استراتيجية مغايرة: كيف تتحرك الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط؟
هند عثمان
بعد تولى الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن، رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية رسميا في العشرين، من المتوقع أن تعتمد إدارته الجديدة على إستراتيجية مغايرة لسلفه ترامب، الذي كانت سياساته في الشرق الأوسط أكثر اندفاعية، بينما يبدو بايدن أكثر مرونة وعقلانية، وحريصا على استمرار الدور التقليدي للولايات المتحدة ومصالحها في الشرق الأوسط.
سيما وأن المنطقة بملفاتها الساخنة، تبدو واحدة من أكثر مناطق النفوذ الأمريكي إثارةً للجدل خلال فترة الرئيس ترامب، والذي اعتمدت سياساته في المنطقة على ما يشبه الصفقات التجارية أحادية المكاسب، والبعيدة عن الالتزام بالاتفاقات الدولية – التي تحصل من خلالها أمريكا على صفقات تمايزية- لكن مع تولى بايدن، من الواضح أنه سيكون هناك نهجا مختلفا للسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط. ومن أهم الملفات على أجندة الولايات المتحدة لجو بايدن في الشرق الأوسط ما يلي:
واقع لا يتغير:
بمجرد فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن؛ سارعت القاهرة بتهنئته، في ضوء الأهمية الإستراتيجية التي تحكم علاقات القاهرة وواشنطن منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد 1979 وحتى يومنا هذا، فمنذ ذلك التاريخ، وتحكم علاقة البلدين، ثوابت وأطر استراتيجية، في تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من عدم نشِر تصريحات لجو بايدن خلال فترة الانتخابات حول إمكانية دعم جماعة الإخوان في المستقبل، هناك احتمالات ليست مؤكدة من دعم بايدن للإخوان سواء في مصر أو أي دولة أخرى، فلم يُعرف عن بايدن مواقف محددة تجاه الشأن المصري خلال السنوات الأخيرة، إلا تغريدة على منصة تويتر، علق من خلالها على وفاة مصطفى قاسم- المواطن الأميركي من أصل مصري، والتي عبرت -تغريدته -مبكرا عن تطابق مواقف بايدن مع مواقف الحزب الديمقراطي التقليدية.
على صعيد آخر يدرك بايدن أهمية المساعدات الأمريكية المقدمة لمصر، في خدمة المصالح الأمريكية، والتي تتعزز من خلال دور مصر المحوري في المنطقة، وعبر التواجد المصري ضمن مجموعة واسعة من السياقات، التي تساهم في ذلك الحفاظ على السلام والاستقرار الإقليمي، وهو ما ينبئ باستمرار وضعية المساعدات الأمريكية لمصر على حالها، هذا إلى جانب ما يتوفر لمصر من خبرات في مجابهة الإرهاب، الذي يهدد المنطقة، مما يدفع بمواصلة العمل بين القاهرة و واشنطن في هذا الاتجاه.
أجندة متجددة:
تبرز عدة ملفات تتعلق بالموقف المرتقب من إدارة بايدن، تجاه التحالف الخليجي القوي الذي أقامه ترامب، مع عدد من الأنظمة الخليجية، منها النظام السعودي والإماراتي، والذي حازا على دعم ترامب، من خلال حماية أهم مصالحهم الإقليمية، واستمرار ممارسة الضغوط على فرض العقوبات على إيران، وإتمام صفقات مبيعات الأسلحة.
لكن تبدو من أهم الملفات المقلقة للسعودية، هو تراجع إدارة بايدن عن العقوبات ضد إيران والعودة إلى الاتفاق النووي، والحد من مبيعات الأسلحة للسعودية، إضافة إلى تزايد المعارضة داخل الكونجرس الأمريكي، للحرب الدائرة في اليمن والتي قد يؤدى إستمرارها، إلى زيادة الأوضاع الإنسانية مأساوية، مما ينذر بوقع كارثة إنسانية، وقد أعلن بايدن أنه سيعيد النظر في عمليات بيع الأسلحة للسعودية، خشية استخدامها في استمرار الصراع في اليمن، والذي من المتوقع أن تضغط الإدارة الأمريكية الجديدة على اللاعبين الإقليميين لإنهائها.
وبالتالي من المتوقع أن يحدث تغيير كبير في السياسة الأمريكية تجاه العلاقات مع الدول الخليجية، فقد تكون هذه السياسة أكثر ميلاً لإيران وأقل موالاة للسعودية، ما قد ينهي الدعم الأمريكي للصراع في اليمن.
حسابات دقيقة:
هناك نظرة تفاؤلية بخصوص إدارة بايدن للملف الخاص بالقضية الفلسطينية، فقد يسعى لإعادة التواصل مع الفلسطينيين، من خلال إعادة تقديم المساعدة الأمريكية للفلسطينيين، وإعادة فتح البعثة الفلسطينية في واشنطن، والعودة إلى مسألة حل الدولتين، والتي قال عنها بايدن، أكثر من مرة أنه لا يزال يعتقد أنها الحل الأمثل للقضية الفلسطينية وأمن إسرائيل. وقد يسعى بايدن لإعطاء الفلسطينيين بعض الحقوق، في ضوء معارضته لمشاريع ضم أراضي الضفة الغربية لإسرائيل، إذ أعلن سابقا، أنه سيعمل على إنشاء قنصلية أمريكية في القدس الشرقية، على الرغم من تأكيده على صداقته مع إسرائيل، وحرصه على الحفاظ على مصالح الدولة العبرية.
أما بالنسبة إلي التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، فقد رحب بايدن والديمقراطيين باتفاقيات تطبيع العلاقات بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين والسودان، ويسعى للاستمرار في التطبيع بين العواصم العربية واسرائيل، باعتبار ذلك – بحسب ما يراه- يصب في اتمام عملية السلام، ويشجع إسرائيل على تقديم تنازلات للفلسطينيين.
تركيا وإيران:
بعد أن شهدت العلاقات الأمريكية توترا متصاعدا خلال ولاية الرئيس ترامب، على خلفية الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي المبرم مع إيران عام 2015، واتهام الأخيرة بضلوع واشنطن في اغتيال قاسم سليماني، من المتوقع أن يسعى بايدن إلى تقليل حدة التوتر مع إيران، بعدما انتقد سياسة ترامب واعتبرها سبب رئيسي في جعل إيران أقرب لامتلاك سلاح نووي. وفي نفس السياق وضع بايدن شروطا للعودة للاتفاق النووي، منها امتثال طهران الكامل لخطة العمل الشاملة التي يتضمنها هذا الاتفاق، ووضع المشروع البالستي الإيراني تحت المجهر الدولي، والحد من أنشطة طهران العدوانية في المنطقة، بوقف تدخلاتها في العراق وسوريا واليمن ولبنان، وإن كانت مساعي بايدن، ستصطدم بالعقوبات التي فرضها ترامب على إيران، حيث تصر الأخيرة على الحصول على تعويض من واشنطن عما لحق باقتصادها من أذى بسبب تلك العقوبات.
أما فيما يتعلق بتركيا، فقد بدا من الواضح رفض بايدن لسياسات تركيا، وعدم قبوله لتنامي التيارات الراديكالية في المنطقة، فمن المتوقع توتر العلاقات بين بايدن وأردوغان، على خلفية قضايا، التدخل التركي في سوريا، ودعم التنظيمات الإرهابية، واضطهاد الأكراد، وإصرار تركيا على امتلاك منظومة إس400، وهي قضايا يمكنها مفاقمة التوتر في العلاقات التركية الأمريكية، أمام رفض الرئيس أردوغان الانسحاب من سوريا، أو وقف التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، أو المساومة بورقة اللاجئين مع دول الاتحاد الأوروبي، أو العلاقات مع روسيا وإيران.
في النهاية يمكن القول، إن مرحلة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، تمثل مرحلة صاخبة في تاريخ الولايات المتحدة، ويتوقع مع تولي الرئيس الجديد جو بايدن، عودة السياسة الأمريكية إلى نهجها التقليدي، خاصة وأن غالبية الأمريكيين يريدون تقليل تدخل بلادهم في الصراعات الخارجية، وترك الدول تتولى شؤونها بنفسها، وهو ما يدفع بايدن إلى تغيير سياسات ترامب الاندفاعية.