الأمن القومي العربي في زمن داعش!
د. رفعت سيد أحمد- مفكر مصري.
لقد أبتلي الوطن العربي خاصة دوله المركزية (سوريا –مصر – العراق – ليبيا ) خلال الفترة التالية للعام 2011 بوباء الإرهاب الداعشي الذي خلق أكبر فوضي تدميرية لمفهوم الأمن القومي العربي لازالت آثارها باقية ومؤثرة حتي اليوم (2022) وتحالفت تلك القوي التدميرية صراحة أو ضمنا مع الأعداء التقليدين للأمة، وكان لتحالفهم أكبر الأثر –السيئ-علي واقع ومستقبل البلاد العربية في مجملها والدول المركزية بخاصة.
لقد خلصنا فيما سبق وكتبناه-في دراسات سابقة – إلى تعريفات متعددة لمفهوم (الأمن القومي) لم نشأ أن نمحورها حول تعريف واحد، حتى يسهل إدراك المفهوم من زوايا مختلفة. ولكن يمكن تقديم تصور مبدئي للمفهوم يسمح بتطبيقه على أية دولة تمتلك مقومات (الدولة القومية) أو (الدولة ـ الأمة) بمعنى أدق، وهو التصور الذي يرى أن (الأمن القومي) مفهوم معقد، يعني (قدرة الدولة ـ الأمة على حماية كيانها الذاتي ونظام قيمها الداخلية والتاريخية الثابتة)، والقدرة هنا تتدرج من القدرة الاقتصادية، فالسياسية فالعسكرية، على حمايتها من خطر التهديد المباشر، أو غير المباشر، الخارجي أو الداخلي، والمسبب لحالة من (الهزيمة)، التي تتدرج من التعطيل المؤقت لعمليات التنمية إلى التهديد الكامل لحق البقاء الإرادي فإذا كان هذا هو المقصود بالأمن القومي، فماذا عن الأمن القومي العربي؟
إن الوطن العربي ـ بداية ـ يحمل بين طياته العناصر الأصيلة المكونة لهذا المفهوم ولغيره من مفاهيم الوحدة والتجانس، وإن لم يجد إلى الآن من يصوغها ويحيلها إلى مبادئ وركائز ثابتة …إن الوطن العربي من خلال امتداده الإقليمي؛ الأرض الواحدة، ومن خلال وحدة تاريخه؛ لغته وعنصر الولاء القومي بين شعوبه، ووحدة الأمل والمصير، يمتلك مقومات (الأمة الواحدة) الأمة العربية و(الدولة الواحدة) من هنا فإن الأمن القومي العربي كتصور مبدئي يمكن أن يعرّف وفق المعايير السابقة باعتباره (قدرة الأمة العربية من خلال نظامها السياسي الواحد ـ المفترض ـ على حماية الكيان الذاتي العربي ونظام القيم العربية التاريخية الثابتة ـ المادية والمعنوية ـ ومن خلال منظومة من الوسائل الاقتصادية والسياسية والعسكرية، حمايتها من خطر التهديد المباشر أو غير المباشر، خارج الحدود ـ أي دولياً ـ أو داخل الحدود، بدءاً بالتخلف وحالات التبعية لواشنطن وانتشار جماعات التطرف الداعشي – الإخواني وانتهاءاً بإسرائيل، وهي التهديدات التي سببت ولا يزال ـ حالة من الهزيمة والانكسار العربي تمثلت مظاهرهما في فقدان الإرادة العربية لاستقلاليتها وفي تعطيل عمليات التنمية وبروز دور الشركات متعددة الجنسية، وفي تضخم الظاهرة الداعشية وحليفتها الظاهرة الصهيونية إلى حد الاعتراف بشرعيتهما، وهي المظاهر التي قد تنتهي بتهديد حق البقاء الإرادي للجسد العربي. إن الأمن القومي بهذا المعنى يصبح تعبيراً عن ثلاثة مطالب رئيسية، على الجسد العربي أن يحققها ليمتلك بهذا معطيات حق البقاء أي معطيات أمنه القومي:
(*) المطلب الأول: الأمن القومي العربي كتعبير عن فكرة (الضرورة) التي تعني حق الدفاع عن النفس وهو الحق الذي يتطلب بالتبعية القدرة العسكرية المتقدمة والمنظمة والمتجانسة.
(*) المطلب الثاني: الأمن القومي كتعبير عن (وحدة الإرادة) تجاه (وحدة الخطر)، بهذا المعنى، الوحدة العربية ضرورة سابقة على بناء المفهوم، ليس فقط الوحدة العربية التي بلا مضمون حقيقي اليوم للأسف، بل (الوحدة العربية) النابعة من الإدراك الواحد المشترك للخطر الخارجي(مخططات الغرب وإسرائيل) أو الداخلي(والذي يمثل الإرهاب الداعشي أخطر نموذج له اليوم 2022)
(*) المطلب الثالث: الأمن القومي العربي كتعبير عن (حق التنمية المستقلة وبناء الذات) حيث تصير التنمية هنا هي جوهر الأمن فالتخلف والتبعية مصدران خصبان لاختراق حاجز الأمن أياً كانت قوته، ومن هنا فإن التنمية العربية المستقلة النابعة من التكامل بين أجزاء الوطن العربي تمثل المناعة الذاتية غير العسكرية للأمن القومي العربي. مطالب ثلاثة إذن، من تعانقها وتفاعلها يتحدد الوجه الحقيقي لأمن الوطن العربي
خلاصة الأمر إذن .. إن الأمن القومي العربي في زمن داعش والإخوان وأخواتهم من جماعات الإرهاب الديني المسلح وفي زمن العدوان الخارجي علي المقدسات وخاصة في فلسطين …هذا الأمن بمطالبه الثلاثة السابقة ..يحتاج لكي يفعل ويتحقق إلي إرادة …وشعور قومي بالمسئولية ..وتلك مهمة القوي الرئيسية في المنطقة والتي آن لصناع القرار فيها أن يتعاملوا بجدية مع مهددات الأمن القومي العربي ومطالبه.. قبل أن تهب (العواصف الإرهابية والاحتلالية) لتقتلع الأخضر واليابس ،طالما بقيت الإرادات القومية مسلوبة وبقيت ردود الفعل إزاءها فردية وظرفية ..حفظ الله أمتنا ووطننا العربي منها.