دلالات نجاح الوساطة السعودية في أزمة الأسرى بروسيا
في أوج الحرب الروسية الأكرانية تحركتْ دبلوماسية المملكة العربية السعودية بدَفْع رئيسي من صاحب السمو الملكي وليّ عهد المملكة نائب رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان لتخفيف جزء من الاحتقان الناجم عن هذه الحرب بإجراء مفاوضات تبادل الأسرى بين روسيا وأكرانيا، أسفرتْ عن إطلاق سراح أسرى من المغرب والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والسويد وكرواتيا، كان البعض منهم مهدد بالإعدام.
ويُعْتبَر نجاح هذه الوساطة في الإفراج عن هؤلاء الأسرى، مؤشرا على أنّ السعودية يمكن أن تلعب أدوارا أخرى في حلحلة الأزمة الروسية الأكرانية. والسؤال المطروح كيف نجحت الوساطة؟ وما هي دلالاتها؟ وهل ستكون مدخلا للعب أدوار أهمّ في المستقبل؟
نجاح الوساطة ودلالاتها:
استندت الوساطة السعودية إلى نوع من الدبلوماسية الهادئة، واستطاعت بحكمة المفاوضين وتعليمات ولي العهد أنْ تُحرّك المياه الراكدة، خاصة بعد توقف المفاوضات منذ فترة بين روسيا وأكرانيا والتي كانت ترعاها تركيا منذ الأشهر الأولى من الحرب. ويمكن القول أنّ لهذه الوساطة ثلاث دلالات، هم كالتالي:
(*) الدلالة الأولى: أنّ السعودية وسيط ذو مصداقية ومقبول من الطرفين.
(*) الدلالة الثانية: أن الإفراج عن أسرى أمريكان وأوروبيين وعرب لقي ترحيباً كبيرا من هذه الدول، وهو دليل على أنّ الدبلوماسية السعودية، قادرة على كسْب الرهان في مثل هذه العمليات المعقدة.
(*) الدلالة الثالثة: أنّ طرفي النزاع روسيا وأكرانيا يَمُرّان بفترات مدّ وجزْر، ولعلّهُما وجدا في الوساطة السعودية لإطلاق سراح الأسرى، فرصة لعودة المفاوضات شبه المجمّدة. وبالتالي يمكن أن نتساءل عن مرحلة ما بعد هذه الوساطة؟
مستقبل الدور السعودي في الأزمة:
نقول، وبشيء من الحَذر، أنّ المملكة العربية السعودية أدركت أنّ نهاية الحرب الروسية الأكرانية ستُؤثّر في مستقبل السياسة الخارجية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وأنّ نهاية هذه الحرب مرتبطة بكثير من العناصر، من بينها ضمان تدفّق الطاقة، والمملكة مَعْنيّة بهذا الإجراء، مرورا إلى تفادي مخاطر التهديد باستعمال السلاح النووي التكتيكي، وانتهاء برسم ملامح النظام العالمي الجديد.
وللإشارة، فقد صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمام الأمم المتحدة في 24 سبتمبر 2022، بأنّ ما يحصل في القارة الآسيوية (ويقصد بذلك الحرب الروسية الأكرانية وارتفاع التوتر في تايوان وأزمة الطاقة والغذاء) يمكن أن يجد حلولا في أفق تأسيس نظام عالمي جديد، وقال صراحة أنّه “يُفَضّل حصول الهند والبرازيل على عضوية قارة في مجلس الأمن”. وبالتالي فإنّ السعودية تتحَسّب من الآن لمثل هذه التطورات التي يمكن أنْ تَحْدُث خلال الأشهر أو السنوات القريبة، وتكون لها كلمتها على المستوى الإقليمي، وقد رأينا هذا الدور في المساعي التي تبذلها السعودية في المصالحة العراقية في الداخل العراقي ومع دول الخليج.
كما أنّ المملكة ما انفكّتْ تدعو إلى تسوية الملف الليبي في أقرب وقت وتطالب بخروج القوات الأجنبية من ليبيا (تصريح وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في 24 أيلول/سبتمبر 2022). كل هذه المساعي تُهَيّءُ المملكة للعب أدوار كبيرة في المستقبل كقوة إقليمية. وهناك مؤشرات تُفيد بأنّ السعودية تَعُدّ طبخة لحلّ الأزمة اليمنية بشكل مُستدام ومساعي جدية ربّما تُفْلح في آخر لحظة في رسْم إستراتيجية متوازنة وعقلانية وبراغماتية للعلاقات السعودية الإيرانية، والعلاقات الإيرانية العربية في إطار احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. ولعلّ نجاح الوساطة في إطلاق سراح الأسرى لدى روسيا مؤخرا بداية لتحرّك السعودية على أكثر من ملف خدمة للأمن والسلم إقليميا ودوليا.
في النهاية، يمكن القول إن نجاح دور الأمير محمد بن سلمان، ولى العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء السعودي في تأمين إطلاق المحتجزين من خمس دول في إطار تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا- سينعكس ايجابياً على العلاقات الأوروبية السعودية خلال الفترة المقبلة، كما أنه سيزيد من وزن المملكة وثقلها في المجتمع الدولي، وبالتالي قد تلعب السعودية دوراً مهما ضمن أطراف أخرى في محاولات حلحلة الأزمة الأوكرانية ودعم جهود السلام والاستقرار في تلك المنطقة المتأزمة.