استغلال موروث.. كيف ترى الجماعات المتطرفة لعبة كرة القدم؟

تلاحظ منذ أن بدأت وبعد انتهت فعاليات كأس العالم بقطر، قيام رواد التواصل الاجتماعي المناصرين  للجماعات المتطرفة، باستغلال المنافسة بين الفرق الكروية في ترويج فكرة الخلافة المزعومة، والأيدلوجيات المتطرفة لتلك التيارات التي تنسب نفسها للإسلام، حيث روج الفاعلون من أنصار هذه الجماعات على “فيس بوك” وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي، مزاعم مغلوطة عن مفهوم الرياضة في الإسلام، وعليه يحاول  هذا التحليل التطرق إلى أيدلوجية الجماعات المتشددة تجاه مفهوم الرياضة، ومعرفة كيفية ربطه بالسياسة؟

توظيف الرياضة في الدين:

“نحن دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، وروابط علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية” يتبين من خلال هذا التعريف للجماعة، أن البنا وضع الرياضة بالموضع الخامس من التعريف، معتبرًا أن هذه الجماعة جماعة رياضية؛ لذا أوجب مؤسس الجماعة على أعضائها الاعتناء بأجسامهم، كما يعلمهم أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، مستندًا لقول النبي -صلي الله عليه وسلم- : (إن لبدنك عليك حقا).

ويستكمل رسائله، قائلًا إن “تكاليف الإسلام كلها لا يمكن أن تؤدي كاملة صحيحة إلا بالجسم القوي، فالصلاة والصوم والحج والزكاة لا بد لها من جسم يحتمل أعباء الكسب والعمل والكفاح في طلب الرزق”. وعليه، أن المسلم الذي يفقد الحالة الصحية الجيدة، ولا يستطيع كسب الرزق؛ فهذا يجعله في نظر الإخوان بأنه فقد صحيح الإسلام، فهذا لا يمس بدين الإسلامي الحنيف؛ لأن الله رحيم بعباده في جميع أحوالهم”.

مما يتبين أن جماعة الإخوان توظف الرياضة في الدين، لتخدم سياسيتهم في استقطاب أكبر عدد من الشباب، خاصة أن لعبة كرة القدم لها شعبيتها الكبيرة، من أجل ذلك خطط البنا لإنشاء وزارة موازية لوزارة الشباب والرياضة تسمى (مجلس الرياضة الأعلى). كما نظمت جماعته، هيكل تنظيمي ضم ثلاث لجان؛ لاختراق الأندية الرياضية واستمالة رموز العمل الرياضي، ومن بين تلك اللجان، لجنة “النشاط الرياضي”، التي كرّست جهدها في حيز الأندية الرياضية ومراكز الشباب ومجالس إدارتها، فضلاً عن تركيزها على قطاع الناشئين، وتأسيس عدد كبير من الأكاديميات الرياضية وتمويلها بهدف الوصول إلى الفئة العمرية المستهدفة من خلال تلك التجمعات.

كما تحكمت الجماعة في فكر أعضائها وفكرهم بواسطة لجنة (النشاط  الرياضي) داخل التنظيم الإخواني، وذلك من خلال وضع اللجنة قواعد تنظيمية تحمل توجيهات الجماعة؛ بمقابل الاشتراك في عضوية الأندية والتكفل بالنفقات المالية. وبذلك تضمن الجماعة ولاء وتابعية أعضائها، والتدخل في تشكيل قوائم الانتخابات؛ وهذا يعني اختيار الرموز الممثلين للجماعة.

لقد ورد في أول لائحة داخلية للإخوان المسلمين، فيما يتعلق بالأندية والفرق الرياضية، في المادة “1”، هو أن “الأندية الرياضية للإخوان المسلمين وحدات قائمة بذاتها ضمن تشكيلات الإخوان المسلمين العامة، وتخضع لنظام داخلي موحد تضعه إدارة الأندية بالمركز العام، في حالة الاختلاف على تفسير أي ناحية من هذا النظام أو الاستفهام عن شيء جديد، يكون المرجع الوحيد لذلك مكتب الإرشاد العام وقراراته نافذة”.

وبحسب تلك اللائحة، يكون لكل شعبة نادي، حيث وصل الفرق التي تلعب في مصر إلى 99  فريق ليتنافسوا في ذات الوقت على كأس المرشد العام، إلا أن هذا لم يحدث. وبالتالي، يمكن القول إنه رغم سعي البنا إلى تحويل لعبة كرة القدم من مجرد لعبة إلى مشروع سياسي لتجنيد والاستقطاب، إلا أن محاولاته باءت بالفشل، حيث صدر قرار بحل الجماعة عام 1948، فصادرت الحكومة أندية الإخوان وأنشطتهم، لكن هذا المسار لم يدم طويلاً، حيث عادت مرةً أخرى سعي الجماعة لإعادة تلك الفكرة، بعد قرار المحكمة عام 1951 بإلغاء قرار الحل الذي أصدره النقراشي ليعود الإخوان إلى العناية بالرياضة، حتى توقَّفت مرةً أخرى بعد اعتقال الإخوان عام 1954م.

توضيحا لما سبق، يمكن القول إن حسن البنا، أكد على ضرورة سعي الجماعة إلى الرياضة، ويمكن التأكيد على هذا من خلال عدة صور، أهمهم:

(*) الكتائب، ويراد بها تقوية الصف بالتعارف وتمازج النفوس والأرواح، ومقاومة العادات والمألوفات تقوية الصفوف.

(*) الفرق للكشافة والجوالة والألعاب الرياضية، ويراد بها تقوية الصف بتنمية جسوم الإخوان، وتعويدهم الطاعة والنظام والأخلاق الرياضية الفاضلة، وإعدادهم للجندية الصحيحة التي يفرضها الإسلام على كل مسلم وهذا معنى التربية الرياضية للإخوان”.

تأسيسا على ما سبق، يمكن القول إن شعور جماعة الإسلام السياسي بأنهم غرباء ويشيرون لقول النبي -صلى الله عليه وسلم، الإسلام غريبًا وسيعود كما بدأ غريبًا فطوبى للغرباء)، لذا ترى جماعة الإخوان الأندية الأخرى في نظرهم ماسونية؛ لذا أرادوا تأسيس أندية بديلة، والعمل على أخترق الأندية الأخرى. لذلك يحولون الأندية إلى ساحة للإعداد محاربين لحلبة الحرب، وهذا يظهر في (إعدادهم للجندية)، أي البدء بإعداد القتال للعدو القريب المقصود بهذا الدول العربية –باعتبار الدول هذه في نظرهم أنها تطيع الغرب في أفكاره-، قبل العدو البعيد، وهذه هي النظرية الذي طبقها أبو مصعب الزرقاوي عندما كان مسئولًا عن تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين. وبعد مقتله بدأ تحول جماعة الزرقاوي لتنظيم (داعش) الذي سار على ذات الإستراتيجية.

كما توضح وثيقة الإخوان السرية والمعروفة باسم “وثيقة التمكين”، والتي  تم ضبطها بحوزة الدكتور عصام العريان، عضو مكتب الإرشاد، في النقطة الثامنة من الوثيقة، على أن “قسم المهنيين، وهو القسم المعني بنشر دعوة الإسلام العامة ودعوة الإخوان في محيط أصحاب المهن، وإيجاد جو إسلامي عام في المؤسسات والشركات والنقابات المهنية والنوادي الرياضية..”. فيما يتعلق بذلك، يؤكد ثروت الخرباوي المحامي والقيادي السابق بجماعة الإخوان المسلمين، أن إقامة الخلافة الإسلامية في مصر يعتبر غرض الجماعة منذ بداية تأسيسها، حيث كشف عن وجه الجماعة الحقيقي من هذه الوثيقة، بأنها تنتمي إلى تيار سلفي متشدد (التيار القطبي) والذي يعتمد إلى الفكر الانقلابي.

وعليه، يتبين أن جماعة الإخوان تسعى في تحقيق فكرها الانقلابي منذ منتصف السبعينات من خلال اخترق الأندية والهيئات الرياضية، لكي تستهدف على قطاعات الناشئين للوصول إلى أكبر فئة من المراهقين والشباب؛ لتتحكم في فكرهم، والعمل على تجنيدهم تنظيميًا، وذلك نظرًا لجماهيرية الأندية الرياضية. ولم يتوقف تفكيرهم الانقلابي بهذه الفترة الزمنية، فقبل عام 2010، دفعت إحدى الدول العربية إلى تأسيس أكاديمية رياضية كبرى ملحقة بأحد الأندية، تستهدف في المقام الأول تدشين أجيال رياضية تحمل الأيديولوجية السلفية، إلا أن المشروع باء بالفشل لأسباب أمنية.

 أما في منتصف عام 2012، أجرت قيادات مكتب الإرشاد اتصالات سرية مع رموز العمل الرياضي، في إطار حالة من الاستحواذ المطلق على مفاصل الحياة السياسية والمدنية والرياضية، والدفع بقائمة من عناصرها أو القريبين من توجهات الإسلام السياسي، لخوض انتخابات اتحاد الكرة المصري، والترتيب لإسقاط قائمة الكابتن هاني أبو ريدة. وفي عهد محمد مرسي، تولى أسامة ياسين إبان منصب وزير الشباب والرياضة، حيث أدار خطط الهيمنة واستراتيجية (التمكين)على الأندية الرياضية والاجتماعية؛ للعمل على تغلغل المطلق في أروقة الدولة المصرية، إلا أن مخططهم لم ينجح، حيث خرج الشعب المصري في 30 يونيو مطالبين بإسقاط تلك الجماعة من الحكم.

التيار السلفي في المعادلة:

تأسيسًا على ما سبق واستكمالًا له، يتبين أن وثيقة الإخوان السرية والمعروفة باسم “وثيقة التمكين” تنتمي إلى تيار سلفي متشدد (التيار القطبي) والذي يعتمد إلى الفكر الانقلابي. وذلك توضح من خلال تحليل عدد من مقالات عن كرة القدم لعدد من شيوخ التيار السلفي، وفتاويهم، خاصة على امتداد العقود الماضية، وسنزيد تركيزًا على تحليل  كتاب “حقيقة كرة القدم” لمؤلفه ذياب بن سعد الغامدي، باعتباره الأكثر تأثيرا خلال تلك الفترة، حيث خصصه كاتبه لذكر ما اعتبرها “المخالفات الشرعية” المرتبطة بما سماها “اللعبة الشيطانية”، معبرًا عنها بقوله: أنها “أصبحت منبع الضلالة، ومنجم الجهالة، فمنها نشأت سحائب الغواية، وإليها تقاد خبائث العماية”.

وذكر الكتاب أنماط مختلفة بها أحكامه المحرمة للعبة كرة القدم، وحتى مشاهدة مبارياتها ومتابعة أخبارها، ولم يتوقف الكاتب في تحريم اللعبة مخالفة للشريعة الإسلامية، إلا أنها تتسبب في محرمات أخرى مثل كشف عورة اللاعبين، وخضوعهم لجلسات التدليك المحرم. كما يحدد ذياب الفارق بين قوانين كرة القدم الإدارية “المباحة” المتمثلة في (عدد اللاعبين ووقت المباراة وأشواطها)، وبين “القوانين المحرمة” التي تصل إلى حد الكفر والردة متعلقة (بالإنذارات، والعقوبات الناتجة عن الإصابات والجروح داخل الملعب). باعتبار أن تلك العقوبات مشمولة بنظام العقوبات الإسلامي، فأحكام القصاص والديات بالنسبة له، هي التي يجب أن تكون أساسا لهذه القوانين.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن فتوى (الخروج عن الملة والكفر)، التي خرج بها ذياب لم تطبق على اللاعبين فقط، بل نال هذا الحكم جماهير المشجعين. ويوضح المؤلف السلفي، الحالات التي تطبق عليها هذا الحكم، بالنسبة للأعيب المسلم في حالة أنه أذعن راضيا لعقوبات الحكم في هذا الجانب. أما جماهير المشجعين في حالة أنهم شجعوا نادي أجنبي ما، ومتابعة مبارياته بحماس يؤدي بصاحبه إلى “الموالاة المكفرة” طبقا لعقيدة “الولاء والبراء” التي تفرض على المسلم تقديم دعمه وولائه للمسلمين فقط.

الرياضة في فكر داعش والقاعدة:

في عام2016، رفضت داعش قوانين الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا باعتبارها “مارقة”، حيث فرض التنظيم على من يلعب كرة القدم في مناطق خاضعة لداعش بسوريا، عدم تطبيق قوانين الفيفا؛ لأن في حالة تطبيق تلك القوانين سوف يحرمون من هذه اللعبة بصورة نهائية. كما حظرت محكمة تابعة للتنظيم تحكيم كرة القدم، بسبب “منافاته لمقتضيات الشرع الإسلامي.

وتأكيدا لما سبق، يقول الباحث في شؤون الإرهاب بجامعة واترلو، الكندية إن “ثمة انقساما بين المتشددين في النظر إلى كرة القدم؛ إذ إن قسما منهم يعتبر اللعبة نشاطا رياضيا مفيدا للبدن، فيما يحرمها آخرون لأسباب متعددة من بينها التنافس على جائزة، وهو ما قد يدخل ضمن باب “القمار”.

كما صدر عن مكتب البحوث والدراسات التابع لتنظيم -يعتبر الجهة الرسمية المخولة- بإصدار الفتاوى الدينية الملزمة لعناصره، ذلك قبل أن يتم حله في سياق الصراع بين تياراته؛ كتابًا مختصرًا حول حكم كرة القدم تحت عنوان “مداد القلم في حكم لاعبي كرة القدم”، ففي هذا الكتاب ركز التنظيم على الجزء المرتبط بـ”الحكم بغير ما أنزل الله”، معتبرا بالنص، القائل بأن “قانون الكرة قد أخرج حكم الجنايات التي تكون بين اللاعبين من أبواب القصاص والديات والعفو في شرع الله تعالى إلى أبواب البطاقات الصفراء والحمراء وركلات الجزاء في شرع كرة القدم والاتحادات المنظمة لها.. وهذا كفر أكبر ناقل عن ملة الإسلام من باب الحكم والتحاكم، وهو من صور الحكم بغير ما أنزل الله والتحاكم إلى شريعة الطاغوت المناقضة لشرع الله”.

كما تجدر الإشارة أنه في الكتاب المذكور سابقًا، كفر تنظيم داعش جميع الأندية والمنتخبات التابعة للاتحاد الدولي لكرة القدم؛ لأنها أقرت بالقوانين المؤطرة للعبة، أما بالنسبة للفرق الصغيرة التي تلعب في أحياء المدن في حالة التزامها بالضوابط الشرعية في اللعبة، والبعد التام عن القوانين المعروفة في المباريات. لذا وضع المؤلف “تصور مشروع” لكرة القدم مع اعترافه باستحالة ذلك، مثل:”اعتماد قوانين مستمدة من الشريعة، واستحضار نية الاستعانة بهذه الرياضة في رفع اللياقة البدنية، وتجنب المشاهدين للتشجيع المحرم، وإقامة المباريات خارج أوقات الصلاة وغيرها”.

 وبالتالي، يمكن القول إن داعش يرى أن لعبة كرة القدم في حالة عدم الالتزام بقواعد التنظيم التي يصعب  تنفيذها؛ فبذلك تعتبر ليست بريئة ومتعة خالصة، بل ممارسة قد تنزل بأصحابها إلى الكفر والخروج عن الملة. كما يعتبرون حكام المباريات “طواغيت” لما يحكمون بغير ما أنزل الله، واللاعبين “عبادا للطواغيت” لأنهم ينصاعون لقراراتهم، وذلك ضمن قائمة طويلة من المحرمات و”المفاسد” التي تتصل بلعبة كرة القدم.

أما تنظيم القاعدة، فيرى أن بطولات كأس العالم ليست مجرد لعبة رياضية، بل تعتبر أدوات فكرية لتأثير على سكان الأرض بالإباحية وطمس الفطرة السماوية، لذا حذر من “احتلال جزيرة العرب” ونزول “المشركين” بها حسب أدبياته.

ختامًا، يستنتج مما سبق أن جماعات الإسلام السياسي كل منها له رؤية مختلفة عن التيار الأخر فيما يتعلق بأيدلوجيته اتجاه لعبة كرة القدم؛ حيث نجد أن التيار السلفي يصدر بتحريم هذه اللعبة. أما جماعة الإخوان تستغلها وتوظفها لتجنيد الشباب في صفوف التنظيم، وبالنسبة لتنظيم داعش الذي يعتبرها دليلا على انتشار “المكفرات” وشيوع “عبادة الطاغوت”، والوجه الأخر من التنظيم يضع قوانين شرعية خاصة بتلك اللعبة. وأخيرًا تنظيم القاعدة، الذي يرى في لعبة كرة القدم بأنها أدولت فكرية لها تأثيرها على الإباحية. فمن صحيح الدين الإسلامي أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حث المسلمين على ممارسة الرياضة خاصة التي تكسب جسم الإنسان اللياقة البدنية؛ فالرياضة تجعل المؤمن قوي وهو ما دعا إليه الرسول: “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير”. لذا يكتسب من كرة القدم دروسًا عديدة، ومنها: (التجميع الذي ينتج عنه الود، و البعد عن التشتيت والتفرقة).

رباب الحكيم

مسئول الاتصال والعلاقات العامة بالمركز، باحثة في برنامج الإرهاب والتطرف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى