في عيده الـ 70.. أين يتموقع الفلاح في استراتيجية البنك الزراعى؟
وضع البنك الزراعي المصري منذ الـ 23 من فبراير 2020 استراتيجية شاملة لإنقاذ ودعم ما يزيد عن 5,2 مليون مشتغل بالقطاع الزراعي، بما يمثل 19,8% تقريبا من المشتغلين في السوق المصري، وإدراكاً للمسئولية المجتمعية والدور الخدمي والمصرفي للبنك، سعى القائمون على إدارته بالتعاون مع جهات أخرى إلى المحافظة على الدور الذي يلعبه الفلاح المصري، ومساهمته في توفير مخزون استراتيجي من السلع المُتنافس عليها عالمياً في الوقت الراهن.
ومن منطلق حرص البنك الزراعي على تفادى التأثيرات السلبية للأزمة الاقتصادية المالية العالمية بعد الحرب الأوكرانية على القطاع الزراعي المصري، واستمراره-أي القطاع الزراعي، بل زيادة نسبة دعمه في الناتج المحلي الإجمالي الذي يقدر بـ 14,8% تقريبا خلال عام 2020و2021- قام البنك في عيد الفلاح الـ 70 بتقديم سلسلة من الحوافز الضرورية، وذلك لتفادى هذا القطاع أي صدمات اقتصادية عالمية محتملة، بالإضافة إلى حدوث انعكاسات اجتماعية ايجابية على أسر هذه الفئة المصرية (الفلاحين أو المزارعين) يعد أهمها القضاء مستقبلاً على ظاهرة تسرب أبناء الفلاحين من المدارس، خاصة الحائزين على حيازة زراعية تقل عن النصف فدان، والذين تأثروا بضغوط ارتفاع الأسعار العالمية.
تأسيساً على ما سبق، يحاول هذا التحليل إلقاء الضوء على مكانة الفلاح المصري في استراتيجية البنك الزراعي المصري منذ فبراير 2020، متناولاً مستوى الخدمات التي يقدمها البنك للفلاح المصري في عيده 2022، وحدود تأثير هذه الخدمات على المستوى الإنتاجي ومن ثم الاقتصادي والاجتماعي للفلاح المصري.
تموقع جديد:
ظلت مكانة الفلاح المصري في استراتيجة عمل البنك الزراعي المصري (بنك التنمية والائتمان الزراعي سابقا) تتموقع طوال الوقت في الجزء التقليدي منها، حيث كان يقتصر دعم البنك الزراعي للفلاح أو المزارع المصري على أطروحات تقليدية تقتصر على العلاقة الأبدية بين الفلاح وأرضه- أي الدعم المحدود لمستلزمات إنتاجه، الذي كان يتمثل في توزيع الأسمدة المدعومة من الدولة أو توصيل قيمة المحاصيل الزراعية المباعة لشركة السكر والصناعات التكاملية القائمة على علاقة تعاقدية بين الأطراف الثلاثة (مزارع القصب وشركة السكر وبنك التنمية) أو توفير مستلزمات الإنتاج المتمثلة في الجرارات الزراعية والآلات التابعة لها بأقساط تكون بضمان الحيازة الزراعية، هذا بالإضافة إلى الإقراض للفلاح باسم المواشي والتسليف بضمان الحيازة الزراعية.
بالتالي، لم تتغير العلاقة التقليدية بين المزارعين والبنك الزراعي بصورة مربحة للطرف الآخر، إلا منذ فبراير 2020، وهو تاريخ اتباع البنك استراتيجية جديدة مغايرة في ملامحها عن ما سبقها، تعتمد على منطلقين أساسيين همها: الأولى، مساندة الفلاح ودعمه، والثانية، تتمثل في تحسين وضعه وتخفيف عبء تجديد زراعاته أو استبدال محاصيله الزراعية بالمتطورة، وقد تمثلت أهم ملامح هذه الاستراتيجية في عيد الفلاح الـ 70، فيما يلي:
(*) السلف الزراعية غير المربوطة: وهنا تجدر الإشارة إلى حدوث تحول كبير في نمطية شروط تقديم البنك الزراعي (الائتمان الزراعي سابقا) للسلف الزراعية للفلاحين، حيث كانت تُربط في الماضي بمواسم زراعية بعينها سواء “سلفة عقلة القصب” أو “سلفة تثمين المواشي” وغيرهما وفي كل الأحول كانت تبتعد تلك السلف عن المساحات الزراعية المستصلحة حديثا- الصحراوية التي لا يمتلك أصحابها حيازة زراعية- وكذلك زراعات الفاكهة، وبالتالي كانت لا تساعد الزراع الجدد في تحمل جزء من تكلفة الإنتاج، ناهيك عن البطء في تسليم السلفة، التي كانت تتراوح مدة الحصول عليها منذ تقديم أوراق الحيازة حتى استلام النقود من 25- 45 يوماً يكون خلالها مالك الحيازة دائم التردد على بنك قريته أو الفرع المركزي بالمدينة، وهو ما تلاشته تماماً استراتيجية التسليف الراهنة للبنك، التي تهدف إلى تحمل تكاليف الزراعة لصغار المزارعين أياً كانت مناطقهم الزراعية فى مواجهه أي زيادة قد تطرأ على أسعار مدخلات التشغيل والإنتاج، حيث قام البنك الزراعي المصري مؤخراً بتحريك مبالغ التمويل لبعض المحاصيل الزراعية بنسب تصل إلى 70% بالتنسيق مع وزارة الزراعة، ساعياً إلى تقليل الآثار الناجمة عن الارتفاع العالمي فى أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعي، وتقليل أثارها على صغار المزارعين وسكان الريف.
هذا بالإضافة إلى السف السريعة، التي تصل في وقت قصير جدا لصاحبها لإنقاذ المساحات المزروعة، التي كان يتعرض بعضها للهلاك بسبب البطء الشديد في تسليم قيمة السلفة، حيث يقدم البنك الزراعى بمناسبة عيد الفلاح الـ70 إمكانية الحصول على تمويل المحاصيل الزراعية أو ما يعرف “بالسلف الزراعية ” إلكترونياً بشكل كامل من خلال المنصة الزراعية “أجرى مصر” للتيسير على المزارعين والحصول على تلك الخدمة بسهولة، حيث يمكن للعميل التقدم بطلبه على المنصة الزراعية، ويتم إنهاء كافة مراحل وإجراءات الإقراض فى الحال بعدها يتم صرف مبلغ القرض للعميل من أى فرع من فروع البنك المنتشرة فى كافة أنحاء الجمهورية أو تحويله على كارت ” الفلاح – ميزة ” لصرف التمويل المطلوب.
(*) برنامج التمويل متناهي الصغر “مشروعك بإيدك”: يمثل هذا البرنامح امتداداً للنجاح الذى حققه برنامج باب رزق فى دعم وتمويل المشروعات متناهية الصغر للمرأة الريفية والشباب وصغار المزارعين والعاملين فى الصناعات الريفية والحرفية، وهم نفس الفئات المستهدفة من البرنامج التمويلى الجديد ” مشروعك بإيدك “، الذي يهدف لمساعدة المستفيدين من باب رزق لاستكمال نجاح مشروعاتهم، ونمو حجم أعمالهم من خلال زيادة قيمة التمويل الممنوح لهم ليتراوح بين 25 و50 ألف جنيه بنفس فائدة باب رزق، وفترة سداد تصل إلى 3 سنوات، ويتمتع الحاصلين على تمويل مشروعك بإيدك بعدد من المميزات الإضافية من بينها، تحمل البنك لنفقات التأمين على الحياة للعميل خلال مدة التمويل، وحصوله على وثيقة “معاشك بإيدك” بالتعاون مع شركة مصر لتأمينات الحياة، بالإضافة لفترة سماح لمدة شهرين مع بداية التمويل.
(*) خدمات ومنتجات بنكية مميزة للفلاحين: حيث يتيح البنك فتح الحسابات مجاناً بدون أي مصاريف إدارية، بالإضافة إلى خدمات إصدار البطاقات المدفوعة مقدماً وبطاقات ميزة بالمجان. فهذه التسهيلات من شأنها أن تُحسن مستوى دخل ومعيشة الفلاح المصري وأهل الريف بشكل عام.
(*) قروض الفائدة المنخفضة: حيث يقدم البنك قروضاً بفائدة مخفضة أو من غير أي احتساب عبء دين على المقترض، بهدف دعم خطة الدولة لتطوير الزراعة، وذلك على النحو التالي:
(-) قرض التحول للرى الحديث: يقدم البنك الزراعي المصري قروض التحول للرى الحديث دون احتساب نسبة عبء دين على المقترض بنسبة فائدة صفرية بضمان وزارة المالية لأول مرة فى تاريخ الجهاز المصرفي، يُسدد هذا القرض على فترة سداد 10 سنوات، وتصل قيمة القرض إلى مليوني جنيه حسب عدد الأفدنة.
(-) قرض البتلو بفائدة 5%: وتعتبر فائدة هذا القرض متناقصة، وهى أقل نسبة عبء دين مقدمة على هذا المنتج، وتصل قيمة القرض إلى 15 ألف جنيهاً على الرأس الواحدة، هذا بخلاف قرض مخصص لتكاليف العلف، ويعمل هذا القرض فى تمويل البتلو البلدى والمستورد.
(-) قرض الزراعة (المحاصيل النباتية): وتصل الفائدة على هذا القرض إلى 5% متناقصة سنوياً ويُسدد على عام كامل.
(-) قرض المشروعات الصغيرة: يشمل هذا القرض “قروض” المشروعات الزراعية والصناعية والتجارية بنسبة فائدة 5% وتختلف قيمة القرض من عميل لأخر.
(-) قرض باب رزق (صغار العملاء من الحرفيين والمرأة): وتكون نسبة عبء الدين على هذا القرض بسيطة ودون احتساب أى مصروفات إدارية، وقيمة القرض تتراوح من 3 حتى 10 ألاف جنيهاً، ويُصرف القرض بموجب البطاقة الشخصية وإيصال مرافق فقط.
يتضح مما سبق، وفي المجمل أن البنك الزراعي المصرى يٌولى اهتماماً كبيراً بالفلاح المصري، وخلال عيده 2022 وفي ظل الظروف الاقتصادية الضاغطة على كل شرائح المجتمع المصري، يقدم البنك الكثير من الهدايا للمزارعين، التي أهمها سهولة الحصول على التمويل الزراعي، حيث خفض البنك الزراعي من تكلفة الاقتراض على الفلاح، بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات تُسهل على الفلاح الحصول على القروض الزراعية دون تعقيد ويسر كما كان يحدث في الماضي، وذلك تفاديا لهلاك بعض المحاصيل الزراعية وتجديد بعضها بسلالات محسنة تزيد من الإنتاج وتقلل من استهلاك المياه وتوفر وقت في الدورة الزراعية.
انعكاسات واضحة:
استراتيجية التسليف والإقراض التي يتبعها البنك الزراعي المصري منذ فبراير 2020، وقيامه بتطويرها في عيد الفلاح 2022- انعكست على الواقع الاجتماعي للفلاح المصري، وذلك على النحو التالي:
(&) معالجة الخلل في عملية التسليف والإقراض، وبالتالي تحقق المزيد من الاطمئنان الاجتماعي المنبثق من رمزية البنك الزراعي المصري في القرى والنجوع، المنعكس بالإيجاب على نسبة تسرب أبناء الفلاحين من المدارس، خاصة أصحاب الحيازة الأقل من نصف فدان: فقبل سياسات الاهتمام بالفلاح المصري من قِبل البنك الزراعي المصري- أي قبل فبراير 2020، كان المزارع يعانى من اضطرابات اجتماعية نتج عنها تسرب عدد كبير من أبناء المزارعين من المدارس، حيث أدت صعوبة الحصول على التمويل اللازم لشراء المنتجات الزراعية، ناهيك عن طول فترة التسليم-القرض أو السلفة- للحاصلين عليه، في معاناة الكثير من الفلاحين بسبب تعثرهم في سداد الديون، التي كانت تؤدي في أغلبها إلى إتلاف المحاصيل الزراعية بسبب بط عملية صرف السلف وطول مدة تسليمها، وهو ما جعل كثير من الفلاحين يتركون أرضهم الزراعية وتحويل نشاطهم الزراعي إلى نشاطات أخرى، بالإضافة استخدام أطفالهم في العمالة اليومية من أجل المعيشة في حدها الأدنى، حيث كان دخلهم لا يناسب نفقاتهم اليومية.
(&) شمولية المسئولية المجتمعية للبنك ورقمنة استخدامات الفلاح: الواضح أن سياسات التطوير التي استهدفت الفلاح المصري من قبل البنك الزراعي، انعكست على إحساس الفلاح بذاته، فعملية رقمنة استخداماته الزراعية، بالإضافة إلى توسيع مستوى المسؤولية المجتمعية للبنك الزراعي في القرى والنجوع، أحدثت تحول مجتمعي بين أبناء تلك الفئة، خاصة داخل المدارس أو في التعامل مع المتاجر والأسواق التي تلبي احتياجاتهم اليومية كغيرهم من أبناء المجتمع، كما تمكن الفلاح المصري من خلال المبادرات الزراعية التي أطلقها البنك الزراعي خلال الثلاث أعوام الأخيرة، من التكيف مع الصدمات الاقتصادية التي تعرضت لها جميع فئات المجتمع بسبب تداعيات أزمتى فيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية
فوفقا للخبراء والمتخصصين في سوسيولوجيا المجتمع، فإن المبادرات التي تبناها البنك الزراعي في الفترة الأخيرة، تسببت في اتساق مجتمعي بسبب التحولات الايجابية التي أحدثتها هذه المبادرات، التي من أهمها مبادرة تسوية الديون المتعثرة بقيمة 3.6 مليار جنيه، كذلك زيادة الفئات التسليفية للمحاصيل الزراعية لتتناسب مع ارتفاع تكاليف الزراعة ومستلزمات الإنتاج، وتخفيض الفائدة على القروض التى يحصل عليها مما يقلل من أعباء الاقتراض التى يتحملها، فأصبح للفلاح الجهة التمويلية التى تتيح له الحصول على التمويل من خلال أسهل الإجراءات مما حسن مستوى المعيشة له وأسرته. فكما نرى من الشكل التالي وصل حجم تمويل قروض المحاصيل إلى 7.6 مليار جنيه، وحجم تمويل مشروعات الثروة الحيوانية قد قُدر بـ 13 مليار جنيه فى يونيه 2022، حيث وصل إجمالي محفظة القروض 60.288 مليار جنيه فى يونيه 2022 مقارنة بـ 56 مليار جنيه فى 2021.
المصدر: الشكل من إعداد الباحثة بالاعتماد على بيانات البنك الزراعى المصرى
في النهاية، يمكن القول إن سلسلة الحوافز المقدمة من البنك الزراعي للفلاحين المصريين في عيدهم الـ 70، والتي أهمها قيام البنك بإسقاط الديون عن عدد كبير منهم كنوع من أنواع الخدمات التي قدمتها الدولة للفلاح- تمثل حائط صد للتخفيف من أي تداعيات مستقبلية للآثار الجديدة المحتملة للحرب الروسية الأوكرانية، كما أن مظاهر التحول الرقمي التي يفعلها البنك بالتعاون مع جهات أخرى بالدولة لخدمة الفلاح، منها طباعة ما يزيد عن 3 ملايين من كارت الفلاح من بينهم 1.2 مليون كارت مزود بخاصية ميزة لبناء قواعد بيانات إلكترونية للإنتاج الزراعي، بالإضافة إلى مبادراته الرقمية المالية المتمثلة في السلف والقروض الالكترونية-ستنعكس بالإيجاب على أبناء هذه الفئة من المجتمع.