الجامعي بين الفتيات والسيدات من القوة الدافعة لتطلع النساء للعب مزيد من الأدوار في المجتمع، علاوة على ذلك قيام الثورة التقنية، واتساع مجال الاتصال وتأثير الثقافات ومزجها فتح المجال أمام النساء لكي يعبرن عن أنفسهن سياسياً ومن ثم الصعود للقيادة.
فاعلية الأداء:
قد أبلت النساء بلاء حسن في مشوارهن القيادي وأبرز هذه القيادات كانت مارجريت تاتشر أول رئيسة وزراء لبريطانيا والتي خاضت غمار حرب القوكلاند ضد الأرجنتين وهي أولى الأزمات السياسية العسكرية التي واجهتها تاتشر وحققت انتصار بعودة الجذر تحت السيادة البريطانية، ولم تكن هذه الأزمة هي الأخيرة، حيث واجهت تاتشر عدة أزمات اقتصادية واجتماعية ربما بعضها كانت أزمات وصفها البعض بالأزمات العصية على الحل لما كان لها من تأثير سلبي على أداء الحكومات السابقة لتاتشر، لكن المرأة الحديدية استطاعت التغلب على معظم هذه الأزمات حيث اتخذت تدابير اقتصادية متمثلة في رفع مستوى الفائدة وخصخصة القطاع العام مما ساهم في خفض معدلات التضخم وتحسين قيمة العملة أما عن عائق النفايات العمالية فالاضطرابات التيكانت تعرقل أي رغبة في التقدم والتحسين الاقتصادي استطاعت تاتشر أن تكبح جماحها بين القوانين والتشريعات التي أفقدتها تأثيرها السلبي للأبد.
تأسيسا على ما سبق، يمكن القول إن فاعلية أداء المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، اختلفت باختلاف الظروف السياسية والاقتصادية لفترة حكمها، فكانت معظم الازمات التي خاضتها ميركل هي أزمات إقليمية على مستوى الاتحاد الأوروبي أو أزمات عالمية مثل كوفيد 19 وأزمة اللاجئين، وهو الأمر الذي أضفى طابعاً مميزاً على فترة حكم أنجيلا ميركل في أزمة اليورو شاركت صندوق النقد الدولي في دعم الدولة المتأثرة في سداد ديونها وإنقاذ النقد الأوروبي من الانهيار في أزمة اللاجئين وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهت لها من الداخل ومعارضة قرار سياسة الباب المفتوح سرعان ما احتوت الأزمة وانقذت الموقف بالاتفاق مع الجانب التركي لمنع تدفق اللاجئين لأوروبا من جهة ومن جهة أخرى ساهمت في تحسين أوضاع اللاجئين في ألمانيا من خلال برامج الدعم الاجتماعي والصحي، أما عن الجائحة فكانت القيادة الميركلية مضرب المثل في المشهد العالمي ففي وقت انهيار المنظومة الصحية الأمريكية وثبوت عدم قدرتها على الصمود فكانت ميركل ترسم خططاً لفتح أسواق لتصدير المستلزمات الطبية للأسواق الأسيوية، كما أن إدارة ميركل للأزمات تميزت عن غيرها بأن آليات الخروج من الأزمة كلها كانت مشروطة بعدم المساس بخطط المستقبل للتنمية والتحول الرقمي، والحفاظ على المناخ.
وختاماً، فقد حققت النساء خطوات هامة نحو الصعود للقيادة السيادية؛ وذلك بفضل العديد من العوامل الثقافية والاجتماعية والسياسية، هذا بالإضافة إلى دعم المؤسسات المعنية، وقنوات الاتصال السياسي وعلى صعيد آخر من خلال التغلب على المعوقات والممارسات والإشكالات التي من شأنها كانت تحول دون دعم وتمكين النساء ومنحهن مساحات سياسية حقيقية. هذا في إطار مناخ عالمي ساهمت في تهيئته المنظمات الدولية المعنية بحقوق المرأة وفي مقدمتها الأمم المتحدة، وهذا المناخ سوف يتيح المزيد من الفرص أمام النساء في المستقبل، لا سيما بعد أن حققت أنجيلا ميركل وغيرها بنجاح غير مسبوق في إدارة العديد من الملفات بتفوق على القادة من الرجال في بعض الأحيان.