COP27.. أي دور يمكن أن تقوم به مصر لتلبية مطالب شعوب العالم؟
تستضيف مصر مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ في دورته السابعة والعشرينCop 27، بمدينة شرم الشيخ، خلال الفترة من 6 إلى 18 نوفمبر 2022، ويكتسب هذا المؤتمر أهمية بالغة؛ باعتباره الحدث الأكبر عالميًا، الذي يبحث التصدي لظاهرة التغيرات المناخية، ويشارك فيه رؤساء وممثلو الدول والحكومات ومنظمات المجتمع المدني، كما يأتي المؤتمر في وقت تشهد فيه عديد من الدول ظواهر مرتبطة بالتغيرات المناخية، والتي تمتد تأثيراتها السلبية إلى كافة دول العالم، مما يتطلب اتخاذ إجراءات فعالة للحد من تداعياتها، وإيجاد آليات تساعد على التكيف معها، وهو ما تحاول مصر طرحه في مؤتمرCop 27؛ فما هي المرتكزات التي تستند إليها الرؤية المصرية تجاه معالجة قضايا التغيرات المناخية؟ وهل يمكن أن يشهد المؤتمر تحولاً فعلياً في مواجهة التداعيات المتنامية للتغيرات المناخية؟
التجربة المصرية في التعامل التغيرات المناخية:
تسببت الأنشطة الصناعية منذ بداية الثورة الصناعية وحتى الآن، في أضرار بيئية ومناخية جسيمة؛ تعاني منها كل الدول والمجتمعات على السواء، فقد أدى تنامي تلك الأنشطة إلى تغير المناخ، نتيجة ارتفاع معدلات الحرارة على سطح الأرض، وتغير في خصائص المناخ.
وقد بدأت مصر في التعامل مع قضايا التغييرات المناخية منذ عام 1992، حيث انخرطت بقوة في سياسات مكافحة التغيرات المناخية من خلال الموافقة والتصدّيق على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، وبروتوكول كيوتو، واتفاق باريس وتقديم التقارير والبلاغات الدورية المطلوبة في إطارها، فضلاً عن التزامها بالإجراءات الدولية الخاصة بمواجهة التغيرات المناخية.
وقد وضعت مصر رؤية إستراتيجية شاملة للتعامل مع التغيرات المناخية، اشتملت على ما يلي:
(*) الاهتمام بملف التغيرات المناخية على المستوى الرئاسي، حيث ترأس الرئيس “السيسي” لجنة الرؤساء الأفارقة المعنيين بتغير المناخ عامي 2015 و2016، وأطلق حينذاك مبادرتين أفريقيتين، تعني أولاهما بالطاقة المتجددة في أفريقيا، والأخرى بدعم جهود التكيف في القارة، وترأست مصر عام 2018 مجموعة الـ 77، والصين في مفاوضات تغير المناخ، وكذلك مجموعة المفاوضين الأفارقة، فضلاً عن حضور الرئيس “السيسي” القمة العالمية للتغيرات المناخية بجلاسكو “كوب 26″، والذي أعلن خلاله عن استضافة مصر للقمة القادمة «COP27» بمدينة شرم الشيخ، كما تم تشكيل لجنة عليا برئاسة رئيس الوزراء، استعداداً لتنظيم هذه القمة، وكذلك وإعادة تشكيل المجلس الوطني للتغير المناخي ووضع استراتيجية شاملة لمواجهة التغيير المناخي.
(*) وضع قضايا التغير المناخي على أولويات أجندة الحكومة المصرية، حيث جرى دمج قضايا الاستدامة البيئية والتغير المناخي في عملية التخطيط المحلي والوطني والسياسات الاقتصادية المختلفة، إلى جانب إنشاء العديد من المبادرات على المستويين الوطني والإقليمي، كان منها إنشاء مركز المرونة والتكيف الأفريقي بالقاهرة؛ بهدف دعم التنسيق على المستويات الإقليمية/ الوطنية/ المحلية، لتعزيز العمل على أرض الواقع من خلال تقديم المشورة والدعم لصانعي القرار والممارسين في البلدان الأفريقية.
(*) تنفيذ مشروع الخريطة التفاعلية لمخاطر ظاهرة التغيرات المناخية على جمهورية مصر العربية، وتخطيط والشروع في تنفيذ العديد من المشروعات ضمن رؤية وقائية، استعداداً لأي انعكاسات محتملة للتغيرات المناخية، والتي من بينها:
(-) إطلاق مشروع التكيف مع التغيرات المناخية بدلتا نهر النيل والسواحل الشمالية بمصر: فقد بدأ تنفيذ المشروع عام 2010، وانتهى تنفيذ المرحلة الأولي منه عام 2017، أما المرحلة الثانية فقد بدأ تنفيذها عام 2019 ومن المقرر انتهاء هذه المرحلة عام 2025، إضافة إلى تنفيذ عدد من أعمال الحماية ومشروعات تجريبية لحماية المناطق الأكثر تأثرا بارتفاع سطح البحر، تعزيز قدرات التأقلم للنظم الطبيعية.
(-) مشروع بناء مرونة نظم الأمن الغذائي (WFP): لتحسين القدرة على التكيف لمواجهة الانخفاض المتوقع في الإنتاج الغذائي في مصر، بناء القدرات المؤسسية على جميع المستويات للاستدامة وتقديم حلول وتكرارها في باقي المحافظات، التأقلم مع تغير المناخ من خلال نقل وتطوير التكنولوجيا في المجالات الزراعية، إنشاء نظام للإنذار المبكر عن التغيرات المناخية في عدد من المحافظات المصرية.
(-) إطلاق الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ في مصر 2050: والتي تستهدف تحقيق نمو اقتصادي مستدام، بناء المرونة والقدرة على التكيف مع تغير المناخ بالتخفيف من الآثار السلبية المرتبطة بتغير المناخ، تحسين حوكمة وإدارة العمل في مجال تغير المناخ، من خلال تحديد أدوار ومسؤوليات مختلف أصحاب المصلحة لتحقيق أهداف الاستراتيجية، تحسين البنية التحتية لتمويل الأنشطة المناخية، من خلال العمل على الترويج للأعمال المصرفية الخضراء المحلية، وخطوط الائتمان الخضراء، والترويج لآليات التمويل المبتكرة، تعزيز البحث العلمي ونقل التكنولوجيا وإدارة المعرفة والوعي لمكافحة تغير المناخ.
(-) تنفيذ مشروعات تحلية المياه وإنتاج الهيدروجين الأخضر والتخلص الآمن من النفايات المشعة، وذلك وفق عدد من الاستراتيجيات التي تعزز الانتقال نحو الاقتصاد الأخضر، تشمل “الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية”، و”الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين”، و”الاستراتيجية الوطنية للموارد المائية”، حيث تتجه مصر إلى زيادة نسبة المشروعات الخضراء في الخطة متوسطة المدى والخطة الاستثمارية من خلال تطبيق معايير الاستدامة البيئية، والاستثمار في الهيدروجين الأخضر والنقل النظيف، كما تعد مصر أول دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تطلق “سندات خضراء” بقيمة (750) مليون دولار؛ لتمويل المشروعات الخضراء خاصة في مجال النقل النظيف، وتعمل على تشجيع البنوك لجذب المستثمرين العاملين في المشروعات الخضراء ومنخفضة الكربون، بالتزامن مع العمل على وضع استراتيجية منخفضة الكربون.
(-) إطلاق عدة مشروعات عملاقة للطاقة المتجددة: -أهمها محطة بنبان للطاقة الجديدة والمتجددة- تبلغ إجمالي تكلفتها 92.3 مليار جنيه، توفر قدرات إضافية بنحو (5303) ميجاوات من طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة المائية، وقد ارتفع إنتاج مصر من الطاقة المتجددة المنتجة من مشروعات هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة بأكثر من 22% على أساس سنوي خلال عام2021، ليصل إلى 4.5 ألف ميجاوات ساعة، كما نفذت الحكومة مبادرة للتحول نحو الغاز الطبيعي، لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، وتسريع التحول إلى المركبات الكهربائية، وحشد التمويل اللازم لذلك.
(-) تنفيذ عدد من المشروعات الخاصة بالحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون: خاصة في قطاع النقل، وذلك بالتوسع في أنظمة النقل العام المتطور ووسائل النقل غير الآلي، بما في ذلك ركوب الدراجات، ومشروع استدامة النقل، والأتوبيس الكهربائي وتحويل السيارات للعمل بالغاز الطبيعي أو الكهرباء.
(-) تنفيذ مشروع تبطين الترع: لتقليل فاقد المياه، تحلية مياه البحر والحماية من السيول، وتنفيذ أكبر منشأة لمعالجة مياه الصرف في العالم في مصرف بحر البقر، وأيضًا مشروع تحسين كفاءة الطاقة.
(-) بناء شبكة ومنصة بحثية: تضم كافة المعاهد والمراكز البحثية العاملة في قضية التغيرات المناخية والتنمية المستدامة، على المستوي المحلي والأفريقي، ضمن استعدادات تنظيم مؤتمر المناخ «COP27» في مصر.
ما سبق الإشارة إليه يؤكد أن مصر تعمل مصر بشكل حثيث على مواكبة التحديات المصاحبة لاستخدام البدائل الصديقة للبيئة، وقد ساهمت الإجراءات التي اتخذتها مصر في أن تتقدم 20 مركز في السياسية المناخية “مؤشر أداء تغير المناخ” الصادر عن مؤسسة “جيرمان ووتش” في نوفمبر 2021، حيث جاءت مصر في المرتبة المرتبة 29 عام 2022، مقارنة بالمرتبة 49 عام 2021، كما تقدمت مصر في مؤشر استخدام الطاقة لتحتل المرتبة 12 عام 2022 مقارنة بالمرتبة 14 عام 2021.
COP27.. أجندة مزدحمة ومبادرات منتظرة:
من خلال متابعة الاهتمامات العالمية والتحركات الدولية الخاصة بمتابعة تطورات التغيرات المناخية وتأثيراتها الممتدة عبر دول العالم، يتضح وجود الكثير من الملفات المناخية الشائكة المطروحة للنقاش في مؤتمر المناخ Cop 27، ويأتي من أهمها:
(&) مناقشة الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والصحية المترتبة على استخدام مصادر الطاقة التقليدية، وطبيعة الإجراءات القانونية والتشريعية المتبعة للحد من الآثار السلبية للتغيرات المناخية، وجهود خفض الانبعاثات الكربونية ومواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري، والبحث عن بدائل تسهم في الحد من التأثيرات المناخية الضارة، وتحقيق الاستدامة.
(&) الملف المتعلق ببحث آثار تغير المناخ في القارة الأفريقية، ومستوى الجهود الدولية لمساعدة الدول الأفريقية على التكيف مع التغيرات المناخية للحد من الآثار السلبية عليها، والتي تحتاج إلى إجراءات وخطوات عملية ملموسة لدعم الدول الأفريقية في تعاملها مع تلك الآثار.
(&) قيادة مصر للمساعي الدولية؛ لتأمين المساعدة الفوريّة للبلدان التي تعرضت للتأثيرات السلبية للتغيرات المناخية، وتحديد كيفية التزام الدول الصناعية بتعهداتها المالية تجاه الدول النامية؛ حيث تعول الأخيرة، ومنها الدول الإفريقية، على الوعود المقدمة من الدول الغنية والمؤسسات الدولية بتوفير تمويلات بنحو 100 مليار دولار سنويا من أجل المساهمة في جهود التكيّف والحلول البديلة لتحقيق التنمية المستدامة، ومنها التنمية البيئية ومكافحة التغيرات المناخية.
(&) مدى إمكانية الاتفاق على آليات للتعامل الدولي الفوري مع آثار الكوارث الطبيعية الناتجة عن التغير المناخي، والتعامل بجدية مع الاحتياجات الملحة للمجتمعات الأكثر تضررًا للتصدي لهذه الآثار السلبية لظاهرة التغير المناخي، والتعامل مع الخسائر والأضرار الناتجة عنها.
(&) مساعي التوصل إلى آليات للتمويل المبتكر لمشروعات المناخ مثل السندات الخضراء والزرقاء وغيرها من الأدوات التي تضمن تمويل العمل المناخي، والربط بين الموازنات العامة للدول والعمل التنموي، والعمل على تحفيز جميع الأطراف المحلية الفاعلة لتنفيذ مشروعات خضراء ذكية ومستدامة تسهم في النهاية في تحقيق عدة أهداف من أهداف التنمية المستدامة بما في ذلك الحفاظ على البيئة.
(&) كيفية توفير الدعم المالي اللازم لتنفيذ اتفاق باريس بشقيه التمويل طويل الأجل والتمويل السريع، وتسهيل عمليات نقل التكنولوجيا الصديقة للبيئة إلى البلدان النامية وتسهيل الوصول إليها والتوسع في استخدامها، والربط بين آليات نقل التكنولوجيا والتمويل وكذلك بناء القدرات الوطنية في المجالات ذات الأولويات الوطنية طبقا لظروف كل دولة.
من خلال ما سبق، فإن قمة شرم الشيخ المناخية 27COP، معنية بالإجابة على العديد من التساؤلات من قبيل، كيف يمكن تعزيز القدرات الدولية على الصمود في مواجهة التغيرات المناخية؟، وهل ما زال بإمكان العالم حسم معركة المناخ؟
وبالتالي فإن قمة 27COP، ستعنى بتحديد ما هو مطلوب من البلدان المتقدمة، تجاه تحمل مسؤولياتها التاريخية عن التغيرات المناخية، وكذلك الإجراءات والممارسات التي يجب اتخاذها من قبل الدول المتقدمة والنامية على السواء، لتقليص حجم المخاطر الناتجة عن الكوارث الطبيعية التي تخلفها التغيرات المناخية، وكذلك خفض الخسائر والأضرار الناتجة عنها.
ويتطلب ذلك الوصول إلى اتّفاق متوازن يتضمن كيفية تعويض الدول المتضررة الالتفات إلى حجم الخسائر والأضرار الجسيمة التي تتكبدها الكثير من دول العالم نتيجة التغيرات المناخية، وأهمية إيجاد آليّة تمويل للخسائر والأضرار التي تسبّب بها تغيّر المناخ في العالم النامي، وكذلك الحاجة إلى وضع قوانين وتشريعات على المستوى الوطني والدولي يجب الالتزام بها وتطبيقها، وزيادة الالتزام الوطني بالتنمية المستدامة وتفعيل تكامل القوانين البيئية ومشاركة كل وحدات المجتمع وإعداد خطط المتابعة وتقييم الآثار البيئية.
لا شك أن مؤتمر المناخ 27COP الحدث المناخي العالمي؛ يضع مصر في مركز متقدم، وفي مجال الاهتمام بالبيئة، وهو ما جعل القاهرة تتخذ المزيد من الإجراءات وتقوم بالعديد من الممارسات التي تنفذها على أرض الواقع، لتؤكد للعالم خطورة الوضع الراهن لتغير المناخ؛ غير أنه وبرغم أهمية ما يمكن أن يطرح من مبادرات، يظل تحديد آليات التنفيذ، ومتابعة عملية التنفيذ من الأهمية بمكان في سبيل تحقيق إنجاز على أرض الواقع.
إن قضايا التغيرات المناخية برغم أنها تحظى باهتمام دولي متصاعد؛ إلا أن هناك حاجة ملحة إلى تضافر كل الجهود، والمزيد من التعاون، واتخاذ إجراءات عاجلة من كافة دول العالم لحماية المناخ، وهو ما تصبو إليه تأمل قمة 27COP، دون الاكتفاء بطرح الرؤى والتوصيات، بل التأكيد على ضرورة التحرك الفوري والفاعل، للحد من تداعيات التغيرات المناخية وتأثيراتها السلبية الراهنة والمستقبلية؛ باعتبارها قضية مصيرية تواجه المجتمعات البشرية، التي ستضطر إلى مواجهة ظروف قاسية غير مسبوقة، تتجاوز خبراتها السابقة وما قد تكون قادرة على التكيف معه، وهو ما قد يُعظّم مخاطر التأثير في المستقبل، ويفرض التزامات على مراكز الفكر ومتخذي القرار حيال وضع رؤية مستقبلية قائمة على خطط وتحركات فورية للحد من التداعيات السلبية للتغيرات المناخية وانعكاساتها على الأمن العالمي.