تحديات متجددة: أي تعقيدات تعترض إنقاذ «صافر»؟

أعلنت الأمم المتحدة، منتصف يناير الجاري، عن عقبة جديدة تواجه تفريغ خزان صافر النفطي العائم الذي يرسو قبالة سواحل اليمن على مقربة من ميناء الحديدة الذي تسيطر عليه مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، فبينما كانت الأمم المتحدة التي تمثل المحفل الأهم القادر على معالجة القضايا التي تتجاوز حدود الدول الوطنية والتي لا يمكن لبلد منفرد من حلها، تستعد لنقل النفط من الناقلة صافر؛ ارتفعت تكلفة شراء ناقلة الإنقاذ الضخمة بنسبة 50 % عما كان مخصصًا لها في موازنة الخطة الأممية، كما انخفضت فرص توفير الناقلات في الأشهر الستة الماضية بسبب أحداث تتعلق بالحرب في أوكرانيا.

ويبدو أن النفقات الإضافية تهدد خطط الأمم المتحدة الخاصة بتفريغ الخزان النفطي التي أعلنت عنها في نوفمبر الماضي، إما بتعليق التنفيذ، أو تأجيل العملية برمتها إلى أجل غير مسمى حتى توفير المبلغ الإضافي المطلوب لعملية الإنقاذ المتعثرة، حيث كانت الخطة المعلنة تتمثل في البدء بعملية الإنقاذ مطلع العام الجاري 2023، بعد التأكيد الأممي بتلقي التمويل الكافي من الجهات المانحة التي تعهدت بأكثر من 84 مليون دولار من التمويل المطلوب.

ومن منطلق أن إنقاذ دولنا العربية في منطقة الخليج وخاصة المطلة على البحر الأحمر من خطر التلوث البيئي الدائم، يبقى رهن توفير المبلغ الإضافي المطلوب لتوفير ناقلة لتنفيذ خطة الأمم المتحدة، بعدما تلاشت المعوقات الأخرى التي كانت تتمثل في التعنت الحوثي وتوفير المبلغ الأساسي للعملية، نجيب هنا على مجموعة من الأسئلة، وهي: ما هي المعوقات الجديدة لتنفيذ مهمة إنقاذ العائمة صافر؟ والتهديدات الكارثية الإقليمية التي يشكلها الخزان؟ ومخاطر تأجيل الإنقاذ والسيناريوهات المحتملة للأزمة؟   

مخاطر كارثية:

باتت السفينة صافر التي اشترتها الحكومة اليمنية منذ 30 عاماً، قنبلة موقوتة تهدد بكارثة بيئية في البحر الأحمر، كونها منتهية الصلاحية حيث مر على إنشائها حوالي 40 عامًا، وقد أصبحت متهالكة ويتعرض جسمها للتآكل، وتواجه خطر الانفجار أو الغرق أو تسرب الحمولة  التي تقدر بأكثر من مليون برميل نفط، أي ما يزيد على 140 ألف طن من نفط مأرب الخام الخفيف.

ووفق تقديرات عالمية، من المتوقع أن  يشكل هذا الحدث حال حصوله واحدة من أضخم كوارث تسرب النفط في التاريخ، ويتسبب في أضرار بيئية جسيمة على نطاق واسع، كما يفاقم الأزمة الإنسانية المستمرة في اليمن.

وهناك مجموعة من المخاطر التي ستضرب الإقليم حال تفاقم أزمة العائمة، منها ما ستظهر آثاره على المدى القريب، وآخر ستمتد تداعياته على المدى البعيد، وهي:

1 ـ من المتوقع أن تعرقل على المدى القريب: عمل محطات تحلية المياه، ومسارات الشحن في قناة السويس، وإغلاق مفارخ الأسماك، وتلوث الهواء، فضلًا عن تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن نتيجة غياب القدرة على الوصول إلى المساعدات واللوازم الطبية، والأضرار البيئية الجسيمة التي قد تصيب الشعاب المرجانية والأراضي الرطبة الساحلية بالأخص في اليمن والسعودية وإريتريا.

2 ـ على المدى البعيد: ستتلوث الأسماك والشواطئ بالمكونات الكيميائية السامة في النفط الخام، بالإضافة إلى الأضرار البيئية الجسيمة التي قد تصيب الشعاب المرجانية والنظم البيئية الساحلية الأخر، والتي من المحتمل أن تدوم لسنوات عدة كما لوحظ في الكثير من حوادث التسرب النفطي السابقة، حيث ظلت آثار التلوث النفطي الناجم عن تسرب النفط من ناقلة (إم في بريستيج) إلى المحيط الأطلسي في العام 2002 مستمرة لمدة ثلاثة أعوام بعد تحطم الناقلة وانسكاب حمولتها.

لذا، فإن مهمة إنقاذ العائمة صافر هي مهمة إنسانية من الدرجة الأولى، لا تتعلق بإنقاذ اليمن فقط، بل إزالة خطر يهدد أمن الدول العربية المطلة على البحر الأحمر بأكملها ويعيق حركة التجارة العالمية، وينذر بكارثة بيئية أثارها واسعة النطاق، وشديدة الحدة، وطويلة الأمد.

الحرب الروسية الأوكرانية وأبرز محطاتها

معوقات التنفيذ:

في الوقت الذي أوضحت فيه التصريحات الأممية صرف أكثر من 73 مليون دولار من التعهدات الخاصة بعملية الإنقاذ، وبدء الأعمال التحضيرية الأساسية، وتوفير الخبرات الفنية لتنفيذ العملية المعقدة، والتي تشمل توفير شركة استشارية للإدارة البحرية، وأخرى قانونية بحرية، ووسطاء تأمين، وسفناً، وخبراء في التسرب النفطي، بالإضافة إلى التعاقد مع شركة إنقاذ تقوم بتنفيذ عمليات طوارئ، إلا أن هناك تحدٍ رئيسي في الوقت الحالي، يتمثل في الحصول على ناقلة نفط ضخمة، إذ لا يمكن للأمم المتحدة أن تبدأ هذه العملية الطارئة حتى تثق تمامًا بوجود ناقلة نفط مؤهلة لنقل النفط.

والحصول على ناقلة نفط عملاقة أخرى هو أمر حتمي لإجراء عملية الإنقاذ، وذلك لأن  خزان صافر العائم لم يعد قابلًا للإصلاح، وقد حدث تسرب في مايو من العام 2020 في غرفة المحرك، ولم يتم إصلاحه إلا جزئيًا، ويسبب غياب الصيانة أضرارًا في جسم الخزان تتزايد مع الوقت، مما قد يؤدي إلى نتائج كارثية على الصعيد الإنساني والبيئي والاقتصادي، وفقًا للمنظمة البحرية الدولية.

لكن العالم يشهد الآن منعطفات تارخية مؤثرة  حيث يواجه مجموعة من التحديات نادرة الحدوث، والتي  أدت إلى اضطرابات عالمية لم تفلت دولة على مختلف تقسيمات دول العالم من تداعياتها، تتمثل في الآتي:

1 ـ لا شك أن الأزمة الاقتصادية العالمية التي نتجت بعد كارثتين، وهما جائحة كورونا والحرب في أوكرانا،  قد أدت إلى ارتفاع الأسعار وبدوره ارتفاع تكلفة استبدال الخزان النفطي بنسبة 50 % وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، كما أدت هذه الأزمة إلى تراجع حماس الممولين عن دفع مساهماتهم المطلوبة للتنفيذ وفقًا  للاشتراطات البيئة والتقنية والفنية المطلوبة.

2 ـ زادت الحرب الروسية الأوكرانية، من تعقيد الموقف خاصة وإنها تقع بين دولتين غاية في الأهمية من الناحية الاقتصادية؛ حيث أدت تداعياتها إلى ارتفاع أسعار  تصنيع الناقلات النفطية العملاقة وصعوبة الحصول عليها، وذلك بعدما اتجهت أوروبا إلى الاستعانة بهذه الناقلات لنقل النفط والغاز بعد توقف عملية النقل عن طريق خطوط النفط الروسية، مع اختلاف التكهنات حول مدى استمرارية هذه الحرب زمنياً ومدى تصاعدها جغرافياً وعسكرياً.

إذن، في ظل هذين التحديين يمكن القول أنه ليس من السهولة الحصول بشكل سريع على دعم مادي مرة أخرى من الجهات التي تعهدت في مراحل سابقة بتوفير جزء كبير من التمويل المطلوب، مع شكوك في استمرار إلتزامها أساسًا بما تعهدت به في الوقت السابق لحدوث الأزمات العالمية الحالية، خاصة وأن المبلغ المضاف وفقًا لما هو معلن أمميًا يمثل 20 مليون دولار إضافة إلى 144 مليون دولار  من التمويل المطلوب لمهمة الإنقاذ.

مخاطر التأجيل:

يؤدي عدم إنجاز مهمة التخلص من أزمة خزان صافر العائم بميناء رأس عيسى في محافظة الحديدة، إلى ثلاثة سيناريوهات محتملة، وهي:

ـ التسرب البطئ والمتواصل للنفط:  فالضرر اللاحق بجسم السفينة بفعل العوامل الجوية أو الصدأ قد يؤدي إلى حدوث تسرب نفطي، يؤثر سلبًا خلال أسابيع قليلة على كل من اليمن والسعودية وإريتريا بدرجات متفاوتة، بفعل انجراف النفط الخام إلى الشواطئ، وعرقلته لعمليات المرافئ ومحطات تحلية المياه، وتلويث المياه الإقليمية، وقد ينتشر التسرب شمالًا إلى وسط البحر الأحمر، ويتوسع جنوبًا نحو خليج عدن والساحل اليمني الجنوبي في الصيف.

ـ الانفجار: ويسببه تراكم الغاز القابل للاشتعال على متن السفينة، أو في حال أصيبت السفينة بصاروخ إما عن قصد أو غير قصد، ويشكل النفط المحترق تلوثًا خطيرًا للهواء من آثار الدخان الذي من المتوقع أن يطال جنوب غرب السعودية، ويؤدي إلى عواقب صحية وخيمة منها الإصابة بالأمراض التنفسية الخطيرة.

وتساعد الدراسات التي أجريت عن حوادث التسرب النفطي السابقة في توقع الآثار المحتملة للحريق على متن خزان صافر العائم، حيث أنه في أعقاب تسرب النفط في منصة «ديب واتر هورايزن» التابعة لشركة «بريتيش بتروليوم» في العام 2010 أبلغ العاملون الذين كانوا يحاولون التخفيف من انتشار حرائق النفط الخام في خليج المكسيك عن مشاكل خطيرة منها ضيق الصدر والتنفس، والحكة والسيلان في الأنف والحلق لمدة ثلاثة أيام بعد التعرض للدخان.

ـ غرق السفينة: وبالتالي انسكاب حمولتها من النفط الخام في البحر، ووفق ما بينته نماذج سيناريوهات تسرب النفط أو انسكابه في مياه البحر التي قامت بها شركات عالمية، فإن النفط سيؤثر سلبًا على إريتريا والسعودية واليمن في جميع فصول السنة، مع تأثر جيبوتي والصومال خلال جزء من السنة، ويتوقع أن يطال انتشار النفط في المحيط وصولًا إلى مسافة 300 كم، مع وجود كثيف ومعتدل للنفط، وربما بعض الانتشار الخفيف باتجاه عدن عند مسافة 500 كم جنوبًا، وفي جميع السيناريوهات يتوقع أن يصل النفط إلى ساحل اليمن خلال 3 أو 4 ساعات من لحظة وقوع الانسكاب.

ولا شك أن خزان صافر لا يمثل خطورة بيئية وبحرية على سواحل اليمن والسعودية ومصر ودول القرن الإفريقي فقط، ولكن يمكن أن يعرقل حركة نقل النفط من منطقنا العربية إلى مناطق الاستهلاك في أوروبا وأسيا، كما يمكن أن يتسبب في كوارث صحية على الإنسان العربي الذي يعيش على سواحل البحر الأحمر، ويقضي تمامًا على سياحة الشعب المرجانية، وهو ما يعني أن كارثة كبرى يمكن أن تؤثر في حاضر ومستقبل المنطقة والعالم لعشرات السنين؛ إذا ما تقاعست الدول المحيطة والأمم المتحدة ومنظمات البيئة العالمية عن توفير مبلغ لا يصل إلى اكثر من 170 مليون دولار.

 ختامًا، يمكننا هنا أن نذهب إلى أن هذا التقاعس لا يمكن تفسيره بعدم القدرة الاقتصادية خاصة وإنه موزع على عدد كبير من الدول، ولكن يبدو أن التقاعس يرجع إلى رغبة الدول الفاعلة في المجتمع الدولي في إبقاء منطقتنا العربية ودول الخليج بشكل خاص تحت ضغط الكوارث والمهددات الكبرى.

 

على عبد الجواد

باحث بوحدة دراسات الأمن الإقليمي.. مهتم بدراسة شئون اليمن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى