انعكاسات الاتفاق السعودي ـ الإيراني على فرص التسوية في اليمن

أعلنت إيران والمملكة العربية السعودية، الجمعة، اتفاقهم على استئناف العلاقات الدبلوماسية وفتح السفارات في البلدين خلال ستين يومًا، بوساطة صينية، بعد دخول سنوات القطيعة عامها الثامن؛ إثر اقتحام محتجين إيرانيين سفارة الرياض في طهران في يناير 2016، ردًا على إعدام السعودية المواطن السعودي نمر النمر، أحد رجال الدين الشيعة وأبرز الموالين لإيران في المملكة.

وتوالت ردود الفعل الدولية على الاتفاق، الذي نص على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وإعادة فتح سفارتيهما، وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران، والتأكيد على احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، إلى جانب الترتيب إلى عقد لقاء بين وزيري خارجية البلدين لتفعيل الاتفاق، وترتيب تبادل السفراء، ومناقشة سبل تعزيز العلاقات، كما اتفقا على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما، والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة، وهو ما اعتبر خطوة باتجاه الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ونقطة تحول للعديد من الملفات الإقليمية.

انطلاقًا مما سبق، وفي ظل ترحيب الأمم المتحدة وعدة دول بإعلان الاتفاق، على رأسها؛ مصر، وتركيا، وقطر، والإمارات، وسلطنة عمان، والعراق، ولبنان، والأردن، ووسط توقعات بأن يؤثر هذا الاتفاق على جميع الملفات، التي تشكّل بؤر توتر في العلاقات، خصوصاً الملف اليمني، يسلط هذا التحليل الضوء على دوافع التقارب السعودي الإيراني، وانعكاساته على فرص التسوية في اليمن.

تطور العلاقات:

مرت العلاقات الإيرانية السعودية منذ العام 1930 حتى قيام الثورة الإسلامية ضد نظام الشاه محمد رضا بهلوي في عام 1979 بفترات ازدهار وفتور وحتى قطع علاقات، وشهدت أزمات متعددة مع إيران أثناء ولاية الفقيه، في الثمانينيات، وتحسنت من منتصف التسعينيات حتى 2005، ثم انهارت مرة أخرى بعد قدوم أحمدي نجاد، الرئيس السادس للجمهورية الإيرانية، واحتدم التنافس بين الدولتين إثر اندلاع الثورات العربية في 2011، ما بين إيران المرحبة بها والسعودية الرافضة لها في دول الخليج العربي، حيث ظل الصراع بين الطرفين هو سيد المشهد خلال العقد الماضي، ولكن مع بداية عام 2020 بدأ الحديث عن سياسات توافقية بين البلدين.

ويشار إلى أن الأطراف الإقليمية وعلى رأسها العراق سعت منذ العام 2019 إلى تمكين لغة الحوار بين البلدين حيث أُجريت خمس جولات بين الطرفين في العاصمة العراقية بغداد، كأول حوار مباشر بين طهران والرياض منذ انقطاع العلاقات عام 2016، وقد تطرقت المحادثات إلى سبل تخفيف حدة التوتر، وعودة العلاقات الدبلوماسية، وطرح الرؤى حول تسوية قضايا اليمن وسوريا ولبنان، حتى جاء الاتفاق الإيراني السعودي، بوساطة صينية في الجمعة 10 مارس لينهي ثماني سنوات من القطيعة الدبلوماسية، ويعلن الطرفان استئناف العلاقات الدبلوماسية الثنائية في بيان ثلاثي صادر عن بكين، بعد ختام مباحثات استمرت أربعة أيام استضافتها الصين من 6 إلى 10 مارس 2023.

دوافع سعودية:

هناك مجموعة من الأسباب التي دفعت «الرياض» لتوقيع اتفاقية لإعادة العلاقات مع «طهران»، بعد سنوات من القطيعة، أهمها:

(*) رؤية السعودية 2030: وهي الرؤية الاقتصادية التنموية لبناء اقتصاد المملكة التي لا يمكن تحقيقها إلا في ظل سلام دائم في المنطقة، وأعلنها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، فالتقدم الاقتصادي يحتاج إلى شرطين الاستقرار الداخلي والتي نجحت السعودية في تحقيقه، والاستقرار الخارجي الذي تحققه عودة العلاقات مع إيران بما لها من تأثير محتمل على إنهاء الصراع الداخلي في اليمن، ومن ثم استقرار اليمن دولة الجوار الأولى للسعودية، وهو ما سيحقق بالضرورة  جذب الاستثمارات، وتوسيع فرص العمل للسعوديين والجاليات الأخرى.

 (*) الانسحاب الأمريكي من المنطقة: حيث بدأت الولايات المتحدة الأمريكية توجهًا استراتيجيًا يقضي بالانسحاب من منطقة الشرق الأوسط، وتدعم هذا التوجه بعد اندلاع الحرب الأكرانية الروسية وانخراط الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب بطريقة غير مباشرة، فيرى المراقبون أن الهجمات على مقرات تابعة لشركة أرامكو بالطيران المسير والصواريخ، أصاب السعودية بخيبة أمل كبيرة من الالتزام الأمريكي الذي كان قائما منذ أربعينيات القرن الماضي، بحماية أمن البلاد مقابل إمدادها الآمن باحتياجاتها النفطية.

(*) تطور العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الصين والمملكة: فعلى مدى عقود كانت مسألة النفط هي أهم روابط العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة، ولقد صار النفط أحد أدوات الصراع والمنافسة بين أكبر منتجين للنفط في العالم، وصارت الصين أكبر مشتر للنفط السعودي في اليمن، بمعدل 40 % من صادرات السعودية النفطية، وهو ما منح السعودية والصين علاقات قائمة على المصالح المشتركة بين البلدين. ومن أبرز الأمثلة على حجم تطور العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين: قمة الصين السعودية، والقمة الخليجية الصينية، والقمة العربية الصينية التي نظمتها المملكة في يناير الماضي.

(*) تحسين علاقة «الرياض» بعدة دول أسيوية لها ثقل اقتصادي وديموغرافي: ويأتي تحسين العلاقات مع إيران في إطار التوجه التنموي التي قامت به السعودية مؤخرًا، لتحسين وتمتين علاقاتها مع الدول الأسيوية التي شملت باكستان، وتركيا، وسلطنة عمان، وقطر، وأذربيجان، وحتى الصين وروسيا.

 

دوافع إيرانية:

تعرض النظام الإيراني إلى مجموعة من العوامل جعلته في أضعف حالاته، واثرت بشكل كبير على دوره في المنطقة، وحولت مساره إلى السعي نحو تهدئة خلافاته الخارجية قدر الإمكان للترتيب لوضعه الداخلي، ودفعته أخيرًا نحو توقيع اتفاقية إعادة العلاقات مع السعودية، ونذكر منها:

 (-) ضعف الدور المحوري لإيران: حيث تعاني الدولة وحلفاؤها في المنطقة من أزمات شديدة على جميع المستويات، وتخضع للعديد من العقوبات، وانهيار اقتصادي حاد، واضطرابات واسعة أوشكت على إفقاد الحكم في إيران ونظام ولاية الفقيه مشروعيته، إلى جانب تعرضها لهجمات واسعة تشمل الاغتيالات ومقرات البرنامج النووي وعلمائه، ومقرات الأسلحة.

(-) اختناق إيران من قسوة الحصار والعقوبات الاقتصادية، التي فرضتها عليها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، بسبب نشاطها النووي تارة واتهامها بالوقوف خلف عمليات إرهابية تارة أخرى، إضافة إلى فرض حزمة جديدة من العقوبات بسبب دعمها لروسيا وأمدادها بطائرات مسيرة في حربها ضد أوكرانيا.

 (-) الاضطرابات الداخلية: حيث شهدت البلاد مؤخرًا موجة عارمة من المظاهرات التي مازالت مندلعة منذ سبتمبر 2022 حتى اليوم، حيث تطورت مطالبها الاقتصادية إلى مطالب بإسقاط النظام الإيراني نفسه وولاية الفقيه، وتعد هذه الاحتجاجات بأنها أخطر تحد تواجهه نظام الملالي منذ نشوئها قبل 45 سنة.

(-) توسع العلاقات الصينية الخليجية، فنمو الاستثمارات الصينية في السعودية والإمارات، دفع الرئيس الصيني إلى أن يضمن في بيانه المشترك مع القمة العربية دعوة إيران إلى الانسحاب من الجزر الإماراتية، وأن تكف عن تدخلاتها في المنطقة، وتقدم أيضًا ضمانات بشأن برنامجها النووي والصاروخي، وهو أحد أهم عوامل الاتفاق الجديد بين إيران والسعودية مؤخرًا.

فرص التسوية في اليمن:

وفقًا لدوافع الاتفاق وإعادة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة وإيران التي تم عرضها، فإن ثمة انعكاسات ستشمل ملفات خارج حدود البلدين من شأنها تسوية عدة قضايا؛ أبرزها قضايا اليمن، وسوريا، ولبنان، وهي الملفات التي ستتأثر بشكل مباشر بهذا التقارب.

ويرشح المراقبون اليمن التي ظلت على مدار السنوات الماضية المسرح الأبرز للصراع، لأن تكون المسرح الأبرز للاتفاق، على الرغم من عدم ذكرها صراحة في الاتفاق الذي تم بين الأطراف، خاصة وأن هذا الملف هو سبب تعقيد الأزمة بين البلدين، ويرى المراقبون أن الصين نجحت في التوصل إلى اتفاق ينهي هذه الأزمة، ويتضمن إنهاء الحرب الأهلية وتقسيم السلطة وفقًا لحل توافقي داخلي وسعودي إيراني، وقد ظهرت ملامح هذا الاتفاق على المسرح اليمني من خلال مبادرات الحوار بين مختلف الأطراف المتنازعة في شمال وجنوب ووسط اليمن، وهي المرة الأولى التي يعلو فيها صوت الحوار خلال الأيام الماضية على أصوات البنادق والمدافع.

في النهاية. يمكن القول، أن الاتفاق على استئناف العلاقات الدبلوماسية وفتح السفارات بين البلدين، خطوة مهمة ستقود إلى تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وسينعكس هذا التعاون إيجابيًا على المصالح المشتركة لشعبي البلدين خاصة ولشعوب المنطقة عامة، وفي القلب منها اليمن.

على عبد الجواد

باحث بوحدة دراسات الأمن الإقليمي.. مهتم بدراسة شئون اليمن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى