استراتيجيات مبررة: حالة التكنولوجيا المالية في مصر

د.جيهان عبد السلام

يشهد القطاع المالي الكثير من التطورات المرتبطة بالخدمات الماليـة والمصرفية، فالتكنولوجيا المالية بمجالاتها المتعددة تعتبر أحـدث مراحـل التطـور لقطاع الخدمات المالية. وظهر فى هذا المجال الشركات المالية التى توفر الخدمات المالية والمصرفية المتنوعة التى تعتمد على التكنولوجيا الحديثة؛ وبالتالي أصبحت تلك الشركات منافساً قوياً فى الخدمات التى تقدمها البنوك، وأصبح من المتوقع أن يقترب سوق التكنولوجيا المالية العالمية من 310 مليار دولار بنهاية عام 2022 ، ويمثل هذا معدل نمو إجمالي قدره 24.8٪ سنويًا ما بين الفترة 2018 وحتى عام 2022 .

وتعرف التكنولوجيا المالية ” Financial Technology ” FinTechعلى أنها تلك الخدمات والمنتجات المالية التي تعتمد على التكنولوجيا لتحسين نوعية الخدمات المالية التقليدية، وتتميز هذه التكنولوجيا بأنها أسرع وأرخص وأسهل، ويمكن لعدد أكبر من المستخدمين الوصول إليها. ومن منطلق هذا التطور التكنولوجى فى مجال الخدمات المالية نتناول ما يلى :-

جهود مصرية:

أعلن البنك المركزي المصري، عن قيامه بإعداد استراتيجية خاصة بالبنك المركزي في مجال صناعة التكنولوجيا المالية في إطار الحفاظ على التوازن بين الاستقرار المالي وإطلاق العنان للابتكار.

وأوضح تقرير الاستقرار المالي الصادر عن البنك المركزي المصري، أن هذه الاستراتيجية تستهدف تحويل مصر إلى مركز إقليمي لصناعة التكنولوجيا المالية في المنطقة العربية وإفريقيا، حيث حددت تلك الاستراتيجية عدة مبادرات رئيسية للبدء الفوري في تنفيذها، والتي من أهمها :

تأسيس صندوق دعم الابتكارات، وإنشاء مختبر تطبيقات التكنولوجيا المالية، وإنشاء مركز التكنولوجيا المالية، كما تم إنشاء بوابة التكنولوجيا المالية التي تمثل البوابة الإلكترونية لمركز التكنولوجيا المالية وأشار البنك المركزي، إلي أنه في ضوء التطور التكنولوجي المستمر والمتلاحق في القطاع المصرفي وما يتبعه من تقديم خدمات مالية مبتكرة تُلبي احتياجات العملاء، تظهر الأهمية الكبيرة لنُظُم الدفع التي تُعَدّ من أهم أعمدة البنية الأساسية المالية القائم عليها النظام المالي والمصرفي واقتصاد الدولة كَكُل، والتي تسهم بشكل كبير في تحقيق وضمان الاستقرار المالي ودعم نمو الاقتصاد المصري.كما تم تضمين باب كامل في القانون الجديد للبنك المركزي والجهاز المصرفي، يختص بنُظُم وخدمات الدفع والتكنولوجيا المالية، بهدف مواكبة التطور السريع الذي يتم في مجال المدفوعات على مستوى العالم، وزيادة كفاءة وفاعلية النظام المالي، وكذلك إضافة عدد من المواد الجديدة التي تُشَجع تقديم المزيد من خدمات التكنولوجيا المالية الرقمية، وإضافة مشغلي نظم الدفع ومقدمي خدمات الدفع إلى الجهات المخاطبة بأحكام القانون. وأكد البنك المركزي، أنه منذ بداية مارس 2020 وحتى الآن، تم إصدار عدة تعليمات رقابية بهدف تشجيع استخدام وسائل الدفع الإلكترونية والحد من تداول أوراق النقد، لمواجهة التداعيات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا، كما تتضمن إلغاء جميع الرسوم والعمولات لمدة 6 أشهر على عمليات السحب النقدي، وأيضاً زيادة حدود الاستخدام القصوى اليومية لمحافظ الهاتف المحمول، وإتاحة الاشتراك في الخدمات البنكية الإلكترونية دون الحاجة للذهاب لمقر البنك، مع إلغاء كافة العمولات على التحويلات البنكية الإلكترونية، بالإضافة إلى إصدار البطاقات اللاتلامسية مجاناً وإلغاء رسوم استخدام بطاقات الدفع الإلكترونية في عمليات الشراء لمدة 6 أشهر.

شركات ناشئة:

تشهد أوضاع الشركات الناشئة في مصر نمواً هائلاً خلال السنوات القليلة الماضية، كما أدى صعود الشركات الناشئة إلى إيجاد بيئة كبيرة للتطوير والإبداع، خصوصا في قطاع التكنولوجيا المالية، الذي يقوم بدوره بأخذ يد الدّولة نحو إقتصاد خال من الأوراق النقدية. ومن أكثر الشركات الناشئة شهرة فى مصر :

شركة “فوري” (Fawry) التي تقدّم خدمة التسهيلات المالية للمدفوعات مثل فواتير الهواتف النّقالة وفواتير الخدمات، وأيضاً شركة “حوّشلي” التي تزوّد المستخدمين بأداة لحفظ مبالغ صغيرة من المال، وشركة “مونيفيلو” (MoneyFellow) التي تقوم برقمنة مفهوم الجمعية –وهي ممارسة لادخار المال ضمن دائرة صغيرة من الناس.

وأخيراً ثمة شركتي “شيكرا” و”يمكن” اللتان يمكن أن تحدثا ثورة في التمويل الجماعي.

أهم الشركات الناشئة فى مجال التكنولوجيا المالية فى مصر Source :Fintech in Egypt: An overview , September 3, 2018 , at

https://www.menabytes.com/fintech-egypt-overview/

كما أطلق البنك المركزى «فنتك مصر» وهو مركز التكنولوجيا المالية القائم على تشجيع التكنولوجيا والإبتكار، حيث يعمل مركز التكنولوجيا المالية كمنصة موحدة تجمع كافة أطراف منظومة التكنولوجيا المالية في مكان واحد، بما فيهم رواد أعمال التكنولوجيا المالية، والمؤسسات المالية، والجهات الرقابية، ومقدمي الخدمات، وأصحاب الخبرات، والمستثمرين .

كما يعتبر أول مختبر تنظيمى لتطبيقات التكنولوجيا المالية فى السوق المحلية. وسبق ذلك إطلاق ملامح الاستراتيجية الوطنية للتكنولوجيا المالية التى تستهدف تحويل مصر لمركز إقليمى وهام، فيما يتعلق بتطبيقات التكنولوجيا المالية.

فضلاً عن اعلان البنك المركزى عن سعيه لتدشين أول بنك رقمى فى مصر، كما فتح الباب للبنوك لتقديم طلبات لإنشاء بنوك رقمية تعتمد بشكل أساسى على الخدمات المالية الإلكترونية، وشرع فى دراسة لإصدار أول عملة رقمية مصرية، بجانب ذلك دشن المركزى مركز الاستحابة لطوارئ الحاسب الآلى لتأمين المعاملات المصرفية فى ظل انتشار الخدمات المالية الإلكترونية.

وظائف متعدد:

ان الإجراءات المتعلقة بالتكنولوجيا المالية التى اتخذها البنك المركزى الفترة الأخيرة تشكل أهمية كبيرة للسوق المحلية؛ إذ تعتبر بداية الجهود التى تتخذها جهة رقابية فى مصر لتشجيع أفكار التكنولوجيا المالية، كما تعتبر خطوة مهمة نحو تحويل مصر لمركز إقليمى وعالمى مهم على مستوى التكنولوجيا المالية .

ونجاح هذه التجربة سيحدث ثورة فى مجال التطبيقات الخاصة بالتكنولوجيا المالية؛ خاصة أن دولة بحجم مصر تضم 100 مليون نسمة.

ومن أهم المزايا الاقتصادية المترتبة على استخدامات التكنولوجيا المالية فى مصر ما يلى :-

1) تحسين الشمول المالى:

سوف يحقق القطاع المصرفى مردودًا إيجابيًا من هذه التطبيقات من خلال تطوير الخدمات المصرفية وفقًا لأحدث التكنولوجيا، وزيادة قدرته على ضم مزيد من المواطنين ضمن منظومة الشمول المالى، وخفض استخدام النقود الورقية ، كما أنها بديلاً قابلاً للتطبيق لتحل محل الخدمات المصرفية التقليدية في المناطق الحضرية والريفية على حد سواء خاصة فى ظل وجود نحو 67% من سكان مصر لا يتعاملون مع البنوك ، ونحو 44% من البالغين يستخدمون خدمات الانترنت عبر الهواتف المحمولة.

وتشير دراسة أخرى للتحالف الدولى للشمول المالى بالتعاون مع البنك المركزى حول الخدمات المالية فى مصر، إلى أن مستخدمى الدفع من خلال الهاتف المحمول فى مصر يصل لنحو 10.5 مليون حساب لـ9.4 مليون مستخدم بنهاية مايو 2020، ( %71 من المستخدمين ذكور و%29 إناث) ، بينما تصل حجم العمليات الشهرية 1.8 مليون عملية بقيمة 727 مليون جنيه، ونحو 4.95 مليار جنيه تدور فى النظام خلال عام 2019. 2)

2)تحسين كفاءة الخدمات المالية :

تتحدى FinTech الهياكل التقليدية للخدمات المالية. حيث يرتبط الكثير من الاهتمام بالتكنولوجيا المالية بالطريقة التي يمكن أن يؤدي بها الخدمات وتحسينها ورفع درجة كفاءتها.

ويتضمن هذا الابتكار تحويل جميع جوانب تقديم الوظائف الأساسية للقطاع المالي مثل تسوية المدفوعات، وتسهيل الاقتراض والادخار، وتقاسم المخاطر، وتخصيص رأس المال.

علاوة على ذلك، يمكن أن تؤدي هذه العملية إلى تغييرات عميقة في البنية التحتية للأسواق المالية، والبنوك شركات التأمين والمعاشات التقاعدية، كما يمكن للابتكار المالي تحسين طريقة عمل القطاعين العام والخاص.

3) سهولة ومرونة المعاملات المالية :

تتمتع FinTech بالقدرة على تقديم خدمات مصرفية ميسورة التكلفة ومريحة وآمنة ، فضلا ًعن سهولة الوصول والقدرة على تحمل التكاليف بشكل أفضل. بالمقارنة مع الخدمات المالية التقليدية المعاملات، كما يمكن لعملاءFinTech زيادة سرعة معاملاتهم المالية من خلال التعامل السلس مع الخدمات المالية الرقمية.

4) تعزيز معدلات النمو الاقتصادى:

لا تساعد FinTech فقط في تحسين الشمول والعمق المالي ولكنها تعمل أيضًا كمحفز لظهور الابتكارات في قطاعات أخرى، مثل الزراعة والبنية التحتية، التي تعزز النمو الاقتصادي والتنمية.

حيث تكمل التكنولوجيا المالية أيضًا التقنيات غير المالية الأخرى وتعزز الابتكار من قبل الحكومة ، مما يمهد الطريق لتطوير الاقتصاد الرقمي في المنطقة.

كذلك تساعد التكنولوجيا المالية فى تعزيز الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد المصرى من خلال توفير وصول سهل لمجموعة متنوعة من المنتجات والخدمات المالية (والتسهيلات الائتمانية) للأفراد أيضًا كشركات صغيرة ومتوسطة وكبيرة ، والتي يمكن أن تعزز إجمالي الإنفاق والإنتاج؛ وبالتالي تحسين مستويات الناتج المحلي الإجمالي.

وفى الختام يمكن القول ان مصر مازالت بحاجة الى تخصيص الموارد لتحسين ثلاثة مجالات رئيسية لتعظيم الفوائد المحتملة للتكنولوجيا المالية وهم :

تطوير البنية التحتية، والتعليم ، والإطار التنظيمي لتلك التكنولوجيا .

كذلك تنسيق سياسة النظام المالي وآلية التعاون مع الجهات القانونية والمؤسسية لتطوير قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ، على وجه التحديد فيما يتعلق بالتكنولوجيا المالية الجديدة والناشئة والتقنيات ذات الأهمية القصوى، بما يساعد على تعزيز المنافسة وحماية العملاء ضد الاحتيال الإلكتروني.

د.جيهان عبد السلام

مساعد مدير المركز في الملفات الاقتصادية والدراسات الإفريقية. -أستاذ مساعد الاقتصاد بجامعة القاهرة. -حاصلة على دكتوراه الاقتصاد بكلية الدراسات الأفريقية العليا. -عضو هيئة تحكيم البحوث الاقتصادية لدى المركز الجامعي لترامنست. -عضو هيئة تحكيم لدى كلية الاقتصاد والإدارة وعلوم التيسير. -عضو هيئة تحكيم لدى جامعة الشهيد لخضر. -خبير اقتصادي وكاتبة في العديد من المجلات العلمية ومراكز الدراسات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى