أية تداعيات للاتفاق السعودي ـ الإيراني على الملفات الإقليمية؟

سارة أمين

ماجستير في العلوم السياسية – شعبة العلاقات الدولية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط

بقدر ما كان الإعلان عن إتفاق عودة العلاقات الرسمية بين الرياض وطهران تطوراً هاماً, بقدر ما كانت الرعاية الصينية لهذا الإتفاق خطوة إستراتيجية لا تقل فى معناها ورسائلها عن الإتفاق وبنوده, ففى العاشر من مارس 2023، أعلن فى بكين عن التوصل لإتفاق عودة العلاقات بين السعودية وإيران بوساطة صينية، وذلك بعد قطيعة دبلوماسية استمرت سبع سنوات، عقب إعدام رجل الدين الشيعى “باقر النمر”، ومهاجمة المتظاهرين للسفارة السعودية فى طهران, والقنصلية السعودية في مشهد, مما أدى إلى توتر شديد في العلاقات، والذي انعكس بدوره على المنطقة, حيث قامت الكويت والإمارات العربية المتحدة بسحب سفيريهما من طهران تضامناً مع المملكة العربية السعودية, كما تصاعدت الصراعات وحروب الوكلاء في الشرق الأوسط, من العراق وسوريا ولبنان إلي اليمن وأفغانستان.

وبعد ست جولات من الحوار بين الرياض وطهران من بغداد إلى عمان، تم رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي فى لقاءات الجانبين, وجرى الاتفاق على عودة العلاقات بين البلدين بوساطة صينية، مما مثل نقطة تحول استراتيجية في علاقات البلدين من ناحية، ولمنطقة الشرق الأوسط من ناحية أخرى، لا سيما مع استمرار  الأوضاع الاقليمية المتدهورة في الوقت الراهن، إذ ينظر إلى هذا الاتفاق على أنه انجازاً مهماً للغاية، وخطوة ينتظر – حال الإلتزام بها- أن تكون لها تأثيراتها الإيجابية على مناطق التوتر والصراع فى الشرق الأوسط.

وتأسيساً علي ذلك تحاول هذة الورقة قراءة بنود الإتفاق السعودي الإيراني، ودوافع أطرافه للوصول إليه، ومن ثم رصد تداعيات الإتفاق على أبرز الملفات الإقليمية.

ماهية الاتفاق:

وقد توصل الطرفان السعودى والإيرانى حسب البيان الصادر عن الإجتماع المشترك إلى التوافق على عدد من النقاط يأتي أبرزها:

(&) الموافقة على استئناف العلاقات الدبلومسية بين الرياض وطهران، وإعادة فتح السفارات خلال مدة أقصاها شهران من تاريخ الإتفاق.

(&) الإتفاق على أن يعقد وزيرى خارجية البلدين إجتماعاً لتفعيل ذلك الإتفاق وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما.

(&) الإتفاق على تفعيل إتفاقية التعاون الأمنى بين البلدين، الموقعة في السابع عشر من إبريل 2001، والإتفاقية العامة للتعاون فى مجال الإقتصاد والتجارة والإستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب الموقعة فى عام 1998.

(&) التأكيد على مبدأ احترام سيادة الدول وعدم التدخل فى شئونها الداخلية.

وقد تباينت ردود الأفعال على الإتفاق ما بين مرحب يأمل فى أن يسهم هذا الاتفاق في تخفيف حدة التوتر بين البلدين، ويساعد في إنهاء الصراعات والأزمات التي تزعزع أمن واستقرار المنطقة منذ سنوات, وبين متخوف من عدم إلتزام طهران بناءاً على مواقف سابقة من تنصل طهران من الإلتزام بالإتفاقات والمعاهدات, وثالث متفاجئ بالاتفاق، لم يكن يتوقع حدوثه على الأقل في الوقت الراهن.

دوافع الإتفاق:

وقد كان هناك العديد من العوامل التي دفعت البلدين لتوقيع اتفاق عودة العلاقات، وأهدافاً يسعى كل طرف  لتحقيقها، أهمها:

يتمثل أهم الدوافع السعودية في، الرغبة في تهدئة الأوضاع, وخفض التوترات فى منطقة الشرق الأوسط، في ضوء الأزمات التي يعاني منها العالم منذ انتشار جائحة كورونا، واندلاع الحرب في أوكرانيا، فضلاً عن أن تهدئة التوترات تتماشي مع  رؤية المملكة2030  .

كذلك سبق الإتفاق مع طهران العديد من الخطوات التى تؤشر إلى سعي الرياض إلى تهدئة الملفات الإقليمية، إذ قامت الأخيرة برأب الصدع  مع قطر خلال قمة العلا 2021, وتطبيع العلاقات مع تركيا, وكذلك إعادة النظر في العلاقات السعودية السورية مؤخراً, إضافة إلي تعميق العلاقات مع الإمارات ومصر.

ويمكن النظر إلى دوافع الرياض بأنها ناتجة عن رغبة سعودية لإنهاء الصراع اليمنى بشكل يراعى مصالح كافة الأطراف, وزيادة التفاهم حول قضايا المنطقة, لاسيما ما يتعلق بالأزمات فى سوريا ولبنان والعراق, كذلك دعم الدور الإقليمى والدولى للسعودية.

وبالتالي يمكن للاتفاق أن يحقق للسعودية عدة أهداف يتمثل أهمها في المساعدة في تهدئة التوترات في المنطقة، حيث تؤثر نشاطات الأذرع الإيرانية المسلحة في المنطقة، هذه التوترات على أمن واستقرار المملكة خاصة، وعلى منطقة الخليج العربي عامة، وبإمكان هذا الاتفاق – حال الالتزام به- تحجيم هذه الأنشطة، وقد يساعد في دعم الحل السلمي للنزاعات، واحترام سيادة الدول وحسن الجوار.

وتأتي أهم الدوافع الإيرانية، في أن الإتفاق مع الرياض، يعمل على كسر العزلة المفروضة على طهران، خاصة مع تزايد الضغوط الدولية بسبب التقارير التى تتحدث عن الدور الإيراني فى حرب أوكرانيا, بالإضافة إلى ملف حقوق الإنسان فى ظل قمع السلطات الإيرانية للمظاهرات المتواصلة منذ عدة أشهر داخل إيران.

أيضا تحاول طهران استثمار الرغبة السعودية في التحرك بعيداً عن واشنطن, حيث تسعى الرياض منذ فترة لتنويع علاقاتها مع القوى الدولية والإقليمية, ما يعني عودة العلاقات مع الرياض، إنجازاً يمكن استثماره في تسويق النظام الإيرانى لنفسه داخلياً وخارجياً, ومساعي تخفيف العقوبات المفروضة على طهران منذ فترة كبيرة.

وبالتالي تحقق إيران من هذا الاتفاق العديد من الأهداف، أهمها: التخفيف من وطأة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، وكذلك كسر عزلتها الدبلوماسية، على خلفية موقفها من الحرب في أوكرانيا، إضافة إلى التهديدات الاسرائيلية بسبب البرنامج النووي الإيراني، والتوتر في العلاقات مع دول الخليج العربي، وكذلك استمرار المظاهرات المطالبة بإسقاط النظام، والذي يؤثر على استقرار الأوضاع الداخلية.

بالنسبة للدوافع الصينية، يتمثل أهمها: في الرغبة الصينية لممارسة دور أكبر وتوسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسطالتي تحسب تاريخياً على النفوذ الأمريكى حتى وقت قريب- وتحاول بكين استمرار التراجع الأمريكي في المنطقة، وتبدى إهتماماً كبيراً بتنمية علاقاتها مع دول الخليج، والتي تمد بكين بما يقرب من نصف إحتياجاتها النفطية.

وقد اتجهت الصين إلى تطوير علاقاتها الإقتصادية مع عدد من الدول الخليجية في الفترة الأخيرة, حيث وقعت إتفاقية مع إيران بقيمة أربعمائة وخمسون مليار دولار، الجزء الأكبر منها لتطوير قطاع الطاقة الإيرانى, بدءاً بتطوير حقول الإنتاج، وصولاً إلى المصافى ومصانع البتروكيماويات, كما أصبحت الصين الشريك التجارى الأول لدول مجلس التعاون الخليجى، متجاوزة الإتحاد الأوروبى.

كما وقعت الصين اتفاقية تاريخية مع السعودية لشراء النفط بالعملة المحلية، إضافة إلي ذلك إظهار مدى قوة بكين الناعمة في أن تتم المصالحة بين قوتين اقليميتن امتد الصراع بينهما لفترة طويلة، وأيضا قطع الطريق أمام أمريكا في إعطاء ضوء أخضر أو تقديم الدعم لإسرائيل من أجل ضرب إيران، التي تجمعهما مصالح هامة، إذ أن هذ الاتفاق سيمهد الطريق لتهدئة التوترات مع دول الخليج كافة، كما يشكل الاتفاق خصماً من رصيد النفوذ الأمريكى في المنطقة، حيث ظلت واشنطن تصور إيران علي أنها مصدر التهديد والخطر لدول المنطقتة، وأن إسرائيل هي الشريك الإقليمي الموثوق به، وتعلم بكين أنها ستحقق العديد من المكاسب جراء إبرام مثل هكذا اتفاق، ففي حال نجاحه ستنجي ثمار الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، مما يضمن لها استمرار التدفق الحر للطاقة الواردة إليها من المنطقة، اضافة إلى “أن هذا الاتفاق تم برعاية وضمان لاعب دولي بثقل الصين وفي العاصمة بكين، مما يعني هذا إلزام أطرافه به وبتنفيذ بنوده”.

تداعيات محتملة:

بالنظر إلي طبيعة الملفات الشائكة في المنطقة, فإنه يمكن القول بأن هذا الاتفاق إذا تم الالتزام به بالفعل فقد يؤدي إلى إحداث نوع من التوازن بين القوى الإقليمية، ويساهم  في خفض حدة التوترات بصورة كبيرة، وقد يساعد في إعادة الأمور إلي نصابها، مع وقف الأذرع الإيرانية لأنشطتها المسلحة.

لا شك أن الاتفاق السعودي – الإيراني على عودة العلاقات بتشجيع من الصين وساهمت فيه كل من العراق وسلطنة عمان سابقا واستمر لعامين من جولات الحوار والتفاوض، من المتوقع أن يكون له تأثير مباشر على العديد من ملفات الصراع فى المنطقة، من أهمها:

(&) الملف اليمني: من المفترض أن تظهر نتائج الاتفاق بعودة العلاقات سريعاً، خاصة في الساحة اليمنية لوقف استنزاف القوات السعودية في حربها مع الحوثي، فعلى إيران أن تثبت حسن نواياها ومدى التزامها بتنفيذ بنود هذا الاتفاق، وإن كان هذا الملف يحتاج إلى المزيد من الترتيبات، لكن ربما على المدى الطويل من الممكن أن يساهم فى حدوث إنفراجة مهمة في الملف اليمني.

(&) الملف السوري: من الممكن أن يدفع التطبيع بين الرياض وطهران إلى دخول المنطقة لحقبة جديدة تمتد إلى سوريا، حيث تدعم طهران النظام السوري، وعلى وقع تداعيات هذا الاتفاق، التفتت الأنظار إلي ملف العلاقات السعودية – السورية، لاسيما أن تصريحات المسئولين في المملكة كشفت عن تحركات مرتقبة ستسمح بإنفراجة بين البلدين، حيث صرح وزير الخارجية السعودي “فيصل بن فرحان”: “أن الوضع القائم في سوريا غير قابل للاستدامة وأن أي مقاربة جديدة ستتطلب حواراً مع دمشق”.

إضافة إلي تصريح سابق قبل أيام أيضا قال فيه”إن الإجماع يتزايد في العالم العربي على أن عزل سوريا لا يجدي وأن الحوار مع دمشق ضروري خاصة لمعالجة الوضع الإنساني هناك، وأن الحوار قد يؤدي في النهاية إلي عودة سوريا إلي جامعة الدول العربية”، وهو ما قابلة الرئيس السورى بالترحيب بالإتفاق, وربما نشهد نتيجة هذا التطبيع تراجع للوجود الإيراني علي الأراضي السورية وفق ما ستمليه الأوضاع المستقبلية.

(&) الملف النووي الإيراني: قد يعزز هذا الاتفاق فتح واشنطن الباب أمام محادثات جديدة في فيينا لإبرام اتفاق نووي مع إيران, حيث ترغب إدارة الرئيس بيدن بتحقيق إنجاز على المستوى الخارجى, مع قرب الإنتخابات الرئاسية فى عام 2024، بما يوازى الإختراق الدبلوماسى الصينى في الشرق الأوسط .

(&) الموقف الأمريكي من الاتفاق: رحبت واشنطن بعودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران. وصرح “جون كيربي” -المنسق الاستراتيجي لمجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، بالقول: “نحن ندعم أي جهد لتهدئة التوترات في المنطقة، نعتقد أن هذا في مصلحتنا، وهذا شئ عملنا عليه من خلال مزيجنا بين الردع والدبلوماسية”. لكن ليس من المستبعد أن تعمل الولايات المتحدة بالتنسيق مع اسرائيل على إجهاض هذا الإتفاق لحرمان الصين من تحقيق أي إنجاز, وهو ما بدت مؤشراته في إرتفاع وتيرة الأحداث فى غزة والضفة الغربية, وكذلك فى لبنان.

(&) على مستوى العلاقات مع إسرائيل: بدت إسرائيل متخوفة من هذا الاتفاق وصرح بذلك “مائير كوهين”- دبلوماسي إسرائيلي سابق، حيث قال: “لاشك أن هذا الاتفاق يمثل ضربة للاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وينقل أيضا العديد من الرسائل الهامة من بينها، أن السعودية تهدف إلى إرسال رسالة إلي الإدارة الأمريكية باستراتيجيتها الجديدة بتنوع تحالفاتها الدولية، ومن هنا نرى أن هذا الاتفاق يعزز من النفوذ الصيني في المنطقة، مما قد يعني تراجع النفوذ الأمريكي فى المنطقة, مما يؤثر سلبا علي إسرائيل”.

وربما يكون تطبيع العلاقات الإسرائيلية السعودية، والذى وضعته حكومة نتنياهو على رأس برنامجها الإنتخابى،  سيكون بعد هذا الاتفاق صعب المنال, فقد صرح أيضا “تسفي برائيل” -محلل الشؤون الأمنية والاستخباراتية في صحيفة هارتس الاسرائيلية- “أن الاتفاق يبدد الحلم الإسرائيلي في إقامة تحالف عربي دولي ضد إيران”, وقد استغلت المعارضة الإسرائيلية هذا الاتفاق لاتهام رئيس الحكومة بالفشل فى تحقيق أهم بنود برنامجه الإنتخابى.

وبالتالي فإن أهم ما ترتب على هذا الإتفاق من نتائج جيوسياسية، هو أن منطقة الشرق الأوسط لم تعد منطقة نفوذ خالصة  للسياسة الأمريكية, بعد عقود من إنفراد واشنط, حيث عكس الاتفاق مزاحمة صينية على هذا النفوذ، كما سبق ورفضت الرياض الطلبات الامريكية بزيادة إنتاج النفط, وكذلك التطبيع مع إسرائيل, وكذلك رفض المشروع الأمريكي لإقامة تحالف عسكري يجمع بين دول الخليج وإسرائيل ضد إيران، بالرغم من التوتر الذى ساد بين السعودية وإيران فيما سبق, والإنتقاد الدائم للبرنامج النووي الإيراني، الذي يمثل تهديداً لأمن واستقرار دول المنطقة, غير أن الرياض لم تقبل بفكرة التحالف مع أمريكا وإسرائيل ضد إيران.

بالنهاية، فإن هذا الاتفاق يمكن أن يسهم في تحقيق الاستقرار وتهدئة الأوضاع في المنطقة إذا كان الهدف من إبرامه تحقيق أهداف استراتيجية، وليس مجرد خطوة تكتيكية لتحريك ملفات أخرى، تتعلق بالتعامل مع القوى الدولية، خاصة أن الملفات الخلافية ما بين الرياض وطهران هي ملفات معقدة بدرجة كبيرة , ولا يمكن احتوائها بين عشية وضحاها في مجرد اتفاق، لذا فإن المرحلة القادمة ستمثل اختباراً حقيقياً على مدى جدية طهران والرياض في تنفيذ بنوده، وإثبات حسن النوايا المتبادل، لا سيما وأن العديد من القوى الإقليمية والدولية أعربت عن ترحيبها بهذا الاتفاق، أملا في خاصة بعد الترحيب الدولى والإقليمى, أملاً في إعادة الأستقرار إلى المنطقة بعد عقد من التور والصراع.

فقد يعيد الاتفاق العلاقات بين إيران ودول المنطقة إلى وضعية العلاقات الطبيعية التي تراعي مصالح أطرافها، وإن كان من المعلوم أيضا أن طريق المصالحة طويل، وانعكاسات هذا الاتفاق على القضايا والملفات الإقليمية -سواء سلباً أو إيجاباً- يحتاج إلى وقت وجهود كبيرة يجب أن تبذل من أجل تحقيق أهداف الاتفاق، لا سيما وأن الممارسات الإيرانية السلبية لا زالت مستمرة – وإن خفت حدتها-  في الوقت الذي اتخذت فيه المملكة العربية السعودية خطوات كبيرة باتجاه مصالح المنطقة، وبالتالي على إيران إعادة بناء الثقة مع دول المنطقة، وإثبات إلتزامها وحسن نواياها وتمرر الفرصة على إسرائيل وأمريكا في إشعال المنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى