داعش يتحرك: لماذا عاد التنظيم يستهدف العاصمة العراقية من جديد؟
أسماء دياب
عقب إعلان تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” مسئوليته عن تفجير سوق ملابس فى ساحة الطيران بالعاصمة العراقية بغداد، مما أسفر عن مقتل 32 شخص وإصابة ما يزيد عن مائة شخص، صرح التنظيم الإرهابي فى بيان نشرته وكالة “أعماق”- التابعة للتنظيم- أن الهدف كان ضرب المسلمين الشيعة، وهنا يتبادر إلى الذهن عدة تساؤلات عن دوافع هذا التفجير، السياسية والأمنية والأيديولوجية، خاصة بعد توقف مثل هذه الأحداث منذ أكثر من عام ونصف تقريبا؟، وإلى أي حد تدلل عملية التفجير بالباب الشرقي ببغداد على حرية حركة للتنظيم عبر “مجموعات متنقلة” ممكن أن تساعده في ارتكاب عمليات شبيهة في أي مكان أخر من هذا البلد؟.
دوافع التفجير:
يوشي وقوع التفجير فى هذا التوقيت، بأن ورائه دوافع سياسية، تستهدف زيادة حالة عدم الإستقرار التي تسيطر على البلاد بالأساس، خاصة مع الإعلان عن إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في يونيو 2021، ولعل إختيار موقع التفجير، والذي جاء فى سوق شعبى مكتظ بالأهالى، وفي يوم الخميس الذي يعد شبه أجازة فى العراق، هو ما يشير إلى أن التقجير يستهدف إحداث حالة من الفزع بين السكان، فضلا عن إيصال رسالة مفادها، أن الوضع الأمنى في العراق لا يزال يواجه الكثير من العقبات، ولا تزال حالة عدم الاستقرار هي المسيطرة على البلاد، حتى بعد تولى “مصطفى الكاظمي” رئاسة الحكومة العراقية، والذي ترافق مع تصعيد تنظيم داعش، لعملياته الإرهابية في العراق.
أما ما يتعلق بالأسباب الأمنية؛ فإن اتخاذ الكاظمى قرارات بإحداث تغيرات واسعة فى القيادات الأمنية، يشير إلى استمرار امتلاك إيران لعناصر تأثير داخل الأجهزة الأمنية العراقية، وأن هؤلاء المواليين قد يكونوا ن سهلوا وصول منفذى التفجيرات إلى مناطق حيوية فى البلاد، رغم ما أعلن عنه من شدة الإجرات الأمنية.
من ناحية أخرى يشير مراقبين للشأن العراقي، إلى أن سياسات الكاظمي الأمنية، والتي تستهدف الحد من انتشار السلاح فى البلاد، تتصادم مع رغبة الحشد الشعبى فى العراق في الاحتفاظ بسلاحه، وفي ضوء تصريحات سابقة لأحد الظباط الأمنيين فى حكومة “نورى المالكى”، والتي أشار فيها إلى أن ميلشيات عراقية وأخرى إيرانية، سبق وأن استعانت بتنظيم داعش الإرهاب عام 2014، لضرب الوضع الآمنى في العراق، وفرض حالة من عدم الإستقرار، باعتباره هدفا حيويا للجهات التي لا تترائى لها السياسات العراقية الرسمية.
وبالنظر إلى الدوافع الأيديولوجية لتفجير بغداد، ذهب بعض المتابعين للشأن العراقي إلى أن استمرار تصعيد حالة التوتر بين السنة والشيعة، يعد من أهم دوافع التفجير، خاصة بعدما أعلن تنظيم داعش الإرهابي، أنه هو منفذ التفجير، وأن هدفه ضرب الشيعة العراقيين، مما يتوافق مع رؤيته بتكفير عموم الشيعة بمختلف طوائهم، وذلك على خلاف تنظيم القاعدة، الذي يرى بتكفير قادة وآئمة الشيعة، ويخرج العوام من دائرة التكفير، وقد سبق وكتب “مولوى عبدالله ” (أحد جنود أنصار الشريعة – فرع القاعدة فى اليمن) عبر تويتر2015، بأنه لايجوز استهداف المساجد والأسواق وقتل المسلمين بحجة التترس، فهذا كلام باطل، ومن أراد أن يعرف التترس فليقرأ كلام أبن تيمية “.
وقد نفى تنظيم القاعدة وقتها فى مارس 2015 استهداف مسجدين فى اليمن يرتادهم “أنصار الله ” من الحوثين وغيرهم من المصلين، بينما سارع تنظيم داعش بإعلان مسئوليته عن تفجير المسجدين، مما يعكس أيديولوجية داعش فى تكفير عموم الشيعة، حيث دارت حرب إعلامية وقتها اتهمت فيها القاعدة داعش، بالتساهل فى سفك الدماء.
دلالات دموية:
لعل دلالات حادث التفجير الإرهابي في بغداد، تشير إلى استمرارية اعتماد الجماعات الإرهابية على توظيف المرجعية الفقهية لاستباحة الدماء، دون مراعاة حرمة تلك الدماء وفقا للنصوص الدينية – قرآن وسنة- والتي تقر بطبيعة الاختلافات البشرية، أيا كانت فكرية أو عقائدية أو مذهبية، ولا زالت تلك الجماعات التكفيرية، تستند إلى أراء فقهية، لتكفير المختلفين مذهبيا ووجوب قتالهم.
ولعل إعلان تنظيم داعش عن مسؤوليته عن حادث تفجير بغداد، والذي وقع فى سوق شعبية يرتاده العامة، يؤكد المنهج الذي يتبناه التنظيم الإرهابي، والذي يختلف في شكله عن تلك الحوادث التي تبناها تنظيم القاعدة فى مواقف آخرى، وإن ظل مضمون هذه أو تلك، تحمل دلالات دموية، تطبع فكر الجماعات الإرهابية مهما اختلفت مسمياتهما.
وإذا كانت أوجهه الخلاف بين تنظيم داعش وتنظيم القاعدة، تتمثل فى بعض الخلافات الفقهية الدقيقة، والتي تدور بين تكفير أئمة الشيعة دون العامة، أو تكفير عموم الشيعة، نجد هناك مساحة للإعتبارات السياسية، ومما يدلل على ذلك، طلب الظواهرى من الزرقاوى، التوقف عن استهداف عوام الشيعة، لأن إيران الشيعية، تحتجز لديها مائة من أعضاء تنظيم القاعدة، مما يعني أنه يمكن المهادنة لأسباب سياسية وليست فقهية.
يشير ذلك أن الفكر التكفيري؛ يستند إلى مرجعيات فقهية واحدة، حتى وإن كانت الجماعات التكفيرية بينها بعض الاختلافات التفصيلية الدقيقة، الأمر الذي يدحض مسألة الاختلاف الفقهية، مما يؤكد الحاجة إلى ضرورة تلازم المراجعات الفكرية لهذه الجماعات، مع المقاربات الأمنية التي تتبناها الدول والحكومات.
إن مجابهة الجماعات الإرهابية، والتى بلا شك تقوض دعائم الأمن والإستقرار فى المنطقة العربية منذ عقود، تتطلب الاستناد إلى مقاربات علمية وعملية، تشتبك مع فكر هذه الجماعات، مع اتخاذ خطوات فاعلة في المواجهة الأمنية على الأرض، الأمر الذي يتطلب تفاعل الأدوار الحكومية والدينية والمجتمعية.
وختاما، فإن المؤسسات الدينية المعنية بالخطاب الدينى، بحاجة إلى أن تعكف على ما تحويه كتب التراث من أفكار تتناقض مع صحيح الإسلام، وتعمل على تنقيح تلك الكتب، وفصل الغث عن الثمين، وإخراج ما يمكن أن يقوم المسارات الفكرية الخاطئة لدى تلك الجماعات، والعمل على تقديم فقه أكثر تسامحا ومعايشة مع الآخر، لإنقاذ أجيال جديدة من الوقوع فى براثن الأفكار المتطرفة.