قمة بالي.. كيف تعاملت مجموعة العشرين مع الأزمات الدولية؟
عقدت القمة السابعة عشر لمجموعة العشرين (G20) في الفترة من 15 إلى 16 نوفمبر2022، في جزيرة بالي بأندونيسيا، تحت شعار ما بعد الوباء “التعافي معًا، التعافي أقوى”، وذلك على خلفية التداعيات السلبية التي سببتها جائحة COVID-19، وقد عبر الرئيس الإندونيسي “جوكو ويدودو” في افتتاحية القمة، عن حجم الأزمة التي يعانيها العالم، بقوله: “ليس أمامنا خيار آخر إلا التعاون لإنقاذ العالم”، وأن علينا “البقاء مستعدين لأية جائحة مستقبلية محتملة”، داعياً قادة المجموعة إلى “تجنب حرب عالمية أخرى”، نظراً للانقسامات الجيوسياسية بين القوى الكبرى.
وجاءت قمة هذا العام في وقت يواجه فيه العالم الكثير من التحديات، سواء تلك المتعلقة بالحرب في أوكرانيا، والتي ألقت بظلالها على القمة ومخرجاتها، وكذلك مساعي الانتعاش الاقتصادي بعد انتشار جائحة كورونا، أو التداعيات السلبية الناتجة عن التغيرات المناخية، فهل نجحت القمة في التفاعل مع تلك التحديات وتمكنت من طرح حلول عملية وفعَّالة لها؟.
دواعي التأسيس والأهمية:
تشكلت مجموعة العشرين (G20) عام 1999، عقب الأزمة المالية التي ضربت دول شرق آسيا عام 1997، واعتبرت من حينها منتدى للتعاون الاقتصادي الدولي؛ يجمع وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية لأكبر 20 اقتصادًا في العالم-حسب الناتج المحلي الإجمالي- وهم: الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، روسيا، كندا، استراليا، الصين، اليابان، الهند، إندونيسيا، كوريا الجنوبية، جنوب أفريقيا، البرازيل، الأرجنتين، المكسيك، السعودية وتركيا، في حين دعيت كلاً من إسبانيا وهولندا كضيفين دائمين، وتمثل مجموعة العشرين وفق بيانات عام 2021، حوالي ثلثي سكان العالم، و80% من الناتج المحلي الإجمالي، وأكثر من 75% من حجم التجارة العالمية.
وبالرغم من أنه سبق إنشاء مجموعة (G20)، تأسيس مجموعات اقتصادية أخرى، مثل: مجموعة (8)، ومجموعة (22)، ومجموعة (33)، والتي كانت تدعم الحوار بين الدول النامية والدول المتقدمة، استهدفت مجموعة العشرين(G20)؛ تعزيز الاستقرار المالي الدولي، وإيجاد فرص للحوار ما بين الدول الصناعية والدول الناشئة، ومعالجة القضايا التي لم تتمكن المجموعات سالفة الذكر من حلها.
وقد عقد أول اجتماع لمجموعة العشرين(G20)، في ديسمبر عام 1999، في برلين بألمانيا، وليس للمجموعة مقر أو موظفون، بل يتم تناوب رئاستها على أساس سنوي بين أعضائها، وتتخذ قراراتها بالإجماع، فيما يعتمد تنفيذ أجندتها على الإرادة السياسية لكل دولة،وكانت اجتماعاتها تتم سنوياً بين وزراء المالية ورؤساء المصارف المركزية في الدول الأعضاء، إلى أن بدأت تعقد قمتها على مستوى الرؤساء منذ عام 2008، في ضوء الحاجة إلى اتخاذ قرارات مهمة؛ لمعالجة الأزمة المالية العالمية التي وقعت عام 2008،ومثلت القرارات التي اتخذتها المجموعة في ذلك؛ أبرز نجاح للقمة، حيث أسهمت في إنقاذ الاقتصاد العالمي من تداعيات تلك الأزمة، وأمكن إخراجه بسرعة من حالة الانهيار التي تعرض لها.
أبرز قضايا جدول الأعمال:
بالرغم من الطابع الاقتصادي للقمة، والذي بدا واضحاً فيما حددته إندونيسيا -التي ترأست القمة 17 للمجموعة-من أولويات، تتمثل في: تعزيز البنية التحتية الصحية العالمية، وضمان تحول اقتصادي رقمي شامل، وتعزيز التحول المستدام للطاقة، إلا أن هناك قضايا أخرى فرضت نفسها على مجريات القمة،من أهمها:
(&) الحرب في أوكرانيا، والتي سيطرت على حوارات القادة والمشاركين في القمة العشرين، وكانت موضع خلاف وانقسام بين معسكر روسيا، والمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تتزايد المخاوف الأمنية من استخدام الأسلحة النووية في تلك الحرب، ويخشى الغرب أن يذهب الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” إلى ما هو أبعد من حدود أوكرانيا،لذلك بدا واضحاً أن الدول الغربية، لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، التي أعلنت عن تصميمها على إفشال أهداف “بوتين” في أوكرانيا.
(&) أزمة الديون العالمية، والتي وصلت إلى مستوى قياسي،فبحسب معهد التمويل الدولي، ارتفع الدين العالمي إلى303 تريليون دولار نهاية عام 2021، في الوقت الذي تعاني منه اقتصادات الدول النامية بدرجة كبيرة، تجعلها غير قادرة على تحمل أية أزمات أخرى، وقد حثت الدول النامية، أعضاء مجموعة العشرين(G20)، إلى بذل المزيد من الجهود لتخفيف الديون عن الدول الفقيرة.
(&) تداعيات التغيرات المناخية، لا سيما وأن القمة تزامنت مع انعقاد مؤتمر شرم الشيخ للمناخ cop27 بمصر، وقد أولت القمة اهتماماً بمناقشة سبل مكافحة التغير المناخي، وضرورة تقليل الانبعاثات الكربونية، والوصول إلى الحياد الكربوني، ومساعدة الدول النامية على تطبيق سياسيات التكيف، من خلال الالتزام بتقديم المساعدة لتلك الدول، استناداً إلى اتفاقية باريس 2015.
بين النجاح والإخفاق:
كان من الواضح أن قمة مجموعة العشرين(G20)، هذا العام، تواجه العديد من التحديات التي يمكن أن تؤدي إلى فشل القمة؛ في ضوء الانقسامات بين أعضائها، والتوترات الجيوسياسية التي تكسو الساحة الدولية، إلا أن ما أسفرت عنه القمة عكس شكلاً من النجاح والإخفاق في وقت واحد، والذي يتمثل فيما يلي:
نجحت القمة في تهدئة التوتر بين واشنطن وبكين، فقد حمل لقاء الرئيسين الأمريكي “جو بايدن”، والصيني”شي جين بينغ”-قبيل انعقاد القمة-والذي يعد أول لقاء بينهما منذ تولي”بايدن”، منصبه عام 2020، حمل تطمينات بعدم التصعيد بين البلدين، في أعقاب التوتر الذي شهدته العلاقات الصينية الأمريكية في الفترة الأخيرة؛ بسبب الخلافات حول السياسة التجارية وحقوق الإنسان والحرب في أوكرانيا، وتداعيات زيارة”ناسي بيلوسي”إلى تايوان، فبعد ساعات من قمة “بايدن”و”شي”، أعلن البيت الأبيض، عن زيارة وزير الخارجية الأميركي “أنتوني بلينكن” للصين، مطلع العام المقبل، كما التقت نائبة الرئيس الأمريكي “كامالا هاريس”، الرئيس الصيني “شي”، السبت19 نوفمبر2022، على هامش قمة “أبيك” في تايلاند، في إشارة إلى حدوث انفراجة دبلوماسية، ومساعي استمرار التواصل بين واشنطن وبكين، حيث وعد الرئيس الأميركي “بايدن”، بعد لقائه بالرئيس الصيني “شي”، بألا تكون هناك حرب باردة مع الصين.
تجنب فشل القمة، على خلفية الانقسامات الحادة بين الدول الأعضاء حول روسيا، فقد بدا واضحا حجم الجهد الكبير التي بذلته إندونيسيا؛ لسد الخلافات العميقة بين قادة الدول الأعضاء؛ حول الحرب في أوكرانيا والموقف من روسيا، لاسيما في ضوء المطالبات الغربية التي سبقت انعقاد القمة باستبعاد روسيا من الحضور، ولعل ذلك يفسر سبب غياب الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، عن القمة، حيث ترأس الوفد الروسي،وزير الخارجية “سيرغي لافروف”، وبدا أن الرئيس “بوتين” تجنب المواجهات المحتملة مع قادة التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة، وما يمكن أن يوجه إليه من انتقادات أو التعرض لعزلة دولية، جراء الحرب في أوكرانيا، والتي يعتبرها غالبية قادة المجموعة سبباً في المعاناة الاقتصادية التي يشهدها العالم حالياً، وعرضت القوى الدولية إلى انقسامات حقيقية، إلا أن الرئيس الإندونيسي”جوكو ويدوود”، نجح في احتواء هذه الانقسامات والتوافق على البيان الختامي للقمة.
كذلك نجحت القمة في التوافق في عدد من الملفات الاقتصادية، خاصة ما يتعلق بأزمات العملات؛ حيث تعهدت المجموعة إبطاء وتيرة رفع أسعار الفائدة، وتضمن البيان الختامي، “أنه بالنظر إلى التقلبات في قيمة العملات هذا العام، نعيد التأكيد على التزامنا بأسعار الصرف الصادرة عن وزارات المالية والبنوك المركزية في الدول الأعضاء بتاريخ نيسان/ ابريل2021”.
أما قضية الطاقة، فقد أقرت الدول الأعضاء باتخاذ إجراءات مؤقتة، ووضع أهداف محددة للمساعدة في توفير الطاقة للدول الأكثر تأثراً بارتفاع الأسعار”،كما اتفق قادة المجموعة على متابعة الجهود للحد من زيادة درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية -مما يؤكد الاستعداد لهدف درجة الحرارة المرتبط باتفاقية باريس بشأن المناخ لعام 2015.
ونجحت القمة في تحقيق الإجماع على فكرة إنشاء صندوق لمكافحة الأوبئة-على غرار صندوق النقد الدولي-والذي يهدف إلى مساعدة الشركات الصغيرة، والدول المتوسطة والنامية، على شراء اللقاحات والأدوية أثناء تفشي الأمراض المعدية.
ورغم التوافق الذي نجحت في تحقيقه القمة 17بأندونيسيا؛ حول عدد من القضايا والملفات التي تطرّقت إليها، إلا أنها لم تحقق النتائج المأمولة، وشهدت إخفاقات في قضايا أخرى، فقد كان من المنتظر أن يصدر عن القمة قرارات حاسمة ترتب الأوضاع في العالم وتمهد لما بعد الحرب الروسية الأوكرانية، التي تسببت في تأزيم الأوضاع الاقتصادات بما ينذر بالدخول في أزمة مالية عالمية وتعثر مالي لعدد كبير من الدول؛ في ظل زيادة التضخم والركود وحالة الكساد المتوقع حدوثها في القريب، وبالتالي تفاقم أزمة البطالة وتراكم الديون على الكثير من الدول لا سيما الدول النامية، وكان من المنتظر الخروج بحلول ناجحة للقضايا الاقتصادية العالمية الملحة،ومحاولة إيجاد طريقة لاستعادة الاستقرار الاقتصادي العالمي-الذي اهتز بسبب الحرب في أوكرانيا-والاستجابة للتحديات الاقتصادية التي تواجه الدول النامية.
أيضاً لم تنجح القمة في رأب الصدع بين روسيا والغرب، وتوفير فرصة للحوار بين موسكو وكييف، خاصة وأن الدول الغربية لديها القدرة على إقناع أوكرانيا بالقبول بالتفاوض، واتخاذ خطوات عملية لوقف الحرب، والتي تثير الكثير من مشاعر القلق والخوف لدى شعوب العالم، خشية تطورها.
استنادا إلى ما سبق، وإلى ما تضمنه البيان الختامي لقمة(G20) بأندونيسيا، يتضح أنه بالرغم من سيطرة ملف الحرب في أوكرانيا على تفاعلات القمة، والتوترات الجيوسياسية المتزايدة في العالم؛ عكس البيان الختامي للقمة؛ رغبة ما في التعاون؛ لمواجهة الأخطار المتزايدة والأزمات المتلاحقة التي يشهدها العالم،فرغم أن جميع الدول الأعضاء نددوا بالتداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا؛ إلا أن البيان الختامي لم يتضمن إدانة لروسيا بشكل كامل، ورغم الاختلافات والانقسامات بين الدول الأعضاء؛ إلا أن الجميع تبنى البيان الختامي بما فيهم روسيا.
بالنهاية، بدا واضحاً أن القمة 17، لمجموعة العشرين(G20)، واجهت مهمة صعبة؛ نظراً للملفات المربكة التي طرحت للنقاش، لا سيما الحرب في أوكرانيا وتداعياتها السلبية على الاقتصاد والطاقة وإمدادات الغذاء، إضافة إلى تحديات التغيرات المناخية فضلاً عن مساعي إدخال بعض الإصلاحات لعمل المؤسسات والمنظمات الدولية، وهي ملفات تطلبت تنحية الخلافات والعمل الجاد لتحقيق نتائج ملموسة، يمكنها معالجة تلك التحديات،والمساعدة في بناء مستقبل أكثر استقراراً، إذ من المؤكد أن استمرار الخلافات، سيزيد من حالة الانقسام والتوتر بين أعضاء المجموعة، ويلقي بظلال كثيفة على مستقبل مجموعة العشرين.