ما موقف أوروبا من المبادرة الصينية لإنهاء حرب أوكرانيا؟

دخلت الحرب الأوكرانية عامها الثاني وسط موجة من التصعيد العسكري والسياسي بين أطرافها، الأمر الذي قد يؤشر إلى أن الحرب في طريقها إلى تصعيد أكثر قوة من ذي قبل، في ظل توقف المحادثات بين الجانب الروسي والأوكراني، مما قاد المشهد الراهن إلى حالة من الجمود يبدو أنها قد تستمر لفترة أكبر.

ولكن الصين سعت مؤخرا إلى كسر حالة الجمود هذه، بعدما دعت الطرفين للجلوس على طاولة المفاوضات من أجل بناء جسور الثقة بينهما من جديد، وذلك في إطار مبادرة جديدة للسلام في أوكرانيا، قائمة على سياسة رابح رابح في العلاقات الدولية، أثارت ردود فعل دولية مختلفة.

وفي هذا الإطار، سيناقش هذا التحليل الموقف الأوروبي من المبادرة، ومدى فرص نجاح المبادرة الصينية في ظل مواقف الأطراف المعنية، وأسباب طرحها في هذا التوقيت بعدما اكتفت بالمشاهدة طيلة العام الفائت.

مبادرة جديدة:

تقدمت الصين منذ أيام بمبادرة لإحلال السلام في أوكرانيا تتكون من 12 مبدأ، أبرزها وقف روسيا العمليات العسكرية فورا، مقابل حصول الروس على الأراضي التي سيطروا عليها في الشرق الأوكراني ورفع العقوبات الغربية عنها، كما تضمنت المبادرة إيقاف الناتو الحرب الباردة في أوكرانيا من عمليات استخباراتية وأي سلوك ينطوي على استفزاز للروس.

وقد تقدمت الصين بهذه المبادرة في هذا التوقيت استنادًا لمجموعة من المستجدات، أهمها:

  1. تطورات الحرب ودخولها العام الثاني أصبحت تفرض على الصين تحديد موقفها من طرفي النزاع، وهو ما ظلت تتجنبه الصين حتى الآن. وكبديل؛ عملت على طرح مبادرة لإنهاء الصراع من الأساس.
  2. قد تكون الصين بدأت تخشى خسارة روسيا للحرب _ وقد يكون ذلك سبب أدعى لدعمها عسكريا بشكل أكبر _، لأنه في هذه الحالة سيتفرغ الغرب لتحجيم بكين، بعدما اعتبرتها الولايات المتحدة تهديدا استراتيجيا لها.
  3. حجز مكانة دولية مرموقة بشكل أكبر بعدما تتشكل ركائز النظام العالمي الجديد بعد نهاية الحرب الأوكرانية، وهو ما سيتأكد بشكل كبير حال نجاح المبادرة.

فرصة لأوروبا:

ماكرون يحدد معالم سياسة بلاده الجديدة مع القارة الإفريقية | سياسة واقتصاد | تحليلات معمقة بمنظور أوسع من DW | DW | 27.02.2023

وباعتبار أن الدول الأوروبية هي من أكثر المتضررين من الحرب الأوكرانية على كافة المستويات، خاصة بعد الإحباط الأوروبي من الموقف الأمريكي، فهي تتمسك الآن بأي قشة لإنهاء الحرب. حتى أنها باتت لا تصر على انتصار أوكرانيا، وإنما الخروج بأقل الخسائر، وفقا لما أعلنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أكد على أنه ” لا يمكن لأي طرف أن يربح هذه الحرب “. كما أشار إلى أهمية العودة إلى طاولة المفاوضات على شاكلة لقاءات رباعية النورماندي.

ولهذا رحبت دول أوروبية بالعرض الصيني، حيث وصفت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إعلان الصين بأنه “إيجابي”، واعتبر ماكرون أن ” انخراط الصين في جهود السلام يعد أمرا جيدا تماما “، كما أعلن عن عزمه زيارة بكين في أبريل المقبل. وهكذا رحبت إيطاليا وبريطانيا وغيرها بالمبادرة الصينية.

حتى أن بريطانيا تستعد لعرض وثيقة في اجتماع الناتو المقبل، تفيد بأن الناتو يلتزم بإرسال أسلحة أكثر تقدما إلى أوكرانيا حتى تتمكن من الدفاع عن نفسها بعد الحرب. وتحدثت بعض التقارير الغربية عن أن العرض البريطاني هو عرض مشترك بين بريطانيا وفرنسا وألمانيا للضغط على زيلينسكي، وفقا لوول ستريت جورنال.

وعليه، اعتبر البعض أن الوثيقة البريطانية قد تعكس موافقة أوروبية علي عرض الصين، ورغبة في إقناع واشنطن به، خاصة وأنها جاءت في توقيت لافت بالتزامن مع وجود المبادرة الصينية على الطاولة. إلا أن الأوروبيين لا يزالوا متخوفين نوعا ما من تكرار سيناريو القرم، وعودة روسيا لمهاجمة أوكرانيا مرة أخرى. ولهذا قد يكون العرض البريطاني مكملا للعرض الصيني؛ فمن ناحية  لن يوافقوا على دخول أوكرانيا إلى حلف الناتو، باعتباره السبب الرئيس الهجوم الروسي على أوكرانيا، ومن ناحية أخرى سيقومون بتسليح أوكرانيا للدفاع عن نفسها بنفسها حال تعرضت لأي هجوم معادي مرة أخرى.

خاصة وأن أوكرانيا رحبت بالمبادرة الصينية _ انطلاقا من حقيقة أن أي دولة تخوض معركة على أرضها فهي خاسرة في الغالب _، ولهذا أعلن الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي عن رغبته في لقاء الرئيس الصيني.

وإلي جانب رغبة الدول الأوروبية في إنهاء الحرب تجنبا لتداعيات أخطر، هناك تخوف أوروبي من انتصار روسيا في الحرب أو سيطرتها على مناطق إضافية بمرور الوقت. وازداد الأمر خطورة مع خشية أوروبية من أن تدعم بكين حليفتها موسكو عسكريا خلال الحرب.

فقد أشارت تقارير استخباراتية أمريكية إلى أن الصين تستعد لإرسال مساعدات عسكرية إلى روسيا، مما دعا أمين حلف الناتو إلى تهديد الصين، وأكد على خطورة الموقف الصيني الذي قد يخرج الوضع عن السيطرة، الموقف الذي أكده أيضا وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن. ووفقا لتلك التقارير، فإن الروس تفاوضوا مع الصين على شراء ١٠٠ مسيرة من النوع الانتحاري مثل شاه ١٣٦ الإيرانية كقوة تفجيرية ضخمة.

وعلى الجانب الآخر، أعلن الرئيس الأمريكي صراحة خلال مقابلة تلفزيونية، أنه لا يتوقع من بلاده قبول عرض صيني يحظى بقبول روسيا، إلى جانب أنه يرى عرض السلام الصيني يخدم المصالح الروسية فقط.

محفزات روسية:

بوتين: الغرب سعى لتدمير روسيا - جريدة الغد

بداية، فروسيا أعلنت عن ترحيبها بالمبادرة الصينية واعتبرتها مناسبة، بشرط الاعتراف بالحقائق الموجودة على الأرض، في إشارة إلى الوضع الجديد بالنسبة للأراضي التي ضمتها إليها حديثا.

وبهذا لن يسبب قبول موسكو بالعرض الصيني أي حرج داخلي أو دولي، خاصة وأنها أعلنت منذ البداية أن هدف العملية العسكرية في أوكرانيا هو تحرير الشرق الأوكراني، ولم تحدد لنفسها أهدافا مبالغ فيها. ومن ثم فإن بوتين إذا اكتفى بالشرق سيكون حافظ على ماء وجهه أولا أمام الرأي العام الداخلي، لأنه موسكو ستكون بذلك حققت هدفها الذي أعلنت عنه أمام العالم.

خاصة وأن روسيا على أعتاب انتخابات محلية وإقليمية في سبتمبر من العام الجاري، بالإضافة إلى الانتخابات الرئاسية في 2024. وبالتالي فإن بوتين في حاجة إلى إنجاز خارجي يعينه في الملف الداخلي من أجل أن يحكم قبضته على الداخل الروسي من جديد.

وعليه، فإذا ما كان ينوي بوتين الترشح لولاية جديدة، وفي ظل تزايد شعبية بوتين على المستوى المحلي، إذا ما اكتمل ذلك ونجحت روسيا في إنهاء الحرب باحتفاظها بالشرق الأوكراني، فإن ذلك سيكون مؤشرا جيدا للحكم على نتيجة الانتخابات الروسية الرئاسية المقبلة.

وختاما، يبقي معيار نجاح أي مبادرة هو قبول جميع الأطراف بها، فعلي الرغم من أن روسيا رحبت بالمبادرة الصينية، وزيلنسكي وافق أيضا وطلب عقد لقاء مع الرئيس الصيني شخصيا، وأوروبا كذلك، ولكن الطرف الرئيسي والأهم هو واشنطن  أعلنت رفضها صراحة للمبادرة. كما قد تحاول عرقلة الاتفاقية قدر الإمكان _بالذات بعض دعم أوروبا لها _ لأنها لن تسمح بأن تصبح الصين هي الدولة التي أنهت الحرب بما قد يضاعف من أهميتها على الساعة الدولية في السنوات القادمة.

ومع ذلك يبقي التساؤل، هل من الممكن أن تتقدم بكين بمبادرة مرهونة بالفشل بعد كل ذلك الوقت، وبما قد يؤثر سلبا على مدى فاعلية سياستها الخارجية وقوتها الناعمة ؟، وهل من الممكن أن يكون الرفض الأمريكي مبدئيا وعرضة للتغيير في ظل ضغط الجمهوريين، واقتراب الانتخابات الرئاسية، وتراجع ثقة الرأي العام الأمريكي في المحافظين عامة، ناهيك عن تأثير الحرب على الاقتصاد الأمريكي ؟.

وردة عبد الرازق

باحثة في الشئون الأوروبية و الأمريكية، حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية، جامعة بنى سويف، الباحثة مهتمة بدارسة الشأن التركي ومتابعة لتفاعلاته الداخلية والخارجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى