مصر بخير ..والدليل “سايلوفودز” وأخواتها

عبد السلام فاروق
كل يوم نسمع شيئاً مثيراً أو مخيفاً يدعو للقلق.. حرب أوكرانيا التي عرقلت واردات القمح في العالم وإلى مصر، قرارات الفيدرالي الأمريكي التي رفعت سعر الدولار إلى السماء وباقى العملات إلى الحضيض؛ حتى أن دولاراً واحداً يستبدله اللبنانيون بحقيبة ملأى بالليرات!
رغم كل شيء مصر بفضل الله وكرمه عليها وعلينا تقف بثبات على قدمين راسختين وفوق أرض صلبة.. الإنتاج والعمل لا يتوقفان، والمشروعات التي يرجى منها أن تنهض بالاقتصاد المصري تقام بأيدى المصريين أنفسهم ليبقى أثر تلك المشروعات متوالياً مستمراً لأجيال قادمة.
الصناعة اليوم أولوية في سائر الدول المتقدمة والساعية للتقدم، فلا شك أن أي مصنع يضاف إلى قائمة المصانع الكبرى في مصر يعدُّ إنجازاً هائلاً يستحق الإشادة، خاصةً إذا أقيم على أساس من الحداثة والتكنولوجيا متلافياً عيوب المصانع القديمة الأقل إنتاجاً والأكثر تكلفة..
لهذا وذاك يمكننا اليوم اعتبار مدينة سايلوفودز الصناعية صرحاً يضاف إلى سلسلة المشروعات الغذائية الكبرى التي أنجزتها الدولة وما زالت تنجزها تباعاً بدءاً بالمزارع السمكية ومروراً بالصوب الزراعية والصوامع وانتهاءً بمثل هذه المدينة المتكاملة القابعة في شمال مصر كصرح من صروح صناعة الغذاء في الشرق الأوسط.. فما هي سايلوفودز؟
بدأت عملاقة:
الفكر الحديث لدى سائر الدول المتقدمة اليوم يقوم على إنشاء مدن عملاقة متخصصة في العمليات الحيوية الضرورية لمعيشة الشعوب. رأينا مثل هذا في مدينة التكنولوجيا الأمريكية المسماة وادى السليكون بسان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا. على غرار هذه المدينة التكنولوجية قامت مدن أخرى شبيهة بالهند والآن بالرياض.. الفكرة في مثل هذه المدن التخصصية هي تجميع سائر الخدمات المحيطة بعملية التصنيع في مكان واحد توفيراً للوقت والجهد والنفقات؛ ولدينا مدينة الألومنيوم بنجع حمادي شاهداً ومثالاً قديما. لهذا أقيمت مدينة للأثاث ومدينة للصناعات الغذائية بمنطقة الدلتا هى مدينة سايلوفودز ..فلماذا الدلتا؟
مكان إقامة المدينة مثالي وموفق.. من ناحية أنها قريبة من أخصب منطقة زراعية في مصر وهى الدلتا، كما أنها قريبة من سائر طرق المواصلات وسلاسل الإمداد المحلية والموانئ ؛ الأهم من ذلك أن مدينة سايلوفودز تغذى مصانع غذائية قديمة مملوكة للدولة ضعف إنتاجها خلال العقود الأخيرة مثل شركات قها وإدفينا ! لتنتعش هذه المصانع ويعاد استغلالها..
“سايلوفودز” ليست وليدة اللحظة بل قد تم افتتاحها منذ عام 2021 بالمنوفية على مساحة 135 فدانا باستثمارات هائلة تخطت 20 مليار جنيه على مراحل.. في تلك المدينة الواسعة الكبرى ستة مصانع للأغذية تعتمد على القمح والألبان والسمسم والفول السودانى كخامات أساسية تنتج أطنانا من المكرونة والنودلز والبسكويت والأجبان ومنتجات الألبان والحلاوة الطحينية. ليست كلها تذهب للسوق المحلية بل سيتم تصدير تلك المنتجات إلى شرق وجنوب إفريقيا وحتى إلى أمريكا اللاتينية وإلى مختلف الدول الاستهلاكية لاسيما وأن تعداد السكان العالمى تجاوز الثمانية مليار نسمة وعدد الأفواه الجائعة يرتفع والحاجة للصناعات الغذائية تتنامى..
نحن نتكلم عن مشروع بدأ عملاقاً توافرت له سائر عوامل النجاح والتميز.. إذ لم يتم الاكتفاء بمصانع الطعام وحدها ، وإنما أقيمت حولها مصانع وصوامع ومعامل لخدمتها بحيث لا يحتاج المنتج النهائي إلى نقله لمكان آخر لعمليات التغليف ولا إلى إحضار مختصين بعمليات الفحص وضمان الجودة؛ بل أقيمت مع المصانع الستة الكبرى ثلاثة مصانع أخرى خدمية للتغليف والتدوير والروتو والطباعة. أكثر من هذا أن المصانع التسعة محاطة بعدد من صوامع تخزين القمح وصل عددها إلى 14 صومعة ! أمر هائل .. كم يد عاملة تم استغلالها لإدارة هذه المصانع؟ وكم فرصة عمل توافرت للشباب؟ وكم يبلغ حجم الإنتاج لمثل هذا الصرح الكبير؟!
الأرقام تتحدث:
سوف تندهش لو علمت حجم الإنتاج في سايلوفودز..
مصنع المكرونة وحده باستطاعته إنتاج ما يصل إلى 151 ألف طن كل عام! ومصنع البسكويت تصل طاقته إلى 68 ألف طن، والمخبوزات 9 آلاف طن. منتجات الألبان تصل طاقتها إلى أضعاف ذلك.. إذ تستطيع المصانع إنتاج ما يصل إلى 100 ألف طن من الأجبان ومثلها من مختلف أنواع الألبان الدسمة وخالية الدسم والمحلاة بالنكهات بالإضافة لنحو ستمائة طن من السمن. كل خطوط الإنتاج تلك تمت إقامتها بخبرات ألمانية وسويسرية ودنماركية وإسبانية لتحقق أعلى جودة وأقصى طاقة إنتاجية لتفى لا بالاحتياجات المحلية وحدها وإنما لتسهم في دعم الإنتاج التصديري السنوي بما تصل قيمته لنحو 10 ملايين جنيها من الصادرات الغذائية من تلك المصانع وحدها.
أجمل ما في الأمر أنك لست في حاجة إلى خدمات خلاف ما هو كائن بتلك المدينة المتكاملة حتى آليات النقل والحمل والرفع والتوصيل، بل قل حتى عمليات الفحص والتكرير وضمان الجودة. تتم في معامل مركزية مقامة على تخوم المصانع وحولها. لا تنس أن الجودة هي الفيصل هنا في مسألة التنافس العالمى كمنتجات تصديرية فائقة الجودة.. الأدهى أن المدينة تحتوى حتى على محطة مذيبات صديقة للبيئة. تلك التي تهتم بشأن عمليات تدوير المخلفات وحماية البيئة من عوادم عمليات التصنيع. مثل هذا الأمر من شأنه أن يوفر على الدولة نحو 90 مليون جنيها سنويا من جراء استيراد مذيبات من الخارج. فكما هو واضح أنها مدينة متكاملة تم التخطيط لها بشكل نموذجي ولا شك أنها إضافة هائلة للمنظومة الصناعية في مصر.
منظومة المدن الحضارية:
ليست العاصمة الإدارية وحدها .. وإنما مشروعات كثيرة حولها وغيرها..
كل يوم نسمع عن إنشاءات هنا وهناك. ومنجزات تجرى على قدم وساق.. فالدولة المصرية تحت قيادة الرئيس السيسي تستهدف في الأساس خلق مدن حضارية تبقى، كأنها كومباوندات شعبية واقتصادية لتشغيل الشباب ودعم الموازنة العامة وتحقيق العدالة والعيش الكريم. تلك المدن سابقة التخطيط والإعداد مكتملة الخدمات والمرافق ليست بدعاً في منطقتنا وإنما سبقنا إليها الأشقاء في السعودية والإمارات وغيرهما من الدول التي حققت لها أمثال تلك المشروعات أرباحاً هائلة.
اتجهت الدولة منذ سنوات مضت إلى اتخاذ الطريق الصعب نحو تحقيق رفاهية الموطن المصرى مهما كان ذلك يبدو مؤلماً في بداياته، لكن قرار التنمية لا يمكن تأجيله ولو كانت له أثمان ينبغي دفعها. فعلى سبيل المثال عندما تم الشروع في تطوير المناطق العشوائية تضرر البعض بالقرار لكنهم سرعان ما شعروا بالفارق الكبير بين الحالين قبل وبعد التطوير. وفى المشروعات الكبرى لا يُنتظر جنى الثمار بنفس الوتيرة السريعة ذاتها. بل ربما تتحقق ثمار التنمية بعد سنوات أو ربما عقود.
لو عدنا للوراء عدة عقود ربما نذكر كيف أن الصيحات تعالت تعترض على إقامة مدن جديدة مثل 6 أكتوبر والشروق والعاشر من رمضان. فماذا لو استجابت الحكومة وقتذاك لمثل هذه الصيحات، إذن لاختفت مثل هذه المدن ولكنا اليوم نبحث عن بديل للاختناقات السكانية في العاصمة. واليوم نحن بصدد استكمال طريق كان قد بدأ وما زال يتم نحو توسعة نطاقات التنمية إلى آفاق أرحب وأكثر اتساعاً داخل مدن سكنية وإدارية واقتصادية وسياحية تستوعب طاقات الشباب وعزائمهم وتجابه الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالعالم وتواجه الانفجار السكاني المستمر بتنمية مستدامة وإنجازات مستمرة.
صناعة الأمل..
إذا حظيِتَ بجولة داخل مدينة سايلوفودز بمدينة السادات بالمنوفية ستنبهر متى وكيف حدث كل هذا! وهى مهما امتدت فليست إلا قليلاً من كثير تم بناؤه وإنجازه فيما سبق: شبكة الطرق والعاصمة الإدارية والصوب الزراعية والمزارع السمكية وقناة السويس الجديدة ومجمع مصانع الرمال السوداء وغيرها عشرات الإنجازات كبيرها وصغيرها لا يكاد المواطن يعلم عنها شيئاً حتى يراها وقد ارتفعت وارتقت لتصبح حقيقة على أرض الواقع تنضم إلى ما سبقها من منجزات.
الطريق إلى التنمية يبدأ من الإنتاج.. زراعياً كان أو صناعياً. وإذا كانت مدينة سايلوفودز قد باتت صرحاً من صروح الصناعة الجديدة. فإنه ليس الصرح الوحيد ولا الأول. بل إن كل يوم يحمل في طياته بشري بخير قادم يأتي وصناعة جديدة تتحقق.. صناعة الأمل.