الشمول المالي: ما هي فرص “حياة كريمة” فى استراتيجية البنك الزراعى؟

لم يكن البنك الزراعي المصرى فى معزل عن الجهود الكبيرة التى تبذلها الدولة لتحقيق إستراتيجية التنمية المستديمة “رؤية مصر ٢٠٣٠”، التى يتبناها الرئيس عبد الفتاح السيسى، وأُفردت لها مساحة كبيرة من برامجها وأهدافها لدعم وتنمية القطاع الزراعي، بهدف تحقيق نهضة زراعية حقيقية وشاملة، وتعظيم الاستفادة من القطاع الزراعي لدعم الاقتصاد القومي، وسد الفجوة الغذائية لتحقيق الأمن الغذائي.

ونظراً للدور الوطني، الذى يقوم به البنك الزراعي المصري فى تحقيق التنمية الزراعية والريفية بكل عناصرها، أعلنت قيادات البنك الزراعي المصري خطة شاملة للتطوير وإعادة الهيكلة، فالبنك يعمل دائماً من أجل خدمة المزارع والمجتمع الريفي عن طريق النزول الميداني للتفاعل مع هموم الفلاحين وإزالة العوائق التى تواجههم أو تحديات تحول دون حصولهم على التمويلات اللازمة لتنمية مشروعاتهم.

لقد ظهر البنك الزراعي خلال الفترة الأخيرة فى العديد من اللقاءات والمؤتمرات، التى تكشف عن وقوفه داعماً سياسات التنمية الريفية، وتحقيق أحلام الفلاحين وطموحاتهم، رغبة منه فى الوصول لمستقبل أفضل تنعكس آثاره على تنمية القطاع الزراعي بشكل عام والاقتصاد المصرى ككل. وانطلاقاً مما تقدم، يهدف هذا التحليل إلى إلقاء الضوء على تداعيات الفعاليات التي نظمها البنك الزراعي أو التي شارك فيها، انتهاءاً بمؤتمر البنك فى محافظة القليوبية (المؤتمر الجماهيري للشمول المالي بقرى حياة كريمة ضمن فعاليات تحدى تجديف نهر النيل)،وذلك من أجل توضيح دور البنك التنموي فى الأماكن الريفية، وكيفية مشاركته بدور فعال فى مبادرة حياة كريمة.

انطلاقاً من “مؤتمر” بنها:

فى الـ 13 من أكتوبر الجاري عقد البنك الزراعي المصري البنك الزراعي المصري برئاسة المصرفي علاء فاروق، وبحضور محافظ القليوبية اللواء عبد الحميد الهجان، احتفالية بمدينة بنها، كان الهدف منها استقبال أبطال تحدى تجديف نهر النيل. قراءة وقائع الاحتفال، تشير إلى أن البنك الزراعي يستخدم مثل هذه الاحتفالات ليس من أجل الرفاهية، بل الاشتباك مع واقع سكان المناطق الريفية وغيرهم، حيث تلاحظ أن فعاليات “مؤتمر بنها” انتهت إلى بحث سبل تعزيز التعاون المشترك بين المحافظة والبنك؛ لتحقيق التنمية الزراعية ومساندة جهود الدولة لتعظيم الاستفادة من القطاع الزراعي وإسهامه في الاقتصاد القومي، فقد حمل هذا المؤتمر العديد من الرؤى وتحقيق الآمال للريف المصري، كان أهمها:

(*) الاشتباك الفعال مع مختلف مؤسسات الدولة في دعم مشروع “حياة كريمة”: قراءة ومتابعة الصفحة الرسمية للبنك الزراعي المصري خلال عام، بالإضافة تحليل تعليقات ورد فعل المواطنين على ما ينشر من مبادرات “البنك” سواء على موقعه الرسمي أو في وسائل الإعلام المتنوعة- كشف قيام “البنك” بالتعاون مع كافة مؤسسات الدولة في تحقيق الأهداف والمبادئ الأساسية للمبادرة الرئاسية “حياة كريمة “، خاصة ما يتعلق بدعم جهود الدولة للارتقاء بالمستوى الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، حيث يقوم “البنك” بتحقيق أهداف مبادرة حياة كريمة باعتبارها محور رئيسي فى استراتيجيته منذ إعلانها من قبل مؤسسة الرئاسة. فالبنك، يقوم بإتاحة حزمة متكاملة من الفرص التمويلية لتحفيز وتشجيع سكان الريف على العمل والإنتاج من خلال إطلاق مشروعات متناهية الصغ، وإقامة أنشطة إنتاجية صغيرة تهدف إلى توفير فرص عمل حقيقية، تُمكين المرأة والشباب، وتوفير لأسرهم وغيرهم مصدر دخل يسهم فى تحسين جودة المعيشة.

(*) اتباع سياسية الانتقال المباشر للجماهير بهدف تقليل المدة الزمنية في تفعيل دورة بـ “حياة كريمة”: تشير فعاليات مؤتمر بنها، وغيرها من الفعاليات بمختلف محافظات الجمهورية، إلى اتباع البنك الزراعي المصري سياسة مغايرة لغيره من المؤسسات الفاعلة في مبادرة “حياة كريمة”. فالواضح أن “البنك” يتبع سياسة الانتقال والاحتكاك المباشر مع المستهدفين من برنامج ” حياة كريمة”، وفى إطار ذلك حرص “البنك” على النزول الميداني للمواطنين، فقد جاءت استراتيجية البنك على تدعيم تنظيم مؤتمرات ولقاءات جماهيرية وقوافل توعوية تجوب كافة قرى “حياة كريمة للتوعية بالخدمات المصرفية والتمويلية، التى يقدمها البنك لسكان الريف، وتحفيزهم للتعامل مع القطاع المصرفي الرسمي لتحقيق الشمول المالى لأهميته فى تحسين معدلات النمو الاقتصادي، وزيادة الوعي المالي للمرأة والشباب، وتمكين كافة فئات المجتمع من إدارة أموالهم ومدخراتهم بشكل أمن.

(*) استهداف استراتيجية تتضمن تفعيل الهدف الشامل- أي تحقيق ثلاثة أهدف في مرة واحدة، هم “توثيق الدور”، و” تنويع الخدمات المصرية المقدمة للريفيين”، و” تشجيع رواد الأعمال”: حيث يأتي افتتاح البنك لمركز خدمات تطوير الأعمال بمدينة بنها، ضمن مبادرة رواد النيل التي أطلقها البنك المركزي المصري لدعم ريادة الأعمال، بمثابة توثيق للدور الفعال الذي يقوم به البنك في إطار حرصه على تنويع خدماته المصرفية والتمويلية للمشروعات الناشئة والصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى تشجيع لـ رواد الأعمال على إطلاق مشروعاتهم، خاصة في مجالات التصنيع والزراعة والتحول الرقمي.

(*) توفير التسهيلات اللوجستية ودعم الشمول المالي بطريقة مباشرة مع المواطنين: حيث يقوم البنك الزراعي المصري بدعم المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر من خلال توفير كل التسهيلات لإنجاحها وفوائد قليلة لتشجيع تلك المشروعات، بالإضافة إلى دوره فى دعم الشمول المالى من خلال الفعاليات واللقاءات التثقيفية التى يقوم بها فى القرى لتوعية المرأة بشكل خاص بأهمية الشمول المالى.

تأسيسا على ما سبق، ومن خلال قراءة وتحليل القرارات التى جاء بها مؤتمر الجماهيري للشمول المالي بقرى حياة كريمة بمحافظة القليوبية، يتضح حرص البنك الزراعي، ودعمه للمشاركة المجتمعية، وتقديمه التسهيلات الائتمانية للفلاحين، بالإضافة إلى اهتمامه الواسع بالمبادرات التى تهدف لخدمة المواطنين، حيث يقوم البنك بتكثيف جهوده وإعادة هيكلة إستراتيجيته لتتأقلم مع دوره الرامى إلى تعزيز التنمية الريفية.

دور البنك فى التنمية الريفية:

استكمالا لما سبق، ومن خلال تتبع حركة البنك الزراعي في محافظات مصر خلال العام المنتهي، تلاحظ تنامى دوره في دفع حجم الأعمال، والتوسع في منح التمويلات للأنشطة الإنتاجية، ومساعدة الفلاحين وتشجيعهم على العمل وتعزيز قدراتهم الإنتاجية، وإزالة أي تحديات قد تواجههم، بهدف زيادة دخل الفلاح وأرباحه لتحسين مستوى معيشته، والمساهمة في توفير سبل الحياة الكريمة له ولأسرته، وتحقيق التنمية الريفية الشاملة، تنفيذًا لأهداف المبادرة الرئاسية “حياة كريمة”.

كما تجدر الملاحظة هنا أن البنك أطلق مبادرة تاريخية لتسوية ديون ٣٢٨ ألف عميل، أغلبهم من صغار المزارعين، بقيمة 6.3 مليار جنيه، لتحفيزهم على العودة مجددا للإنتاج والتعامل مع البنك، والحصول على القروض والسلف الزراعية. وفقاً للمراقبين، يمكن القول إن البنك الزراعي، كان هدفه من هذه المبادرة التي لحقتها سياسات ائتمانية جادة أقرها مجلس إدارة البنك- إلى تذليل العقبات أمام المزارعين والمنتجين، والحصول على التمويلات اللازمة لمساعدتهم على الإنتاج، بالإضافة إلى زيادة الفئات التسليفية للمحاصيل الزراعية، لتتناسب مع ارتفاع تكاليف الزراعة ومستلزمات الإنتاج، فضلاً عن توفير العديد من البرامج التمويلية المتنوعة، التي تلبى جميع احتياجات المزارعين والمنتجين.

 وبالتالي، قد تكون أهم نتائج التسهيلات الائتمانية التي قدمها “البنك” لتنمية الريف المصرى والإنتاج الزراعى، تتمثل في تحقيق طفرة قوية فى حجم التمويلات، فقد بلغت إجمالي المحفظة الائتمانية للبنك نحو 60.204 مليار جنيه بنهاية أغسطس 2022، حيث بلغ إجمالي التمويلات الممنوحة للقطاع الزراعي والأنشطة المرتبطة به نحو 43.535 مليار جنيه بنسبة 72% من حجم المحفظة، من بينها 7.752 مليار جنيه لتمويل خدمة المحاصيل الزراعية استفاد منها 218.397 مزارع لزراعة نحو 969.012 فدان.

شكل رقم (1) يوضح حجم تمويل البنك الزراعي للقطاع الزراعي

المصدر: الشكل من إعداد الباحثة بالاعتماد على البيانات المنشورة في دراسات سابقة

قراءة وتحليل الأرقام التي يعرضها الشكل السابق، تشير إلى توسع البنك الزراعي فى حجم الائتمان الممنوح لتدعيم الإنتاج الحيواني، حيث بلغ حجم تمويل الإنتاج الحيواني نحو 16.082 مليار جنيه استفاد منها نحو 176.041 عميل لتربية نحو 633.680 رأس ماشية، فيما بلغ حجم التمويل الموجه لتمويل أنشطة التصنيع الزراعي والأنشطة الخدمية المرتبطة بالزراعة نحو 18.353 مليار جنيه.

ووفقا للشكل رقم (1) وبقراءة الشكل رقم (2) يتضح أيضاً توسع البنك فى العديد من المشروعات القومية، بهدف زيادة الإنتاج الحيواني من اللحوم والألبان ومنتجاتها، بالإضافة لتحقيق الأمن الغذائي، منها المشروع القومي للبتلو، ومشروع تحسين سلالات الأبقار والمشروعات الخاصة بسلاسل القيمة، مثل إنشاء وتطوير مراكز تجميع الألبان، والعمل على التوسع في تمويل تلك المشروعات وفق مبادرات التمويل الميسر 5% التي يتيحها البنك لدعم صغار المربين والمنتجين وتحفيزهم على الإنتاج. وبالتالي يكون أهم ما يمكن ملاحظته من الشكل رقم (2)، هو أن حجم تمويل المشروع القومى للبتلو بلغ حوالى 7 مليارات جنيه، بينما وصل حجم تمويل مشروع مراكز الألبان حوالى 388 مليون جنيه، وهو ما يعني أن البنك الزراعي المصري يلعب دور كبيرة في تعزيز الأمن الغذائي المصري من خلال إحياء دور المناطق الريفية.

شكل رقم (2) يوضح حجم تمويل البنك الزراعي لدعم الثروة الحيوانية

المصدر: الشكل من إعداد الباحثة بالاعتماد على البيانات المنشورة في دراسات سابقة

انعكاسات ايجابية:

تأسيسا على ما سبق، ومن خلال رصد المبادرات التي اشبك فيها البنك الزراعي، وقراءة تأثيرات سياسات المؤتمرات واللقاءات المباشرة مع المواطنين التي يتبعها البنك في تعزيز دوره في دعم مبادرة “حياة كريمة” وغيرها، منذ انطلاقها انتهاءاً بالمؤتمر الجماهيري للشمول المالي بقرى حياة كريمة بمحافظة القليوبية المنتهية فعالياته في الـ 13 من أكتوبر الجاري، يمكن رصد مجموعة من المساهمات الايجابية لهذه السياسة المتبعة من قبل البنك، هي كالتالي:

(&) السياسة الاستباقية في الاستهداف: فقد كثف البنك الزراعي المصري من جهوده لإنجاز عدة مشروعات في محافظات البحيرة والدقهلية وأسوان وبورسعيد، تستهدف جميعها توفير الدعم والتمويل اللازم لمشروعات يستفيد منها صغار المزارعين والمربين والمرأة الريفية، وذلك لتشجيعهم على العمل والإنتاج، ومساعدتهم على توفير مصدر دخل يوفر لهم ولأسرهم حياة كريمة وخلق مجتمعات منتجة في قرى الري.

(&) توسيع مصادرة في دعم القطاع الزراعي والريفيين: لقد افتتح البنك أحدث فروع الشركة المصرية للتنمية الزراعية والريفية بكوم أمبو بمحافظة أسوان، لينضم لقائمة المنافذ التسويقية للشركة، التي تمثل أحد أدوات البنك في تقديم الدعم للقطاع الزراعي، وصغار المزارعين من خلال إتاحة وتوفير مستلزمات ومدخلات الإنتاج من المبيدات والأسمدة المدعمة وغير المدعمة.

(&) مسايرة عملية التطوير داخل قري “حياة كريمة” من خلال تجديد فروعه: لقد افتتح البنك الزراعي فى محافظة أسوان ثلاثة فروع جديدة بعد تطويرها داخل قرى حياة كريمة فى المنشية الجديدة، وإقليت بمركز كوم أمبو،  بجانب فرع البصيلية التابع لمركز إدفو. وهنا تجدر الإشارة أن فرع المنشية تم إقامته على مساحة 180 م2، وتكلفت أعمال تجهيزه بلغت نحو 4 ملايين جنيه، وهو يقدم كافة الخدمات والأعمال المصرفية من قروض زراعية وثروة حيوانية وودائع وتحويلاتكما تم تزويده بماكينة صرف آلي تحقيقاً لبرنامج الشمول المالى والتحول الرقمى والإلكتروني.

كما يقع فرع إقليت على مساحة 450 م2، وتم تجهيزه بتكلفة 6 مليون جنيه، وهو مزود بماكينة صرف آلي، ويقدم كافة الخدمات المصرفية لخدمة أهالي إقليت وكرم الديب والرغامة وأبوير. بينما يقع فرع البصيلية بحري على مساحة 180 م2، وتم تجهيزه بكافة الخدمات المصرفية بتكلفة 4 ملايين جنيه، بجانب تزويده بماكينة الصراف الآلي. الملاحظ أن كافة فروع البنك الزراعي بقرى حياة كريمة تقدم منتج ” باب رزق ” للأسرة المعيلة والشباب بدون مستندات روتينة، حيث يتم ذلك بالبطاقة الشخصية فقط، وبحد أقصى 10 آلاف جنيه مساهمة من البنك فى رفع مستوى المعيشة لهذه الأسر .

(&) توسيع مساحة دعم المشروعات البسيطة للمرأة الريفية: حيث يتيح البنك الزراع، قرض لأي سيدة تعمل من داخل منزلها، وهو يبدأ من 2000 -10 آلاف جنيه، ويستخدم في المشروعات البسيطة، مثل تربية الطيور أو المواشي أو أي حرفة أو تجارة البوص والعلف، وذلك بهدف خلق فرص عمل جديدة للمرأة الريفية. الملاحظ أن الصعيد استحوذ على النسبة الأكبر من القروض المقدمة للسيدات بما يعادل 85%- أي 6430 مواطنا بقرى حياة كريمة بتكلفة تقدر بـ 34 مليون جنيه.

في النهاية يمكن القول، إن ما سبق طرحه يوضح حجم الدور الفعال للبنك الزراعى المصرى فى التنمية الريفية، كذلك حدود دوره فى دعم المبادرة الرئاسية لتطوير القرى “حياة كريمة”، ذلك المشروع القومي لتطوير وتنمية الصعيد وتسوية ديون المزارعين المتعثرين، حيث أصبح البنك يمارس دوره الحقيقي ليصير الملاذ الآمن للمزارعين والمنتجين، وبيت الفلاح الذي يحتوى همومه إذا ما ضاقت به السبل، ويدعمه ويقويه إذا ما أراد أن يطلق عنان طموحه.

 

رضوى محمد سعيد

رئيس برنامج دراسات السياسات العامة، الباحثة حاصلة على بكالوريوس اقتصاد، كلية اقتصاد وعلوم سياسية- جامعة القاهرة، الباحثة مهتمة بتحليل القضايا الاقتصادية الكلية، عملت كباحثة متخصصة في تحليل السياسات العامة المصرية بالعديد من الشركات المتخصصة ومراكز الفكر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى