تداعيات ضم روسيا لمناطق أوكرانية

انتهت روسيا في السابع والعشرين من سبتمبر2022، من عملية الاستفتاء التي نظمتها لضم المناطق الأوكرانية الأربع إلى الجمهورية الروسية، وهي: “دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوريجيا”، والخاضعة في معظمها إلى سيطرة القوات الروسية، وجاءت النتيجة لصالح الانضمام لروسيا رسميا، الأمر الذي قد يفتح الباب أمام موسكو لضم المزيد من الأراضي الأوكرانية، وبذلك تكون العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا التي بدأت منذ الرابع والعشرين من فبراير المنصرم قد حققت أهم أهدافها الخاصة بالشرق الأوكراني.

وفي هذا الإطار، سيناقش هذا التحليل أسباب وتداعيات القرار الروسي بضم أراضي أوكرانية وفقا لاستفتاء نظمته موسكو، اعتبر البعض نتائجه محسومة مسبقا.

تطورات مُلِحة:

نظمت السلطات الموالية لروسيا في المناطق الأوكرانية الأربع، منذ الجمعة الموافق ٢٣ سبتمبر وحتى الثلاثاء ٢٧ سبتمبر، استفتاءا لضم هذه المناطق، والتي تسيطر عليها القوات الروسية بشكل كلي أو جزئي، وتمثل تلك المناطق ما يقارب 15 ٪ من مساحة أوكرانيا، الأمر الذي أدى إلى تراشق التنديدات والتهديدات من قبل كييف ودول غربية وصفت الخطوة بأنها ” صورية “، وتعهدت بعدم الاعتراف بنتائجها.

وجدير بالذكر، أن نتائج الاستفتاءات أظهرت تأييد المشاركين فيها للانضمام إلى روسيا، حيث بلغت نسبة التأييد 87% في مقاطعة خيرسون كما أيد قرار الضم أكثر من 90% في كل من دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا، حسب النتائج التي أعلنتها موسكو الثلاثاء.

وكان من أهم المحفزات للقرار الروسي هو التوقيت؛ حيث جاء القرار بضم تلك المناطق الأربع بعد أن تمكنت القوات الأوكرانية هذا الشهر من استعادة السيطرة على مساحات شاسعة في الشمال الشرقي في هجوم أوكراني مضاد، وصفته مصادر غربية بأنه الأكبر منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا في 24 فبراير، وعلي هذا الأساس اعتُبر قرار روسيا بإجراء استفتاء لضم أراضي أوكرانية إليها تخوفا من احتمالية فقد تلك المناطق، وقد يشير إلى ذلك القرار الروسي مؤخرا بالتعبئة الجزئية للقوات الروسية الموجودة في أوكرانيا، من أجل إحباط القوات الأوكرانية.

كما أن روسيا وبغض النظر عن نيتها إنهاء أو تمديد عمليتها العسكرية في أوكرانيا، فلابد وأن تسوّق للرأي العام الروسي على الأقل ما يقنعه بما أثمرته العملية العسكرية في أوكرانية، خاصة بعد أن بدى بعض الرفض والتشكك في الشارع الروسي حول جدوى العملية العسكرية، والتخوف من مدى خطورة تبعاتها، بعد سيل العقوبات الموقعة على روسيا، والتي عانى منها المواطنون بالتبعية على إثر الحرب، وبالذات بعدما قررت موسكو التعبئة الجزئية لقواتها في أوكرانيا، وجاء على إثر ذلك القرار بتجنيد مواطنين جدد واستدعاء مجندين آخرين، مما أثار حفيظة العديد من الأُسر.

ويبدو أن موسكو تحاول الحفاظ على ماء وجهها أمام المجتمع الدولي، حفاظا على الهيبة السياسية للدب الروسي، بعد أن تعهدت مرارا بأنها لن تخرج من أوكرانيا إلا بعد تحقيق كافة أهدافها من العملية العسكرية في أوكرانيا، إلا أن تحرير إقليم دونباس جاء على رأس الأهداف التي صرحت بها.

أضف إلى ذلك، المزايا الاقتصادية للمناطق المنضمة حديثا إلى روسيا؛ حيث تملك تربة سوداء غنية بالموارد، ورواسب معدنية وصناعة متطورة وإمكانات اقتصادية وصناعية وبشرية كبيرة، فبوجه عام، من بين جميع الدول التي تشكلت نتيجة انهيار الاتحاد السوفييتي، حصلت أوكرانيا على الميراث الأغنى، من زراعة وموارد قوية للطاقة وصناعة تعدين متطورة، وشبكة نقل وصناعة، وكذلك قاعدة جيدة لتطوير السياحة، وحتى عام 2014، قدمت دونيتسك ولوغانسك معًا 16% من الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا، وكانت حصتهما بإقليم “دونباس ” من بيع المنتجات الصناعية أعلى من أي منطقة أخرى بأوكرانيا، ولهذا كان الإقليم أولوية بالنسبة إلى موسكو.

كما وقد يكون إجراء الاستفتاء وانتهائه لصالح روسيا سبب آخر؛ كرد فعل مثلا من المواطنين الأوكرانيين في تلك المناطق على خطاب الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي في أوائل أغسطس الماضي، الذي دعا خلاله سكان المنطقة الشرقية إلى اللجوء أو الانضمام إلى روسيا إن أرادوا ذلك، للحفاظ على حياتهم وهويتهم ومستقبل أبنائهم وأحفادهم إن كانوا لا يستطيعون تحمل أعباء الحرب مع بقية المواطنين الأوكرانيين، وروسيا استغلت ذلك، الأمر الذي دفع الغالبية العظمى من المواطنين إلى الانضمام إلى روسيا، وفقا للأرقام المعلنة من قبل السلطات الروسية.

تداعيات محتملة:

(*) بالنسبة إلى أوكرانيا، بعد ضم روسيا لتلك المناطق ستعتبر أي محاولة من قبل القوات الأوكرانية لاستعادة المناطق الأربع أنها اعتداء على أراضيها هي، وبالتالي قد يكون ذلك مبررا واضحا وكافيا لإعلان روسيا الحرب الشاملة على أوكرانيا، أو على الأقل الدفاع باستماتة وبوسائل أكثر وحشية للحفاظ على تلك المناطق، بل والعمل على الاستحواذ على المزيد من الأراضي، انطلاقا من مبدأ الدفاع الشرعي عن النفس.

ومن ناحية أخرى، يبدو أن روسيا أرادت بتلك الخطوة أن تثبط من عزيمة القوات الأوكرانية المنتشية بتقدماتها الأخيرة، كي  لا تندفع بعد ذلك للدفاع عن تلك المناطق رغبة في استعادتها، لأنها ستدرك كم المخاطر المحفوفة إذا ما اندفعت تجاه تلك المناطق بالذات، وبالتالي فإن كييف قد لا تعطيها الأولوية في تحريرها من قبضة القوات الروسية، وهذا بالطبع ليس إقرارا أو اعترافا بالقرار الروسي بضم أراضي تابعة لأوكرانيا، وإنما لأن المسألة باتت غير محسومة، ونتائجها غير معروفة، الأمر الذي قد يدفع روسيا إلى إعادة تسمية الحرب في أوكرانيا من عملية عسكرية خاصة في الخارج إلى عملية عسكرية للدفاع عن الأراضي الروسية ذاتها، وفي هذه الحالة ستشرعن موسكو استخدام كافة الوسائل في سبيل حماية تلك الأراضي، وعلى رأسها الأسلحة النووية.

ولكن رغم ذلك، لا يتوقع أن تندفع روسيا في استخدام القدرات النووية على نطاق واسع ضد أوكرانيا، تفاديا لانتقادات المجتمع الدولي، وتجنبا لأي رد فعل غربي محتمل، وفي حالة أي اعتداء على تلك المناطق التي باتت بالنسبة للروس مثل موسكو، قد يدفعها إلى الرد بأساليب قاسية أخرى؛ مثل ضرب مركز القرار في كييف أو تدمير البنى التحتية في العاصمة، وغيرها من المواقع الهامة التي لا تستهدفها روسيا حاليا.

فوفقا للعقيدة العسكرية الروسية؛ يمكن استخدام السلاح النووي في حالتين؛ الأولي في حالة استخدام الأسلحة النووية أو غيرها من أسلحة الدمار الشامل تجاه الأراضي الروسية أو أراض حلفائها. أما الثانية فهي تعرض روسيا للهجوم بالأسلحة التقليدية فقط، ولكن بما يشكل تهديدا لوجودها كدولة. وعمليا، لا تنطبق أي من الحالتين على الأحداث الجارية حاليا،فالاشتباكات في أوكرانيا لا ترقى إلى مستوى تهديد وجود الدولة الروسية. ولهذا فإن الاحتمال الأقرب أن يكون تهديد روسيا باستخدام الأسلحة النووية ووضعها على أهبة الاستعداد توظيفا تكتيكيا للسلاح النووي.

إلا أن استخدام النووي الروسي يظل احتمالا موجودا، خاصة بعد تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن بلاده ” ستستخدم كل الوسائل المتاحة لحماية نفسها “، كما عاد وأكد أن “أن هذا ليس خدعة “، تلك  التصريحات التي اعتبرت تهديدا باستخدام محتمل للأسلحة النووية.

وهناك من تحدث أيضا عن احتمالية تجنيد روسيا لقاطني المناطق التي انضمت حديثا في الجيش الروسي بموجب الاستفتاء الأخير، إلا أنه من السابق لأوانه الحديث عن تلك الجزئية، ولكن من وجهة النظر القانونية البحتة؛ فطالما أن هؤلاء السكان هم مواطنون روس فمن المرجح أن تنطبق عليهم القوانين الروسية، ويأتي على رأسها التجنيد الإلزامي في صفوف الجيش الروسي.

كما سيحتم الوضع الجديد على روسيا تعظيم جهودها ولملمة أوراقها الخارجية، والعمل على خلق آليات لحماية نتائج الاستفتاء، سواء دبلوماسية وعسكرية واقتصادية، في محاولة للضغط على حلفائها للاعتراف بنتائج الاستفتاء.

(*) أما عن موقف الغرب، فقد وضع بعض المحللين احتمالا بأن الأسابيع المقبلة قد تشهد حربا نووية وشيكة، إلا أنه من جانبنا نرى أن هذا الاحتمال مستبعد بعض الشئ، حتى في ظل التطورات الحالية في الملف الأوكراني، لأنه على الرغم من أن ضم روسيا لأراضي أوكرانيا يمثل ضربة موجة جدا للغرب بعد دعمه لأوكرانيا على كافة المستويات، وانتصارا لروسيا على الجانب الآخر، إلا أن الدول الغربية، وعلى رأسها واشنطن، لن تجازف بدخول حرب نووية ضد روسيا فقط من أجل أوكرانيا، لأنها حرب بالتأكيد لها تكلفتها السياسية والاقتصادية التي وصلت إلى حد كتابة نهايةدول بعينها، وهو أمر مثبت تاريخيا.

هذا فضلا عن أن الدول الأوروبية نفسها لا يتوقع أن تكون مستعدة في الفترة الحالية لدخول حربضد روسيا، وهي في الأصل لازالت تعاني من اضطراباتاقتصادية نتيجة أزمة الطاقة الخانقة التي تشهدها أوروبا بالذات في الوقت الراهن، وهي لازالت تعد العدة في انتظار شتاء أصعب. وهذا دون إغفال التراجع الملحوظ مؤخرا في الموقف الأوروبي من الحرب الأوكرانية، ومحاولة خطب ود روسيا مرة أخرى. بل ويبدو أنَّ قرار بوتين بإعلان التعبئة الجزئية أثار قلق الدول الأوروبية، الأمر الذي انعكس في تصريح المتحدث باسم المفوضية الأوروبية بيتر ستانو، الذي أعلن أن الاتحاد الأوروبي ليس طرفاً في النزاع بين موسكو وكييف.

وببساطة، إن كان هناك حل غربيا لمنع روسيا من التمادي في أوكرانيا لكان اتضح ذلك من أشهر، وحتى بعدما تم إجراء الاستفتاء فقد اكتفت الدول الغربية بالإدانات والتهديد بعدم الاعتراف بنتائج الاستفتاء، وكلها عبارات وسياسات لن توقف روسيا أو تعوض أوكرانيا عما ضاع من أراضيها، خاصة وأن رد الفعل نفسه سبق وأن تكرر خلال أزمة القرم بعد أن ضمتها روسيا إليها في ٢٠١٤، وبقي الوضع على ما هو عليه حتى الآن. ولهذا يتوقع أن يبقي رد الفعل الغربي على وضعه الحالي، وعلى أقصى تقديرقد يأخذ مستوى متصاعد أكثر، ولكن في نطاق محدود أيضا،مثل تشديد العقوبات على روسيا، الذي قد يصل إلى عرقلة اتفاقية الحبوب مثلا، مع زيادة الدعم العسكري لأوكرانيا.

وفي الأخير، يمكن القول أنه من الصعب التكهن بأي سيناريوهات جديدة يمكن أن تلجأ إليها روسيا أو الغرب في الفترة المقبلة، سوى استمرار الدعم الغربي لأوكرانيا، وفرض عقوبات جديدة أكثر صرامة على روسيا، إلى جانب التصعيد السياسي والإعلامي، ولكن حال تعرض الأراضي المنضمة إلى روسيا بموجب الاستفتاء، فالوضع قد ينبئبأن الأزمة الأوكرانية على أعتاب مرحلة تصعيد جديدة في شتى المجالات.

أما بالنسبة لأثر نتيجة الاستفتاء على الحرب ذاتها؛ فلم يتضح حتى الآن مدى تأثير قرار روسيا بضم بعض المناطق الأوكرانية إليها على أمد الحرب، رغم أن تحرير إقليم دونباس كان أحد الأهداف المعلنة للحرب منذ البداية، الأمر الذي قد يبعث الأمل في إنهاء الحرب الدائرة في أوكرانيا منذ ثمانية أشهر. ولكن من جانبنا نرى، أنهبعد تشديد العقوبات على روسيا، التي وصفها البعض ب” غير المتوقعة ” حتى من قبل روسيا، ومع إعلان التعبئة الجزئية للجيش الروسي، يصعب التكهن بموعد نهاية لهذه الحرب.

 

وردة عبد الرازق

رئيس برنامج الدراسات الأوروبية و الأمريكية ، حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية، جامعة بنى سويف، الباحثة مهتمة بدارسة الشأن التركي ومتابعة لتفاعلاته الداخلية والخارجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى