محفزات التصعيد.. لماذا تتزايد عمليات حركة الشباب في القرن الإفريقي؟
في منتصف مايو 2022، تم انتخاب الرئيس الصومالي الجديد، حسن شيخ محمود رئيسًا للبلاد للمرة الثانية بعد تفوقه على الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو، ليُصبح الرئيس الصومالي، “شيخ محمود” أول رئيس صومالي سابق تتم إعادة انتخابه مرة أُخرى في تاريخ البلاد.
وفي أول خطاب له أمام البرلمان الصومالي، تَعَهَدَ الرئيس الجديد بالعمل على تقريب المسافات بين الصوماليين، مؤكدًا أنه يسعى لفرض استقرار سياسي يخدم مصلحة البلاد والمُضي قُدُمًا، إلا أن تصاعد العمليات الإرهابية من جانب حركة شباب المجاهدين يُثير تساؤلات حول قدرة الرئيس الصومالي الجديد على تحقيق الاستقرار في البلاد، ودحر الإرهاب الذي يتزامن مع إحدى أسوأ أزمات الجفاف التي تواجهها البلاد.
تزايد ملحوظ خارج الحدود الصومالية:
في هجوم نادر الحدوث، هاجمت حركة الشباب، قريتين صوماليتين على الحدود الصومالية الإثيوبية بتاريخ 21 يوليو 2022، أي في الصومال الإثيوبية، وهو الهجوم الذي راح ضحيته 17 قتيلاً منهم 3 مدنيين، وعدد من الجنود الإثيوبيين داخل الأراضي الصومالية، ومقتل 63 من أفراد حركة الشباب. تلا ذلك هجوم مسلحي حركة الشباب على منطقة مانديرا الحدودية مع كينيا بتاريخ 27 يوليو 2022، مما أسفر عن إصابة 3 من ضباط الشرطة الكينية حيث استهدف الهجوم معسكر وحدة سرقة المخزون في منطقة “عيل رام” وبتاريخ 20 أغسطس 2022، قُتِل 10 أشخاص بعد اقتحام مسلحين من حركة الشباب أحد فنادق العاصمة الصومالية؛ حيث تم تفجير عبوتين ناسفتين قبل اقتحام الفندق وفتح النار على من كانوا بداخله.
كما أنه بتاريخ 3 أكتوبر 2022، أعلنت الحكومة الصومالية عن قتلها “عبد الله نادر” أحد مؤسسي حركة الشباب، والذي يتولى منصب المدعي العام للحركة، كما أنه كان مرشحًا ليحل محل زعيم الحركة “أحمد الدرعي” المريض، وذلك في ظل في إطار الحملة التي تشنها الحكومة الصومالية ضد حركة الشباب بالتعاون مع جماعات الدفاع الذاتي المحلية. وبتاريخ 23 أكتوبر 2022، قُتِل 9 أشخاص، وأُصيب 47 آخرون في هجوم على فندق بمدينة كسمايو الواقعة جنوبي الصومال حيث استمر الهجوم على الفندق حوالي 6 ساعات قبل أن تتمكن قوات الأمن من قتل المهاجمين، ليأتي ذلك الهجوم بعد سنوات من الهدوء النسبي الذي شهدته المنطقة منذ طرد جماعة الشباب الإرهابية منها في عام 2012 ، وهو الهجوم الذي تعهد الرئيس الصومالي عقبه بشن حرب شاملة ضد حركة الشباب والميلشيات الإسلامية.
كما أنه بتاريخ 29 أكتوبر 2022، قام انتحاريان بتفجير نفسيهما في سيارة أمام مبنى وزارة التعليم بالعاصمة الصومالية “مقديشيو”، وهو التفجير الذي أسفر عن مقتل حوالي 100 شخص وإصابة 300 آخرين، وقد أعلنت حركة الشباب مسئوليتها عن التفجيرات التي وقعت في نفس المكان الذي سبق أن شهد تفجير شاحنة أخرى في عام 2017، والذي أسفر عن مقتل 500 شخص، وهو الهجوم الذي تم اعتباره الأشد في تاريخ البلاد .
وبتاريخ 5 نوفمبر 2022، شهدت العاصمة الصومالية “مقديشيو” هجومًا استهدف إحدى القواعد العسكرية، والذي أسفر عن مقتل أحد عشر جندي من الجيش الصومالي، وإصابة 15 جندي آخرين، بعدما تمكن القاتل من الوصول إلى المعسكر متنكرًا بالزي العسكري، وهو الهجوم الذي أعلنت حركة الشباب مسئوليتها عنه، كما تزامن الهجوم مع 4 تفجيرات أخرى شهدتها العاصمة، منها تفجيرات قريبة من القصر الرئاسي .
تُشير التقديرات إلى أن عام 2022 يعتبر الأعلى من حيث عدد الضحايا مقارنة بعامي 2020 و2021، كما تُشير الهجمات إلى أن نشاط الحركة يتركز في وسط وجنوب البلاد بما في ذلك العاصمة مقديشيو، بينما تشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن عائدات حركة الشباب تصل إلى حوالي 10 ملايين دولار شهريًا؛ حيث لا تزال الحركة تُسيطر على أجزاء كبيرة من المناطق الريفية في البلاد، حيث تقوم بجمع الأموال من الأهالي، وتعقد المحاكمات في الأماكن التي لا تخضع لسيطرة الحكومة المركزية.
ووفقًا لمرصد الأزهر، شهد شهر سبتمبر 2022 عدد 54 عملية إرهابية على مستوى القارة الإفريقية ككل، وقد جاء شرق إفريقيا في المرتبة الأولى حيث شهدت الصومال وموزمبيق 27 عملية إرهابية، منها 23 عملية إرهابية وقعت في الصومال على يد حركة الشباب الإرهابية.
محفزات التصعيد:
تُوصف الهجمات التي شنتها حركة شباب المجاهدين مؤخرًا خارج الحدود الصومالية، باعتبارها أكثر جرأة وحِدَّة، الأمر الذي يمكن تفسيره على النحو التالي:
(*) تتسق تلك الهجمات مع التوجهات التي تتبناها حركة شباب المجاهدين، بشأن السعي لإقامة “دولة إسلامية” على كافة الأراضي الصومالية المقسمة بين كل من الصومال وكينيا وإثيوبيا وجيبوتي، وبالنظر إلى تاريخ هجمات الحركة منذ 2007، نجد أن تلك الهجمات في العمق الكيني والإثيوبي تكررت عدة مرات، خاصة بالنظر إلى العداء تجاه إثيوبيا نتيجة تدخلها في الصومال في عام 2006.
(*) التأكيد على استمرارية قدرة تنظيم القاعدة على تهديد السلم والأمن في المنطقة؛ فبالنظر لكون حركة الشباب، هي الممثل الرئيسي لتنظيم القاعدة في شرق إفريقيا، فإنه من غير المستبعد أن تكون تلك الهجمات قد تم التخطيط لها بالتنسيق مع التنظيم الأم، حتى وإن لم يتبن تنظيم القاعدة مسئولية تلك الهجمات، وبالتالي يكون الهدف الأساسي هو التأكيد على استمرارية فعالية التنظيم خاصة بعد مقتل أيمن الظواهري في أغسطس 2022.
(*) السعي إلى بسط النفوذ على نقاط مختلفة في منطقة القرن الإفريقي وشرق إفريقيا، حيث تتجلى صراعات القوى الإقليمية والدولية نتيجة اختلاف المصالح السياسية والاقتصادية والعسكرية، وبالتالي لفت الانتباه إلى قدرة الحركة على التأثير في منطقة ذات أهمية استراتيجية بالنسبة للمصالح الغربية، كنوع من أنواع التأكيد على استمرار مكانة الحركة بصفة خاصة وتنظيم القاعدة بصقة عامة.
(*) استغلال انشغال قوات الجيش الإثيوبي في مواجهة قوات جبهة تحرير شعب التيجراي والقوى المتمردة الأخرى داخل الأراضي الإثيوبية، وبالتالي عدم قدرة الجانب الإثيوبي على حشد قواته على الحدود مع الصومال.
(*) عرقلة جهود الرئيس الصومالي الجديد حسن شيخ محمود، الساعية لاستعادة الاستقرار في البلاد، وتوحيد الجبهة الداخلية، والقضاء على الإرهاب؛ حيث تم تنظيم تلك الهجمات لتنطلق خلال الشهور الثلاثة الأولى من ولايته الثانية في حكم البلاد، وبالتالي إثبات ضعف قدرة الحكومة على السيطرة على البلاد.
بالتالي، قد يكون من المُرجح أيضًا سعي الحركة إلى استغلال الظروف السيئة التي تمر بها الصومال، خاصة ومنطقة القرن الإفريقي بشكل عام نتيجة ندرة الأمطار وزيادة معدلات الجفاف خلال السنوات الأربع الماضية، وذلك من خلال كسب مزيد من المؤيدين؛ عبر الترويج لانتصاراتها داخل وخارج الصومال، خاصة مع الفوائض المالية التي تتوافر لدى الحركة من أعمال القرصنة والتهريب، وجمع الضرائب.
(*) الرد على قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن في مايو 2022 بإعادة انتشار القوات الأمريكية في الصومال خلافًا لقرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بسحب تلك القوات، وبالتالي إرسال حركة الشباب رسالة مفادها عدم جدوى تلك الخطوة.
في النهاية، يمكن القول إنه من المُرجح اتجاه حركة الشباب نحو تكثيف هجماتها خلال المرحلة المقبلة، ولا يُستبعد أن يتم استهداف مصالح غربية حيوية داخل الصومال وفي كل من إثيوبيا وكينيا وجيبوتي، خاصة إذا تمكنت حركة الشباب من توسيع شبكة علاقاتها مع الجماعات المحلية ذات التوجهات الجهادية في تلك الدول، أو الجماعات العرقية والإثنية الناقمة على أنظمة الحكم.
في المقابل، يُتوقع سعي القوى الإقليمية والدولية نحو مساندة الحكومة الصومالية في مواجهة حركة شباب المجاهدين حال تيقن تلك القوى أن هجمات الحركة تهدد مصالح تلك القوى الجيواستراتيجية في منطقة القرن الإفريقي وجنوبي البحر الأحمر وتحديدًا فيما يتعلق بتدخل الحركة على خط الصراع الدائر في اليمن، أو تهديد الملاحة الدولية في باب المندب.