تحذيرات ضرورية: مخاطر اختراق الخصوصية في عصر المعلوماتية؟

إن المخاطر التي تتعرض لها الحياة الشخصية نتيجة استخدام الهواتف الذكية والأجهزة المتنقلة، التي تستخدم لعدة أغراض ابتداء من إجراء عمليات بنكية إلى تحديد موقع وجود الأشخاص، تجاوزت حدود التهديدات التقليدية، خاصة وأن المعلومات الشخصية الدقيقة نتيجة استخدام هذه الأجهزة وربطها بوسائل التواصل الاجتماعي، التي رأسها فيسبوك، أصبحت مخترقة وقد تباع وتشترى دون علم صاحبها. 

تأسيسا على ما سبق، يمكن طرح تساؤل، وهو: هل تنتهك مواقع التواصل الاجتماعي خصوصية المستخدمين؟، خاصة، وأن موقع فيسبوك، يعد هو أكبر وأشهر مواقع التواصل الاجتماعي في العالم، حيث يستخدمه شهريا ٢.٦ مليار مستخدم و١.٧٣ مليار مستخدم يوميا.

بداية المحرك:

عندما تقوم بالتسجيل في فيسبوك لأول مره يأتي بخاطرك ضرورة قراءة اتفاقية الاستخدام – التي يتجاهلها الأغلبية من البشر– ستجد مجموعة من المحفزات الخطرة التي تدفعك للاستمرار، من أهمها: الإشارة إلى عدم تحصيل رسوم من مستخدم فيسبوك أو المنتجات والخدمات الأخرى التي تقدم، في مقابل استخدام البيانات الشخصية للمستخدمين، وتحمل الأنشطة التجارية والمؤسسات قيمة الدفع نيابة عن المواطن، الذي تعرض عليه إجباريا إعلانات منتجات وخدمات تلك الشركات.

تأسيسا على ما سبق، يمكن طرح مجموعة من التساؤلات، وهي: كم مره فكر المستخدم في شراء شيئاً وإذ فجأة تجده أمامك وأنت تتصفح أخر الأخبار؟، وكم مره تحدثت مع صديق (هاتفيا أو عبر تطبيق ماسنجر أو حتى وجهاً لوجه) عن شيء ما ووجدته ضمن الإعلانات على فيسبوك؟ سأجيب نيابة عنك، نعم تحدث كثيرا جدا وهذا هو ما دفعك للريبة بعض الشئ يوما ما، إذا فكيف يحدث ذلك؟.

مؤثرات جاذبة:

في البداية يمكن القول “إذا لم تدفع ثمن السلعة فاعلم أنك أنت السلعة “، وهذا فعلا ما يحدث عند استخدامك فيسبوك. الواضح أن الهاتف الذكي أصبح صديق مقرب، وهو ما يعنى أنه يلقي عليك تحية الصباح عند الاستيقاظ، ويودعك عند ذهابك للنوم، وبين المرحلتين تستخدمه طوال اليوم. التحليل الدقيق لواقع العلاقة بين الهاتف الذكي ومن يستخدمه، تشير إلى أن الهاتف يعرف كل شيء، لدرجة أن يعرف عن الإنسان ما قد يعرفه عن حياته اليومية.

المسح الشامل للعلاقة بين الهاتف الذكي وصاحبه، تشير إلى تدوينه-الهاتف الذكي- تحركات صاحبه اليومية. فقد أكدت العديد من الدراسات أن بعض الهواتف تقوم بتشغيل ميكرفونها بصفه دائمة حتى وإن كان في وضع السكون. بالتالي يمكن القول، إن الهاتف الذي يحمله كل إنسان يكون بمثابة جهاز تنصت عن بعد، بل يحتفظ الهاتف المحمول بنسخه من سجل تصفح المستخدم لمواقع الإنترنت (الكوكيز)،-أي ماذا تصفح؟، وماذا شاهد؟، وما هو الوقت المستهلك في تصفح المواقع المختلفة؟- وعليه، يستطيع الهاتف تكوين فكرة عن المواقع التي يفضل المستخدم تصفحها، وأيضا المقالات أو الخدمات التي تلق إعجاب، بل قد يعلم المنتجات التي يتم البحث عنها للشراء أو البيع.

بناءاً على ما سبق، يمكن التأكيد على أن الهاتف يستطيع الاحتفاظ بالمعلومات بالكامل التي يتصفحها المستخدم خلال مدة اقتناءه للهاتف. وهنا تجدر الإشارة بمثال للتوضيح، هو: إذا اقتنى (س) من البشر هاتف لمدة عام كامل، فإنه سوف يكون لدي الهاتف معلومات عام كامل عن حيات هذا الشخص دون أن يفقد أدق التفاصيل،.. أين كان في يوم ما..وفي شهر ما.. وماذا فعلت ؟.

اتجاه إجباري:

استكمالا لما سبق تكمن الخطورة في أنه عند تثبيت تطبيق فيس بوك علي الهاتف لأول مرة، يطلب –فيسبوك- من المستخدم صلاحيات الوصول إلي بعض الخدمات في هاتفه مثل الكاميرا ، وجهات الاتصال ،والموقع، والميكروفون، والبلوتوث، والشبكات اللاسلكية، ووحدة التخزين، بالإضافة إلى البصمة، وعليه، يجب علي المستخدم الموافقة علي إعطاء التطبيق هذه الصلاحيات، وإلا لن يتمكن من تثبيته علي الهاتف. وهنا تكمن الخطورة أن المستخدم يعطى –فيسبوك- صلاحية استخدام كافة الخدمات على الجهاز الشخصي. تأسيساً على ما سبق، يمكن القول إن معرفة الهاتف لكافة تفاصيل حيات مستخدمه الشخصية، يجعلها متاحة لتطبيق فيسبوك، الذي بالتبعية يحملها علي السيرفرات الخاصة بالتطبيق.

فضيحة كامبريدج اناليتيكا:

إن قيام الهاتف بحفظ معلومات مستخدمه، وشروط الفيسبوك في الحصول على تلك المعلومات الشخصية، وخطورتها في خلق مزيد من الأزمات بين البشر ستخلق مزيد من الأزمات التي تتجاوز حدود الفرد إلى الدولة، ففي ابريل ٢٠١٨ نشرت صحيفتا نيويورك تايمز الأمريكية و أوبزرفر البريطانية تقارير تشير إلي تسريب بيانات ٨٧ مليون مستخدم لموقع فيس بوك لصالح شركة كامبريدج اناليتيكا، والتي استخدمتها في توجيه الناخبين لصالح حملة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حيث تقوم مثل هذه الشركات باستخدام هذه البيانات لعمل دراسات نفسية للمستخدمين وتوجيه رسائل مخصصه لهم تتناسب مع طباعهم وشخصياتهم، وهذا ما استفادت منه حملة “ترامب” التي كانت تدعوا للكراهية والخوف من الأخر.

بناءاً على ما سبق، يمكن القول إن ما يردده صناع التكنولوجيا بعدم بيعهم للبيانات الشخصية للمعلنين، ولا مشاركتهم المعلومات التي تحدد هويتهم الشخص مباشرةً مثل الاسم، والعنوان، وعنوان البريد الإلكتروني، بالإضافة إلى معلومات الاتصال- قد يكون لا أساس له من الصحة.

إسلام خالد

مساعد رئيس المركز ، مستشار التكنولوجيا بالنقابة العامة للمحامين بجمهورية مصر العربية ، واستشاري امن المعلومات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى