مسارات إجبارية: كيف تعاملت دول العالم مع قضايا التغيرات المناخية؟

تمثل التغيرات المناخية إحدى أهم القضايا البيئية المثيرة للقلق على المستويات الوطنية والعالمية، والتي حظيت في السنوات الأخيرة باهتمام دولي واسع، نظراً لما تنطوي عليه من مخاطر متعددة التأثيرات؛ تمتد إلى مختلف القطاعات الحيوية منها الزراعة والمياه والطاقة والصحة والنقل والمناطق الساحلية والموارد البحرية وغيرها من المجالات البيئية والاقتصادية والاجتماعية؛ لدرجة أنها أضحت من أكبر التحديات التي تواجه دول العالم،فما هي الخطوات التي تم اتخذها لمواجهة تلك التحديات؟ وهل من جديد يمكن أن يحمله مؤتمر المناخ في دورته السابعة والعشرين«Cop 27» بمصر؟، هذا ما يحاول المقال التالي الإجابة عنه.
استشعار الخطر وتطور الاهتمام:
عاماً بعد آخر تشهد الأرض ارتفاعاً في درجات الحرارة، نتيجةاحتراق الغازات المتولدة عنالنشاطات الصناعية، والتي تحدث اضطرابات مناخيةناتجة عن ما يتم إطلاقه من الغازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي للأرض؛ جراء أنشطة وممارسات الدول الصناعية الكبرى على مدى أكثر من قرن ونصف مضى،إذ أدى النشاط الصناعي لتلك الدول إلى زيادة الانبعاثات الملوثة والنفايات الخطرة، إضافة إلى عمليات إزالة الغابات، والرعي الجائر، والاستخدام المفرط للأسمدة الكيماوية، فضلاً عن عدم مراعاة التنوع البيئي؛ كل ذلك أدىإلى ارتفاع كميات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي إلى مستويات قياسية لم تشهدها منذ ثلاثة ملايين عام، وذلك بحسب تقرير منظمة الأمم المتحدة عن التغيرات المناخية.
وأمام تزايد الأخطار البيئية وتفاقمها؛دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة، منذ ستينيات القرن العشرين، وتحديداً في ديسمبر عام 1968، إلى عقد مؤتمر دولي حول البيئة الإنسانية، والذي عقد في مدينة ستوكهولم بالسويد في الفترة من 5 – 16يونيو عام 1972، لأجل تحقيق رؤية ومبادئ مشتركة لإرشاد شعوب العالم إلى حفظ البيئة البشرية وتنميتها.
وفي عام 1988، قامت منظمة الأرصاد الجوية العالمية، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة؛ بإنشاء”الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ”، والمعنية بتوفير تقييم لفهم جميع الجوانب المتعلقة بتغير المناخ، بما في ذلك الكيفية التي يمكن بها للأنشطة البشرية أن تحدث هذه التغييرات وتتأثر بها، وفي عام 1992؛ عقدت قمة الأرض في «ريو دي جانيرو» بالبرازيل، تحت مظلة الأمم المتحدة، وقد أثارت هذه القمة الاهتمام بتغير المناخ على الصعيد العالمي، وأقرت الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ للمرة الأولى، وصدر عنه ااتفاقية متعلقة بالتنوع الحيوي، واتفاقية مناخ الأرض، ومعاهدة الغابات والمساحات الخضراء، و«إعلان ريو»، الذي أرفق بخطة عمل باسم «جدول أعمال القرن الحادي والعشرين»؛ غير أن قمة «ريو دي جانيرو»؛ لم تحقق التوقعات المرجوة منها، وأخفقت في علاج كثير من القضايا البيئية ذات الأهمية.
وفي عام 1997؛ صدر «بروتوكول كيوتو»، بمدينة «كيوتو اليابانية»، وفيه التزمت الدول الصناعية بخفض انبعاث الغازات الضارة بالبيئة في الفترة ما بين عامي 2008 و2012 بمعدل لا يقل عن 5 بالمئة مقارنة بمستويات عام 1990، ولعل أهم ما تضمنه «بروتوكول كيوتو»، هو تحميل البلدان المتقدمة صناعياً، المسؤولية التاريخية عن التغيرات المناخية، باعتبار الثورة الصناعية الغربية، المسؤولة الأولى عن هذه الظاهرة، وفي عام 2009،عقد «مؤتمر كوبنهاجن» للتغيرات المناخية، في الفترة من 7 ديسمبر إلى 18 ديسمبر 2009، بالدنمارك، بهدف إبرام اتفاق عالمي جديد لحماية البيئة من مخاطر التغيرات المناخية وتخفيض انبعاث الغازات الدفيئة، وفي هذا المؤتمر وعدت الدول الغنية بتقديم مئة مليار دولار سنوياً، بدءً من عام 2020؛ لمساعدة الدول النامية على انتقالها إلى الطاقات النظيفة، وحتى يمكنها أن تتلاءم مع انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري؛ حيث تعتبر الدول النامية أولى ضحاياه، غير أن الدول المتقدمةلا تزال إلى الآن لم تفي بتعهداتها هذه.
وفي عام 2015، عقدفي باريسمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ«COP21»،في12 ديسمبر 2015، وتم في هذا المؤتمر إصدار اتفاقية باريس لمكافحة تغير المناخ، والتي نصت على التزام جميع الدول بمحاربة ظاهرة التغيرات المناخية، وتقليل مستوى الغازات الدفيئة إلى مستويات يمكن للأشجار والتربة والمحيطات امتصاصها بشكل طبيعي، كما ألزمت الدول بالحفاظ على الاحترار العالمي أقل من درجتين مئويتين،وكان من أهم إجراءات«اتفاق باريس»، هو وضع آلية مراجعة كل خمس سنوات للتعهدات الوطنية، والتي تبقى اختيارية، حتى عام 2025، حيث ستجري أول مراجعة إجبارية بداية من عام 2025، كما تعين إجراء تقييم دوري لتقدم الدول على الصعيدين الوطني والجماعي، وتحديث تعهداتها، على أن يتم بحث سبل التقليل من الانبعاثات بحلول عام 2030، وأن تتخذ إجراءات عاجلة للمساعدة في تحسين الحياة على كوكب الأرض.
وفي عام 2021، عقد بمدينة جلاسكو الاسكتلندية مؤتمر المناخ «COP26»، خلال الفترة من 31 أكتوبر إلى 12 نوفمبر 2021، برئاسة المملكة المتحدة، وبمشاركة نحو 200 دولة وعدد من منظمات المجتمع المدني ورجال الأعمال، وصدر عن المؤتمر«ميثاق جلاسكو» للمناخ؛ للحفاظ على مستوى 1.5 درجة مئوية للارتفاع في درجة حرارةالأرض، إذ أنه في حال تجاوز ارتفاع حرارة الأرض 1,5 درجة مئوية؛ سيؤدي ذلك إلى ذوبان الجليد وارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات؛ مما يؤدي إلى غرق المدن الساحلية والعديد من الجزر حول العالم، ولعل ذلك هو ما نشهده في الوقت الحالي.
قمة COP27 وتحديات منتظرة:
على الرغم من الجهود الدولية السابق الإشارة إليها؛ إلا أن الممارسات الدول الصناعية لا زالت دون مستوى المسؤولية، فرغم أن «ميثاق جلاسكو» الذي صدر عن مؤتمر المناخ«COP26»، والذي تبنّى تسريع وتيرة مكافحة الاحتباس الحراري، إلا أنه لم يشدّد على ضرورة إيفاء الدول الغنية بالتعهدات المالية؛ لمساعدة الدول الفقيرة على تجاوز التداعيات السلبية للتغيرات المناخية، ولا تزال سياسات الدول الصناعية في معالجة قضايا التغيرات المناخية تمضي بخطى بطيئة في هذا الاتجاه؛ الأمر الذي يلقي بالمزيد من العبء على القمة المناخية القادمة، والتي ستعقد في مصر من 6 إلى 18 نوفمبر 2022، بمدينة شرم الشيخ.
وبالرغم من أنقمة المناخ «COP27»، تعد فرصة جيدة لتعزيز دور مصر الريادي على المستوى الدولي، وتبرز جهودها في دعم القضايا البيئية تغير المناخ، وفي مواجهة التحديات المرتبطة بظاهرة التغير المناخي، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تواجه هذه القمة، يأتي من أهمها:
- أن مصر تستضيف قمة «COP27» ممثلاً عن القارة الأفريقية، فرغم أن الأخيرة؛ تاريخيًا، هي الأقل إسهامًا في إجمالي الانبعاثات الكربونية العالمية، إلا أنها من أكثر المناطق تضررًا وتأثرًا من تداعيات التغيرات المناخية، وينتظر من القمة أن تنجح في إلزام الدول الصناعية بدفع تعهداتها المالية للدول الأفريقية؛ حيث تقاعست الدول الغنيّة عن تقديم التمويل اللازم للدول الفقيرة المعرّضة لأخطار الجفاف وارتفاع منسوب مياه البحار والحرائق والعواصف.
- تعد هذه القمة العالمية بمثابة أمل جديد لإنقاذ الأرض؛ في ظل تزايد التأثيرات السلبية للتغيرات المناخيةالتي لا تفرق بين الدول، وتتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة وفاعلة من جميع الدول، دون استثناء، وبالتالي من المأمول من هذه القمة ألا تتوقف عند بحث مستوى تقدم المحادثات العالمية بشأن معالجة قضايا المناخ، بلمن الأهمية تعبئة العمل، ومحاولة إحراز تقدماً ملموساً، ونتائج إيجابية على أرض الواقع.
- محاولة التوصل إلى إطار واضحلما يعنيه الالتزام بالوصول إلى الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن الواحد العشرين، وبما يتماشى مع أهداف اتفاقية باريس للمناخ، والعمل على دمج أبعاد تغيرات المناخ في صلب السياسات الدولية على المستوى الوطني والدولي، وحشد التمويل لمعالجة التداعيات السلبية للتغيرات المناخية، ومساعي إيجاد حلول مناخية واقتصادية صديقة للبيئة بما يساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة على المستوى الدولي.
- محاولة حشد الإرادة السياسية الدولية نحو اتخاذ إجراءات وخطوات عملية ملموسة لدعم الدول النامية في تعاملها مع الآثار السلبية للتغيرات المناخية، وإن كان من الصعب بناء إجماعاً دولياً حول وضع بنود إلزامية تفرض على الدول الغنية دفع تعويضات سنوية للدول النامية.
استنادا إلى ما سبق، فإن دول العالم تستشعر بالفعل خطورة التغيرات المناخية، لكن الممارسات العملية للدول عامة والصناعية خاصة، لا تزال دون المستوى المطلوب، فهذه التغيراتتتطلب مواجهات حاسمة، وإلا فالجميع خاسرون في معركة المناخ، وهو ما تدركه مصر جيداً، لهذا تدعو دول العالم إلى مواجهة الواقع وتحقيق نتائج أفضل؛فقضية التغير المناخي أصبحت أولوية قصوى؛ تقتضي تحركاتسريعة، أمام هذه التداعيات المناخية المتتالية، “فلا وقت للانتظار”، والوقت ينفد للحيلولة دون تفاقم الأزمات الناتجة عن التغيرات المناخية، والتي تفرض على جميع الدول اتباع مسارات إجبارية للحد من مخاطر تغير المناخ.
بالنهاية، فإن مؤتمر المناخ «COP27» يكتسب الكثير من الأهمية، حيث يأتي في وقت تتعرض فيه العديد من دول العالم لتداعيات مناخية تدميرية؛ لذا وقبل انعقاد مؤتمر COP 27، تبعث مصر برسالة للعالم مفادها أن على جميع دول العالم- متقدمة ونامية- الاضطلاع بدورها والعمل الجاد على الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، والوصول إلى درجة 1.5 درجة مئوية،وهو ما يتطلب الكثير من العمل الذي يتعينالقيامبه لبلوغ ذلك.