هل يتجاوز السوداني أزمات العراق؟

أزمات متتالية ترفض أن تغادر العراق الذي إقترن اسمه بمصطلح بلد الازمات الدائمة, فلم يكد يخرج من أزمته السياسية التي استمرت لأكثر من العام بتشكيل حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في أكتوبر من العام الماضي حتي وجدت الحكومة نفسها أمام عدة أزمات واحدة منها فقط تكفي  للإطاحة بها.وقبل مرور إسبوعين علي تشكيل الحكومة ونيل ثقة البرلمان العراقى,ففي السابع من نوفمبر استهدف مسلحون سيارة المواطن الأمريكى ستيفن ترول الذي يعيش في بغداد مع عائلته وأردوه قتيلاً, ومع حلول رأس السنة الميلادية الجديدة بدأت بوادر أزمة إقتصادية تظهر إلي العلن بعد تهاوي العملة العراقية إلي أدنى مستواياتها منذ ثمانية عشر عاماً, وقبل مرور الأسبوع الأول من العام الجديد  ظهرت الخلافات والصراعات من جديد داخل إئتلاف إدارة الدولة الداعم للحكومة داخل مكوناته وليس بينها, وكأن الأزمات السابقة لاتكفي جاء الحكم الصادر من المحكمة الإتحادية العليا في نهاية شهر يناير من العام الحالي ببطلان ستة قرارات لحكومة رئيس الوزراء السابق مصطفي الكاظمى لتضيف أزمة جديدة إلى الحياة السياسية العراقية 0يحاول هذا المقال إلقاء الضوء على تلك الأزمات وكيفية تعامل حكومة السودانى معها.

حكومة السوداني.. 11 وزيراً يباشرون مهام عملهم رسمياً (صور) | سياسة

  • أزمة مقتل المواطن الامريكي : لم يكن يدر المواطن الأمريكي ستيفن ترول الذي يعيش في بغداد منذ عام 2019 ويعمل مدرساً للغة الإنجليزية في منظمة ملينيوم للإغاثة أن نهاية حياته سوف تكون في البلد الذي أعلن حبه له علي صفحته الشخصية في تويتر مثله مثل ضحايا الوضع الأمنى المتوتر في العراق, ففى السابع من نوفمبر من عام 2022 استهدف مسلحون سيارته وأرده قتيلاً دون مبرر معلوم, وكلف رئيس الحكومة وزير الداخلية عبد الأمير الشمرى بفتح تحقيق للوقوف علي ملابسات الحادث, وصرح أن الوضع الامنى في البلاد خط احمر وأن التعدي علي المواطنين والأجانب المقيمين فيه امراً لا يمكن الإستهانة به أومعه, ولم تسارع السفيرة الأمريكية في بغداد ألينا رومانسكى إلي إعلان موقفها كعادتها ونظرائها إزاء مواقف مماثلة أو أقل منها, وإنتظرت يوماً كاملاً قبل أن تعلن علي صفحتها الشخصية علي تويتر بانها تراقب التحقيقات عن كثب وقدمت التعازي إلي عائلته, وعلي غير العادة لم تتهم الولايات المتحدة علي لسان أي من مسئوليها المجموعات الإرهابية المقربة من طهران علي حد وصفها كما حدث عند قصف المواقع الدبلوماسية الأمريكية فى بغداد وأربيل, وعدت ذلك إنتهاك لسيادة العراق بل وهددت بإغلاق السفارة الأمريكية في حالة تكرار ذلك, وبدت الولايات المتحدة إزاء موقف ضعف أمام الحكومة العراقية فهي ترغب في نفط بغداد وبسعر خاص خاصة بعد رفض السعودية ودول الخليج من ورائها زيادة إنتاجها ومساعدتها في تجاوز أزمة الوقود التي تعاني منها,وقد أدركت الحكومة العراقية ذلك ,ولم تعط هذة الحادثة أولوية في تصريحاتها وإكتفت بإجراء تحقيق سريع لكشف المتورطين ومحاسبتهم.

ولم ترغب واشنطن توجيهه أصابع الإتهام إلي أى من الفصائل الذي من شأنه أن يعكر صفو المفاوضات مع الجانب العراقى,بل ورحبت بتشكيل الحكومة العراقية علي الرغم من إنتقادات الصحافة الأمريكية لها ووصفها بحكومة إيران الجديدة في المنطقة0 وكان موقف جميع الاطراف مشابه للموقف الأمريكى حيث إجتمع رئيس الحكومة العراقية والعديد من السياسين العراقيين مع السفيرة الامريكية في بغداد وناقشوا سبل تعزيز التوافق في المنطقة وكذلك تعزيز العلاقات الأمنية بين البلدين.

وبالرغم من إشاعة عدم رضا الجانب الإيرانى عن هذا التوافق, ويعتقد علي نطاق واسع أن العملية تمت برعاية إيرانية ,ولكن الإخيرة وأذرعها لا ترغب في تبنيها أو التصريح بالضلوع فيها لعدم فتح خلافات جديدة مع الولايات المتحدة ,خاصة بعد سابقة التعاون بينها وبين الولايات المتحدة علي ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان من خلال موافقة حزب الله الموالي علي الوساطة الأمريكية .

الخلاف السني يضرب ترتيبات «الإطار» ومخاوف من تفكك «إدارة الدولة»

  • الخلافات السياسية داخل إئتلاف إدارة الدولة: لم تكد الصراعات السياسية بين القوى السياسية تطوى صفحاتها في العراق عقب إنسحاب التيار الصدري من العملية السياسية واستتباب الأمر لإئتلاف إدارة الدولة مما سمح بتشكيل حكومة السيد السودانى حتى عادت تلك الصراعات من جديد,في استعادة ما دأب العراقيون عليه بل وملوا منه .
  • خلاف سنى سنى: البداية كانت قبل تشكيل الحكومة العراقية, حيث ظهر صراع داخلي بين الكتل السياسية العراقية استهدف رئيس مجلس النواب العراقى محمد الحبلوسى, الذى تقدم بإستقالته في نهاية شهر سبتمبر الماضى, لكن تم رفضها من قبل البرلمان وتجديد الثقة به,بعد صفقة ليست بالجديدة ولا الغريبة علي الحياة السياسية العراقية, حيث تم رفض الإستقالة مقابل منح إمتيازات سياسية , حيث حصل حزب تقدم برئاسة الحبلوسى على وزارتى التربية والتخطيط, وعقب تشكيل الحكومة ظهر خلاف بين حزب تقدم برئاسة الحبلوسى وبين تحالف عزم الذي كان يرأسه خميس الخنجر ويرأسه حاليا النائب مثنى السامرائى, تتعلق بتقارب تحالف عزم مع الإطار التنسيقى بعد تصريحات إعلامية للحبلوسى حول قضية الحكومات المحلية ,خاصة فى المحافظات والمدن المحررة من تنظيم داعش , وكذلك تصريحه بنجاح المحافظين التابعين لحزبه في الأنبار ونينوى, بالمقابل فشل محافظ صلاح الدين التابع لتحالف عزم.مما دفع مجلس محافظة صلاح الدين لإصدار بيان يؤكد دعمه لحكومة المحافظة وإدارتها, وتضمن البيان اتهام ضمنى للحبلوسى وحزبه بالسيطرة علي صندوق إعمار المناطق المتضررة منذ عام 2000 .وكذلك السيطرة علي المناصب الإدارية والأمنية في محافظة الأنبار ومحاولته التفرد بسلطتها.

وظهر الحديث عن ضغوط خصوم الحبلوسى في تحالف عزم في محافظات صلاح الدين وبغداد علي الإطار التنسيقى لإقالته وتسمية مرشح سنى أخر لرئاسة البرلمان, مع التأكد أن الأغلبية البرلمانية التى يتمتع بها الحبلوسى تمنع ذلك .مما يؤكد أن هدف تلك الضغوط هو المناورة والحصول على تنازلات في أماكن محددة خاصة الأنبار,مع تصاعد الغضب الشعبى في الأنبار بعد حصول الحشد الشعبى علي أراضى في محافظة الأنبار, واهدار أموال كانت مخصصة للإعمار, وعدم الإرتقاء بالوضع الخدمى ,وإزدادت الخلافات بين الحبلوسى وخميس الخنجر حول تعين مسئولين جدد في المحافظات ذات الأغلبية السنية, وإهمال محافظة ديالى وتهميشها فى السلطتين التنفيذية والتشريعية, وكذلك الخدمات مقارنة بمحافظات نينوي والأنبار.

وتفاقم ذلك الخلاف بعد توقيع الحبلوسي على إستقالة النائب ليث الدليمى الذي كان عضواً في تقدم وإنتقل إلي تحالف عزم,الذى إعتبره النائب غير قانونى ,على الرغم أنه جاء استناداً للمادة 12من قانون مجلس النواب,ورأى تحالف عزم  إنهاء العضوية تم دون الرجوع إلي مجلس النواب بالمخالفة للمادة 39 من الدستور.

وفي الإطار جاء إنسحاب النائب رعد الدهلكى من تحالف السيادة لأسباب تتعلق بحقوق محافظة ديالى ورغبته فى الحصول علي رئاسة لجنة النزاهة النيابية, ومطالبته بترشيح سكرتيره فادى محمد يسين لمنصب نائب محافظة ديالى.

ووصلت الخلافات السنية السنية إلى الحد الذى هدد تحالف السيادة نفسه, والذى تشكل في يناير 2022 ليمثل السنة جميعا,حيث تقدم اربع من النواب من حزب وكتلة تقدم الذي يترأسها الحبلوسى بإستقالتهم من الحزب, وهم فلاح الذيدان ولطيف الورشان وعادل المحلاوى ويوسف السبعاوى الذي ينحدر معظمهم من محافظة نينوي, واحتفظ النواب الأربعة بعضويتهم فى تحالف السيادة للحفاظ علي تمثيل محافظتهم, حيث يتهم النواب الأربعة الحبلوسى بالإستحواذ على جميع القرارات السياسية.

ائتلاف إدارة الدولة العراقي يرحب بعودة التيار الصدري للحوار

  • الخلاف الشيعى الشيعي داخل الإطار التنسيقى : في البداية كان يعتقد بان الموالاه لإيران التي تجمع كافة مكونات الإطار التنسيقى كافية لمنع تلك الصراعات, لكن إختلافات الرؤي بين مكونات الإطار كانت حاضرة طوال الوقت,ولكنهم تغاضوا عنها في السابق رغبة في التركيز وتوحيد الجهود لإستعادة السلطة التي فقدوها عقب الإنتخابات المبكرة في اكتوبر 2021 والتي نتج عنها تراجع غير مسبوق منذ 2003, وإنحصرت في إختلاف الرؤى في كيفية التعامل مع التيار الصدرى خاصة بعد إقتحام أنصاره مبني البرلمان وتعطيل العملية السياسية وتشكيل حكومة السودانى ,حاول زعيم إئتلاف الفتح هادي العامري إقناع الصدر بالعودة إلي العملية السياسية, ولكن رئيس الوزراء الأسبق نوورى المالكى خالفه في ذلك وأيده زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلى والمنضوى في الإطار عبر كتلة صادقون النيابية, وبعد التأكد من عدم عودة التيار الصدري للعملية السياسية إنصب الخلاف بين مكونات الإطار علي تحديد شخصية رئيس الوزراء القادم حيث حاولت كل كتلة مناكفة الأخري في مرشحيها, وعلى الرغم من أن المالكى لم يرشح نفسه أو أحداً من كتلته لرئاسة الوزراء ولكنه أصرعلي ترشيح السودانى علي الرغم من إنشاق الأخيرعن إئتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكى بل وتأسيسه لتيار سياسى مستقل باسم الفراتين, وعلي الرغم من شيوع إعتقاد بين السياسيين العراقيين أن ذلك لم يكن سوى مناورة سياسية من المالكى لإظهار السودانى فى صورة المستقل عنه سياسياً ليمارس نوعاً من النفوذ علي الحكومة الجديدة من وراء الستار, في نهاية الامر تم التوافق بين قيس الخزعلي والمالكى علي إنهاء الأزمة, وبعد وصول السودانى إلي رئاسة الحكومة لم يعد الخزعلى بحاجة إلي المالكى , بدأ الخزعلي يعمل علي تعزيز موقفه السياسي من خلال التأثير علي قرارات السودانى السياسية, أثار ذلك حفيظة المالكى وعزز الخلافات مع الخزعلى, ويحاول السودانى الخروج من عباءة المالكى بمساندة الخزعلى ,الذي ابدي مرونة مع قرارات السودانى مرتبطة بطموحات سياسية حيث يسعى الخزعلي إلي الحصول علي مناصب سياسية إضافية خاصة الأمنية منها وبالأخص منصب رئيس المخابرات العراقية, وقد هددت بعض قوى الإطار التنسيقى بإقالة السودانى حال استمراره بإتخاذ القرارات بشكل منفرد, وشكلت اللقاءات المتكررة للسودانى مع السفيرة الأمريكية ببغداد وقائد قوات تحالف الناتو جيوفانى إيانوتشى إحدي نقاط الخلاف داخل مكونات الإطار إعتقاداً بأن تلك اللقاءات كانت سبباً بإبتعاد السودانى عن المطالبة بخروج القوات الأجنبية, في الوقت الذي يرغب السودانى في علاقات قوية مع واشنطن وبروكسيل لاستمرار حكومته,وشكل قانون الإنتخابات احدى أبرز نقاط الخلاف داخل القوى السياسية بشكل عام وقوى الإطار بشكل خاص,حيث تسعي دوماً إلي تعديلها بما يحافظ علي قوتها ونفوذها السياسى.

تم تعديل قانون الإنتخابات بضغط الإحتجاجات التي إجتاحت معظم مناطق العراق عام 2019 مما إضطر الإطار إلي الموافقة عليها دون رغبته في ديسمبر2020 بعد مماطلة استمرت عام كامل. وتضمن برنامج حكومة السودانى تعديل قانون الإنتخابات خلال 3 أشهر وإجراء إنتخابات مبكرة خلال عام . بالإضافة إلي أن الإطار لايزال يعمل بنفس العقلية الإستراتيجية التي أدت إلي عزل حليفهم السابق عادل عبد المهدي عام 2019 في ظل مرحلة سياسية مختلفة تستدعى التجديد والإبتعاد عن النمط التقليدي.

التنويري – Altanweeri الخلاف السنّي الشيعي؛ خطوات لنزع فتيل الخصام - التنويري - Altanweeri

  • الخلاف السنى الشيعي:عقب تشكيل الحكومة حدث خلاف بين رئيس البرلمان والإطار التنسيقى الذي يضم القوى الشيعية,حيث تدعم بعض الأطراف الشيعية داخل الإطار إقالة الحبلوسى,وهي إئتلاف دولة القانون برئاسة نوورى المالكي وكتلة صادقون برئاسة قيس الخزعلي وذلك في إطار التنافس فيما بينهم, مع إقتراب موعد انتخابات مجالس المحافظات المحتمل عقدها في أكتوبر القادم .

وبدأ الخلاف السنى الشيعى باعتراض النائب الأول لرئيس البرلمان محسن المندلاوى على المعينين على الدرجات الوظيفية الخاصة دون التشاور مع باقى الكتل السياسية ,والتى شملت مدير مكتب رئيس الوزراء وأمين عام مجلس النواب ومدير ديوان رئيس مجلس الوزراءورئيس ديوان الرئاسة ومدير مكاتب رئيس البرلمان ونوابه.وتم تأجيل الجلسة المقررة للتصويت علي هؤلاء المرشحين بسبب الخلاف مع الحبلوسى.

بالإضافة إلي ذلك إعتبر حزب تقدم أن الإطار التنسيقى أخل بالإتفاق السياسى القاضي بسحب الحشد الشعبي من المناطق المحررة من داعش.وكذلك حل هيئة المساءلة والعدالة ,ومما جعل الخلاف يتصاعد إثارة الحبلوسى ملف المغدورين من السنة حيث قتل بين 22-18 ألف عراقى في محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى ونينوى وبابل على يد كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وبدر وسيد الشهداء والإمام على والخرسانى ورساليون والنجباء الموالين للقوي الشيعية,وردت تلك القوي بفتح ملفات فساد تورط فيها الحبلوسى والتى تم التغاضى عنها فى إطار التفاهمات السياسية التى سبقت تشكيل الحكومة بين تحالفى تقدم وعزم .

  • أزمة إنهيار العملية العراقية: فوجئ العراقيون مع بداية العام الجديد بإنهيار في سعر صرف الدينار العراقى امام الدولار الأمريكى مما تسبب باضطرابات كثيرة في الاسواق المالية والتجارية العراقية,انخفضت قيمة الدينار العراقي بشكل جنونى حتى وصلت إلي 1,700 دينار لكل دولار بعد أن كانت لا تتجاوز 1,270 دينار سابقاً,مسببة أضرار إقتصادية كبيرة إنعكست علي المجتمع العراقى كما يحدث في سوريا ولبنان,وقد أعات تلك الأزمة ذكريات التقشف التي عاشوها قبل عام 2004 حيث الدولار يساوي 3,000 دينار قبل أن ينخفض تدريجياً منذ منتصف 2004 .وفى نوفمبر الماضي أعلن البنك المركزي العراقى وقف تعاملاته المالية مع أربعة بنوك أهلية وهى المصرف الأنصارى الإسلامى والقابض الإسلامى للإستثمار والتمويل  وأسيا العراق الإسلامى للإستثمار والتمويل والشرق الأوسط العراقى دون إبداء أسباب ,و سرت شائعات بقرب فرض عقوبات أمريكية علي بعض البنوك العراقية,وبرغم نفى المركزى العراقي تلك الشائعات التى لم تكن مفاجئة فقط سبق أن وجه الفيدرالى الأمريكى تحذيرات إلي الجانب العراقى بوقف تعاملات بعض البنوك وتقيد تدفق الدولار إلى الأسواق العراقية , وحافظ الدينار العراقي علي قيمته حتى منتصف ديسمبر الماضى بعد أن تسربت انباء عن العقوبات التي فرضها الفيدرالي الامريكى علي بنوك مقربة من شخصيات سياسية موالية لإيران وضم تلك المصارف إلى قائمة الولايات المتحدة السوداء للتعاملات  المالية ,وإتهامها بالتورط في تهرب الدولار إلي خارج العراق 0ويتحكم البنك الفيدرالى الامريكى بتدفق الدولار إلي العراق عبر سيطرته علي ودائع النفط العراقى الموجودة فى حساب تابع لوزارة المالية العراقية في الولايات المتحدة ويقوم المركزي العراقى بشراء الدولار من وزارة المالية ويحدد سعر طرحه في الأسواق وفقاً لكمية الطلب عليه, وسبق ان فرض الفيدرالى الأمريكى عام 2018 عقوبات علي بنك البلاد الإسلامى التابع للسياسى المقرب من إيران حبيب الفيلى بسبب تهريب أموال البنك إلى حزب الله اللبنانى والحرس الثوري الإيرانى ,ويتم تهريب الدولار عن طريق ما يسمى الحولات السوداء التى يخرج فيها الدولار من العراق إلي الأنظمة المصرفية في دول الجوار,في حين تساهم زيادة الطلب على الدولار داخل البلاد في إرتفاع أسعار الصرف مقابل العملة الأجنبية,وشنت الحكومة العراقية حملات مكثفة علي مكاتب الصرافة غير الشرعية في مناطق متعددة في العراق, خاصة بورصتى الكفاح والحارثية,ولوقف تلك الممارسات عمدت الولايات المتحدة إلى تأسيس منصة مالية داخل البنك المركزي تحت إشرافها لمراقبة الأموال العراقية وتحويلات العملة الأجنبية0 وتعمل معظم البنوك العراقية ضمن منظومة شبكات واسعة مرتبطة بشخصيات سياسية حزبية رفيعة المستوى,وهذه الشخصيات متورطة بشكل مباشر في عمليات غسيل الأموال,كما تمتلك أسهماً بأسماء وهمية منخرطة في مشاريع الدولة ومشاريع خارجها,يدفعهم ذلك إلي الإبتعاد عن المراقبة,وتلجأ إلى نقل كميات طائلة من الأموال السائلة إلى خارج البلاد,خاصة أنها تتجنب الكشف عن الجهات المستفيدة,ويتم تهريب العملة عبر البر والشحن الجوي ليس إلي إيران فقط ولكن إلي سوريا والأردن وتركيا بقيم تتراوح بين 100 مليون إلى 250 مليون دولار أسبوعياً,ويسود إعتقاد بان إرتفاع سعر الدولار يرتبط بمحاولات الولايات المتحدة لإضعاف بعض الأحزاب السياسية الموالية لإيران,بل وإبعاد تأثيرها عن حكومة السودانى ,وكذلك رغبتها فى التدخل في سياسة السوداني الداخلية,مما أثار الخلافات والإنشقاقات داخل الإطار التنسيقى.

مما دعى رئيس الوزراء  إلى إقالة محافظ البنك المركزي مصطفى غالب مخيف المقرب من رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمى والتيار الصدرى  وتعين على العلاق الذي سبق وأن شغل المنصب نفسة بين عامي 2020-2014  بدلاً منه,تحت ضغط شخصيات نافذة في الإطار التنسيقى,ولايزال المستقبل الإقتصادي للعراق مجهولاً,فهل سيتحول إلي إقتصاد تابع للإقتصاديات الواقعة تحت العقوبات الأمريكية والدولية,أم سيغادر تلك المنطقة عما قريب.

  • قرار المحكمة الإتحادية العراقية: في السادس والعشرين من يناير 2023 كان العراقيون علي موعد مع أزمة جديدة تضاف إلى أزماتهم التى تنتهي لتعود من جديد,قضت المحكمة الإتحادية العليا بعدم صحة (6) قرارات للحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمى من بينها تحويل مبالغ إلي إقليم كردستان.حيث قوبل برفض واسع من مسؤولى إقليم كردستان,وهاجموا المحكمة مطالبين بحقوق لإقليم التى نص عليها الدستور,وتصدى العديد من السياسيين للدفاع عنها حيث أنها لا تنحاز إلى طرف دون الأخر فى إطار التنافس السياسى .وجاء قرار المحكمة الإتحادية ليضع مستقبل إئتلاف إدارة الدولة الذي تشكلت الحكومة العراقية علي أساسه أمام عدة احتمالات:
  • الإحتمال الأول: تكفكك إئتلاف إدارة الدولة لإنسحاب بعض أطرافه خاصة الطرف الكردي احتجاجاً علي قرار المحكمة بوقف تزويد الإقليم بالمستحقت المالية ,مما يضع الإئتلاف في موقف لا يحسد عليه ’في ظل وجود الأزمات الأخرى التى تلاحق الحكومة ,مما قد يتسبب في عودة الإحتججات التى قد تعيد التيار الصدرى إلى العملية السياسية من جديد.
  • الإحتمال الثاني: نجاح القوى السياسية العراقية في الوصول إلى حل وسط يرضى الاكراد,وذلك عن طرق تدخل الوسطاء بين القوى السياسية,ويتطلب هذا الإحتمال تخفيف القوى الكردية للغتهم المتشنجة والمتعصبة تجاه المحكمة,والتى جاء علي لسان رئيس كردستان السابق مسعود برزانى الذى وصف القرار بالعدائى وأن المشكلة ليست بالمبلغ المالى بل بإنتهاك الحقوق والمبادئ,وأن المستحقات المالية للإقليم جزء من البرنامج المتفق عليه لتشكيل الحكومة ,ولم يتوقف عند ذلك بل وصف المحكمة بأنها تنفذ أجندة مشبوهة ,وتحل محل محكمة الثورة في عهد النظام السابق,ولم يكن بيان رئيس الإقليم الحالى نيجرفان البارزانى أخف وطأة من الرئيس السابق حيث حمل أطراف إئتلاف إدارة الدولة مسئولية تنفيذ  الوعود التى أطلقت للأكراد لتشكيل هذا الإئتلاف الذي تشكلت الحكومة علي أساسه,وطالب باستعجال إصدار قانون جديد لإعادة تشكيل المحكمة .
  • الإحتمال الثالث: إنهيار الإئتلاف حتي مع هدوء الأزمة ,على أساس التوصل لحل وسط يقنع الأكراد بالتراجع عن المواقف العدائية تجاه المحكمة ,مقابل اجراءات حكومية لمنح المستحقات للإقليم,مع إمكانية التعويض في الموازنة الجديدة , وعلي الرغم من ذلك من الممكن أن يؤدى هذا الإحتمال إلي هدوء الأوضاع وإن كان سيؤدى فى نهاية الأمر الى إنهيار الإئتلاف لتصدع الثقة بين أطرافه .

ختاماً أظهرت حكومة محمد شياع السوداني احترافية فائقة في مواجة الأزمات التي تعرض لها العراق خلال المائة يوم الأولى للحكومة, حيث تعاملت مع أزمة الموطن الأمريكى ببيروقراطية ,ونأت بنفسها عن الخلافات  سواء بين المكونات السياسية أو داخلها, ولكن أخطر ما يواجهها أزمة أسعار الصرف ,حيث تبذل جهوداً كبيرة لحلها,وكذلك  تعاملت بهدوء مع أزمة قرار المحكمة الإتحادية.

د. حسام البقيعي

رئيس وحدة دراسات الأمن الإقليمي بالمركز، الباحث حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة القاهرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى