انعكاسات أزمة الأعلاف العالمية على الإنتاج الداجنى فى مصر

تشهد اقتصادات العالم العديد من الانعكاسات السلبية نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، والتى كانت أبرزها وأكثرها شراسة مشكلات توفير المحاصيل الاستراتيجية الهامة مثل القمح والحبوب والأعلاف والزيوت، حيث برزت تلك الأزمة واضحة فى العديد من الدول العربية والأفريقية التى تعتمد بشكل كبير على استيراد تلك المحاصيل.

وعلى الرغم من كفاءة الإنتاج الداجنى فى مصر، إلا أنه قد ظهر مؤخرا صعوبة الحصول على الأعلاف، مما اضطر بعض المنتجين إلى التخلص من مزارعهم بشكل أثار المخاوف الاقتصادية بشأن مدى استمرارية تلك الأزمة وسبل مواجهتها.

تأسيساً على ما سبق، نستعرض في هذا التحليل الوضع العالمي فى إنتاج الحبوب والأعلاف فى ظل الحرب الروسية الأوكرانية، بالتركيز على صناعة الدواجن فى مصر، مع عرض وتحليل الحلول المطروحة فى الوقت الراهن للخروج من الأزمة بأقل خسائر ممكنة.

أزمة عالمية:

يعتبر كل من روسيا وأوكرانيا من بين أهم وأكبر منتجي السلع الزراعية في العالم. حيث يعد كلا البلدين مصدرين صافين لأهم المحاصيل الاستراتيجية، وكلاهما يلعب دور العرض الرئيسي في الأسواق العالمية للمواد الغذائية والأسمدة. وقد أدى هذا التركيز إلى تعريض الأسواق العالمية، خاصة أسواق الدول النامية لاحتمالات الصدمات والتقلبات المباشرة. ففي عام 2021، تم تصنيف روسيا وأوكرانيا ضمن أكبر ثلاث مصدرين عالميين للقمح والذرة والشعير والذرة وبذور عباد الشمس، حيث شكلت الدولتين مجتمعتين في المتوسط 18 % من الناتج العالمي لهذه المحاصيل بين الفترة  2016/2017 و 2020/21، وهو ما يوضح الدور القوى الذي تلعبه روسيا وأوكرانيا في التجارة الدولية للسلع الزراعية.

شكل رقم (1) نصيب روسيا وأوكرانيا من الإنتاج العالمي لأهم الحبوب والزيوت لعام 2021              

ومع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، ارتفعت بشدة تكاليف مدخلات الإنتاج، ومنها المدخلات لإنتاج الدواجن مع كون العلف هو المكون الأكبر. حيث ارتفعت الأسعار العالمية للأعلاف بنسبة 50٪ تقريبًا خلال النصف الأول من عام 2022. وهذه الزيادة تعود لعاملين رئيسيين، الأول: هو وجود اختناقات فى حركة الشحن والتجارة العالمية وسلاسل الإمداد، الأمر الذى أثر بدوره على عملية شحن الخامات، وبخاصة الذرة الصفراء والصويا، التى يتم استيرادها من الخارج مثل أمريكا والأرجنتين والبرازيل وأوكرانيا. هذه الأزمة دفعت إلى تأخر وصول الشحنات المطلوبة لأكثر من شهرين، وبالتالي تراجع إنتاج العلف فى المصانع خاصة مع اعتبار أن الذرة تمثل 70 % الخامات الأولية المكونة للعلف. وثانيهما: توجه الأسعار العالمية للحبوب والزيوت بشكل عام نحو الارتفاع، كما هو موضح فى الشكل رقم (2)، وحتى قبل بدء هذه الحرب، كان من المتوقع حدوث تضخم في أسعار الغذاء بنسبة 4-5٪ بحلول منتصف عام 2022. ولكن تزايدت تلك التوقعات بكثير لتصل إلى نسب ارتفاع تتجاوز 10-15٪  أكثر مما كانت عليه.

شكل رقم (2) مؤشرات الأسعار العالمية للحبوب خلال الفترة (2011-2022)

الأعلاف وصناعة الدواجن فى مصر:

ظهرت في الآونة الأخيرة ظاهرة لجوء بعض مربي الدواجن لإعدام صغارها، هذا بالإضافة إلى توقف عدد من مزارع الدواجن عن العمل بسبب عدم توافر الأعلاف اللازمة للإنتاج الداجي، الذى تراجعت كمياته بنسبة تصل إلى حوالي 50% بسبب ارتفاع أسعاره عالميا منذ الأزمة الروسية الأوكرانية نتيجة القيود على الاستيراد، ووجود سوق سوداء ترفع من قيمة العلف، وشح المعروض منه، حيث زاد سعر الذرة إلى أكثر من 11 ألف جنيه للطن، وتراوح سعر الصويا بين 25 إلى 27 ألف جنيه  للطن. هذا فى ظل استيراد مصر نحو 75% من الأعلاف والمواد الخام لصناعة الدواجن مقابل نحو 25% فقط من الإنتاج المحلي، وتمثل الأعلاف نسبة 70% من مستلزمات الإنتاج الداجني فى مصر، وتحتاج مصر سنويا 7 ملايين طن ذرة و 2.5 طن فول صويا، وهما أهم مصدر للبروتين الذي يستخدم لتغذية الدواجن والحيوانات، وأنه فى حالة صعوبة توافرها بكميات مناسبة، يؤثر ذلك بالسلب على صناعة وتربية الدواجن؛ وبالتالي تلبية الاحتياجات المحلية.

وتجدر الإشارة هنا، أنه لا تأثير لإعدام بعض المربين للكتاكيت على توافر الإنتاج الداجي في الأسواق، حيث تم إعدام جزء صغير جدًا مقارنة بحجم الإنتاج الداجنى ككل، الذي يصل إلى 4.2 مليون دجاجة يوميًا، كما يبلغ حجم إنتاج القطاع التجاري من الدواجن في مصر حوالي 1.4 مليار طائر، بينما ينتج القطاع الريفي حوالي 320 مليون دجاجة، ويبلغ حجم الاستثمارات في صناعة الدواجن في مصر حوالي 100 مليار جنيه، كما توظف صناعة الدواجن في مصر نحو 3 مليون عامل، حيث يبلغ إجمالي عدد المنشآت الداجنة في مصر حوالي 38 ألف منشأة تشمل: (مزارع – مصانع أعلاف – مجازر – منافذ بيع أدوية بيطرية ولقاحات).

تأسيساً على ما سبق، وفي ظل حرص الحكومة المصرية على تعزيز الأمن الغذائي للمصريين، خاصة من البروتين، تحركت بطرق متنوعة لإنقاذ القطاع الداجنى بشكل مؤقت من خلال سرعة الإفراج الجمركي عن الأعلاف مثل الصويا، حيث جري الإفراج عن شحنات فول صويا تزن 60 ألف طن، بقيمة إجمالية وصلت إلى 41 مليون دولار، كما جرى الإفراج عن شحنة أخرى من فول الصويا تزن 62 ألف طن قيمتها الإجمالية تبلغ 44 مليون دولار. ومن ضمن الخطوات التى أخذتها الحكومة لدعم صناعة الدواجن، تم إعفاء الإضافات الخاصة بالأعلاف من القيمة المضافة، ودعم صغار المربين والعمل على حمايتهم.

ولكن رغم الإجراءات السابقة السريعة التي اتخذتها الحكومة المصرية، إلا أن ما زال هناك تخوف من كيفية الحفاظ على تأمين احتياجات الإنتاج الداجنى من الأعلاف خلال الفترة القادمة الممتدة لشهور أخرى، خاصة وأن أسعار علف الصويا سجلت تراجعًا بعد الإعلان عن هذا الإفراج، بقيمة تتراوح ما بين 4 – 5 آلاف جنيه لطن الصويا، وسجل سعر الطن 21 ألف جنيه بدلًا من 26 ألف جنيه للطن.

حلول على الطاولة:

أبرزت أزمة توفير العلف الداجنى الحاجة الضرورية إلى وضع سياسات اقتصادية تعمل على توفير جزء كبير من تلك الأعلاف عن طريق الإنتاج المحلى، منها على سبيل المثال، ضرورة وضع خطط طويلة المدى؛ من خلال زيادة المساحات المنزرعة من الفول الصويا والذرة  باتباع نظام الزراعات التعاقدية فى المحاصيل الاستراتيجية كأحد أهم الإجراءات الاستباقية من أجل توفير الخامات لمصانع الأعلاف، والتي من أهمها الذرة والفول الصويا ودوار الشمس، خاصة محصول فول الصويا الذي يدخل في صناعة الأعلاف.

ورغم أهمية هذا الاقتراح وضرورته، إلا أن ذلك يحتاج إلى ما لا يقل عن مساحة قدرها 2 مليون فدان، وإذا تم توفير المساحات التي سيتم زراعتها، يجب أن ندرك أن تحقيق الاكتفاء الذاتى من العلف الداجنى بحاجة إلى ما لا يقل عن عام إلى عامين؛ وبالتالي إذا زادت المساحة المنزرعة في العام القادم سيصل الاكتفاء الذاتي إلى 50 %؛ وإذا استمرت زيادة المساحة ستزداد الوفرة إلى 80 % ولكن ذلك على المدى البعيد.

إضافة إلى ما سبق، تجدر الإشارة إلى أن هناك العديد من الدراسات، تؤيد زراعة الأعلاف فى دولة السودان الشقيقة، التي تمتلك موارد عديدة من أراضٍ ومياه كافية لزراعة محاصيل الأعلاف أسوة ببعض الشركات الخليجية التى تزرع أيضا فى السودان. كما ظهرت حلول أخرى تتعلق بتطبيق آلية التبادل السلعى بين الدول، حيث يمكن لمصر تصدير الأغذية أو الحاصلات والصناعات المختلفة لبعض الدول، مقابل حصولها على الأعلاف دون الاعتماد على الدولار. كما تحتاج مصر إلى إعادة مراجعة مهام الرقابة على حركة الأسواق والحلقات الوسيطة كحلول أساسية لضبط أسعار العلف.

هذا بالإضافة إلى ضرورة إنشاء أليه للاستفادة من صناعة الدواجن في مصر لتوجيهه إلى التصدير لتحقيق عائد من العملات الصعبة يتم الاستفادة منه في تمويل شراء مستلزمات الأعلاف اللازمة للإنتاج المحلي التي تشكل 70% من احتياجات الصناعة، خاصة وأن مصر لديها مقومات ضخمة فى صناعة الدواجن تسمح لها بأن تتحول لصناعة تخدم التصدير.

وتأسيسا على ما سبق، يجب أن ندرك أن الدولة تتحرك بقوة لتخفيف حدة التداعيات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية، خاصة على مجال إنتاج الغذاء، وأن إعادة معالجة الاختلالات التى تكمن ببعض القطاعات الاقتصادية فى مصر مثل إنتاج الحبوب والقمح والأعلاف يصعب حلها فى يوم وليلة، فالأمر بحاجة إلى سياسيات وخطط للتنفيذ قد تمتد لأعوام قليلة، لذا يصبح الدور الأسرع للدولة فى الوقت الراهن محاولة خلق البدائل وفقا لأولويات تسير فى رحابها في استخدام الحصيلة الدولارية بشكل صحيح وفى مجالات هامة واستراتيجية، خاصة وأن صناعة الدواجن لها خصوصية تتعلق بالأمن الغذائي، الأمر الذي يتطلب أن تكون لهذه الصناعة أولوية في الوقت الراهن وفي المستقبل.

 

 

 

 

د.جيهان عبد السلام

رئيس وحدة دراسات مصر -أستاذ مساعد الاقتصاد بجامعة القاهرة. -حاصلة على دكتوراه الاقتصاد بكلية الدراسات الأفريقية العليا. -عضو هيئة تحكيم البحوث الاقتصادية لدى المركز الجامعي لترامنست. -عضو هيئة تحكيم لدى كلية الاقتصاد والإدارة وعلوم التيسير. -عضو هيئة تحكيم لدى جامعة الشهيد لخضر. -خبير اقتصادي وكاتبة في العديد من المجلات العلمية ومراكز الدراسات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى