توظيف متعدد: تأثير الهيمنة الإعلامية في صورة العرب الدولية
د. عبد الناصر سعيد
إذا كان بناء العلاقات بين الدول، يعتمد في الأساس على المصالح، فإن العلاقات بين الشعوب تعتمد في جانب كبير منها على الصور التي تستقر في عقولهم عن بعضهم البعض، ولا شك أن من أهم عوامل تكوين تلك الصور هو الإعلام، الذي يعمل على تشكيل صور ذهنية عن تلك الأشياء التي لا يعرفها الإنسان، خاصة البعيدة عن إدراكه.
تأسيساً على ما سبق، نطرح عدة تساؤلات، هي:
لماذا عجز العرب عن صناعة الصورة الإيجابية لهم على نحو مغاير لما تنشره وسائل الإعلام الغربية؟، ولماذا تستمر الأخيرة في السيطرة على صناعة صورة العرب السلبية، على الرغم من أن التكنولوجيا الاتصالية والمعلوماتية الحديثة متاحة للعرب، كما للآخرين؟.
آليات التكوين:
باعتباره النافذة التي يطل منها الجمهور على كل ما يحيط به من أحداث وقضايا محلية ودولية، يقوم الإعلام برسم الصور الذهنية للدول والمجتمعات عبر توظيف إستراتيجيات عدة، غير أن أخطر ما يوظفه في تلك العملية، هو تقديمه لمعلومات مغايرة للحقيقة، ومثيرة للعواطف، يركز عليها ويستمر في تقديمها مع التكرار فترات طويلة من الزمن، مما يساهم في تشكيل اتجاهات معينة لدى الجمهور.
فعندما تكرر وسائل الإعلام الصور الذهنية على نحو ثابت وجامد ومعمم، يصبح من الصعب زعزعة القالب الجامد فيها، مما يحولها الى صور نمطية، وهذه الأخيرة عندما تؤخذ عن أي مجتمع من المجتمعات أو دولة من الدول؛ يكون لها تأثير كبير في تشكيل رأي الجمهور الذي تستهدفه تلك الصورة، والتي يكون لها أشكال متعددة، وطرق مختلفة، بعضها يتم بتخطيط محكم وبعضها يتم بصورة تعميمية قائمة على تجربة واحدة أو تجارب قليلة ثم يتم تعميمها، والبعض الثالث تم توارثه وتناقله منذ القدم.
لقد ساهم تطور تكنولوجيا الإعلام والاتصال، في تطوير عملية تشكيل الصور الذهنية للدولة، بعدما أدركت أهمية الصورة الجيدة في تعزيز مكانتها الدولية، لذلك استثمرت الكثير من الدول أموالا طائلة في محاولة ترسيخ صورتها في أذهان الشعوب والمجتمعات الأخرى، سيما وأنها عملية تشكليها تعتمد على استمرارية تقديمها لفترات زمنية طويلة.
وفي إطار ما يعرف بدراسات السلوك الدولي (International Behavior) ظهر مفهوم الصورة النمطية القومية التي توصف بأنها “السمات الشائعة الثابتة التي تسري على شعب ما من جانب شعب آخر، والتي تأخذ شكل العقيدة العامة الجماعية والتي تصاغ على أساس غير عملي أو موضوعي، تأثراً بأفكار متعصبة تتسم بالتبسيط في تصورها للآخر”.
وقد زاد الاهتمام بإجراء بحوث الصورة القوميّة من جانب المهتمين بالعلاقات الدوليّة والمشتغلين فيها، خاصة في ظل شيوع المنظمات الدوليّة التي غدت حريصة بشكل مُلح على معرفة صورتها السائدة بالنسبة للجماهير ذات الصلة الوثيقة بها في المجتمعات الأخرى.
صناعة ضرورية وهيمنة غربية:
وقد ظهر مفهوم السمة الوطنية في تسعينيات القرن العشرين ويعني التطبيق العملي لبناء صورة ذهنية للأمة، وإيصال هذه الصورة لباقي دول وشعوب العالم، بهدف جعل هويتها الوطنية ملموسة وقوية، ومفيدة للآخر -عبر تكوين علاقة مصلحية- وقابلة للنقل عبر قنوات الاتصال، وذلك بهدف خلق مصداقية للدولة وعلامة مميزة لها، تتمكن من خلالها من تحقيق أفضل صورة وسمعة طيبة لدى الجمهور الخارجي؛ مما يزيد من الجذب والإعجاب بها، ويكسبها المزيد من القوة الناعمة.
بالمقارنة بين الإعلام الغربي والعربي، يمكن القول إن الغرب لدية قدرة إعلامية أكثر قوة وكفاءة في صناعة وإدارة الصورة الدولية، كما أنه مهيمنا على نقل وتداول الأخبار والمعلومات المحلية والدولية، لأكثر من 80% مما تتناوله وسائل الإعلام العالمية، مما يتيح له التأثير الأكبر في الرأي العام الدولي.
أما الإعلام العربي، فرغم امتلاك بعضه للتكنولوجيا الإعلامية المتطورة، لكن لا يزال بينه وبين الإعلام الغربي فجوة كبيرة، فهو -الإعلام العربي- لا يمتلك أدوات الهيمنة الثقافية والإعلامية، من وكالات أنباء ومراكز انتاج برامج تلفزيونية وأفلام سينمائية وأخبار صحفية عالمية، والتي انفرد بها الإعلام الغربي، مما مكنه من صياغة صورة عربية منحازة، يتم تداولها على أوسع نطاق.
ولعل ذلك، ساهم إلى حد كبير في سيادة اتجاه معادي للعرب لدى قطاع غير قليل من جماهير الإعلام الغربي، وأمام ضعف الإعلام العربي عن مواجهة التضليل والتشويه الذي تعرضت له الصورة العربية، بات من الضروري السعي العربي لتعديل تلك الصورة السلبية.
تحسين واجب وتغيير ممكن:
تشير كثير من الدراسات إلى أن أي تحسين في صورة دولة ما في وسائل الإعلام، يمكن أن يحسن من صورة الدولة لدى الرأي العام، ومن ثم تتغير السياسات السلبية التي يمكن أن تتخذها دول أخرى تجاهها، الأمر الذي يدفع الدول العربية إلى العمل على استخدام وسائل الإعلام – التقليدية منها والحديثة- لتغيير الصور السلبية المترسخة في أذهان الشعوب الأجنبية، سيما وأن طبيعة الصورة القومية للشعوب، أصبحت محددا لمكانة الدول على الساحة العالمية.
وعلي وما سبق، يمكن الإشارة إلى أن كثيراً ما توظف وسائل الإعلام الدولية إستراتيجيات خاصة؛ لتغيير الصورة السلبية والنظرة المغلوطة عن الدولة لدى الشعوب الأخرى، أو لتعزيز مكانتها وفق ما تراه لدورها على الساحتين الإقليمية والدولية، أو لممارسة ضغوط ونفوذ ما على الدول الأخرى.
وتعتمد في ذلك على صياغة رسائل إعلامية، ذات محتوى مرثر وفعال، ويراعي العوامل الشخصية والاجتماعية للجمهور المستهدف، ويمكن من الوصول إليه بسهولة ويسر، وكذلك كسب قناعاته، بزيادة مستوى المصداقية، وتقديم الدلائل والحقائق بموضوعية، لدحض الأفكار المناوئة التي تعمل على ترديد مقولات وأكليشهات ثابتة لا تتغير، والتي تعتمد في معظمها، على انطباعات ذاتية وليس على حقائق راسخة.
ولا يقتصر تعديل الصورة على وسائل الإعلام التقليدية، بل إن لوسائل الإعلام الجديد دور كبير في تشكيل صورة الخارجية، خاصة شبكات التواصل الاجتماعي، وما توفره من تطبيقات، تستخدمها الجهات الفاعلة، من الحكومات والنخب، والمنظمات غير الحكومية، والنشطاء السياسيين، ومقدمي البرامج، وحتى المواطنين العاديين، ورغم قوة ثأثير الإعلام الجديد إلا أنة لم يتم استغلالة بشكل فعال لرسم صورة ذهنية إيجابية عن الدول العربية.
استنادا إلى ما سبق، فإن أي تغيير جاد أو إصلاح منشود لصورة العرب الدولية، الناتجة عن سوء فهم كبير، خاصة لدى الشعوب الغربية، لن يتأتّى إلاّ بتوظيف إستراتيجيات متكاملة، قائمة على أسس علمية ومهنية، ومستندة إلى نتائج البحوث والدراسات العلمية، المعنية بصورة العرب لدى الشعوب والمجتمعات الأخرى، حتى يمكن وضع برامج مضادة للدعاية السلبية في وسائل الإعلام الأجنبية.
في النهاية يمكن القول، أنه يمكن تغيير نغير الصورة الدولية السلبية للدول العربية، إذا ما استطعنا أن نرتقي بلغة حوارنا البينية، والتي تشكل الخطابات الإعلامية العربية، جزءاً كبيراً منها، وينعكس بعضها بطبيعة الحال في وسائل الإعلام الأجنبية، فإذا كان بمقدورنا تغيير الصورة في وسائل إعلامنا العربية، بلا شك يمكن أن تتغير الصورة الدولية- حتى ولو جزئيا- فقط إذا امتلكنا إرادة حقيقية لتحقيق ذلك، لصنع ما هو أفضل لمستقبلنا، كعرب!