هل ينهار التحالف السعودى-الأمريكي؟

لا تزال تداعيات قرار تحالف أوبك بلس خفض إنتاج النفط ماثلة في المشهد السياسي الأمريكي وأوساط الحزب الديمقراطي على وجه التحديد الذي يتهم بعض من قادته المملكة بالتحالف مع روسيا في مواجهة الحليف التقليدي ويعتبر القرار سلوكًا عدائيًا سعوديًا يستدعي وقف التعاون العسكري وإلغاء صفقات التسليح مع الرياض، فيما يواجه الديمقراطيون انتخابات نصفية مصيرية في نوفمبر المقبل.
تأسيسًا على ماسبق؛ يفند التحليل التالي “التصعيد الديمقراطي” تجاه المملكة من منظور المصالح المشتركة مع الولايات المتحدة وروسيا.
العلاقات مع روسيا:
على الرغم من العلاقات الطيبة بين قيادتي البلدين، إلا أن علاقات الرياض وموسكو لا ترقى إلى مستوى التحالف الاستراتيجي، ويمكن الوقوف على حدود التعاون السعودي الروسي من خلال النقاط التالية:
(*) العلاقات السياسية: على الرغم من تزايد الاهتمام الروسي بمنطقة الخليج عامة والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات على وجه التحديد، إلا أن دول المنطقة لم ترى في موسكو شريكًا أمنيًا وسياسيًا موثوقًا بالقدر الذي يغني عن دور واشنطن أو يمثل بالحد الأدنى مكافئًا له، إذ لم تتجاوب الدول الخليجية مع المبادرة الروسية لتشكيل منظمة للأمن الجماعي في الخليج تضم إيران.
كما أن العلاقات الروسية الإيرانية المتنامية وتواصل موسكو مع التنظيمات الموالية لطهران في المنطقة وعلى رأسها الحوثيين، تعد سلاحًا ذو حدين للمملكة، فمن جهة قد يعزز ذلك من كبح السلوك العدائي لإيران والمساعدة في دعم حلحلة الأزمة اليمنية، لكن التعاون الأمني من جهة أخرى ودعم إيران المجهود الحربي الروسي في أوكرانيا بمسيراتها المفخخة قد يدفع البلدين إلى تحالف أعمق في مواجهة محاولات فرض العزلة الدولية.
وفي المجمل، فإن إبقاء قنوات اتصال قوية وآمنة مع روسيا يجنب العالم اصطفافًا جديدًا على غرار الحرب الباردة ينذر باندلاع دوامة جديدة من العنف في العديد من بؤر التوتر وأهمها الحافة الجنوبية لشبه الجزيرة العربية في اليمن والتي تطل على مضيق باب المندب.
وفي ذلك تجدر الإشارة إلى تحرك سعودي إماراتي تجاه روسيا في الآونة الأخيرة سعى لترسيخ سياسة متوازنة تضمن حماية مصالح البلدين وتعزيز دورهما على الساحة الدولية، في ظل تصاعد المخاوف الدولية من خطر اندلاع أزمة نووية جراء الحرب في أوكرانيا.تمثلت في وساطة الأمير محمد بن سلمان للإفراج عن أسرى غربيين، ولقاء الشيخ محمد بن زايد مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سانت بطرسبورج لفتح أفق سلام وخفض التصعيد وإتاحة الفرصة أمام تسوية سلمية للأزمة تحقق الأمن والسلام العالمي.
(*) التعاون النفطي: مدفوعة بارتفاع أسعار النفط في الداخل ومواجهة تنامي علاقات دول المنطقة مع خصومها الاستراتيجيين، أعاد الرئيس الأمريكي جو بايدن الانخراط في منطقة الشرق الأوسط للحفاظ على مكتسبات بلاده وتأكيد حضورها كقطب أوحد وفرض عزلة دولية على روسيا على وقع الحرب في أوكرانيا، لكن تناقض خطاب الإدارة الديمقراطية بين المصالح والقيم لم ينجح في تسويق الالتزام الأمريكي بأمن منطقة الخليج والمملكة العربية السعودية.
وبخلاف المقاربة القيمية، عززت الولايات المتحدة من أولوية معاقبة روسيا وحرمانها من إيرادات النفط والغاز بالتعاون مع الحلفاء الغربيين كأبرز عملاء الخام الروسي، ولجأت للمملكة التي تقود منظمة أوبك للمساهمة في خطة العقوبات عبر زيادة الإنتاج لكن التحركات الأمريكية لم تجد صدً سعوديًا، مع مساعي الرياض لتجنب تسييس النفط كسلعة استراتيجية يرتكز عليها نمو الاقتصاد العالمي.
كما أن اعتماد المملكة العربية السعودية على النفط كمورد رئيسي للدخل القومي فرض حيزا من التفاهم مع روسيا تحت مظلة تحالف (أوبك+) الذي تم تدشينه في نوفمبر 2016 للحفاظ على استقرار أسواق الطاقة والاستفادة من ارتفاع الأسعار بمستويات معقولة.
العلاقات مع أمريكا:
افتقدت العلاقات السعودية الأمريكية حيويتها في الآونة الأخيرة، لأسباب تتعلق بنظرة البلدين لأولويات وأجندة التحالف بينهما، وشهدت على مدار الأعوام الماضية صعودًا وهبوطًا مع اختلاف الإدارات الأمريكية، بينما حظيت إدارة جو بايدن بالإسهام الأكبر في تراجع الثقة بين البلدين.
(*) سياسات الطاقة: خلال قمة جدة في 16 يوليو الماضي بحضور قادة مجلس التعاون ومصر والأردن والعراق والولايات المتحدة، جدد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عزم المملكة زيادة “طاقتها الإنتاجية” لمستوى 13 مليون برميل، وهو الالتزام الذي قطعه وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان في مايو الماضي واضعًا مدى زمني لتحقيق تلك القدرة الإنتاجية بحلول 2027، وليس الإنتاج الفعلي.
وفي مطلع أغسطس أقر تحالف أوبك بلس زيادة طفيفة في الإنتاج لشهر سبتمبر بمقدار 100 ألف برميل يوميًا، سرعان ما أعاد خفضها في الشهر التالي على وقع مخاوف الركود الاقتصادي العالمي وانخفاض الطلب العالمي على النفط، قبل أن يعلن التحالف في 5 أكتوبر الماضي
تصريحات المسئولين السعوديين قبيل قرار تخفيض الإنتاج في 5 أكتوبر 2022، أشارت إلى عدم وجود طاقة فائضة لدول تحالف أوبك بلس مما سيؤثر على حركة الاقتصاد العالمي في حال كان المعروض غير مكافئًا لحجم الطلب، وفي ذلك يبرز خلافًا رئيسيًا بين الولايات المتحدة والمملكة في توقعات استهلاك النفط يمتد إلى مصالح كلا البلدين.
وعبر عن هذا التوجه موقف ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال قمة جدة، إذ انتقد سياسة الولايات المتحدة “غير الواقعية” في شأن إنتاج النفط ووقف استثمارات الشركات الأمريكية والغربية في القطاع، وتوقعات تراجع الطلب العالمي بداية من 2034 مع دخول البدائل المتجددة وصولًا إلى التخلص التام من السلعة الاستراتيجية بحلول 2050.
بينما ترى المملكة أن الطلب على النفط سيتزايد خلال الأعوام القادمة باعتباره عصب الاقتصاد العالمي، وفي محاولة لتقليل الآثار البيئية الضارة، تبنت القيادة السعودية الاقتصاد الدائري للكربون للحد من الانبعاثات وإعادة تدوير الكربون وإزالته من البيئة.
وبالعودة لسياسات الإنتاج وردود الفعل الغاضبة في أوساط الحزب الديمقراطي على قرار أوبك بلس الأخير، أكد رد الخارجية السعودية ما ذهبت إليه الصحف الأمريكية أن قرار التخفيض كان محل نقاش بين الجانبين خلال لقاء ولي العهد في 23 سبتمبر 2022 مع وفد أمريكي يترأسه مبعوث الطاقة آموس هوكشتاين ومنسق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي الأمريكي، حيث طلبت واشنطن تأجيل القرار لمدة شهر أي عقب الانتخابات النصفية وهو ما قال البيان إنه سيصاحب بتأثيرات اقتصادية سلبية.
(*) قضايا المنطقة: كانت التحديات الضخمة في منطقة الشرق الأوسط جراء احتجاجات 2011 في عدد من البلدان العربية المجاورة وما تلاها من توقيع خطة العمل المشتركة الشاملة المعروفة بالاتفاق النووي الإيراني، شاهدا على تباعد المواقف والرؤى بين دول الخليج في مجملها والولايات المتحدة.
وباتت رسائل واشنطن بشأن أوضاع المنطقة محل انتقاد منذ اندلاع أعمال شغب في البحرين، ومواقف إدارة بايدن من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مؤخرا، ويتضح ذلك من رفض الجانب الخليجي التدخل في شئونه من قبل الساسة الأمريكيين، وهو ما عبر عنه صراحة الأمير محمد بن سلمان في كلمته أمام قمة جدة.
وإجمالًا؛ تعارض المملكة نهج الولايات المتحدة في نمط فرض العقوبات ورؤية الإدارة الحالية للعالم من منظورها القيمي الغربي وسلوكها الساعي لتقويض الخصوم ومن بينهم في الشأن النفطي تحالف أوبك بلس، ولأجل ذلك تعارض الرياض رغبة واشنطن في فك الارتباط نفطيًا مع موسكو.
ومع استمرار ردود الفعل الأمريكية على قرار التحالف واتهام المملكة بـ”تحريف الحقائق” والضغط على بعض الدول لفرض القرار بمزاعم التسييس و”دعم الحرب في أوكرانيا”، لا يسعى البلدان إلى امتداده للملف الأمني، إذ تقتضي المصالح الاستراتيجية الأمريكية الحفاظ على التحالف الأمني مع الرياض.
وعلى الرغم من عدم تلاقي مصالح المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية في شئون الطاقة، لكن وجود القوات الأمريكية في المنطقة ودورها في تأمين إمدادات النفط الخليجي والسعودي المتجهة إلى آسيا يمنحها نفوذًا مهمًا على الصين، الخصم الرئيسي لواشنطن.