ألاعيب النهضة: لماذا يحاول إخوان تونس إرباك المشهد الداخلي في هذا التوقيت؟
د. فريد خان
لم تكن تونس وحدها التي تعاني من جائحة كورونا، لكنها أصيبت بفيروس أكثر خطورة، هو الأيديولوجيا الإخوانية وفسادها على مدى سنوات عديدة، فتونس بطبيعة نظامها السياسي، الذي أسس له دستور 2014، هو المتسبب الرئيسي في الأزمة الحالية التي تعيشها تونس، فلا هو نظامًا برلمانيًا كما هو الحال في بعض الدول، ولا نظامًا رئاسيًا، تقوم على الفصل الصارم بين السلطتين.
ولكن بعيدا عن هذا القصور الدستوري، فإن استخدام الدولة كمسرح لحرب أيديولوجية، من أجل حلم الخلافة، يؤكد فشل بناء الدولة أساسا، وللمرة الأولى منذ تواجدها في المشهد التونسي، تجد تركيا نفسها أمام حائط مسدود، فهي لم تعد قادرة على البقاء في هذا البلد الذي يرفضها، لكنّها أيضاً لا تملك الجرأة لبدء الإنسحاب منه. فقد باتت الآن، مضطرّة إلى النظر جدّياً في إمكانية فرض قواعد جديدة من خلال ذراعها حركة النهضة ليضمن تواجده لأطول فترة ممكنة.
مقدمات ثورة جديدة:
لكن ما تحصده النهضة الآن، هو ثمار ما غرسته سابقاً، من مناورات سياسية، وتبعية أردوغانية، والتي حالت دون إرساء استقرار سياسي في تونس، مما جعل الحركة تعيش حالة خوف من المعارضة، التي يمكن أن تفرض عليها حالة من العزلة السياسية، من جانب، أو تصاعد رفض الشارع التونسي لإستمرار تصدر الحركة للمشهد السياسي التونسي من جانب آخر، وهو ما كشفت عنه الشعارات السياسية والشعبية المناوئة للحركة وزعيمها “راشد الغنوشي”، والتي تتهمهم بالخيانة.
وقد غلبت على مظاهرات الشارع التونسي سمة العفوية والدافعية الذاتية، فجل من خرجوا في هذه التظاهرات، هم من الشباب غير المؤدلج وغير المنتمي إلى تيارات سياسية، والتي نبعت دافعيتهم الذاتية، من الإحساس بالتهميش والظلم الاجتماعي والسياسي.
فمع كل مشهد متجدد فى تونس، نجد تضييق على المواطنين الذين ينادون في الشوارع بسقوط حكم المرشد ورحيل الغنوشي، ومع كل استعراض للقوة وتهديد للحريات، بقصد تكميم أفواه من يزعجهم أو يسيء إلى أحد رجالات هذه الدولة الفاشلة، يطلّ علينا “عبدة التبعية التركية” من جديد، ويتوعدون المتظاهرين من خلال خطاب الـ”الضرب بأيد من حديد”.
ومن نكد الدهر أن مسألة الحريات ليست أمراً بدهياً في هذا البلد، الذي كان منارة الديموقراطية ذات يوم، ومن نكد الدهر أننا ما زلنا نتناقش حول إذا ما كان مشهد اعتقال المتظاهرين ضد أخونة الدولة، مقبولاً ومبرراً أو مرفوضاً ومشيناً.
فمنذ عدة أيام، اشتعلت الليالي التونسية بسلسلة من المظاهرات التي غالبا ما تتحول إلى أعمال شغب ونهب، حيث لم يتم احتواء غضب الشباب- منذ 15 يناير- في جميع أنحاء البلاد وخاصة في أحياء الطبقة العاملة فالضغط كان يتصاعد والاضطرابات كانت متوقعة.
وبين الفساد والبطالة، والأزمة الاقتصادية والوباء؛ لا يملك الكثير من الشباب التونسي أي أمل أو منفذ، مما يدفع إلى تحول تلك التظاهرات إلى حمى ليلية، لا يمكن السيطرة عليها إذ اجتاحت الضواحي الشعبية، خاصة في غياب أي قيادة أو ثقافة سياسية، مما يغكس مقدمات ثورة جديدة على غرار ما شهدناه في ثورة الياسمين.
وهي أجواء لا تختلف للوهلة الأولى عن أحداث ديسمبر 2010 ويناير 2011، حيث دارت الاشتباكات الرئيسية مع رجال الشرطة في نفس الأماكن ليلاً وصاحبتها سرقات، نهب وحرق الإطارات، وهو العرض نفسه الذي يقام في جميع الأحياء الشعبية، وخاصة أحياء العاصمة، التي يثير تصاعد العنف بها، مخاوف التونسيين، الذين يفهمون الضجر والصخب الذي يشعر به التونسيون في كل مكان، لكن الوسائل المعبرة عنه غير كافية.
وبالتالي، فإن عدم الإرتقاء السياسي لحركة النهضة إلى مستوى التحديات التي تواجهها تونس، يزيد من التباعد السياسي بينها وبين الأطراف السياسية الأخرى- موالات أو معارضة – ولا يبدو أن هناك بصيص أمل حقيقي يإمكانية حصول إتفاق على إيجاد مخرج حكومي، لأن الشروط المطروحة تحولت إلى وجهات نظر سياسية، تراكمت فيها المطبّات الجوهرية، خاصة مع وجود طرف آخر- خارجي- متحكم في حركة النهضة.
مناورات فاشلة:
يعكس خروج المتظاهرين منطلق “وجوب الحل” للأزمة الحالية، لكن التصريحات والتغريدات التي سبقت ولحقت هذا الخروج ، توحي بأن العلاقة بين كل من رئيس الجمهورية، والغنوشي ورئيش الحكومة المشيشي، ساءت جداً، و”إنكسرت جرّة” التحالفات.
وقد صار المشهد التونسي معقدا وخطيرا، لاستمرار إدارة حركة الداخل – خارجيا- وكأن حركة النهضة، بمثابة آداة لهؤلاء اللاعبين الكبار الذين يقفون في الظل، لكن المواطنين التونسيين البسطاء، هم من سيفشلون المخططات الإخوانية المتوحشة .
ولا شك أن الرئيس “قيس سعيد” تقع على عاتقه “مسؤولية تاريخية لحماية الدولة التونسية من بطش السياسات الأردوجانية، بعد أن وصلت الأزمة السياسية في البلاد إلى ذروتها، وفي ظلّ هذا الانكماش، يصبح حديث البعض عن علل موضعية في الدستور أو القانون بلا طائل، لأن مثل هذه الاحاديث القانونية يراد بها الإلتفاف على مطالب الشعب التونسي الحقيقة برفضه لأخونة الدولة التونسية، ومع استمرار عجز الطبقة السياسية عن بلورة حلول جذرية، بدأت تونس تشهد بوادر مقدمات ثورة شعبية جديدة لتصحيح المسار، والتي ستفشل كل مناورات حركة النهضة الإخوانية.