ماذا بعد فشل تفاهمات تمديد الهدنة في اليمن؟
شهدت الأيام الماضية تحركات أممية ودولية مكثفة؛ لإقناع أطراف الصراع في اليمن بتمديد الهدنة وتوسيعها قبيل انقضاء موعدها في الثاني من أكتوبر 2022؛ غير أن المبعوث الأممي إلى اليمن، “هانز غروندبيرغ”، أعلن بعد انتهاء الهدنة، عن رفض الحوثيون تمديدها لفترة جديدة وفق الشروط المقترحة.
تأسيساً على ما سبق، وفي ظل التخوفات الدائمة من تزايد معدل الانفلات في اليمن، يبقى السؤال، هو: لماذا يرفض الحوثيون تمديد الهدنة؟، وما هي مآلات الرفض أو القبول على مستقبل الصراع في اليمن؟
مقترحات وخلافات:
في إطار المساعي الدولية للوصول إلى تهدئة دائمة في اليمن، اقترح “هانس غروندبرغ”، في إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي في 15 أغسطس 2022، اتفاق هدنة موسّع، اشتمل على: تمديد الهدنة لستة أشهر قادمة، وفتح خطوط جديدة للطيران من مطار صنعاء وفتح ميناء الحديدة وفتح الطرقات في مدينة تعز، والتوافق على قيام الحوثيين بإيداع إيرادات ميناء الحديدة في حساب خاص تحت إشراف الأمم المتحدة؛ يتم من خلاله صرف رواتب الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين، ضمن تفاهمات اتفاق استوكولهم في 13 سبتمبر 2018، على أن تتولى الحكومة الشرعية تغطية العجز في بند الرواتب من الإيرادات في مناطق سيطرتها؛ إلا أن الحوثيين لم ينفذوا تعهداتهم.
وفي اللحظات الأخيرة اصطدمت جهود المبعوث الأممي لتمديد الهدنة باعتراضات الحوثيين على المقترحات المقدمة، مدعين أنها لا تؤسس لعملية سلام وفق تصورهم، وحددوا مطالب أخرى تتضمن؛ صرف المرتبات، وإنهاء الحصار على مطار صنعاء وميناء الحديدة، وتثبيت وقف إطلاق النار، باعتبار مطالبهم تمثل خطوات ضرورية للاستقرار.
وقد أعلن المجلس الرئاسي اليمني رغبته في تمديد الهدنة؛ أملاً في تخفيف المعاناة عن اليمنيين؛ لكنه رفض أن تتحمل الحكومة الشرعية تبعات دفع الرواتب في مناطق الحوثيين بشكل منفرد؛ دون مشاركة الحوثيين، ودون وجود ضمانات تتعلق بفتح الطرقات في مدينة تعز، لا سيما وأن الحوثيين قد اشترطوا في البداية صرف رواتب الموظفين المدنيين من دون ربطها بإيرادات النفط القادم عبر ميناء الحديدة، وبعد موافقة المجلس الرئاسي والتحالف، رفع الحوثيون سقف مطالبهم، وطالبوا بصرف رواتب القوات العسكرية والأمنية التابعة لهم، والمتواجدة في مناطق سيطرتهم.
في الوقت ذاته اشترطت الحكومة اليمنية قبل الإقدام على خطوات جديدة، إنهاء حصار تعز من قبل الحوثيين، باعتبارها من كبرى القضايا الإنسانية، التي يجب التعامل معها وحلها، قبل الانتقال إلى أي ملفات أخرى، وذلك بحسب تصريحات وزير الخارجية اليمني “أحمد عوض بن مبارك”، خلال لقائه مع المبعوث الأميركي في عدن.
وإذا كانت الهدنة خلال فتراتها الثلاث، منذ الأول من أبريل 2022، وحتى الثلاثين من أغسطس الماضي -رغم الخروقات المتكررة-قد ساهمت في خفض التوتر قليلاً، والحد من سقوط المزيد من القتلى والضحايا المدنيين، وأتاحت جزئيا الفرصة أمام التنقل داخل البلاد، وأدت إلى خفض التوترات الإقليمية؛ نتيجة لتوقف الهجمات الحوثية باستخدام الصواريخ والطائرات بدون طيار، باتجاه المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والذي قابله توقف للضربات الجوية التي تقوم بها قوات التحالف، لكنها فشلت في التمهيد لعملية سياسية.
لكن تكمن خطورة تلبية المطالب الحوثية؛ في أنها تساعد في تثبيت الأوضاع على الأرض لصالح الأهداف الحوثية -المرحلية والبعيدة المدى- سواء مساعي ترسيخ مقومات وجودهم وسيطرتهم على العاصمة صنعاء، أو امتلاك المزيد من أوراق الضغط؛ للمساومة بها في أية تسويات سياسية مستقبلية؛ لا سيما وأن الاستجابة للشروط الحوثية، سيدفعهم (الحوثيين)، إلى رفع سقف مطالبهم أكثر، في ضوء التهديد باستئناف الهجمات الصاروخية عبر الحدود، أو باتجاه المنشئات النفطية أو الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، والذي من شأنه إحداث أزمة طاقة إقليمية ودولية.
أما عوامل موافقة أو رفض الحوثيون لأي حوار بشأن الهدنة؛ تربط بموافقة إيران، والتي تدعمهم بأشكال متعددة؛ لذلك لا يمكن فهم التوافق أو الرفض الحوثي على تمديد التهدئة بعيداً عن التأثير الإيراني، في ضوء العديد من المؤشرات التي تعكس هذا الارتباط، منها: توظيف طهران للورقة الحوثية في الملفات الإقليمية، حيث يخوض الحوثيون معارك مع خصوم إيران نيابة عنها، في الوقت ذاته لا يمكن للحوثيين الاستمرار في الصراع من دون الدعم الإيراني متعدد الأوجه، كذلك وجود حاجة لدى الحوثيين من وقت لآخر إلى إعادة ترتيب أوراقهم وتجميع قواهم، لأجل محاولة تموضعهم في مناطق متقدمة على جبهات القتال.
أهداف منتظرة:
ولعل من أبرز أهداف الحوثيون من مسألة رفض تمديد الهدنة، ومن ثم الموافقة فيما بعد؛ بما يلي:
(*) ممارسة المزيد من الضغط: إذ عادة ما يرفع الحوثيون من سقف مطالبهم، ويمارسون المزيد من الضغط، بإطلاق تهديداتهم باستئناف القتال، وتصعيد المواجهة، والتهديد باستهداف شركات النفط العاملة في المناطق اليمنية الخاضعة لسلطة الحكومة الشرعية، وذلك من أجل تحقيق المزيد من المكاسب، أهمها محاولة انتزاع اعتراف دولي بشرعيتهم،وفق نظرتهم لأنفسهم باعتبارهم “سلطة الأمر الواقع”، أبو باعتبارهم “الطرف الأقوى”، على حد زعمهم.
(*) عرقلة تكتيكية: فمن خلال رفض التمديد، تصدير مشاهد التحشيد والتعبئة الدائمة، مع الاستمرار في تدعيم صفوفهم وتعزيز قوتهم أكثر وأكثر، يرسلون بذلك العديد من الرسائل للأطراف الإقليمية والدولية وللحكومة اليمنية، مفادها بأنهم مستعدون لخوض مواجهات عسكرية أوسع، ويريدون تصدير انطباع عام بأنهم غير مهتمين بمواصلة الهدنة، في حين أنهم بحاجة فعلية إلى استمرارها، على خلفية الأوضاع المتردية في المناطق التي يسيطرون عليها، إضافة إلى الاحتجاجات التي يشهدها الداخل الإيراني، فضلاً عن حالة عدم الاستقرار في المنطقة والعالم منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، ما يدفعها إلى كسب المزيد من الوقت لترتيب أوضاعها.
(*) محاولات للابتزاز: اعتاد الحوثيون ممارسة الابتزاز لتحقيق المزيد من المكاسب، فبالرغم من تقديم المجلس الرئاسي وقوات التحالف لتنازلات فعلية، على غرار قبول الحكومة الشرعية لدفع رواتب المدنيين في عموم اليمن، لم يبدي الحوثيون استعدادهم لتقديم تنازلات حقيقية، والتي من شأنها أن تعكس حسن النوايا، أو التي من شأنها المساهمة في تخفيف من وطأة الأوضاع المأساوية التي يعاني منها الشعب اليمني، بل على العكس، يحاول الحوثيون الاستفادة بشكل دائم من أية أوضاع تحقق لهم المزيد من المكاسب.
لكن المجلس الرئاسي اليمني رفض الاستجابة للابتزازات الحوثية، رغم ما أبداه من مرونة فيما يخص بتمديد الهدنة، وكذلك موافقته على بعض البنود التي طرحها المبعوث الأممي؛ إلا أن إصرار الحوثيون على مطالبهم، والتي وصفها المبعوث الأمريكي إلى اليمن “تيم ليندر كينغ”، بأنها مطالب مستحيلة، يدفع الوضع للمزيد من التوتر والتصعيد، وتمديد أمد الصراع بما يخدم المصالح الحوثية، والمضي قدماً في تنفيذ مخططاتهم للسيطرة على كامل الأراضي اليمنية.
سيناريوهات محتملة:
ولعل من أهم السيناريوهات المحتملة للأوضاع اليمنية بعد انتهاء الهدنة، تكمن فيما يلي:
(&) ممارسة المزيد من الضغوط الأممية والدولية على أطراف الصراع للقبول بتمديد الهدنة، إما لشهرين آخرين، أو لستة أشهر كما هو مقترح، وذلك في ضوء الظروف غير المواتية لاستئناف الحرب، والتي لا تسمح بالتصعيد، ولعل الهدوء النسبي الذي تشهده ساحات القتال يؤكد ذلك برغم انتهاء الهدنة، وتزايد التهديدات الحوثية.
(&) عودة القتال، في حال ما فشلت المساعي الأممية والدولية في دفع الحوثيين للقبول بتمديد الهدنة، وفق الشروط المقترحة من المبعوث الأممي، وقد يذهب الوضع إلى التصعيد في حال ما فشلت الابتزازات الحوثية في تحقيق أهدافها، مما يدفع الحوثيون باللجوء إلى تجدد القتال، وتنفيذ هجمات صاروخية متعددة على أهداف داخلية وخارجية من أجل الدفع بقبول شروطهم.
(&) الإبقاء على التهدئة من دون اتفاق، وممارسة سياسة الضغط والضغط المضاد، واستمرار الحوثيون في استعراضاتهم واستفزازاتهم العسكرية، وربما مناوشاتهم من وقت لآخر، واستمرار تهديداتهم باستهداف المناطق النفطية والدول الإقليمية، من دون تنفيذ هجمات فعلية، خشية العواقب المحتملة.
لقد كان من المأمول أن تؤدي الهدنة خلال الستة أشهر الماضية، إلى التأسيس لحوار سياسي فاعل، ومن ثم الانخراط جدياً في عملية تسوية سياسية حقيقية؛ تقود إلى إنهاء الحرب، لا أن تظل الهدنة مرحلة عابرة ومؤقتة.
استنادا إلى ما سبق؛ فإن التوافق يعكس الرغبة في التهدئة، إلا أن الرفض، معناه الاتجاه نحو التصعيد، برغم ما يشهده اليمن بالفعل من أوضاع مأساوية، جعلته يعيش واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، ولا يزال الوضع مرشح للتصاعد مع استمرار الصراع.
في الوقت ذاته تظل موافقة الحوثيين أو رفضهم لتمديد الهدنة، يرتبط إلى حد بعيد بمصالح إيران الإقليمية، وكذلك بطبيعة الأوضاع الداخلية في مناطق سيطرة الحوثيين، ومدى استعدادهم لاستئناف القتال، أو التوقف عنه، وإن كان تمديد الهدنة لفترة مماثلة لما سبق، أو لمدة موسعة، بحسب اقتراح المبعوث الدولي إلى اليمن، “هانز جروندبرغ”، يسمح بخفض التوتر قليلاً لتحسين الوضع الإنساني والبحث في سبل إنهاء الحرب، لكن يظل مستقبل اليمن رهناً بالدخول في مفاوضات جدية، والتحول إلى خوض العملية السياسية بدلا من استمرار المعارك العسكرية.
بالنهاية، لا شك أن الحرب في اليمن أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه في ظاهرها، فما يقبع تحت الرماد؛ ربما أكثر حرقاً مما هو مشتعل بالفعل؛ فحتى وإن تم الاتفاق على تمديد الهدنة بين الحكومة الشرعية والحوثيين؛ فلن يكون ذلك كافياً لإنهاء العنف في اليمن، من دون خوض عملية سياسية جادة، تشمل كل الأطراف دون إقصاء؛ فالهدنة ليست بديلاً عن الحل التفاوضي، الأمر الذي يجعل من طريق السلام والاستقرار في اليمن يبدو بعيد المنال في هذه المرحلة التي تمر بها المنطقة والعالم، وإن كان حلم الشعب اليمني في السلام لم يتبدد بعد، حتى وإن بدا مؤجلاً إلى حين، فالبدء في عملية تفاوضية جادة؛ يمكنها أن تبعث الأمل من جديد في عودة الاستقرار إلى اليمنيين، وتساهم في معالجة الأوضاع المأساوية التي يعيشوها منذ عام 2011.